|
غلق |
|
خيارات وادوات |
مواضيع أخرى للكاتب-ة
بحث :مواضيع ذات صلة: سلام عبود |
مدرسة الإخصاء الثقافيّ
كلّنا سمعنا بالرعب الفاشيّ والديكتاتوريّ. أمّا الرعب الديمقراطيّ فهو شيء غريب حقّاً، وحينما يكون الحديث عن الرعب الديمقراطيّ السويديّ فإنّ الأمر يغدو مثل مزحة خائبة. تعلّمت درس الرعب الديمقراطيّ على يد حفيدي تيودور. ومن أجل إعطاء صورة واضحة عن الدرس الذي تعلّمته يتوجّب التعرّف على المعلّم أوّلاً. معلمي تيودور لم يبلغ السادسة من العمر بعد، وهو من أب سويديّ وأمّ عربيّة (ابنتي جمانة). يزورنا تيودور من حين إلى آخر بصحبة أخته إيزابيلا (عشر سنوات)، ونصحبهما غالباً إلى مركز الألعاب القريب، بناء على رغبة تيودور. إيزابيلا الهادئة تسير عادة مع جدّتها أمّ زيد أمامنا، وتيودور يسير معي يداً بيد، لكيلا يسارع إلى تسلّق شجرة أو صعود مرتفع أو التدحرج من منحدر. ورغم طبيعته الحركيّة وعناده الشديد إلّا أنّه خلوق بشكل لافت للنظر. لقد جذبني تهذيبه العالي، فكنت أراقب سلوكه بشكل دائم. وفي أحد المواقف النادرة علّمني كيف تختلف الثقافات حسيّاً عن بعضها في طرق التعبير عن المشاعر والعلاقات. مرّة جاء باكياً يمسك رأسه، فعرفت أمّه فوراً أنّه قفز من السرير مثل سوبرمان فسقط على رأسه. حينما هدأ بدأت أمّه تلومه بهدوء ورقّة لأنّه كرّر هذا الفعل غير مرّة، ولم يستمع إلى كلامها. كنت أراقب تعابير وجهه وهو يصغي إليها، وانتظرت منه أن ينطق باكياً تعابير الاعتذار التي نعلّمها لأطفالنا عادة: "اعذريني يا أمّاه"، أو "سامحيني يا أمّي"، أو "والله العظيم لن أكرّر ذلك"، أو "آخرة مرّة أفعلها". لم يقل شيئاً. كان يصغي إلى كلماتها باهتمام بالغ، هادئاً، بارد التعابير. وحينما أحسّ أنّها نطقت آخر كلماتها، وضع وجهه مقابل وجهها وقال بجد بالغ كلمتين صغيرتين جدّاً: "أنا معك". وهي عبارة سويديّة تقليديّة تعني "أنا أشاركك في الرأي أو القرار". نحن هنا أمام مدرسة ثقافيّة مختلفة، جوهرها تعلّم المشاركة في الرأي، بلا خوف ولا تأييد من قوى عليا، أو استعطاف.
|
|
| ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد | نسخ - Copy | حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | اضافة موضوع جديد | اضافة خبر | | |||
| نسخة قابلة للطباعة | الحوار المتمدن | قواعد النشر | ابرز كتاب / كاتبات الحوار المتمدن | قواعد نظام التعليقات والتصويت في الحوار المتمدن | | غلق | ||
المواضيع المنشورة لا تمثل بالضرورة رأي الحوار المتمدن ، و إنما تمثل وجهة نظر كاتبيها. ولن يتحمل الحوار المتمدن اي تبعة قانونية من جراء نشرها |