حول مآسي الأطفال في العراق
جلال الصباغ
2023 / 6 / 23 - 18:41
يشكل الأطفال النسبة الأكبر من سكان العراق، فبحسب مؤشرات وزارة التخطيط لعام 2020 فأن الأطفال من عمر سنة الى 14 سنة يشكلون ما نسبته 40 % من عدد السكان الكلي للبلاد. وإذا أردنا التعرف على أوضاع الطفولة في البلاد ومطالعة الأرقام والإحصاءات الخاصة بالتعليم، او الرعاية الصحية، او العنف الممارس ضدهم، وكذلك ما يتعلق بعمالة الأطفال واستغلالهم، سنرى الواقع المأساوي الذي تعانيه هذه الشريحة الاجتماعية.
ان هذا الواقع جاء نتيجة لعقود طويلة من الحروب والحصار والصراعات والفقر، فالحرب العراقية الإيرانية وما اعقبها من حصار اقتصادي فرض على العراق في تسعينيات القرن الماضي، والاحتلال الأمريكي للبلاد عام 2003، والحرب الطائفية التي أعقبت الغزو، ومن ثم سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية داعش، وما ترافق معه من تأسيس للمليشيات، كل هذه الظروف والعوامل جعلت الأطفال، وهم الشريحة الأضعف داخل المجتمع، ضحية تعاني شتى انواع الاستغلال والحرمان.
ان تبني السياسة الاقتصادية النيوليبرالية، التي تعفي الدولة من مسؤولياتها تجاه رعاية الأطفال وتعليمهم وتوفير البيئة الصحية المناسبة لهم، قد فاقمت من معاناة الأطفال وجعلتهم عرضة للعنف، وفريسة سهلة للمتاجرة، وضحية لعصابات التسول والمخدرات والزواج المبكر، وزجهم في اعمال تنتهك حقوقهم الأساسية في الحياة.
تؤكد منظمة اليونيسيف ان ما يقارب 90 % من الأطفال الذين هم دون سن 14 عاما يتعرضون إلى شكل من أشكال العنف الجسدي او النفسي، سواء من اسرهم او من المدرسة او من المجتمع. وفي ظل غياب قوانين تحاسب مرتكبي العنف ضد الأطفال، فان هذه المعاناة متواصلة. والى اليوم لم يشرع البرلمان في العراق قانون مكافحة العنف الاسري ولا تزال القوانين التي تبيح ما تسميه بـ"تأديب" الرجل لزوجته او "تأديب" الاب او المعلم للأطفال مطبقة على ارض الواقع؛ اذ تنص المادة 41 من قانون العقوبات العراقي على احقية " تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم للأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعا أو قانونا أو عرفا" وهذه المادة الرجعية القروسطية لا تزال مطبقة وسارية المفعول، مع الإصرار على عدم الغائها من قبل الأحزاب الإسلامية والقومية الماسكة للسلطة، ما يعني ان غالبية السكان يعانون من العنف والامتهان والضرب اثناء فترة الطفولة.
كما وتؤكد منظمة اليونسيف "بأن 7.3% من الأطفال العراقيين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام و17 عاما، منخرطون في شكل من أشكال عمالة الأطفال، و16% من الأطفال العاملين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاما يعملون في ظروف خطرة" ان هذه النسب حول عمالة الأطفال قد لا تشكل النسب الفعلية، خصوصا اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار عمالة الأطفال وبالذات الفتيات داخل المنازل، بالإضافة الى عمالة الأطفال في مجال الزراعة. وفي كل الأحوال، فأن هؤلاء الأطفال دائما ما يتم استغلالهم بشكل بشع، وفي كثير من الأحيان لا يتم اعطائهم أي اجر مقابل عملهم، كما ان قسما منهم يعملون لساعات طويلة تصل لأكثر من عشر ساعات يوميا، مقابل اجر زهيد لا يتجاوز الخمسة دولارات، مع حرمانهم طبعا من فرص التعلم واللعب، وما يترتب على ذلك من اثار جسدية ونفسية.
ان ظروف التهجير والنزوح التي تفاقمت بفعل العمليات العسكرية ضد داعش، جلعت الأطفال النازحين والمهجرين في العراق وسوريا وغيرها من البدان عرضة لمختلف أنواع الاستغلال، فالمتاجرة والتسول، واستخدامهم من قبل الجماعات المسلحة المختلفة في العمليات العسكرية، قد زاد من بؤسهم. وحتى بالنسبة الى العائدين للمناطق المحررة من داعش، فان الأطفال هم الفئة الأكثر تضررا، فالتقارير حول أوضاع الأطفال في مناطق شرق الموصل على سبيل المثال، تشير الى أن 90٪ من مقدمي الرعاية، أفادوا بوجود طفل أو أكثر من داخل اسرهم منخرط في مجال العمل، بينما أفاد 85٪ من الأطفال أنهم لا يشعرون بالأمان في مكان عملهم مؤكدين حصول حالات تحرش، بالإضافة لعدم امتلاك المعدات المناسبة لحماية أنفسهم أثناء العمل في المصانع أو في الشوارع.
ورغم زيادة معدل التحاق الأطفال بالتعليم الابتدائي فإن إكمال المرحلة الابتدائية بين أطفال الأسر الفقيرة لا يتجاوز 54%، وهو ما يشكل ظاهرة خطيرة تبين حجم المأساة متعددة الأوجه التي يعانيها الأطفال في البلاد، وحتى بالنسبة للأطفال الذين يكملون دراستهم الابتدائية والثانوية، فان فرص حصولهم على تعليم حديث، يتيح لهم فرص نمو طبيعي غير متواجدة في غالبية المدارس المكتظة والمتهالكة.
ان واحدة من أبرز أوجه المأساة المتعلقة بالطفولة في العراق هي زواج صغيرات السن ( القاصرات)، وهذا الامر ليس حالات فردية انما هو ظاهرة تدعمها وتساندها المحاكم في العراق، ففي مسح ميداني أجرته اليونيسف، أكدت أن 7.2% من النساء في عمر 20 و24 عاما قلن إنهن تزوجن قبل سن 15 عاما، وكذلك فإن 28% تزوجن قبل بلوغهن سن 18 عاما. ومن حق القضاة الموافقة على زواج صغيرات السن، اذا ما حصلت موافقة الاب على ذلك، كما ان الكثير من حالات الزواج بالنسبة للصغيرات تكون خارج المحاكم بالأصل.
يعد العراق واحدا من أكثر بلدان العالم بالنسبة لأعداد الايتام، ففي إحصائية رسمية صادرة عن وزارة التخطيط تبين وجود مليون طفل يتيم على مستوى البلاد، فيما ترى احصائيات أخرى ان الاعداد الفعلية للأيتام تتجاوز الأربعة مليون يتيم. وهذه الشريحة الفاقدة للاب او للام او للاثنين معا، بحاجة الى رعاية خاصة من قبل الدولة، لكن الواقع يشير الى ان الدولة قد تخلت عن مسؤولياتها تجاههم، فهؤلاء يعانون من الفقر والامية وسوء التغذية، ومن الحرمان من ابسط الحقوق.
ان تخليص الطفولة في العراق من كل هذه المآسي، يرتبط أولا بالخلاص من السلطة البرجوازية الحاكمة، فهذه السلطة بأحزابها وتياراتها المختلفة، تعمل وبشكل حثيث على رفع يد الدولة عن تقديم الخدمات الصحية والتعليمية والخدمات الأخرى، وهي غير مكترثة بما يواجهه المجتمع من فقر وحرمان، ولا بما يعانيه الأطفال، فمعاناة الأطفال بالأصل جاءت نتيجة سياساتهم الاقتصادية المخططة ونهبهم المتواصل لموارد الدولة.