المغالطات في كتاب - أيام مع السادات- عمر التلمساني
رائد الحواري
2024 / 3 / 24 - 23:00
المغالطات في كتاب
" أيام مع السادات"
عمر التلمساني
الهدف من إنجاز أي كتاب يكمن في تقديم أفكار الكاتب للخاصة التي تعتهم بأفكاره، وللعامة التي ستتعرف على هذه الأفكار وتتطلع عليها، في هذا الكتاب يتم تناول رؤية "التلمساني" للرئيس المصري "أنور السادات" حيث يبن كيف كان متطرفا في تعامله مع المعارضة بصورة عامة ومع الإخوان المسلمين بصورة خاصة، فالكاتب يحاول أن يتجاهل/يستثني بقية الأطراف المعارضة الأخرى، جاعلا من الإخوان الأكثر خطورة على السادات ونظامه.
لكن هناك حقائق يتجاهلها الكتاب تتمثل في التعامل والتعاون السياسي بين الإخوان والسادات لضرب التنظيمات اليسارية والقومية العربية التي وقفت ضد نهج السادات وطريقة إداراته لمصر، وأيضا يتجاهل أن الصحف في عهد السادات لم تكن صحف قومية، بل صحف تعمل وترفع من مكانة السادات الشخصية ونهجه (المفتوح) على الأعداء، من هنا سنحاول التوقف عند بعض ما جاء في الكتاب لنؤكد للقارئ أن هناك تشويه للحقائق، معتمدين على ما جاء في كتاب "أيام مع السادات"
أثناء تفتيش منزل "عمر التلمساني" قبل اعتقاله يقول هذه الحقيقة: "وحتى ذلك الوقت كنت خال الذهن تماما عن سبب هذا التصرف، خاصة وأن وزير الداخلية، كان يستعين بي مرارا في تهدئة ثائرة طلبة الكليات، فكنت استجيب وكنت أوفق فيما طلب مني" ص5، هذه الحقيقة لم تقتصر على عمر التلمساني كمرشد للإخوان فحسب، بل طالت الجماعة كحركة وكتنظيم، وما كان السادات لينجح في قمع التيارات الوطنية المصرية والقومية العربية دون دعم الإخوان فكاريا وإعلاميا له.
هذا التشويه للقومين نجده بصورة واضحة في حديث "التلمساني" عن الصحف التي يصر على تسمياها بصحفة قومية: "وجاءت صحفه القومية الصادرة في يوم 4 سبتمبر 1981 تطالع الناس بما جرى في سواد الليل الداكن القاتم" ص6، هذه التسمية لم تقصر على هذا الموضع فقط، بل طال غالبية "الأيام" التي جاءت في فصول الكتاب: "هذه الاتهامات التي أتيح لهذه الصحف القومية أن تنشرها على الملأ، ... ولكنها الصحف القومية التي أصاب بعض كتابها الازدراء والاصفرار من روعة استقبال الشعب لحبيبه" ص129، "فالتلمساني" مصر على تمرير فكرة فساد القومية من خلال تسمية الصحف الرسمية المصرية التي كانت تعمل تحت إمرة أجهزة السادات الأمنية على أنها قومية، علما بأن التسمية المناسبة لتلك الصحف هي (صحف السادات) وحتى لا يليق أن نسميها صحف مصرية، لأن السادات أفرغها من وطنيتها المصرية، عدا قوميتها العربية.
تركيز الكاتب على حالة القمع للإخوان بصورة خاصة، وجعلهم رأس المعارضة للسادات فيه خطأ تاريخي، يمس كل الأحزاب المصرية الأخرى، فنجد هذا الأمر في أكثر من موضع في الكتاب: "أليست حربا ضد كل شيء يمت إلى الإسلام ولو بصلة الاسم فقط، وما القصد من هذا كله؟! ولحساب من اتخذت تلك الخطوات الرعناء!! ولماذا التحفظ على أموال الإخوان المسلمين والجمعيات الإسلامية بالذات دون التحفظ على أموال غيرهم من المتحفظ عليهم؟؟ إلا تعطيك هذه التفرقة إيماء بفهم معين؟!" ص14، هذا الأسئلة تبين أن الكاتب يعمل على إيصال فكرة للمتلقي تتمثل في إن الجماعة هي الأكثر استهدفا من غيرها، لهذا تم التحفظ على أموالها، لكن إذا ما توقفنا عند هذه الحادثة ورجعنا إلى الزمن، إلى الواقع، سنجد أن التنظيمات الأخرى مجتمعة لم تكن تملك خمس أو عشر ما تملكه الجماعة التي فتح لها نظام السادات أبواب العمل دون غيرها من التنظيمات، عندما كانت تقوم بدورها التخريبي في تشويه صورة التنظيمات الأخرى، فقد كانت هناك تفاهمات بين الجماعة وأجهزة أمن السادات على أن تعطى حرية في الحركة والعمل، من هنا كانت تمتلك ثروة مالية إذا ما قورنت مع بقية التنظيمات الأخرى، مما يجعل قول الكاتب كلمة أحق أراد بها مزيدا من المؤيدين للجماعة.
ترفع الجماعة على المعارضة المصرية، التنظيمات الوطنية والقومية لم تتوقف حتى عندما تم تعرضهما معا لقمع أجهزة السادات الأمنية، الكاتب يؤكد هذه الحقيقة بقوله: "أنني رفضت الانضمام إلى جبهة تكونها المعارضة، لا ترفعا ولا تعاليا، ولكن سبب الرفض إيماني بأن الإسلام أقوى جبهة تقف ضد الظالمين، وهي أجدر أن ينضم إليها المعارضة جميعا" ص21، وهذا ما يجعل الكتاب مادة دعائية إخوانية أكثر من حقائق سياسية، يؤكد الكاتب هذا الأمر في موضع أخرى عندما تحدث عن القمع الذي واجه الجماعة بقوله: "إننا نسير قدما، يهدينا كتاب ويتزعمنا رسول، ويرشدنا فحول، ويثبتنا وعد مأمول، ولو أن ما أصاب الإخوان المسلمين، أصاب أية دعوة أو رسالة، لما بقى لها من قرار" ص24، طبعا هذا الكلام فيه إجحاف بحق الآخرين الذي نكل بهم أكثر بكثير مما حدث للإخوان الذين أخذوا مجدهم في عهد السادات ومبارك، حتى أن "التمساني" نفسه قابل السادات: "في مقابلتي لسيادته، بناء على طلبه في ديسمبر 1979 باستراحته الفاخرة بالقناطر الخيرية، طلب مني أن أقابل السيدة آمال عثمان وزيرة الشؤون الاجتماعية" ص16، وهذه إشارة على التفاهمات والتحالفات بين الجماعة وبين السادات، فهم قبلوا أن يكونوا أداة لقمع الآخرين والتنكيل بهم وتشويه أفكارهم، بينهما مرشدهم يستطيع أن يقابل الرئيس نفسة.
أما فيما يخص المعرضة، فالكاتب يقتصرها على الإخوان وحدهم دون غيرهم من التنظيمات السياسية: "لقد عارضه الإخوان المسلمون في أسوء غلطة أساءت إلى تاريخه وهي معاهدة السلام، عارضوه في مبادرته إلى القدس، ووثيقتي كام ديفيد، ومعاهدة السلام، وعاضوه وحدهم دون غيرهم من الأحزاب والجمعات، من أول خطوة خطاها في هذا الطريق الضار الخطير" ص108، طبعا هذا الكلام فيه الكثير من المغالطات، فالقوى الوطنية والقومية كلها وقفت ضد كامب ديفيد، وهي أول من تعرض للاضطهاد من قبل أجهزة السادات الأمنية.
"التلمساني" يرى الإسلام ملكا خاصا به ولجماعته دون غيرهم من المسلمين، إن كان على صعيد الفكر الإسلامي (القرآن الكريم) كما هو الحال في هذا القول: "إننا لا نقر لأحد على أن يقول برأيه في القرآن، أيا كان موضعه في المجتمع، ولهذا طالما أنكر الإخوان المسلمون، ولا يزالون ينكرون على أي إنسان، أن يفسر القرآن ما لم تتوفر فيه الشروط الواجب توفها عند كل من يعرض للقرآن بتفسير" ص25و26، هذ كلمة حق أراد بها مرشد الجماعة باطل، وما أدل على هذا الباطل من تفسير رئيس رابطة العلماء المسلمين (القرضاوي) لآيات قرآنية حلل من خلالها استباحت العراق وسورية وليبيا وليمن من قبل الأمريكان والغرب المعادي والأنظمة الرجعية العربية.
وهنا نريد أن نتوقف عند رؤية مرشد الجماعية للعراق ولسورية ولليبيا قبل أن يبدأ الربيع العربي بأكثر من ثلاثين سنة وافية، يقول عند هذه الدول: "أليس القذافي وحافظ الأسد وصدام حسين ينشطون بدورهم في إيذاء الإخوان ومطاردتهم؟! فكيف يمولونهم، اللهم رفقا بالعقول!!" ص41، إذن ما جرى في هذه الدول تحديدا دون غيرها كان يُعمل ويخط له من عشرات السنوات، فنلاحظ أن المرشد يهاجم فقط الأنظمة التي كانت تشكل خطرا على المصالح الغربية، أو تعاديها، بينما الأنظمة الرجعية فهي لا تعادي الإخوان ولا تتعارض مع الإسلام!!
أما على صعيد رؤية "التلمساني" للحركات الإسلامية الأخرى، فهو يراها عدوة له ولجماعته ما دامت خارج (الفئة الناجية/ الإخوان): "أرادوا أن يضربوا الإخوان المسلمين، بأيد مسلمة، فقامت في مصر جماعات إسلامية لا حصر لها تحت أسماء مختلفة، وبرامج متباينة، لا هم لها كلها إلا محاربة الإخوان المسلمين، تتهمهم بما لا يتهم به أحد من غير المسلمين أو المتمسلمين" ص33، إذن القرآن الكريم، والفكر الإسلامي، والدين كله، ملكا للإخوان فقط، ولا يجوز أن هناك من يعمل تحت راية الإسلام ما لم يكن إخوانيا، ولا يمكن أن يقبل أي رأي ممن هو غير إخواني، هكذا نفهم قول المرشد التلمساني.
الكاتب يجمع بين أنظمة مصر السياسية، الملكية، فاروق، الجمهورية، جمال عبد الناصر، وعهد السادات، إن كان من خلال رؤيته للحكام الذين وجدهم غير قائمين على الإسلام الصحيح: "لقد مجدت الصحف فاروقا، ولكن الله فضح مخازيه، وجدت جمال عبد الناصر، ولكن اله كشف تفريطه في حقوق وطنه بوضعه تحت سلطان خروشوف، وطلعت الصحف بالسادات إلى عنان السماء، ولكن الله أطلع العالم على ما أساء به لمصر وإلى العالم الإسلامي كله" ص66، طبعا هذا الكلام مغلوط، ويحمل الكثير من الخلط، فيه السم والعسل، عهد "فاروق" غير عهد مصر العروبة والوحدة أيام "عبد الناصر" وعهد "السادات" المنفتح على الأعداء غير عهد "عبد الناصر" المعادي لكل ما هو غربي.
ويغالط أكثر عندما جمعهم من خلال تناوله فسادهم، وجعل مصر ملكا لأبنائهم: "لقد ظلم عبد الناصر وظلم السادات، ولم ينل اسمهم أي جزاء عقابي رادع، إن أبناءهم ما زالوا يتمتعون بوظائفهم التي أسندت إليهم في ظل حكم آبائهم، ولا يزالون يستمتعون بثروات، الله وحده يعلم هل كانت تصل إلى أيديهم، لو لم يكنوا أبناء عبد الناصر والسادات" ص82، الجمع بين هذه العهود فيه خلط مقصود لتشويه الحقيقة، "فعبد الناصر" مات وهو مديون للبنك، وأبناؤه يعيشون حياة عادية سوية كباقي الشعب المصري، لكن "التلمساني" يعمل بوتيرة التعبئة الفكرية ضد كل من هو غير إخواني، خاصة "جمال عبد الناصر" الذي ما زال يتعرض للهجوم والتشويه والتكفير.
نكتفي بهذه الشواهد من الكتاب لتبيان طريقة عرض الإخوان للأحداث وللشخصيات، وكيف أنهم يعملون بجهد وانتظام لقلب الحقائق، وجعل الأحداث تخدم مصالحهم.
الكتاب من منشورات دار الاعتصام، القاهرة، مصر.