الحدث والشاعر في قصيدة -يقظة في ليل غزة- زيد الطهراوي
رائد الحواري
2024 / 2 / 17 - 00:23
الحدث والشاعر في قصيدة
"يقظة في ليل غزة"
زيد الطهراوي
" ألا استيقظي ؛ موجة أنت تنتشرين
فيرتعد الظلم تحت ظلال السبات
يريدون أن يقلقوا سريان المياه بعينيك أو همسات الحنين
و هيهات هيهات
أنت البطولة في جسد حولوه إلى شرفات أنين"
اللافت في هذه القصيدة ليست فكرتها "طوفان الأقصى" فحسب بالطريقة واللغة التي قدمت بها، فالشاعر يبدأها مشيرا إلى الحدث من خلال موجة ومن خلال فعل تن/تشرين الذي سيأخذه إلى "7 تشرين" وهذا الأمر يثير المتلقي الذي سيذهب إلى الحدث الساخن مباشرة الذي يكمن في العنوان وفي فاتحة القصيدة، وهذا (الاندفاع) من الشاعر بالتأكيد سيجذب المتلقي للقصيدة، ويجعله يتوقف عن عنوانها "يقظة في ليل غزة" وفاتحتها "ألا استيقظي، موجة أنت تنتشرين".
يعدها ينتقل الشاعر إلى توابع وارتدادات الطوفان/الموجة على العدو من خلال "فيرتعد الظلم تحت ظلال السبات" نلاحظ وجود فاء الوصل التي تعطي معنى التتابع والسرعة في آنا واحد، وهذا له علاقة بأهمية وفاعلية وقوة وتأثر الطوفان/الموجة.
بعدها يأخذنا إلى ما يريده العدو من غزة وأهلها "يقلقوا" فمعنى "القلق/يقلقوا" واضح لكن المثير في هذا الأمر لفظ "يقلقوا" والشكل الذي يقدم به، فهناك القاف المكررة والتي تحدث (دوي) في أذن المستمع، وأيضا إذا ما حاول (تمزيقها) إلى حروف سيجد فيها معنى القلة "يقل" وهذا يشير إلى دقة استخدام الشاعر للكلمات، فهناك اندفاع وانحياز وتماهي غير عادي تجاه ما يجري في غزة مما جعل عقله الباطن يستحضر هذه الألفاظ لتكون حاملة لفكرته النبيلة والوطنية تجاه غزة.
"فيرتعد الظلم تحت ظلال السبات
يريدون أن يقلقوا سريان المياه بعينيك أو همسات الحنين
و هيهات هيهات
أنت البطولة في جسد حولوه إلى شرفات أنين"
وإذا ما توقفنا عند المقطع الأول سنجدها متعلق بالإنسان، لهذا نجد "السبات، يقيقوا، بعينيك، الحنين، جسده، أنين" فكل هذا الألفاظ متعلق بالناس، بمن هو إنساني.
"ألا استيقظي ؛ جمرة أنت تندلعين
ككل الحرائق و الأمنيات العنيفة و السنبلات
يريدون أن يطمسوا أثراً للعذاب السخين
و هيهات هيهات
إن الجموع التي قُتلت سوف تصرخ رغم الحصار المكين"
في المقطع الثاني يتحدث عن الدمار المادي، المباني والزرع وأثرها على الناس، ويشير إلى ما يريده العدو من هذا الدمار والحرق والموت، ليخرج بفكرة جديدة: صراخ القتلى والموتى، اللافت في هذه الفكرة أنها تأخذنا إلى ما أعتنقه أجدادنا عن "عشتار والبعل" اللذين ينبعثان بعد الموت من جديد، وإلى فكرة الإسلام عن الشهداء "أحياء عند ربهم يرزقون" وهذا ما أكده في المقطع الثالث الذي جاء فيه:
"ألا استيقظي ؛ بلبل أنت أو ياسمين
تموتين ألفاً و تحيين ألفا و ترتسمين
نهاراً فريداً يناضل كل الزوابع و الحشرات
يريدون تهجير أطفالك الوادعين
و هيهات هيهات
إن الصمود هو النصر للماكثين"
إذن فكرة الانبعاث بعد الموت حاضرة، وما وجود لفظان أبيضان "ياسمين، ترتسمين" إلا تأكيد للرؤية الشاعر البيضاء تجاه الأحداث، فقد اجتمع البياض/الرسم في بياض زهرة الياسمين وترسخ وثبت وظهر في "ترتسمين" وما تشابه أكثر من حرف في تكوين "الياسمين، ترتسمين" السين والميم والياء والنون، إلا ناتج عن العقل الباطن للشاعر الذي يرى انبعاث الحياة وقدوم النصر.
"ألا استيقظي ثم قولي : أنا غزة الشهداء و ساقية الزنبقات
أنا صخرة حرة في طريق الظلام السجين
أنا وتد و شموع الرفاق و حلم السنين
أنا و طن البوح و الحزن حين يفوح مع الذكريات
أنا شَفَةُ الطهر أصدع بالحب رغم الأنين."
خاتمة القصيدة مثيرة كفاتحتها، فقد حل/تماهى الشاعر في غزة وتحدث باسمها/بصوتها من خلال تكرار "أنا" أربع مرات، وهذه له علاقة بمقاطع القصيدة الأربعة، فبدا وكأنه (خرج) عن التورية والحيادية التي استخدمها في المقاطع الثلاث، والتي لم يظهر نفسه فيها، ليكون حاضرا، وما استخدامه صيغة المفرد "صخرة، وتد، وطن، شفة" إلا تأكيد لحضوره في غزة وحضور غزة فيه.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر