|
غلق | | مركز دراسات وابحاث الماركسية واليسار | |
|
خيارات وادوات |
|
معاصرة النخبة نحو منزلة العوام
الى ما قبل ثلاثة وثلاثين عاما ماضيا من الأجيال العقدية من النخبة العربية المثقفة – كنا من المرحلة الإعدادية من التعليم العام ندخل في ماراثون ثقافي غزير المعارف نخوضه دون توقف ، ويزداد تعقدا وتكثفا عند المرحلة الجامعية ، ما أن تقترب الفترة النهائية منها . . يكون المرء قد وقف على منهج معرفي يستند عليه لبناء قناعاته الفكرية العلمية والجمالية للقياس الاستقرائي الادراكي وبناء الاحكام المنطقية ذاتيا ( خارج التلقنية ) ، بل والقدرة على التنبؤ وقراءة المخفي وراء الظواهر او الاحداث أو حتى ما وراء الاقوال – كنا نلهث وراء الكتب النوعية المصدرية واخر المطبوعات العربية او المترجمة الى العربية ، ونلتهم الصحف اليومية والاسبوعية والمجلات الأسبوعية والشعرية والفصلية . . بحثا عن طروحات جديدة نتتلمذ عليها ذاتيا ونحاكي طرقها تطبيقيا في مخرجاتنا الفكرية – المجردة النظرية او التطبيقية نظريا – حتى يذهب ندرة منا نحو تأسيس نظرية فكرية بمنهج خاص به ، ما يجعله دخول مرحلة من النضج الفكري والمعرفي للخروج من دوائر التأثر ل . . خلق فكره وتحليله ورؤيته الخاصة به دون التكرير او المحاكاة لغيره و . . أيضا ممن اتكأ معرفيا ومنهجيا عليهم في مسار تطوره المعرفي والعلمي الاكاديمي – فإلى نهايات الثمانينات من القرن العشرين . . مثلت ( الثقافة الشفاهية ) المشاهدة البصرية والسمعية تعد ( ثقافة عامية ) تعلم فئتي انصاف المتعلمين وشبه الاميين والاميين ، والى جانبهما الصحافة الخبرية والترفيهية منها ركنا ثالثا من اركان تلك الثقافة العامية – وبمعنى قصدي أخر أن ( الثقافة العامية او الشعبية ) تطبع عقل أصحابها بالخواء الفكري والسطحية المعرفية والرأيية التصورية ذاتيا ، حيث تمثل قشور المعرفة الحسية والمعلوماتية الخبرية من مصادرها الثلاث السابقة مؤسسة الرؤية والموقف والقناعة الفهمية ( النظرية ) عند أصحابها ، ومنهم من تشارك خبراتهم البراغماتية الممارسية تلك المؤسسية الفهمية والحكمية – على أي شيء او امر او حدث او قول . . الخ – ولكن هذه ( البنية الاعتقادية -التصورية ) الحاكمة للقناعة والموقف والرأي عند هؤلاء الاعتياديين من أناس المجتمع . . تطبع عقليتهم ب ( طابع الانقياد ) التأثري المباشر وغير المباشر – في الأمور المستندة طروحاتها على التحليل والتفسير والاستبطان والاستدلال والتعليل ( العالي فكريا ) – كون مصادر هذا النموذج الغالب من العقل المجتمعي توسمه بالاعتيادية والسطحية ، فلا يكون قادرا على تخليق – الرؤية او التفسير او الحكم . . الخ – بذاتية مستقلة حرة ، ولذا يعوضها بما يلقن به او يتأثر به انقياديا بعفوية كاملة او بانتهازية قصدية لإخفاء ( الخواء الفكري ) لديه بطرق اشبه بالاستعراضية الانتقائية من المقتطفات اللصقية وبخداع ساذج يعطي مسميات مرجعية لما يطرحه – نهج الفكر التلصيقي – وعادة كان العاميون الى نهاية العقد الثمانيني – حتى الحاصلين على تعليم اكاديمي او عالي و . . المحسوبين من هذه الغالبية العظمى من أناس المجتمع ، كون التعليم بالنسبة لهم مجالا مهنيا تخصصيا لعمل وظيفي محدود وليس كثقافة روحية تتشكل من خلالها ذات المرء الفكرية والمعرفية والجمالية والموقفية المستقلة ، ولذا يعلمون مثل هؤلاء بلا اهتمامهم بكل صور الثقافة النظرية والتطبيقية الممارسية العامة والخاصة – المستندة على الفكر او المتطلب التفكيري – حيث تمثل ( الثقافة اليومية الاستهلاكية ) اصل الثقافة العامة وأيضا الخاصة بالنسبة للعضويين منهم ( حزبيا او مؤسسة نقابية ) التي تشكل رؤاهم ومواقفهم وقناعاتهم بانقيادية غير مدركة من قبلهم ، بينما ارث التعلم الاكاديمي لا يتصل بمتشكل العقل الثقافي بقدر ما ينحصر فقط في مهارة العمل المهني الوظيفي أو ذريعة شغل وظيفة ما لا أكثر – لهذا لم يكن يتجرأ أي من العامة هؤلاء بكل فئاتهم الامية والمتعلمة أن يعلن عن نفسه صاحب فكر او رؤية او كمحلل متفلسف – سياسي او اجتماعي او فكري او علمي . . الخ – أو يخرج كمناقش او مجادل فكري – فقط القلة النادرة منهم يظهرون فقط بكلام مقتضب تجميلي او تعذري اعلامي من وراء المناصب الوظيفية العليا الممنوحة لهم كخدام للحاكم الفرد المطلق – فمصادرهم المعرفية المؤسسة لوعيهم الذاتي من السطحية أن تفضح حقيقتهم ب ( الخواء الفكري ) – بينما من بعد 1990م بفعل الانقياد الروحي المطلق – تحت خديعة المعاصرة والتطبع المعايش التفاعلي مع ثقافة العصر . . استهلاكيا – اصبح صغار السن المراهقين واعداء الفكر والتعلم وانصاف المتعلمين . . المتعاطين تفاعلا مع الثقافة الرقمية الفضائية ( الانترنيت ) – انتفاعا ظاهريا او استهلاكا للوقت – هم ارقى نموذج نخبوي عربي ، خاصة حين تنتقيهم ( الايدي الخفية ) النافذة على الحكم – محليا او عالميا – وتروجهم كرمز تقتدي بنموذجهم الأجيال الجديدة وأيضا من القديمة الباحثة عن فرصة لعرض نفسها سلعة قابلة لأن تروج مقابل المال او الشهرة او المنصب – وإذا في سمة هذا العصر من القرن الحادي والعشرين المبني انسان مجتمعاتها وخصوصية نخبها على التطور العلمي والتكنولوجي والتخليق الفكري الإبداعي الذاتي الحر ، والمعتمد على تراكم كلي من المعرفة النظرية المجردة والتطبيقية والتجريبية ، إذا بنا عربيا نتحول لطبع واحدية ( النخبة والعامة ) كعقل انقيادي نفسي بما تمليه عليه الظرفية – المحلية والإقليمية والعالمية – كطريق وحيد لنيل المنفعة الذاتية ، وإلا يعد الامر كسباحة عكس التيار ، وهو ما لا يوصل المرء الى شيء يحتاجه او يريده او يتمناه – وهو تحول مضاد الى ما كانت عليه مجتمعاتنا العربية حتى ثمانينيات القرن العشرين ، تحول تمثل نخبة المجتمع راهنا ما لا يمكن أن يقبل بها سابقا ، بأن تعد ( عامية اعتيادية ) كبقية عوام المجتمع ، حيث تكون مصادرها المعرفية المؤسسة لبنيتها الذهن – عقلية الفكرية والعلمية والموقفية والتصورية والحكمية والقناعاتية هي ذاتها تلك القشرية السطحية والمعلومات غير الموثوقة والمغالطات الفكرية المتلقاة عبر الثقافة الشفاهية اليومية والحسية المشاهدة بصريا وسمعيا و . . ثقافة النت الموجهة لتعميق قيم الاستهلاك بعد التطبع بها نزعاتي الى جانب استحواذ على العقل بقتله خلال الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإباحية ومواقع التغرير بكسب المال دون عمل او تعزيز العدوانية كعلامة لقوة الفرد او ثقافة التحايل بتوهيم كرافعة للذكاء وتحويل الاحلام الى واقع الى جانب تعميق الإدمان على الألعاب الالكترونية بديلة عن التفكير او التعلم ، الى جانب ذلك ما تشكله لا اراديا عند الانسان العربي الفضائيات الإعلامية من وعي زائف بين سطحية قشور المعرفة المفككة والمغالطات الفكرية الموجهة ومعطى المعلومات الخبرية المحدودة كمستند معرفي تحليلي قيمي ، الى جانب ( مرتبطها العضوي الواحدي ) بتعميق افراغ ذات المتلقي عن طبيعته الاصلية ، فبدون ادراك ذاتي تتلاشى فيه ( خاصيته المستقلة وسمته الحرة ) ليحل محلهما فعل الانبهار والاكتساب السهل الطفيلي الناقل بما يطبع المرء بانقياده الكلي العقلي والنفسي لكل ما يؤثر فيه او يبهره فيصبغ حقيقة وجوده ب ( عقل واهم ) يقود رؤاه ومواقفه وقناعاته بنى توهم متعددة لا اكثر .
|
|