الآم السيد معروف
وليد عبدالحسين جبر
2024 / 3 / 31 - 10:59
كنتُ فيما سبق اعتقد ان الروايات صناعة غربية لا مماثل لها الا في مصر، لذلك رحتُ اقرأ توفيق الحكيم و نجيب محفوظ و احسان عبدالقدوس ، و فرّطت كثيرا في قراءة اعمال الروائيين العراقيين ، حتى اهتديت ذات مرة وبطريق الصدفة الى رواية المسرات والاوجاع للقاضي والروائي العراقي فؤاد التكرلي فكانت ملحمة عالمية لا مجرد رواية وكم نقمتُ على السينما العراقية لإنها لم تقّدم هكذا اعمال عراقية رصينة للجمهور العراقي والعربي بل والعالمي وتنقل الفن العراقي من المقالب والمشاهد التي صارت لا تجذب الذائقة نتيجة تكرارها وسطحيتها ، الى ترجمة هذه الاعمال المهمة وتقديمها عبر الشاشة.
وهكذا فتح التكرلي الباب امامي لمتابعة باقي اعماله هو والكبير غائب طعمة فرمان ، وبذلك صارت الرواية العراقية احدى اهتماماتي في المطالعة وبالتالي لم تعد ذائقتي حينئذ مقتصرة على مطالعة الروايات العالمية والمصرية .
ففي معرض بغداد الدولي للكتاب الاخير الذي نظّمته مؤسسة المدى مشكورة وتحديدا في جناح المدى داخل المعرض عثرت على خمسة اعمال للروائي غائب طعمة فرمان فقلتُ لأقتنيها جميعا لأكمل سلسلة قراءاتي للرواية العراقية ، وفور وصولي المنزل كانت روايته الآم السيد معروف الاولى في جدول المطالعة التي جمعت معها ثلاث قصص قصيرة في نهايتها ، واذا بفرمان يقدم لنا واقع الموظف العراقي في القرن العشرين بأسلوب سردي واقعي لينقل لنا معاناته مع رتابة الوظيفة والاستغلال من قبل الرؤساء للمرؤوسين وما يعانيه الموظف آنذاك من شظف العيش وصعوبة الحال لا سيما حينما يكون معيل لأم مريضة واختين عانستين اضافة الى مرضه المزمن ، ورغم كل هذا الألم ، ينقل لنا عشقه لفتاة مارس معها الحب خفية وكانت امله رغم كل هذا السواد والحزن الذي يكتنفه من كل جانب .
وكيف كان الموظف معروف محل استغلال رئيس دائرته وبقية الموظفين لما يتمتع به من ثقافة وقدرة على الكتابة ، غير انه استغلال مع عدم اعطاءه حقه وموقعه الحقيقي ، ناهيك عن جرأته في ابداء رأيه وانتقاده للأوضاع وآرائه اللاذعة .
الام السيد معروف سيناريو تاريخي واقعي يصّور الوظيفة العامة في العراق التي لا زالت تعاني الكثير مما عاناه السيد معروف ، ومع وجود هذه الاعمال العراقية العالمية ، تطالعنا القنوات الفضائية العراقية خلال شهر رمضان بأعمال نمطيه سطحية لا تقدم للمشاهد سواء مشاهد من السذاجة و عروض اجساد ممثلات جيء بهن من مواقع التواصل الاجتماعي نتيجة كثرة مشاهدات الفيديوهات التي يصورنهنّ في بيوتهن بملابس تجذب شهية رواد مواقع التواصل فتزيد من عدد المشاهدات !
اقول لماذا لا يلتفت منتجي التلفزيون العراقي الى هذه الكتابات الواقعية العميقة وينتجوا منها اعمال سينمائية خالدة ، فعمل واحد او اثنين من الاعمال الرصينة خير للمشاهد العراقي من حامض حلو و خان الذهب و عالم الست وهيبة ووو التي لا تقّدم للمشاهد سوى مقاطع سطحية واعتذر عن هذا التقييم ولا يمكن ان تكون مرحلة متقدمة من مراحل السينما العراقية التي تراجعت كثيرا عن سبعينات وثمانينات القرن الماضي .