قراءة في رواية سلام عبود : امرأة وخمس نساء
سناء عبد القادر مصطفى
2023 / 5 / 15 - 20:52
الطبعة الأولى 2016، عدد الصفحات 479.
منشورات الجمل، بغداد-بيروت 2016
د. سناء عبد القادر مصطفى
من الطريف أن يتبادر الى الذهن من أول وهلة بعد قراءة اسم الرواية انها عن الجنس اللطيف والعلاقات الاجتماعية بين النصف الثاني من المجتمع الانساني ... وهلم جرا ولكن حينما نقرأ الإهداء:
" إلى الأعزاء علي عبد الرزاق باذيب، وعبد الله سالم باوزير ، وزيد مطيع دماج.
أعذروني ، لأن حبي لكم سوغ لي جريمة التطفل على ساحة ملغومة من إرثكم السردي والشعبي.
أنا شاهد أيضا، فقد كنت هناك، قرب وادي الدراقن" .
نفهم من ذلك ونعي أننا أمام عمل يعكس تاريخ الأحداث السياسية في رواية لشاهد عليها في شهر كانون الثاني/يناير 1986 في عدن عاصمة اليمن الديمقراطي، عاشها بكل حذافيرها ومنعطفاتها، بحلوها ومرها كما يقول المثل العربي. والكاتب (سلام عبود) هاجر الى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في أواسط العام 1974 . عمل في عدن بالتدريس في مدارسها في سبعينيات القرن الماضي وكذلك في مركز البحوث التربوية التابع لوزارة التربية في ثمانينيات القرن نفسه، تزوج وخلف فيها.
أبطال الرواية من الجنس اللطيف حيث قام الكاتب بتقسيمهم الى إمرأة وهي كما يفهم من سير أحداث الرواية كوسيما الهنغارية، أما الخمسة نساء فهن: أنس، شفيقة، شهناز، صباح، أم الخير اللذين ينتمون الى مختلف مناطق ومناحي اليمن الديمقراطي وقتذاك. أما شخوص الرواية الآخرين فهم: الزوقري، نعمان علوي، سعيد أحمد، هادي صالح ناشر، فاروق علي أحمد، الضابط ابن الحسني ، ابن السيد ، هيثم قاسم طاهر ، أبو أيوب وآخرين.
يتميز أسلوب سلام عبود في كتابة الرواية بأنه على الرغم من وجود اطناب فيه إلا أنه يشد القاريء لسلاسة انسياب أحداث الرواية وتشوقه الى معرفة الكثير عنها من خلال سبرأسرارها والغور في بواطن العلاقات الاجتماعية والانسانية في المجتمع اليمني .
أنا متابع لما ينشره من الكتب منذ صدور أول كتاب له بعنوان: نشوء وتطور القصة القصيرة في اليمن الصادر في العام 1993 في شمال السويد في مدينة لوليو حينما كان سلام يقيم في مدينة بودن في شمال السويد أيضا. ومن ثم تتابعت صدور أعماله الأدبية وأبحاثه الثقافية والاجتماعية والسياسية والمسرحية ونصوصه التسجيلية.
تربطني بسلام عبود علاقة زمالة جامعية منذ العام 1968 حينما كنا طلبة في جامعة بغداد على الرغم من اننا درسنا في اختصاصين مختلفين ، فهو درس اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب وأنا درست الاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية. افترقنا بعد التخرج والتقينا بعد مرور اثنتي عشر سنة في مدينة عدن الساحلية عاصمة اليمن الديمقراطي ، وقد كتبت عن ظروف هذا اللقاء في أربعة مقالات بعنوان: ذكريات استاذ عراقي في جامعة عدن في العام 2021 التي نشرت في عدة مواقع اخبارية وأدبية منها الحوار المتمدن وموقع تللسقف وموقع أخبار وصحيفة الزمان العراقية-الطبعة الدولية.
تتميز رواية امرأة وخمس نساء بحبكة أسلوبها الأدبي والفني وهذا ليس بغريب على الكاتب لأنه استغرق عشرون سنة (1992-2012) في كتابتها كما تعكس الرواية ليس فقط أحداث شهر يناير العام 1986 ولكنها تعكس مسيرة الحزب الاشتراكي اليمني والانقسامات التي حصلت فيه وقتذاك بسبب النظام القبلي في البلاد وتبعية هذه المحافظة أو تلك لهذه القبيلة أو لأخرى. ولم يتمكن الحزب من القضاء أو حتى التقليل من آثارها على مستقبل البلد.
بعد عودة عبد الفتاح اسماعيل من الاتحاد السوفيتي في ربيع العام 1985 ، كنت حينها موجودا في عدن وأمارس عملي استاذا محاضرا في كلية الاقتصاد بجامعة عدن. كنت أشعر أن الشارع السياسي في عدن وبقية مدن اليمن الديمقراطي يغلي ويمكن للمرأ أن يتحسس ذلك في جميع دوائر ومؤسسات الدولة ومن ضمنها جامعة عدن. كانت وفود من اتحاد الشبيبة اليمني الديمقراطي (أشيد) تزور عبد الفتاح اسماعيل في بيته الكائن في حي كريتر في عدن. وكان الأمن اليمني يراقب البيت ويصور جميع الزائرين. هذا ما سمعته من طلبتي الذي كان عدد منهم على صلة أو يعملون في جهاز الأمن المدني (لجنة أمن الدولة) والمخابرات العسكرية.
وكذلك شاهدت ذلك بأم عيني حينما ذهبت الى المحكمة العليا لتصديق دعوة زوجتي لزيارة عدن، حدثت مشادة كلامية بين موظف من مدينة الضالع من أنصار علي عنتر وشرطي من محافظة أبين من أنصار علي ناصر محمد كان يقف أمام مكتب الحاكم الذي صادف أن ذهب لتناول الغذاء في الساعة الحادية والنصف صباحا.
كان الصراع شديدًا بين علي ناصر محمد، الذي اتهم باحتكار السلطة، وبين علي عنتر، الذي عاد ليعلن تحالفه مع عبدالفتاح إسماعيل ضد علي ناصر محمد، خاصة بعد أن أعفي من منصبه كوزير للدفاع. كان عبدالفتاح قد عين عقب عودته سكرتيرًا للدائرة العامة للحزب الإشتراكي اليمني، غير أن الصراع بين الفريقين اشتد وبلغ ذروته في 13 يناير 1986، أثناء اجتماع المكتب السياسي في مدينة عدن. أقدم الحارس الشخصي لعلي ناصر محمد على إطلاق النار على أعضاء المكتب السياسي، فقُتل الحارس على الفور، وقُتِل معه صالح مصلح، وعلي شائع هادي، وآخرون، ونجا عبدالفتاح إسماعيل. قُصفت داره فيما بعد بالمدافع قصفًا عنيفاً، غير أن اخباره انقطعت ولا يزال مصيره مجهولاً. شكلت لجنة خاصة للتحقيق حول مصيره وكان التقرير الذي خلصت إلية اللجنة قد أكد أنه احترق في مصفحة تعرضت لكمين قرب القيادة البحرية، لكن هذا التقرير لم يقدم دليلاً على ذلك .
قام الكاتب سلام عبود بعكس هذا الصراع في رواية أبطالها الرئيسيين أمرأة وخمسة نساء مع أزواجهم اللذين كانوا يشغلون مناصب رفيعة في الدولة. تتناول الرواية قصة زواج كل واحدة منهن والأسباب الحقيقية التي تقف خلف هذه الزيجات المبنية على حب أو لمصلحة شخصية من أجل تبوأ المناصب الادارية والحزبية في السلم الحزبي والإداري. ومع ذلك نرى أن سلام سعي في روايته بيان واظهار قصة حب حقيقية ومحزنة في نفس الوقت بين عازفة البيانو كوسيما الهنغارية وبين سعيد أحمد راجح (كادر في سكرتارية اللجنة المركزية ومحاضر في الفلسفة) الذي تعرف عليها حينما كان يدرس في بودابست. واستشهاده وهو في طريق عودته من العمل الى منزله. ومن ثم مشقة البحث عن سعيد وكوسيما التي لاتعرف الا بضعة كلمات من اللغة العربية وتلفظها بلكنة أجنبية. تعرضت كوسيما لاغتصاب من قبل عدة أشخاص في العمارة المثلثة في حي خور مكسر، هجموا عليها وهي نائمة في احدى شقق هذه العمارة التي قام العراقي عصام بمساعدتها في الدخول اليها والاستحمام فيها. تمكنت كوسيما من الخروج من العمارة المثلثة في حالة مرثية لها وبملابس ممزقة ولحسن حظها تم العثورعليها من قبل الزوقري بعد يوم من خروجها من العمارة المثلثة.
ذهبت أنس والزوقري الى المكان الذي توجد فيه كوسيما وقاموا بمساعدتها في الوصول الى دار أم الخير حيث ساعدوها وأسكنوها معهم في غرفة لوحدها لعدة أيام. ومن ثم الاتصال بسفارة هنغاريا التي قامت بتسهيل سفرها الى بودابست.
بدأت العلاقة بين أنس وزوجها نعمان علوي بأستغلال الثاني لمنصبه في سفارة اليمن الديمقراطي كي يؤثر عليها وتقع في حباله بعلاقة غرامية ولكنه بعد أن عرف أنها أخت هادي عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني تغير موقفه منها وخصوصا وأنها كانت تدرس في مرحلة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية والانثروبولوجيا ولهذا قام بطلب يدها من أخيها هادي.
أما صباح وقصة زواجها من عبد اللطيف بدأت حينما قام باستدعائها وكان حينها يشغل نائب وزير التجارة والعضو المرشح في اللجنة المركزية . كانت تعمل في قسم حسابات الوزارة (ص122)، فعل ذلك حتى يتعرف عليها جيدا ويتعرف على أحاسيسها منه قبل أن يتقدم لخطبتها من أهلها ومن ثم مراسيم عقد القران وحفلة العرس. كانت تنظر اليه بالشكل التالي:" الرجل السعيد لا يهمه كثيرا اذا كان الصوت الانثوي الملتاع لذة ، الخارج من فم المرأة ، مولودا في الجسد بالفطرة أم هو من صناعة مالك الجسد" ص335.
قالت صباح ذلك وهي تعقد مقارنة بينها وبين شفيقة التي تعتبرها "غبية وجاهلة حينما تتباهى بلحمتها التافهة! الجاهلة الغبية لا تعلم أن العبرة لا تكمن بامتلاك هذا الشيء وعدم امتلاكه . العبرة تكمن في النتائج، والغايات. أنا أستطيع أن أصنع ذروتي الجنسية بإرادتي، بذوقي ، بمزاجي، متى وأين اشاء. أستطيع أن أطيلها ، أنوعها ، أعمقها، أفسدها، كما اشاء ، بالطريقة التي تعجبني وتنفعني . أفعل ذلك وأنا أحقق رضا شريكي، وأتحكم بمقدار توافقي معه في تلك اللحظة." ( ص335) .
كانت النساء الخمسة (أنس وصباح وشفيقة وشهناز وأم الخير) اللاتي اجتمعن مع أولادهن وبناتهن في بيت أم الخير يتحدثون عن كافة المواضيع والقضايا السياسية والاجتماعية والتربوية ...الخ ويناقشونها بالقدر الذي يعرفون تفاصيل هذه أو تلك الحادثة والتي لها علاقة بمرحلة تاريخية ما من مراحل تطور اليمن الديمقراطي . وهذا ليس بالغريب طالما هؤلاء النسوة اما متزوجات من أشخاص يملكون تأثير في المجتمع اليمني الديمقراطي وفي سياسة البلد طالما يحتلون مناصب ادارية أو سياسية في الدولة أو شقيقات أومحضيات من هؤلاء القادة البارزين في الحزب الاشتراكي اليمني.
تمكنت صباح من تطويع زوجها عبد اللطيف منذ أيام الخطوبة حينما "طلبت منه أن تعلن الخطوبة رسميا ولكن أن يتمهلا في عقد الزواج........قابل عبد اللطيف رحلتها الاعتراضية التي قطعت إتمام زواجهما، بشيء من النفور والكدر. لكنه وافق مستسلما أمام حججها القوية" (ص223).
قامت النسوة بمناقشة التحالفات السياسية بين علي ناصر وعلي عنتر وعبد الفتاح اسماعيل وعلي سالم البيض ..الخ وبرعت في ذلك شفيقة اعتمادا وانطلاقا من قضية ختان النساء وتأثيرها على الثورة والزواج بأمرأتين (ص207 - 212)، " لبثت النسوة حائرات في تفسيرات شفيقة. عقلها الصغير يخلط الحابل بالنابل . لكنها لم تكن بعيدة عن الواقع السياسي، كما كن يحسبن، ولم تكن مغفلة سياسيا. هي على معرفة بمجرى الثورة كلها...الخ " ص212.
" اكتشفت شهناز كنز شفيقة السري بمصادفة محضة، حينما أعارتها شفيقة فيلما عرييا جديدا قالت أنه وصل الى عدن توا مقرطس لكنها تفاجأت حينما عرضته في البيت فوجدت أنه فيلم إباحي مرعب" (ص219).
لاتقدر شهناز على ترك عدن والعيش في بلد آخر أو حتى في أية مدينة يمنية أخرى غير عدن حين تقول:" .......فأنا أخشى أن أكون بلا عدن. من دون عدن لن أكون سوى أم بلا رحم. هذا قدري المرعب، الذي لا أملك خيارا فيه. عدن أمي وأبي ووجودي. أنا ابنة عدن سواء أكانت ثورية أم استعمارية. هنا ، في عدن أكون أو لا أكون. سواء أكنت رجلا في ثوب امرأة ، أم امرأة في ثوب رجل. عدن تمنحني جنسي الذي أستحقه. أنا وعدن وجود واحد، جسد واحد، وروح واحد " (ص259) .
حلم ام الخير بزوجها تحقق في واقع الحال . " كانت في مدينة "غيل باوزير" لم تزل طالبة ، حينما رأت رسالة ملقاة على الأرض، سقطت من صندوق الرسائل الممتلئ، المنتصب على عمود في الطريق المؤدية الى مدرستها....الخ " (ص325). وتمثل أم الخير مجتمع حضرموت الذي يختلف عن مجتمعات عدن ولحج وأبين من حيث قوة العلاقات الاجتماعية وطبيعة العمل الذي يرتكز على التجارة الخارجية بالدرجة الأولى ، ولذلك نجد أن الحضارمة مشهورين بعملهم هذا منذ قديم الزمان وانتشارهم في مشارق الأرض ومغاربها.
كما وأن تجمع هؤلاء النسوة في بيت أم الخير في ظل هذا الظرف الصعب لم يأتي عن عبث، وإنما جاء بحكم منزلة أم الخير بينهن من حيث احترام الجميع لها، هذا من جهة ، وموقع البيت الأكثر أمانا من جهة أخرى وسعته بحيث يكفي هذا العدد من النساء والأطفال.
يتمكن قارىء الرواية من فهم علاقتهن ببعض على حقيقتها على الرغم من أنها تبدوعلاقة حميمية وقائمة على حبهم لبعضهم البعض، ولكنه يكتشف أن كل واحدة منهن تضمر شيئا ما داخل نفسها بإتجاه الأخريات. وهنا أراد سلام عبود أن يظهر طبيعة نفسية الانسان المزدوجة التي يكتنف جوهرها على الصراع بين الخير والشر.
وتقول صباح في مكان آخر من الرواية حول رأيها بأنس: " رغما عن كوننا متزوجتين من رجلين متقاربين في الأفكار والمناصب الحزبية والحكومية . أنا وهي ، على عكس أم الخير، نتشابه في سلطتنا العاطفية، هي بقوة أهلها، وأنا بقوة إيماني بجمالي. القوة قاسمنا المشترك. حتى أم الخير المستكينة ، الخانعة، تختزن قدرا عظيما من القوة الخفية، قوة النملة . لكن مبدأ القوة عندي لا يقود إلى معادلة زوج قاتل وأخ قتيل" (ص331). وفي الصفحة 332 تستمر صباح في القول:" فرضية الزواج عندي تقوم على معادلة حياتية بسيطة : ادفع تربح، وبما أننا ندفع كثيرا، فمن المؤكد أننا نربح كثيرا أيضا" وهنا يظهر مفهوم الربح والخسارة التجاري الميركانتيلي في عقل صباح . تستمر صباح في عكس مدى فهمها للعلاقات الزوجية والأسرية بالشكل التالي: " نحن نتبادل الأرباح ، لكن أنس تتبادل الخسائر، وأم الخير توفر وتدخرالأرباح. أما شفيقة فهي في نظري إحدى مصاعب ومصائب الحياة وتفصيلاتها المزعجة. لابد أن نعترف بوجودها. ولن يجب أن نعترف بها باعتبارها خطرا، لايمكن تجاهل شروره وضبط احتمالاته المؤذية " (ص332).
جاء ذكر الشيوعيين العراقيين في الرواية كونهم موجودين في اليمن الديمقراطي منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي حيث كانوا قليلين وعددهم لا يتجاوز عدد الأصابع ، إلا أن هذا العدد تضاعف عدة مرات حتى تجاوزالألف شخص من رجال ونساء وأطفال من مختلف مدن العراق في نهاية سبعينيات القرن الماضي بعد وصولهم الى عدن عبر الكويت أو عبر دول أخرى نتيجة بطش النظام الديكتاتوري بهم.
كان العراقيون يعملون في عدة مدن يمنية وبمختلف الاختصاصات والمستويات، في التعليم الجامعي والثانوي ومنهم كوادر طبية وهندسية. وفي العام 1983 أفتتحوا كازينو في منطقة الجولة (الكولة) بمدينة عدن في الجهة الأخرى من فندق عدن التي قامت شركة فرنسية ببنائه.
تمتاز شخصية الزوقري الذي يلعب دورا رئيسيا في الرواية منذ بدايتها وحتى نهايتها بأنها تمثل صوت الشعب اليمني الجنوبي الحقيقي الذي لا غبار عليه، فهو يقول مايفكر به ويعتقد أنه الصواب بدون لف ودوران. انسان بسيط على سليقته كما خلقته الطبيعة. انه يمثل ذلك الجيل النقي ، جيل الثورة اليمنية الجنوبي الذي قارع الاستعمار البريطاني في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، جيل الجبهة القومية للتحرير قبل أن تلوثه البيروقراطية الادارية . وقبل أن تتكون طبقة النومينكلاتورا في اليمن الديمقراطي التي باتت تسيطر على معظم قطاعات ادارة الاقتصاد الوطني ، على الرغم من تظاهرها بأنها خادمة للشعب ولكنها باتت تدير ظهرها للشعب و تسكن في بيوت عالية أسيجتها وحراسة خاصة بها في منطقة خور مكسر . أما الناس البسطاء والذي الزوقري أحدهم فلا تهتم بهم النومينكلاتورا كما هو الحال بالنسبة للطبقات الكادحة في الاتحاد السوفيتي في سبعينيات وثمانينيات وحتى تسعينيات القرن الماضي.
ينتهي الفصل الأخير من الرواية والذي يحمل رقم 35 بأن يستيقظ الزوقري من نومه العميق وهو يفكر أين هو الآن؟ وجد نفسه بين قوارير الويسكي الفاخرة واعتقد أنه في الجنة
التي وعدهم بها الحزب الاشتراكي اليمني. "قوارير خمر بعلامات تجارية إنجليزية! نهض وهو يحمل قارورة مملوءة بالويسكي. انتصب مترنحا، متسائلا: مالفرق ، إذا كان هو الآن هنا أو هناك، في الجنة أو في النار!" (ص465-466). ذهب يبحث عن العيال في بيت الدكتورة أنس وفي بيت صباح ولكن الأبواب مغلقة. فكر مليا واتجه صوب بيت أم الخير.
وبعد طرق باب بيت أم الخير عدة مرات وقيامه بركل الباب الخارجي ورمي الحجر صوب النوافذ وسماعه تكسر زجاج نافذة غرفة الاستقبال ، قامت أم الخير بفتح الباب ومن ثم توجيه كلمات توبيخ له: صرعتنا يا مجنون وبدوره جاوبها : صرعني إحساسك المرهف رفيقة أم الخير ، هل أنت ميتة؟ (ص466).
بعد أن عرف الزوقري مكان أطفاله، أخذ يسأل عن طليقته شفيقة التي اختفت. واثناء البحث عن شفيقة يعثر على النقيب بخيت با حويرث الذي كانت اصابته بليغة في بطنه. طلب باحويرث من الزوقري أن يأخذ مسدسه وينهي حياته ولكن الأخير رفض ذلك بإعتبار أن الانتحار حرام. ولكن قام بصب الويسكي في جوفه حتى يتحمل ألم الجرح العميق. بعد محادثة طويلة مع باحويرث ، ذهب الزوقري للبحث عن شفيقة في المرآب. تمكن من العثور عليها في صندوق السيارة الخلفي مغطاة بالخرق والبطانيات التي لفت بها صباح المجوهرات والتحف المسروقة من إحدى المؤسسات الحكومية. صرخ بملء حنجرته وبرك على الأرض يبكي بحرقة.
بعد مرور قليل من الوقت حملها على ساعديه وتوجه صوب العمارة المثلثة في خورمكسر، تاركا خلفه باحويرث وقد تحول هذيانه الى حشرجات متقطعة ( ص476) .
وقف أمام العمارة المثلثة التي تشبه العملاق الحجري في حالة هستيرية وصاح:
"أنا هنا أنا الزوقري اليماني بن اليماني الى أبعد جد ، محرر الجياع والعبيد ومنقذ الجماهير الكادحة من رجس الكومبرادور والاستعمار" (476).
"يا شباب ...انتهى زمن الكفاح المسلح ، وانتهت عصور حروب التحرير الشعبية.
اليوم يومنا, لا جناح يمينيا منحرفا، ولا جناح يساريا متطرفا. اليوم يومنا ، يومنا نحن .(ص477)
- الجناح اليميني الانتهازي دحر، والجناح اليساري المغامر نحر. هذا يومكم (ص478).
طوق جسد شفيقة بحنان وخشية، كما لو أنه يطوق فقاعة دموية كبيرة في سبيلها الى الانفجار والتلاشي في العدم . سار بتحد وإصرار ....مخترقا معزوفة نعيق الغربان الجنائزي....متيقنا أن الغربان الوقحة تخاطبه ، تجادله، تتفاوض معه، ومن المؤكد جدا جدا أنها تساومه على جسد شفيقة (ص478-479) .
أنا أعتقد أن هذه الرواية تستحق جائزة أدبية من مستوى عال وتنتج على شكل فيلم فني لأنها وثقت وسجلت أحداث تاريخية حقيقية عصيبة مرت بها مدينة عدن بشكل خاص وعموم اليمن الديمقراطي .
كما أن الرواية ينقصها فهرسة الفصول.
مع خالص الود والاعتزاز.
أ.د. سناء عبد القادر مصطفى