المحكمة الاتحادية البرومثيوسية
وليد عبدالحسين جبر
2024 / 3 / 21 - 16:17
ترافعتُ أمام المحكمة الاتحادية في ثلاث دعاوى دستورية وكلُّ من ترافع أمامها سيتفقُ معي على حرص قضاتها على تطبيق صحيح القانون بشكلٍ كامل منذ تسجيل الدعوى مروراً بالمرافعات فيها وحتى صدور القرار.
ونحن المحامين نشهد يومياً سواء في غرف المحامين أم في أروقة المحاكم أن مَن يصدر القرارُ لصالحهِ يكبّرُ ويهللُ ويمجد بالقاضي الذي اصدره ومَن يخسر دعواه يضع عيوب الدنيا كلها في هذا القاضي ، والحال القاضي ليس محاميا وعن المدعي أو المدعى عليه وإنما يصدر قرارهُ وفقاً لقناعته بالأدلة المقدمة في الدعوى فكيف إذا كانت المحكمةُ محكمةً دستورية وعليا وكان المترافعون أمامها هيئات و أحزاب و سياسيين فيخسر أحدهم دعواه فيّوجه أدواته الإعلامية و يستغلُّ ما لديه من مالٍ وسلطة في تسقيط قضاة المحكمة الاتحادية العليا !
هذه هي المحكمة الاتحادية تتشكلُ من قضاة مضى على وجودهم في القضاء سنوات كثيرة ونعرف أغلبهم وطالما ترافعنا أمامهم في محاكم الاستئناف وقرأنا مؤلفاتهم وكتاباتهم ، لم يقتنعوا بدعوى إلغاء نتائج الانتخابات رغم أن الخصم يملك فصائلَ ومناصبَ حكومية ، لم يقتنعوا بدعوى حلِّ البرلمان و أصدروا قرارهم فيها بالرد رغم أن الخصم يملكُ قاعدةً جماهيرية و راحتْ تتجمهر وقتها أمام باب المحكمة ، رأوا في ترشح بعض الشخصيات السياسية أمراً مخالفاً للدستور فمنعوه ، ألغوا الكثير من قرارات حكومة إقليم كوردستان التي جاءت باتفاقات سياسية وحزبية لا وفقاً للقانون ، أنهوا عضوية رئيس مجلس النواب و إلى غير ذلك من الأحكام التي تصدرُ بكلِّ شفافية وتنشر في جريدة الوقائع و إصدارات المحكمة مسببةً و معللةً و مستندةً إلى الدستور والقانون.
أقول بدأ يتحد هؤلاء الخاسرون ضد هذه المحكمة البرومثيوسية التي اقتربت من صورة برومثيوس في الميثولوجيا الاغريقية حينما انحاز إلى البشر حاملا شعلة النار الإلهية من جبل الأوليمب لتكون قبساً لهم وهو ما أغضب منه زيوس إله السماء والصاعقة الذي يمثل قوة الطبيعة غضباً شديداً !
نعم حملت المحكمة الاتحادية العليا شعلة نار القضاء في بلدٍ متعدد القوى والأحزاب ووسائل الإعلام فأغضبت كثيراً من آلهة السياسة فلا غرابة أن تسمع نائب أُنهيتْ عضويته نتيجة تزويره شهادته الدراسية أو رئيس أُنهيت رئاسته نتيجة تزويره طلبات استقالة أو شخصية مُنعت من تولي رئاسة نتيجة اتهامات فساد وغيرهم كثير..
لا تستغرب حينما يتحدثُ هؤلاء عن هذه المحكمة بسوء فقد أوجعتهم قرارتها فهنيئا لنا بمحكمة تقفُ بالمرصاد للأخطاء مهما كانت قوة المُخطئ و وجاهته.
بقلم