الاوهام حول قرار المحكمة الاتحادية بصرف الرواتب، والانجرار وراء دعايات قوى السلطة في الإقليم، لا يخدم مصالح الجماهير المعترضة
مؤيد احمد
2024 / 3 / 7 - 18:34
الاوهام حول قرار المحكمة الاتحادية بصرف الرواتب، والانجرار وراء دعايات قوى السلطة في الإقليم، لا يخدم مصالح الجماهير المعترضة
حوار مع مؤيد احمد
اجرى الحوار جمال كوشش
الروت: شكراً لك العزيز مؤيد على إستجابتك لهذا الحوار. لقد أضرب المعلمون في اقليم كوردستان لأكثر من خمسة أشهر من أجل مطالب أساسية للغاية، والتي لاقت ترحيباً واسع النطاق. كما وان عدم صرف الرواتب يمثل مشكلة حقيقية منذ فترة طويلة وتحتاج إلى حل، كيف تنظرون إلى هذه المشكلة؟
مؤيد أحمد: شكراً جزيلاً لك عزيزي جمال كوشش على إتاحة هذه الفرصة. للإجابة، اسمحوا لي أن أقول هذا أولاً؛ عندما بدأت الحكومة والحزبان الحاكمان في إقليم كوردستان، الحزب الديمقراطي الكردستاني(البارتي) والاتحاد الوطني الكردستاني(اليكيتي)، بقطع رواتب الموظفين والعمال والمعلمين والمتقاعدين وذوي الاحتياجات الخاصة والضمان الاجتماعي، عام 2014، فإن ذلك قد أظهر حقيقة مفادها أن كلا الحزبين وسلطاتهما لا تهتم بقطع قوت المواطنين فحسب، بل إنها ايضا فعلت ذلك كسياسة رسمية لها، وما زالت تفعل ذلك ومصرة عليه. لقد قمعوا بشدة مظاهرات المعارضين لهذه السياسة، بالاضافة الى ارتكاب جرائم قتل بحق المنتفضين.
وبعيداً عن تبريرات الحزبين الحاكمين، وخاصة البارتي الذي يتولى السلطة بشكل رئيسي، بصدد عدم ارسال اموال الرواتب من بغداد، فإن السؤال البسيط الذي يطرح نفسه هو: إذا كانت المشكلة هي فقط الحكومة المركزية التي لا ترسل الأموال، فلماذا تقمعون المتظاهرين في الاقليم؟
ومع ذلك، فإن عدم دفع الرواتب، والادخار الاجباري للرواتب، إلى جانب ارتفاع تكاليف المعيشة والتضخم، أدت إلى انخفاض مستوى المعيشة لمعظم المواطنين في اقليم كوردستان وافقارهم المتزايد والواسع. هذه هي خلفية اضراب المعلمين عن التعليم او مقاطعة التعليم، والحركة الاحتجاجية في المنطقة الخاضعة لسيطرة اليكيتي، والتي استمرت لأكثر من خمسة أشهر.
ورغم أن هذه الحركة بقت فقط في المنطقة التي يسيطر عليها اليكيتي، ولم تتمكن من الوصول إلى المنطقة الخاضعة لسيطرة البارتي بسبب الحكم القمعي للاخير، إلا أنها كانت حركة واسعة ومتجذرة في معظم مدن محافظة السليمانية التي تخضع لحكم اليكيتي بحيث خرجت من دائرة حسابات هذا الحزب وحسابات قوى المعارضة، والتي ارادت كل واحدة منها استغلالها لاغراض سياسة خاصة بها، ولذا بدأ اليكيتي بالضغط ، وخاصة في الفترة الاخيرة، على المعلمين لانهاء المقاطعة.
لقد كانت هذه المقاطعة والمظاهرات مهمة صعبة وثمناً باهظاً دفعه المعلمون وطلبة المدارس الحكومية في الاقليم من أجل تحقيق أهداف ومطالب المعلمين، والتي تمثلت بخمس مطالب: دفع الرواتب في مواعيدها، اعادة المرتبات غير المدفوعة المتراكمة، رفع الدرجات الوظيفية المتوقفة، توظيف المحاضرين العاملين بالمجان، مساواة الرواتب التقاعدية في الاقليم مع الحكومة الاتحادية.
الروت: أصدرت المحكمة الاتحادية قرارا لصالح المعلمين والموظفين في الاقليم، ما يجعل الحكومة العراقية مسؤولة عن توفير رواتبهم بما في ذلك التأمين الاجتماعي ورواتب المتقاعدين، كيف تقيمون هذا القرار؟
مؤيد أحمد: أغلب المعلمين والموظفين والعمال سعداء بهذا القرار، وأصبح لهم أمل في حل مشكلة الرواتب وانا أشاركهم فرحتهم هذه إذا كان هذا القرار خطوة لحل مشاكلهم. ومن المؤسف أننا نتحدث عن حل مشكلة لم يكن ينبغي أن تحدث اصلا.
هذا القرار هو قرار محكمة النظام الإسلامي والقومي الحاكم في العراق، والذي تتمثل قوته الرئيسية والمهيمنة في أحزاب وقوى الاسلام السياسي الشيعي الموحدين في ائتلاف “الإطار التنسيقي”. كما أنها سياسة تكتيكية لهذا التحالف اذ لها أهداف سياسية محددة في تقليص السلطة السياسية والإدارية لحكومة إقليم كردستان وبالاخص البارتي.
وما يجب أن أؤكده في هذا الصدد هو: لا نشر الثقة والاوهام في هذه المحكمة والنظام القومي والإسلامي في بغداد يخدم مصالح المحتجين في الاقليم ويضمن الحل النهائي والمستقر لمشكلة الرواتب، ولا الانجرار وراء دعايات القوى والاحزاب القومية الكردية وبالاخص البارتي وأتباعه من المثقفين والإعلاميين القوميين الذين يربطون مسألة الرواتب بمصير الكيان السياسي لإقليم كوردستان.
وفي حال تم تنفيذ هذا القرار، خلافاً لتشويهات القوى الحاكمة، فإنه لن يغير كثيرا من الكيان السياسي للإقليم، اذ تستمر سطوة اليكيتي والبارتي على الجماهير في اقليم كوردستان، بالرغم من ان الحزبين، وبالاخص البارتي، لن يكونا بمنأى عن تلقي ضربة اقتصادية وسياسية من وراء هذا القرار والذي سيقلل، الى حد ما، من وقع ثقل قبضة حكمهما على الجماهير في الاقليم.
ولذلك فإن العبء الثقيل لهذا الوضع وكابوس النظام سيىقى قائما، ومن الخطأ أن تتغافل الجماهير الساخطة في الاقليم عن هذا الواقع. وبدلاً من الوقوع تحت تأثير دعايات التيار القومي عموما والبارتي واليكيتي خصوصا، من الضروري الاستفادة من هذا الوضع والصراعات بين النظامين في بغداد وأربيل. وبناء على ذلك، يمكن للعمال والعاملين في مختلف المهن التعليمية والخدمية والادارية والمنشاءات الحكومة أن يحاولوا تغيير ميزان القوى الطبقية لصالحهم ضد السلطات، وتعزيز نضالهم الموحد، وتوسيع وتقوية تنظيماتهم وشبكاتهم النضالية، وان يحاولوا تأسيس نقابات واتحادات المعلمين والعمال والموظفين وفرضها على السلطات.
الروت: هل تنفيذ هذا القرار مضمون؟ أو بالأحرى ما الذي يضمن ذلك؟
مؤيد أحمد: لا يوجد ضمان لتنفيذ ذلك، اذ ليس هنالك ضمان من أحزاب وقوى النظام في المركز والاقليم بالتزامهم بتنفيذ هذا القرار، على الرغم من أن القرار لم يتضمن الاستجابة لمطالب حركة المعلمين الاحتجاجية الاخرى.
إن الجماهير المفقرة في الاقليم عالقة بين قوتين معاديتين لها: نظام بغداد وسلطات الإقليم. وإن السبيل الوحيد للخروج من قبضتهما هو الاعتماد على نضالهم الموحد وأفقهم الطبقي السياسي والاقتصادي الواضح والمستقل، والاصرار في النضال لفرض مطالبهم وحقوقهم على القوتين.
ورغم أن السلطات في الإقليم كانت دائما غير مبالية بمشاكل الرواتب والظروف المعيشية الصعبة لجماهير العمال والموظفين والمعلمين، ولم تتردد في قمع احتجاجاتهم، وكذلك إستفادة النظام في المركز من كل هذه الأوضاع التي تواجهها الجماهير في الاقليم، إلا أن ذلك لن يجدي نفعا لهم إلى الأبد. ومن خلال دخول هذه الجماهير الميدان والإصرارعلى مطالبهم ومواصلة نضالهم، سيضغطون على النظامين في الإقليم والمركز، وفي نقطة ما سيصبح الأمر مشكلة لكلا النظامين وسيكون عليهما الاستجابة للمطالب.
ويواجه نظاما أربيل وبغداد أزمة سياسية واقتصادية شاملة، تحولت إلى أزمة اجتماعية واسعة وعميقة، وليس أمامهما أي خطة اقتصادية وبدائل سوى مواصلة توسيع وتكثيف السياسة الاقتصادية الرأسمالية النيوليبرالية والمزيد من الاعتماد على السوق. وهذا يعني الاستثمار الملازم للفساد، والمزيد من الخصخصة، والتخلي عن الخدمات العامة، مثل الصحة والتعليم والإسكان الاجتماعي، والمزيد من افساح المجال لنهب ثروات المجتمع. فضلا عن ذلك، أن هذه السياسة ليست لا تحل مشكلة البطالة والفقر التي تعاني منها غالبية السكان فحسب، بل إن عدد المعطلين عن العمل يتزايد كل عام، ويصبح عدد أكبر من السكان أكثر فقرا، وتصبح ظروفهم المعيشية أكثر صعوبة.
الروت: أغلب التفسيرات والتحليلات والانتقادات تدور حول سياسات حكومتي العراق وإقليم كردستان في عدم صرف الرواتب وتأخيرها، أو لنقل تدور تفسيراتهم حول العلاقة بين الحكومتين بدون الخوض في البعد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لعدم صرف الرواتب بشكل اكثر جذرية، لماذا هذا الرأي منتشر وخاصة في اقليم كردستان؟
مؤيد أحمد: إحدى الاشكاليات الأساسية للنقاش والتفسير والبحث والنقد على مستوى المجتمع في اقليم كوردستان حول المسارات والأحداث الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والصراعات بين نظام المركز والقوى الحاكمة في الاقليم، هي أنها تجري وتطبق وفق منهج ونظرية ومنطق الحركة البرجوازية القومية الكردية. اذ يؤدي ذلك بطبيعة الحال الى الدوران في دائرة خارجية منفصلة عما يجري من مسارات داخل المجتمع ومشاكله الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية والثقافية والصرع الطبقي الجاري فيه، وينزلق الى تعامل سطحي مع المجتمع والسياسة والمعضلات السياسية التي تواجهه. ومن الواضح أن هذا التعامل هو على العكس من النظرية والمنطق والمنهج الاجتماعي والطبقي الماركسي في البحث والتفسير والتحليل والنقد.
ومن الواضح أن هذه الثقافة النقدية القومية، التي تنحصر وتدور في الظاهر السياسي للصراع بين نظامي الإقليم والمركز، والصراع بين هذا او ذاك من الأحزاب في كوردستان والمشاكل العرضية والثانوية، هي بحد ذاتها منهج ونظرية ومنطق طبقي لا يشكل انقسام المجتمع الى الطبقات ووجود الصراع الطبقي نقطة انطلاقها، كما إنها لا تسعى إلى التعبير عن الخصائص الطبقية للسياسة والتكتيك والثقافة والصراعات كما هي. وكل ذلك لازالة الطابع الطبقي للسياسة والتعامل مع الكيان السياسي القومي ونظامه السياسي الحالي وادامته كتجسيد لشيء في ذاته وتجريد منفصل عن أي خصائص سياسية وجيوسياسية وطبقية واقعية.
ولا مجال هنا للخوض في تفاصيل هذه النظرة للسياسة والمجتمع والإجابة التفصيلية على سؤال لماذا خيم هذا النوع من النقد على شكل الفكر السياسي والنقد السياسي السائد في إقليم كوردستان؟، لكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى أن السبب الرئيسي لهذا التظليل هو سيادة الفكر والأفق السياسي القومي بشكل عام، ودور الإعلام الضخم للأحزاب الحاكمة والأحزاب القومية والإسلامية والنيوليبرالية. ومن الواضح قبل كل هذا انه مرتبط بسيادة الأساس الاقتصادي والمادي للرأسمالية النيوليبرالية وفسادها والمصالح الطبقية المتناحرة داخل المجتمع.
وكانت هيمنة هذا النوع من الفكر القومي وطريقة التعامل مع السياسة، مرتبطة بالقمع القومي المستمر للجماهير في كوردستان، ولكن منذ 33 عاماً ظلت الحركة القومية وأحزابها وقواها في السلطة في إقليم كردستان حيث اصبحت حكوماتها المتعاقبة مجربة من قبل الجماهير، كما ان الاضطهاد القومي والنضال ضده لم تعد تشكل المسارات السياسية والديناميكية السياسية الرئيسية في مجتمع كوردستان منذ فترة طويلة. وبتعبير أدق، فإن الحركة القومية لم تستولي على السلطة فحسب، بل طورت تناقضاتها كحركة وسلطة ونظام في عملية حكم طويلة استمرت ثلاثة عقود من الزمن، وقد انعكست هذه التناقضات على مسرح التاريخ، اذ خلقت استقطابا بين سلطة الحركة القومية ونفس جماهير مجتمع كوردستان التي كانت تدعي هذه الحركة بانها منقذها من الاضطهاد القومي، والتي تدعي ايضا بان شرعية حكمها مبنية على القومية والنضال ضد الظلم القومي.
وصلت العلاقة بين النظام القومي وحكم الحزبين القمعيين الميليشين وبين مجمتع كوردستان إلى علاقة تتسم وبشكل سافر بنهب ثروات المجتمع، وإفقار معظم الجماهير، وقمعها. وتستمر هذه العلاقة كمسار اقتصادي وسياسي رسمي للنظام القومي الحاكم لإدارة الاقتصاد الرأسمالي النيوليبرالي وتوسيع وترسيخ هذا النمط الاقتصادي، وليس كانحراف النظام وسوء الادارة وعصابيتهم، رغم أنها تشمل كل ذلك. في مثل عملية كهذه، يأخذ عدم صرف الرواتب معنى واقعيا ويصبح ممارسة عادية للسلطات ويصبح قمع المتظاهرين مهمة سياسية عليها.
ولذلك عندما تتحدث السلطة وأحزابها وقواها وكذلك أحزاب المعارضة القومية والإسلامية والنيوليبرالية في الاقليم عن مسألة الرواتب ومشاكلها، فإنها لا تريد أبداً العمل لصالح المعلمين والعمال والموظفين. إنهم ينظرون إلى مسألة الرواتب وقرار المحكمة الاتحادية إما من زاوية مصلحتهم الخاصة لحماية الكيان السياسي للاقليم (كما يفعل البارتي)، أو لمصلحة الكيان السياسي والإداري لمحافظة السليمانية (التي يتبعها في الغالب اليكيتي)، او للصفقات البرلمانية والانتخابات( كما تفعل ذلك قوى المعارضة).
ولذلك فإن كل هذه الأحزاب والجماعات إما تتحدث عن حسنة هذا القرار القضائي، وطبعا بطرق مختلفة، أو تُعارضه، ولا حديث عن حياة المعلمين والعمال والموظفين والمتقاعدين والجموع المفقرة ومعيشتهم ومستقبلهم وسياساتهم المستقلة كفئات طبقة اجتماعية واسعة، كما أن ذلك لا يهمهم، بأن هذه الفئات تظاهرت وقاطعت التعليم وأصبحت صوتًا طبقيًا مختلفًا في المسارات السياسية والثقافية للمجتمع والتي ستشكل المحور الرئيسي للتقدم الاجتماعي إذا تمكنت من كسب وتجسيد سياستها وأفقها الطبقي المستقل.
عندما يصر المعلمون والموظفون والعمال على تنفيذ مطالبهم، وينزلون إلى الشوارع ويقاطعون التعليم، وينزلون إلى ساحة التحرير في بغداد للتظاهر، وعندما يوحدون صفوفهم، ويتصدون بوجه أي صفقات تُعقد على حساب معيشتهم، ولا تمنعهم الدعايات السامة للسلطة واحزابها. وهم عندما يقومون بهذا النضال انما يمارسون سياستهم المستقلة كفئات طبقة اجتماعية. ان علاقة أحزاب المعارضة بالنضال الجماهيري خلال الأشهر الماضية هي علاقة إجهاض الحركة واستخدامها لنشر وهم بالبرلمان والمساومة البرلمانية وامرار الاجندة المضادة للعمال والٍشغيلة لحساب الاسلام السياسي والنيو ليبرالية .
الروت: كلما أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارا ضد حكومة إقليم كردستان، تبدأ السلطة القومية بنشر خطاب ثوري مضلل، وتظهر المحكمة العليا وهي بيديها مقصا سياسيا، بالمقابل ان الجماهير العمال والموظفين والمعلمين وغيرها من فئات الشغيلة والمفقرين ليست لديها مصالح متضاربة، ولكنها لم تظهر كقوة طبقية موحدة، ألم يحن الوقت لهذه الجماهير التعبير عن نفسها كقوة أممية؟
مؤيد أحمد: لقد حان الوقت لهذا النضال الأممي منذ زمن طويل. إن الحركة العمالية في العراق وإقليم كردستان آخذة في الصعود اليوم، رغم أنها تواجه العديد من العقبات والتحديات، إلا أن المزيد من التقدم سيكون له تأثير مباشر على تغيير المسارات المختلفة داخل المجتمع على صعيد العراق وكذلك الاقليم. إن توحيد وتقدم تظاهرات وإضرابات المعلمين والعمال والموظفين على اساس مصالحهم الطبقية المستقلة، يشكل أساساً لتطور النضال المشترك للعمال والكادحين في العراق ودول المنطقة.
ان التيارات القومية والإسلامية والنيو ليبرالية وغيرها من الحركات البرجوازية تحاول دائما منع تبلور وتجسم هذا الصراع الطبقي المستقل، الذي يحمل منذ البداية وبشكل جنيني سمة الأممية والاشتراكية. وهي تحاول التعتيم على الهوية الإنسانية للعمال ومصالحهم الطبقية والاممية المشتركة، وزرع الانقسام بينهم على اساس العرق والطائفة والدين والجنس ولون البشرة وما إلى ذلك.
وإذا نظرنا إلى واقع الاحتجاجات الاجتماعية والعمالية في العراق في هذه الفترة ، نرى أنه بينما تتواصل احتجاجات المعلمين والموظفين والمتقاعدين في الاقليم، فإن حركة العمال والموظفين لتعديل سلم الرواتب آخذة في الصعود في وسط وجنوب العراق وباقي المحافظات. كما ويستمر نضال النقابات العمالية ونشطاء الحركة العمالية في القطاع الصناعي ضد السياسات الاقتصادية النيوليبرالية للدولة وخصخصة الشركات في هذا القطاع وتسريح العمال ومعاقبة نشطائهم.
اللافت للنظر بهذا الخصوص هو أن حركة العمال والمعلمين والموظفين في الاقليم، وحركة تعديل سلم الرواتب في بقية مناطق العراق، في اطوار مختلفة من حيث مطالبهم وتطورهم الفعلي، ولكنها مترابطة وتكمل الواحدة الآخرى. كما وان مقاومة عمال قطاع الصناعة بوجه الهجمات والسياسة الاقتصادية للدولة، تشكل خندقا كبيرا ومهما لنضال العمال ضد الحرب الطبقية البرجوازية وحرب الدولة الموجهة ضد الطبقة العاملة في عموم العراق.
إن البرجوازية المعارضة الإسلامية والقومية والنيوليبرالية، ومساومتها مع قوى النظام في بغداد، وتحالف الحزبين الحاكمين في الاقليم مع النظام في بغداد كذلك، هي في حد ذاتها تعاون طبقي للحفاظ على النظام الرأسمالي برمته في العراق وكوردستان. وفي حالة تبلور النضال الموحد للحركة العمالية في عموم العراق، فإن هذه القوى البرجوازية لا تقدم فقط على تقويض هذا النضال وإشغال الجماهير المفقرة من كلا الجانبين بمشاكلها الخاصة، بل تزرع بذور الانقسام فيما بينهم، وتقدم مثلما اقدمت قوى معارضة من نمط الجيل الجديد على تشيكل ائتلاف برلماني مع نواب الثورة المضادة من اوساط انتفاضة اكتوبر 2019 في العراق.
إن الحركة العمالية الآخذة في الصعود اليوم تحتاج إلى تبني رؤية وآفاق وأجندة تقوم على حماية مصالح النضال الطبقي في عموم العراق. وشرط هذا التقدم للحركة هو ليس فقط رسم الحدود بينها وبين الحركات والأحزاب القومية والإسلامية والطائفية الحاكمة في العراق وكوردستان، بل أيضا التصدي للدور المشوش الذي تلعبه القوى والأحزاب المعارضة فيما يخص نضال العمال المستقل. علاوة على ذلك، فإن هذا التقدم يتطلب من الحركة العمالية أن تضع خطا فاصلا بينها وبين ذلك القسم من اليسار البعيد عن اممية الحركة العمالية ووحدتها النضالية في العراق والمنطقة، والذي لا يريد أن تتحقق هذه الوحدة.
إن الحركة الماركسية والبروليتاريا الاشتراكية هي وحدها التي تستطيع أن تستجيب لهذه القضية المهمة للنضال الطبقي والحركة العمالية اليوم، وترفع راية استقلال الطبقة العاملة في جميع أنحاء العراق، وتكافح باستمرار من أجل بناء حركة عمالية وشيوعية قوية على صعيد المنطقة.
الروت: بمناسبة اقتراب 8 آذار/مارس، فإن الحضور الاجتماعي للمرأة في الاحتجاجات أعطى طابعا آخر للحراك، هل تشاطرنا هذا الرأي؟
مؤيد أحمد: نعم، السمة الاجتماعية لحضور المرأة في الاحتجاجات المطلبية ظاهرة مهمة ومثيرة للاهتمام. ويعد الدور الفاعل للمرأة في هذه الحركة جزءا عضويا ومتكاملا من نضال المعلمين والموظفين والعمال، وظاهرة طبيعية لمثل هذه الحركة. كما يظهر دور المرأة الموظفة والعاملة في حركة تعديل سلم الرواتب على مستوى العراق.
وإذا قارنا دور المرأة في الانتفاضات التي حدثت خلال السنوات القليلة الماضية مع دورها في هذه الحركات العمالية، نرى أن الطابع الاجتماعي لحضورالمرأة العاملة ظاهرة بارزة مقارنة بالانتفاضات مثل انتفاضة اكتوبر 2019 وانتفاضات الشباب في الاقليم والتي كانت تتميز بالدور المهيمن للشباب فيها.
إن مدى تاثير حركة الموظفين والمعليمن الحالية على بروز حركة تحررية نسوية قوية يعتمد من جهة، على مدى تقدم الحركة نفسها، لأن أي تقدم يحصل في تحقيق الاستقلال الطبقي للمعلمين والعمال والموظفين، يهيئ الأرضية المادية ايضا لتطور حركة تحرررية نسوية، ويعتمد بدرجة اساسية من جهة اخرى، على دور ونضال المعلمات والموظفات والعاملات التحرريات والاشتراكيات، اللواتي يرفعن عاليا راية وآفاق تحرر ومساواة المرأة داخل هذه الحركة وعلى مستوى المجتمع.
إن المشاركة البارزة للمعلمات والموظفات والعاملات في الحركات الاحتجاجية لهذه الفترة في الاقليم، بالرغم من عدم رفع مطالب خاصة بقضايا المرأة، ستؤثر بطبيعة الحال على قضية المرأة والحركة النسوية، لأن الوعي الراديكالي الراسخ للمرأة واصرارها في الدفاع عن حقوقها ومطالبها المهنية، قد خلق أساسًا ماديًا مناسبا للعب دور مؤثر داخل الحركة النسوية وعلى مستوى المجتمع ايضا.
الروت: منشورات ولافتات وبيان منظمة البديل الشيوعي لـ 8 آذار تعكس منهجا سياسيا تجاه ظاهرة جديدة في الحركة النسوية، وهي دخول عدد كبير من الشابات إلى صفوف الطبقة العاملة في العراق وهن يعملن في المصانع والمحلات التجارية والمؤسسات الخدمية. هل هذا يعني اندماج الحركتين؛ الحركة النسوية والحركة العمالية؟
مؤيد أحمد: الحركة العمالية وحركة تحرر المرأة ترتبطان بعلاقة قوية مبنية على اساس طبقي. وتاريخياً لعبت حركة النساء العاملات الماركسيات دوراً مؤثراً في الحركة الاشتراكية للعمال كي تكون الأخيرة اكثر شمولا وتكاملا فيما يخص قضية تحرر المرأة، وتتعامل مع هذه القضية بشكل اكثر جدية ضمن اولويات أجندتها وبرنامجها ونضالها اليومي. إن النضال من أجل تحرر المرأة من أية قيود يرتبط في المقام الأول ارتباطا وثيقا بالنضال من اجل التحرر من قيود النظام الطبقي الرأسمالي، الذي هو أساس كل تمييز وعدم مساواة.
إن استعباد المرأة في العراق في ظل النظام الإسلامي والقومي الحالي وتعزيز دور المؤسسات الدينية والعشائرية المناهضة لها، وتقوية القيم والتقاليد البطريركية والذكورية، جعلت من قضايا المرأة قضية سياسية واجتماعية وثقافية في غاية الاهمية. ولذلك فمن الخطأ الحديث عن تنامي حركة تحررية اشتراكية قوية بدون تطوير حركة تحرر المرأة وتعزيز العلاقة العضوية التي تربطها بهذه الحركة الاشتراكية. إن تحرر المرأة والنضال من أجله هو في اولويات ومركز جدول أعمال وممارسة التيار الماركسي والبروليتاريا الاشتراكية.
واليوم، وأمام هذا الوضع المأساوي الذي تعيشه المرأة في المجتمع، وفي خضم التغيير الذي نتج عن تعزيز المكانة الاجتماعية للشابات ودورهن في الإنتاج الاجتماعي، أصبحت الأرضية لظهور حركة تحررية نسوية مقتدرة وتطورها أمرا اكثر ملائمة.
لقد شكلت النساء العاملات، والشابات العاملات والمعطلات عن العمل، وخريجات الجامعات والمعاهد، والطالبات، منذ فترة طويلة، القوة الاجتماعية التي يمكن أن تشكل العمود الفقري للحركة التحررية النسوية في العراق، حيث تتمتع هذه الحركة الان بارضية اجتماعية قوية.
أما فيما يتعلق بالحركات الاحتجاجية الاجتماعية والحركة العمالية، فإن دور المرأة واضح فيها، وهي ظاهرة مهمة للمجتمع وديناميكية الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية.
والمسألة المهمة هي استخدام المنهج والنظرة المادية للعالم ونظرية ماركس الثورية بصدد هذه الظواهر، التي ظهرت بشكل متزامن في سياق النضال الطبقي والاجتماعي داخل المجتمع، بحيث يتم التركيز على تبني النظرية والسياسة الصحيحة تجاهها وفي ارتباطها الشامل. كما وينبغي ان يشمل ذلك العمل بشكل ممنهج على تسلح الحركة بآفاق واجندة عمل تحقق تقدمها وتطورها.
إن حركة التحرر الشيوعية للطبقة العاملة في العالم المعاصر، وحركة تحرر المرأة العاملة والمفقرة في نضال مشترك وتشكلان حركة واحدة. المهم أن تقدم هذه الحركة على أن تكون القوة الدافعة وراء انبثاق وتطور حركة تحررية نسوية ومساواتية واسعة ومقتدرة على مستوى المجتمع ككل. بدون وجود حركة اجتماعية ثورية وتحررية قوية للمرأة في المجتمع، لا يمكن للتيار الشيوعي أن يحقق نفسه كتيار لتحرر المجتمع بأكمله، وستصبح مهام تحقيق التغيير الثوري الشيوعي للمجتمع أكثر صعوبة وإشكالية بدون هذه الحركة النسوية التحررية على صعيد المجتمع.
3 آذار 2024