التنوع في مجموعة -مطر الذاكرة- كاملة بدارنة
رائد الحواري
2024 / 3 / 21 - 16:13
التنوع في مجموعة
"مطر الذاكرة"
كاملة بدارنة
اللافت في هذه المجوعة التنوع في طريقة عرضها، فهناك قصص قدمت بصيغة أنا القاص/ة ومنها من جاءت بصيغة القص الخارجي، كما أن حجم القصص متفوت، فهناك قصص تجاوزت العشر صفحات كما هو الحال في قصة "سبعة أيام معه" ومنها من جاء بأقل من نصف صفحة "غضب الحصان، الدالية" لكن الجامع بين هذا التوع هو اللغة الأدبية التي أمتعت المتلقي وجعلته ينسجم مع المجموعة.
واللافت في القصص استحضار القاصة للحيوان في أكثر من قصة، حتى أنها قدمت قصص عنه في أكثر من قصة: "الثعلب والأسد، قال الراوي، يمامة الحقل، وداع" ففي قصة "وداع" جعلت الحصان أكثر وفاءً من الأبناء الذين أخذوا يحسبون التركة بينما قُدم سلوك الحصان بهذه الشكل: "وفيما موكب الجنازة يسير، وإذ بحصان يأتي من بعيد ويوقف المشيعين دهشة ليقي برأسه على نعش صاحبه حزنا ورافضا مفارقته" ص106، وإذا علمنا أن قصص "الثعلب والأسد، قال الراوي، يمامة الحقل" تحدث عن الحيوان فقط، علمنا حرص القاصة على أخذ القارئ إلى حكم كتاب "كليلة ودمنة" فدت وكأنه تستحث المتلقي ليتقدم من ذلك التراث العربي العريق.
ونلاحظ أن هناك لغة قصصية متميزة جاءت في القصص القصيرة، كما هو الحال في هذه الفقرات: "فحل معول العزم وقرر نكش أرض أحلامه ليزرع البذور في تراب الأمل كي تنبت وتكبر، مقسما لها أنه سيسقيها من ماء التفاؤل.. جلس على صخرة العزم متناسيا الشعور بالخيبة" ص112، سقى دالية الذكرى بماء الأمل، ولما استوت العناقيد استوى على كرسي الفرح" ص124، مثل هذه اللغة تجعل المتلقي يهيم في فضاء اللغة الأدبية، ويحلق منسجما مع ما يقدم له.
وإذا علمنا أن هناك مضامين أخلاقية وفكرية تدعو للمثابرة والعمل، وعدم اليأس: كما هو الحال في قصة "الدالية" سقى دالية الذكرى بماء الأمل كي تورق من جديد، ويقطف عناقيدها في ليلة يغازل فيها القمر خد المجد...
ولما استوت العناقيد استوى على كرسي الفرح، ونظر صوب الشرق بسكرة الشوق فهاله أن شهابا قد سقط من الغرب محرقا الدالية والعنب!
لم تطل حملقة الدهشة، وراح يردد بحماس:
يجب غرس دالية جديدة!
يجب.." ص124، نلاحظ أن فكرة تجدد لعزيمة جاءت مقرونة بالرمز "شهابا قد سقط من الغرب محرقا الدالية والعنب" وهذا ما يضيف جمالية أخرى على القصة، فهناك لغة متميزة، وطريقة تقديم غير مباشرة، وفكرة نبيلة، تتمثل مقاومة الغرب وإعادة غرس دالية، وشكل حديث ومعاصر في تقديم القصة والفكرة، كل هذا يشير إلى أننا أمام مجموعة متميزة، ممتعة، تستحق أن تقرأ وتستحق التوقف عندها.
وحتى عندما أرادت القاصة الحديث عن مأساة الفلسطيني تناولته بطريقة ذكية وغير مباشرة، وبعيدا عن الصوت العالي، ففي قصة العنوان "مطر الذاكرة" قدمت المسألة الفلسطينية من خلال رمزية الميرمية: "فمغلي الميرامية مشروبه المفضل شتاءً، حيث ذكره بأبيه وبرائحة ديوان العائلة عندما كان يصب لضيوفه منقوع النبتة المزروعة في حوض جانب ساحة الدار.
لقد حرص على زراعتها في الوعاء البلاستيكي ليظل عبق تلك الأيام يزكم ذاكرته، بعدما هجّر وألقت به أيادي المؤامرات في بيت من الصفيح قضى فيه عدة أعوام" ص82، بداية نشير إلى أن الميرمية لها قصة دينية فلسطينية مرتبطة بمولد السيد المسيح، حيث شربت ستا مريم الميرمية بعد الولادة أن ولدت السيد المسيح، لتتخلص من آلام الولادة، فهي نبتة فيها الشفاء، وتحمل الصفة الدينية، ونبتة فلسطينية بامتياز.
لقد استطاعت القاصة أن تؤكد فلسطينيتة بطل القصة وإنه يعيش في غير بيته، ونلاحظ تركيزها على وصف طبيعة وجنس الوعاء الذي زرعة في النبتة "وعاء بلاستيكي" مما يوحي للمتلقي بوجود شيء غير منسجم، فقد كانت النبتة في الأصل تزرع في حوض يعد جزءً أساسيا من الأرض، بينما في الحالة الجديدة وضع في شيء (معزول) عن الأرض، وهذا يقودنا إلى حجم المعناة التي ما زال يعيشها الفلسطيني بعيدا عن بيته، عن وطنه، وعن مكانه الذي وجد وتربى ونشأة فيه، ومع هذا ما زال مصرا ومحافظا على ذاكرته وعلى ما يربطه بالماضي، بالأرض.
المجموعة من إصدارات دار سهيل عيساوي للطباعة والنشر، كفر مندا، الطبعة الأولى 2022.
ملاحظة المجموعة من إهداءات نادي حيفا الثقافي.