ليبرمان عكاز لحكومة عرجاء


اساف اديب
الحوار المتمدن - العدد: 1744 - 2006 / 11 / 24 - 10:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

من خلال ضم ليبرمان للحكومة سعى اولمرت لتحقيق الاستقرار لائتلافه. هذه الخطوة كسرت محور كديما- العمل وفرضت محور اولمرت- ليبرمان الاكثر يمينيةً. الجمود السياسي هو الذي افسح المجال لبروز هذا القيادي اليميني المتطرف ليعلن عن نفسه منقذا للنظام.
اساف اديب

خطورة انضمام افيغدور ليبرمان، رئيس حزب "اسرائيل بيتنا"، الى حكومة ايهود اولمرت، لا تعود فقط الى قوة ليبرمان ومواقفه العنصرية المتطرفة، بل الى ضعف الجهاز السياسي الاسرائيلي الغارق في الفساد والخاضع تماما لاملاءات واشنطن. إدخال ليبرمان للحكومة كسر المحور الرئيسي للحكومة الذي جمع حزبي كديما والعمل، وشكل تحالفا محوريا جديدا يضم اولمرت وليبرمان.

دخول هذه الشخصية اليمينية المتطرفة للحكومة الاسرائيلية، هو برهان على المأزق السياسي الذي دخلته العملية السياسية في الشرق الاوسط، نتيجة تورط امريكا في العراق وفشل سياسة واحلام الرئيس الامريكي، جورج بوش، تجاه الشرق الاوسط.



ليبرمان يمين جديد

تصريحات عضو الكنيست ليبرمان المعادية للعرب اظهرته كأحد اقطاب اليمين العنصري في اسرائيل. ليبرمان الروسي الاصل، الذي كان مدير مكتب نتانياهو عام 1996، انشق عن الليكود عام 1999 وشكل حزبا جديدا اعتمادا على المهاجرين الروس. في عام 2001، بعد دخوله الكنيست، انضم الى تحالف "الاتحاد الوطني" مع حزب المستوطنين. يذكر ان ليبرمان يعيش في مستوطنة "تقوع" شرقي بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة.

في محاولة لابراز نفسه وبناء مكانته طرح قبل عدة سنوات فكرة اعادة رسم الحدود في منطقة المثلث، على نحو يضع ام الفحم والقرى العربية المجاورة لها في القسم الشرقي من الخط الاخضر، حتى يتسنى التخلص منها ونقلها للسلطة الفلسطينية. جاء هذا الفكر انسجاما مع مواقف المهاجرين الروس المعادية للعرب، كما تشرّبوها من المجتمع الاسرائيلي.

ولكن عشية انتخابات عام 2006، وعلى ضوء الميل العام في اسرائيل نحو سياسة شارون البراغماتية وتراجع مكانة المستوطنين في الرأي العام، قرر ليبرمان تغيير لونه وملاءمة نفسه، فضمّ الى حزبه عناصر جديدة لا علاقة لها بالمستوطنين او بالهجرة الروسية. انضمامه اليوم الى اولمرت يكمل هذا النهج اليميني الجديد الذي يتمسك بالعداء للعرب، مع استعداد للتنازل في مبدأ ارض اسرائيل الكبرى.

في محاولة لاختراع جدول عمل جديد لحزبه، جاء ليبرمان بفكرة تغيير نظام الحكم الى نظام رئاسي. وحاول بذلك الاستفادة من الشعور العام في اسرائيل بان عدم الاستقرار السياسي الذي لا يسمح في السنوات الاخيرة لاية حكومة باتمام ولاية كاملة، نابع من نظام حكم غير سليم، وان الحل السحري هو استبداله بنظام حكم رئاسي يضمن وجود قيادة قوية ومستقرة.

في نفس الوقت طرح الحزب الجديد موضوع الزواج العلماني كحل لموضوع الازواج المختلطة روسية الاصل. وقد ابعده هذا الموقف عن المستوطنين المتدينين، وجذب اليه عناصر ليبرالية كانت في الماضي تصوّت لحزبي ميرتس او شينوي.



ضعف اولمرت

المبادرة لادخال ليبرمان للحكومة جاءت من رئيس الوزراء اولمرت، بهدف تعزيز مكانة ائتلافه الحكومي الهش بسبب عدم الانسجام داخل حزب العمل، الشريك الاساسي. وقد زاد ضعف الحكومة على خلفية اتهامها بسوء ادارة حرب لبنان. وصار تثبيت الائتلاف ضرورة قصوى بسبب قرب موعد التصويت على الميزانية.

تراجع مكانة حزب كديما واولمرت شخصيا في استطلاعات الرأي كان مقلقا بالنسبة لرئيس الحكومة. فقد اشار احد الاستطلاعات التي اجريت بعد الحرب، ان نسبة 7% فقط من الجمهور الاسرائيلي تثق باولمرت. في حين بلغت نسبة الواثقين بنتانياهو 27%، وليبرمان 15%.

حزب كديما الذي تشكّل قبل عام برئاسة اريئل شارون، واعتمد على خطة الانفصال عن غزة وخطة الانطواء في الضفة الغربية، بقي بعد حرب لبنان دون اجندة سياسية. اشتعال الجبهة مع غزة وفي جنوب لبنان بعد الانسحاب من كلا الموقعين، اقنع الجمهور الاسرائيلي بفشل نهج الانسحابات الاحادية الجانب دون اتفاق.

حزب العمل ليس في حال افضل. زعيم الحزب، عمير بيرتس، يواجه معارضة قوية من قيادات حزبه الذين يمهدون الطريق للاطاحة به في الانتخابات الداخلية المتوقعة في ايار (مايو) عام 2007. استطلاعات الرأي تقيّم شعبية بيرتس بنسبة 1% فقط، وهو يعتبر اليوم قياديا فاشلا.

تشكيل التحالف الجديد بين اولمرت وليبرمان سدد ضربة قوية لحزب العمل، اذ انه تم دون اعلامه او التنسيق المسبق معه. الجلوس مع ليبرمان في الحكومة كان بالنسبة لبعض العناصر الليبرالية في حزب العمل خطا احمر، مما ادى لخلاف داخلي انتهى باقرار البقاء في الحكومة واستقالة اوفير بينس منها.



ليبرمان يهمّش الليكود

استغل ليبرمان بحنكة وضع الائتلاف الحكومي وضعف اولمرت و"قفز" الى الحكومة دون شروط، تاركا احزاب اليمين الاخرى، وخاصة بنيامين نتانياهو، في حالة من الارباك. بدل الالتحاق باصطفاف يميني برئاسة نتانياهو، قرر ليبرمان ان يُبرز حزبه كحزب يميني اكثر واقعية، لكسب شرعية المؤسسة الحاكمة السياسية والعسكرية التي تميل الى المركز والبراغماتية.

الاستنتاج الذي توصل اليه ليبرمان بعد تطبيق خطة الانفصال من غزة كان واضحا: من يريد الزعامة في اسرائيل عليه الابتعاد عن المستوطنين وعقيدة دولة اسرائيل الكبرى. رغم ان ليبرمان يسكن في مستوطنة، الا انه يتصرف بشكل سياسي بارد بهدف بناء قطب يميني جديد لا يقدّس الارض ولكنه من جهة اخرى يسعى للفصل العنصري بين العرب واليهود.

ليبرمان يسعى ايضا للابتعاد عن صورة "حزب الروس" المختص بقطاع واحد من المجتمع، بهدف بناء مكانته المركزية في الساحة السياسية. في الاماكن المتقدمة في حزبه نجد نائب رئيس المخابرات السابق يسرائيل حاسون، ونائب مدير عام الشرطة السابق، يتسحاق اهرونوفيتش، وعضو الكنيست استرينا ترتمان، وهم جميعا ليسوا من اصل روسي ويتمتعون بمكانة مرموقة في الجهاز الامني والسياسي الاسرائيلي.

كما يسعى ليبرمان لتجنيد رجل الاعمال الروسي اركادي غايدماك. غايدماك اشترى في العامين الاخيرين فريق كرة القدم واسع الشعبية "بيتار القدس"، ويستغله لبناء مكانته السياسية. التصور الذي يتحدث عنه الكثيرون في اروقة الكنيست هو تشكيل ائتلاف سياسي يميني مركزي يضم كديما وحزب ليبرمان وحزب جديد للمهاجرين الروس يعمل على تشكيله غايدماك. ومن الممكن ان يحصل تحالف من هذا النوع على عدد كبير من المقاعد قد يصل الى 40 مقعدا.



في انتظار امريكا

حرب لبنان الثانية كانت النقطة المفصلية في حياة حكومة اولمرت، التي تشكلت في الربيع الماضي على اساس خطة الانطواء. بُطلان خيار الانسحاب الاحادي الجانب أبقى الحكومة دون جدول عمل. ولكن اولمرت رفض ايضا البديل وهو التفاوض مع سورية. وزير الامن الداخلي، آفي ديختر، من اهم القادة في كديما، ادلى بتصريح مباشرة بعد الحرب (اذاعة "غالي تسهال 21/8)، قال فيه انه لا بد من التفاوض مع سورية. واكد ان ثمن المفاوضات والسلام مع سورية معروف، وهو العودة لخط الرابع من حزيران عام 1967. ولكن اولمرت رفض هذا التوجه، واكد ان اسرائيل لن تفاوض سورية، التزاما منه بالموقف الامريكي الذي اراد مواصلة الضغط على سورية لفرض املاءات تتعلق بلبنان والعراق.

تعنت الرئيس الامريكي، جورج بوش، في سياسته تجاه العراق، واغلاقه كل الابواب امام تقدم سياسي في المسار السوري، قادا الى جمود مطلق في المسارين اللبناني والفلسطيني. رفض امريكا واسرائيل الدخول في مفاوضات مع سورية، جعل النظام السوري يرد بالاصرار على افشال صفقة الاسرى بين اسرائيل والفلسطينيين، ومنع الانفراج السياسي في لبنان. ومن المحتمل ان يشهد الجمود الناتج عن هذه السياسة نوعا من التحرك، بعد فوز الديمقراطيين في الانتخابات الامريكية.

ولكن اولمرت لم يكن من الممكن ان ينتظر التغييرات التي ستطرأ في امريكا، بسبب مشاكل ائتلافه الهش الناجم عن ضعف حزبه ومكانته كقيادي يفتقد الحد الادنى من الشعبية والمصداقية. من هنا جاءت المحاولة لبناء كتلة مركز-يمين اعترافا بفشل مشروع شارون الذي اسس حزب كاديما قبل عام، وكان المفروض حسب كل التوقعات ان يحصد وحده اغلبية 40 مقعدا في الكنيست، الامر الذي لم يتحقق.

خلافا للادعاء الاسرائيلي بان اسرائيل اصبحت جزءا من المجتمع الدولي، ورغم انخراطها المطلق في الاقتصاد العالمي، يتأكد اليوم ان قيادتها تبقى رهينة الانقسام السياسي الداخلي الذي يمنع في السنوات الاخيرة من الحكومات الاسرائيلية اتمام ولايتها، ويبعد الدولة عن الاستقرار السياسي، مما يشكل عائقا كبيرا امام اي تقدم نحو الانفراج والسلام