الرمزية والبناء القصصي عند الكاتبة فوز حمزة
داود السلمان
2024 / 3 / 9 - 22:14
تُعدَّ الرمزية بمثابة الجلباب الذي يرتديه المبدع (الروائي، القاص، الشاعر) وإلّا لا يستطيع المبدع هذا، بدونه أن يتحرك بفضاء واسع، كفضاء الرمزية على وجه التحديد، فمن خلالها سيبوح بكل مكنونات نفسه، حتى يوصل الفكرة التي اختمرت ونضجت، وكلما اختمرت الفكرة وصارت اكثر نضوجًا، احتاجت إلى تعبير دقيق، وبوح يضج بمعانٍ مركزة، تتجلى من خلال ذلك البوح الذي يتعالى بالفكرة، ويسمو بقوة بيان الكاتب – المبدع. ولا اعتقد ثمة من يريد أن يبدع، ويسير بعالم فضفاض من الخيال، بدون الرمزية، فهي تعطيه مساحة كبيرة جدًا، وبالتالي سيجعل القارئ يسرح مع فلسفة النص، ويحاول أن يفك رموزه؛ وهذا هو من أولويات نجاح العمل الإبداعي.
وأرى إنّ القاصة فوز حمزة، في قصتها هذه التي أسمتها "الليلة قبل ألف ليلة وليلة" فقد اشتغلت على رمزية عالية، يخال لك عند الوهلة الأولى، وأنت تقرأها، إن الكاتبة تحكي قصة مباشرة، واقعية من صميم عالمنا هذا الذي نعيشه الآن، برغم تناقضاته ومتاهاته، ومطباته التي لا تقف عند حدٍّ؛ لكنّك ستنصدم في نهاية القصة. فضلا عن السردية والبناء القصصي.
بطل القصة الذي أسمه آدم، رأى حلم أقضى مضجعه، وسبب له حالة من القلق، حيث رأى كأنّ حواء – زوجته - قد خانته، في حين أنه لم يكن يفقه ما معنى الخيانة، فراح يعيش صراع داخلي مع نفسه وذاته؛ فتولد لديه قلق لم يسطع أن يفسرّ أسبابه؛ هل هو صراع مع الذات؟، أو حالة نفسية انتابته، وهو أيضًا لم يعرف جوهر القلق، لأنّ ساعتها لم يُكتشف "القلق" بعدُ. والكاتبة، على ما يبدو، دخلت في نفسية "آدم" بطل القصة، وطفقت تكتشف ما يعانيه هذا المخلوق المتمرّد. حتى أنه: "توسد غيمة حبلى، لينهمر المطر، فغامت الرؤية ومعها اشتد حزنه وجزعه!!" (+القصة).
فمن محاولات القاصة في كشف أسباب قلق آدم النفسي أنّه: "أمست الجنة دونها – أي دون حواء- سجنًا عرضه المجرات كلها..." (+القصة)
فاستنتجت القاصة كمحاولة لابد منها:
(1) "كان آدم مخلوقًا ساكنًا قبل أن تحركه حواء بغيابها، لم تشغل باله كما اللحظة!"
(2) "عَرَفَ – آدم - بها أن الألم يحفر عميقًا ليخرج ما خُبء فيها، فالروح تئن من قسوة الفراق ولوعته".
(3) " تذكر الحلْم قائلا: إنه حلم الوجع!".
وقمة ما يتوصّل إليه القاص، هو أن يصل الى حالات القلق ويكتشف اسبابه، حينما يجد شخوص أبطاله، يعانون من وساوس وخيالات، وأوهام تربك سير حياتهم، لتحيلها الى ركام، أو حتى حالات انفصام الشخصية التي مجنون لا يعي بما يفعل. وكان الروائي الروسي الكبير دوستويفسكي أول من فعل ذلك، حتى عدّوه من أوائل مكتشفي التحليل النفسي، بحسب اعترافات المحلل النفسي فرويد، وحتى قال الفيلسوف الالماني نيتشة مقولته الشهيرة أنّه "تعلم علم النفس من دوستويفسكي".
واما الخاتمة التي وُفقت بها القاصة فوز حمزة، فكانت: "بجانب سور عتيق، في مكان جميل يدعى الأرض، التقى آدم بحواء وإبليس كان ثالثهما!". فهذه هي الضربة.
نص القصة:
لليلة قبل ألف ليلة وليلة
أستيقظ آدم مرعوبًا بعد قيلولة قصيرة، رأى فيها صورًا غريبة في منامه.. نادى على زوجته ليقص عليها ما رأى، ولتعد لهما شاي العصر، فليست هناك طريقة يغير بها مزاجه غير الشاي مع فطائر البرقوق التي يفضلها.
مرت دقائق، لم يؤتَ له بالشاي، ولم يشم رائحة الفطائر بالقرفة. أين حواء؟! سأل نفسه متجهًا صوب السلّم ليهبط منه إلى المطبخ ومن ثم إلى الباحة. ربما كانت تطعم الطيور أو قرب بحيرة السمك، لكن ظنونه لم تكن في محلها، فحواء ليست موجودة في أي مكان ولا قرب شلالات النور البيضاء كما تعودت أن تستحم.
في تلك اللحظات العصيبة، شعر وللمرة الأولى بالوحدة لتتلبسه حالة ضياع. يا للقسوة!! هل حقًا هذه الأشياء كانت بداخلي ؟! تساءل بتعجب.
توسد غيمة حبلى، لينهمر المطر، فغامت الرؤية ومعها اشتد حزنه وجزعه!!
ستكون ليلتي طويلة!! تمتم يحدث نفسه ...
نظر آدم إلى كل شبر كانت حواء قد وضعت يدها عليه أو سارت فوقه. أمست الجنة دونها سجنًا عرضه المجرات كلها، وبعينين متعبتين، نظر إلى النجوم وتراءى له وجه امرأته مبتسمًا.
كان آدم مخلوقًا ساكنًا قبل أن تحركه حواء بغيابها، لم تشغل باله كما اللحظة!
تمتم بأبياتٍ من الشِعر عَرَفَ بها أن الألم يحفر عميقًا ليخرج ما خُبء فيها، فالروح تئن من قسوة الفراق ولوعته..
انتصف الليل وحواء لم يظهر خيالها..
تذكر الحلْم قائلا: إنه حلم الوجع!
في تلك اللحظة، بدأ آدم ينادي على زوجته، لكن شجيرة الماشة العجوز التي تحيط بكل شيء عِلما، أخبرته أن امرأته قد هربت مع عدوه .
لم يعرف آدم قبل تلك اللحظة معنى الهرب ..
ففتح عينيه على اتساعهما من شدة الدهشة حينما فهمَ معنى الكلمة..
لم تعد الجنة مكانًا يصلح للعيش..
قال آدم هذه الكلمات ليخرج باحثًا عن زوجته.
بجانب سور عتيق، في مكان جميل يدعى الأرض، التقى آدم بحواء وإبليس كان ثالثهما!