مسرح عتريس - وائل الخطيب
اشرف عتريس
2023 / 6 / 19 - 14:45
مسرح أشرف عتريس بين المبالغة التي يحبها والمجاملة التي لا يريدها
انتبهتُ إلى الجملة التي كتبها صديق على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي Facebook:
مسرح أشرف عتريس،وسألت نفسي:هل هي جملة على سبيل المجاملة أو الإطراء المفرط من صديق أو زميل
أو حتى من أحد الفنانين الذين شاركوا أو ساهموا في عروض مسرحة كانت من تأليف #أشرف_عتريس ؟.
ربما تكون هذه الحالة هي أيضا نظرة أولئك الذين لم يوفقوا في تقديم مؤلفاتهم المسرحية على مسارح الثقافة الجماهيرية
على اتساع مساحتها الجغرافية الإقليمية،نعم لفنان إقليمي أن توصف مؤلفاته المسرحية بهذا الوصف
الذي يضعها على قدم المساواة وفي ميزان واحد مع مسرح صلاح عبد الصبور
ومسرح نجيب سرور ومسرح نعمان عاشور حتى مسرح يوسف إدريس
من كتاب مسرح تميزت مؤلفاتهم بين مئات الآلاف من المؤلفات المسرحية.
وصف "مسرح أشرف عتريس" المفترض أن يكون مصدره النقد المسرحي وأيضا النقد الأدبي،
والنقد المسرحي حال عرض العمل على خشبة المسرح باختلاف المعالجات وخبرات مخرجي هذه العروض
خاصة في الثقافة الجماهيرية،أو نقد أدبي يتناول النص المسرحي كنص أدبي يعمل فيه أدواته النقدية باختلافها وتنوعها وقدرتها
على صياغة مقاربة نقدية تكشف جماليات النص سواء على مستوى بنية النص أو مستوى رؤاه وأفكاره وشخصياته ودلالاته.
من يتصور أن جملة "مسرح أشرف عتريس" هي على سبيل المجاملة ومن يتصورها على سبيل المبالغة
كلاهما بالتأكيد لا يعرف عدد المقاربات النقدية التي تناولت نصوص كتبها شاعر العامية والمسرحى أشرف عتريس
ولأنهما كذلك فكلاهما أيضا لم يقرأ هذه المقاربات النقدية أو تلك التي كشفت تميزا واضحا واصيلا بين مؤلفات الكثيرين ممن كتبوا لمسرح الثقافة الجماهيرية.
من هنا كانت وأصبحت وستظل مشكلة المتلقي (قاريء ومشاهد) البعيد عن المركز (العاصمة)
،والذي غاب عنه على الأقل للتقييم الصحيح
متابعة تطور مؤلفات "أشرف عتريس" المسرحية،والأكثر من ذلك إدراك أو الوعي بتلك العلاقة المتداخلة بين الشاعر وكاتب المسرح
،وربما ينضم إليها أيضا العلاقة بينهما (الشاعر والمسرحي) وبين المهتم بالشأن العام سياسيا واجتماعيا،مثل غيره من المبدعين.
لا يخلو الحديث عن "مسرح أشرف عتريس" من إشكاليات نقدية؛منها اختيار المناسب من الأدوات النقدية التي تستطيع إما تأكيد أو نفي – أو ما بينهما –
للجملة التي يراها الكثيرون إما مبالغة أو مجاملة،وبعيدا عن ذلك المتلقي للعرض المسرحي ،
صادف هذا العرض نجاحا أو لم يصادف،أجاد صناع العرض أو لم يفعلوا،هذا المتلقي الذي إن كان ذوا حظ من خبرات التلقي
أو لم يكن،سيكون في وضعية تقييم صعبة وهو يقرأ جملة "مسرح أشرف عتريس".
صعوبة ذلك ليست فقط نتيجة خبرات التلقي فقط،وليست أيضا نتيجة رؤى ومعالجات "أشرف عتريس" المسرحية
،بل هي رهينة وضع المسرح الإقليمي نفسه؛مسرح الثقافة الجماهيرية،الذي يعاني من أمراض مزمنة
على راسها غياب خشبة مسرح تحترم فناني المسرح الإقليمي قبل أن تحترم جمهور مسرح الثقافة الجماهيرية.
المدهش،هو ذلك القاريء – الذي أراه الآن يقرأ كلماتي –
والذي يعتقد أن جملة "مسرح أشرف عتريس" تعني فقط النص المسرحي بكل جمالياته وإشكالياته ورؤاه وأفكاره،فهو
ذلك القاريء – قد يكون فعل مثل ما فعل كثيرون غيره عندما لم يضعوا الأغنية المسرحية التي كتبها "أشرف عتريس" لمؤلفاته أو لمؤلفات غيره
ويظن أنها لا تندرج ضمن جملة "مسرح أشرف عتريس".
إشكالية أخرى للتعامل مع هذه المسألة،وهي غشكالية مزدوجة،لا تخلو من تناقض أو تضاد،وهي أن "اشرف عتريس"
كان من بين قليلين من كتاب للمسرح الإقليمي الذين كان حظهم وجود مجموعة من الفنانين والنقاد – الإقليميين –
الذين آمنوا بالرؤى والمعالجات والأشكال التي قدمها "أشرف عتريس" في أعماله المسرحية،وبوجودهم هذا استطاع الكاتب والشاعر مواصلة مشروعه المسرحي
الذي بدأ قويا ومؤثرا وواعيا وأصيلا،فمن هؤلاء وفي ومقدمتهم المخرج "اسامة طه" والمخرج "عماد التوني" وممن رحلوا المخرج "طه عبد الجابر"
ثم أيقونة مسرح الثقافة الجماهيرية " بهائي الميرغني"،هؤلاء وغيرهم كان وجودهم من ضمن أسباب نضج المشروع المسرحي عند "اشرف عتريس" تأليفا وكتابة لأغانيه،
بل وينضم إليهم أيضا مهندس الديكور الرائع "عز الدين كمال" ثم "وائل درويش".
أما الوجه الآخر من الإشكالية فهم أغلب النقاد – أقول : أغلب – الذين تعالموا مع النص الأدبي المسرحي عند "أشرف عتريس"
والذين في أغلب كتاباتهم ومقارباتهم النقدية لم يوفقوا في استجلاء جماليات النص وإقناع المتلقي بأنه يواجه نصا مسرحيا وإن تشابه في رؤاه مع نصوص أخرى
لكنه كان ذكيا في قدرته على الاحتفاظ بملامح واضحة متطورة تشكل مشروع مسرحي
له خصوصية تتسم بالأصالة والعمق ليصبح مستحقا للمشروع أن يوصف بأنه"مسرح أشرف عتريس".
في أحيان كثيرة كنت مؤمنا بأن النص المسرحي (العتريسي)- إن جاز التعبير – يحتاج إلى تدخل ما بشكل أو بآخر،تدخل يقوم بتأويل النص أو بعضا منه،
خاصة في مراحل البروفات للعرض المسرحي،خاصة عندما يتولى إخراج العمل مخرجا من خارج المنيا،وقد كانت لي تجربة مع أحد نصوص "أشرف عتريس"
قام بإخراجها المخرج الرائع " محمد جمال سليمان"،حدث بعد موافقة المخرج أن تدخلت لكشف ما رايته في عمق جملة حوارية،
هذا التدخل لاقى قبولا من المخرج،بل إنه شهد جدلا امتد لساعات حول ما إذا كان من المفيد تأويلا أن يقف الممثل عند كلمة بعينها،
ثم يواصل بعدها،أو يلقي الجملة الحوارية بأكملها دون توقف،واندهشت أن كل الممثلين كانوا باتجاه أن يكون إلقاء الجملة (كلها على بعضها) –
كما قالوا نصا في الجدل – وأظهرت للجميع جانبا من جماليات صياغة الجملة الحوارية عند "اشرف عتريس"
فإن وقف الممثل عن الكلمة ولم يواصل،اتخذ المونولوج كله مسارا دراميا مختلفا أكثر عمقا وأكثر اتساقا مع الرؤية الإجمالية للنص،
أما إن واصل الممثل منولوجه تغير المعنى بل وتغير الفعل الدرامي للشخصية،وقد حدث هذا في نصوص أخرى باشكال مختلفة
وفي جلسات نقاشية بعيدا عن البروفات،وأعتقد أن ذلك كان مفيدا لي على مستوى التعامل مع نصوص اشرف عتريس المسرحية
التي لا يمكن أن تفصلها عن قصائده وأغانيه لتنكشف أغلب ملامح الرؤى التي أرادها المؤلف والكامنة خلف شخصيات وحوار،
يظن القاريء أنها غير موجودة،أو يظن أنه يشاهد ويسمع ديالوجات ومونولوجات ودراما نمطية بصياغات مختلفة.
هذه الإشكاليات وغيرها هي التي جعلتني أندهش من هؤلاء الذي إما استكثروا وصفا ونعتوه بالمبالغة،أو ظنوه مجاملة،
أندهش ليس فقط من هذا وذاك،ولكن الاندهاش الحقيقي – الذي هو جوهر جودة اي فن وكل فن –
أن مشروع "اشرف عتريس" لم ينفصل طوال مراحل تطوره عن شاعرية "اشرف عتريس" بكل ملامحها وأصالتها في دواوينه الشعرية.
نعم هناك ظاهرة في المنيا وفي مسرح الثقافة الجماهيرية يجب أن توصف بهذه الجملة : "مسرح أشرف عتريس"
وإن رآها البعض مبالغة فهو يحبها .. وإن رآها آخرون مجاملة فهو لا يريدها صادقة فولا وعملاً ..
استعجلوا تنفيذ قرار مسرح اشرف عتريس بقصر ثقافة المنيا الجديدة - هذا حقه ..