مصر: موجة من التحركات المهنية كاشفة لما هو آتٍ
محمد حسام
2022 / 12 / 13 - 22:09
تستمر منذ بداية الشهر الحالي مظاهرات من قبل المحامين، في قلب القاهرة وعدة محافظات أخرى، هي الأولى منذ سنين. نظمت هذه التظاهرات احتجاجًا على فرض ما يسمى بالفاتورة الالكترونية، وهي التي تهدف لضم كل الأعمال المهنية إلى مظلة الضرائب بشكل كلي، وفرض رسوم تسجيل لهذه المنظومة. وهو ما يلقي رفض من جانب كل النقابات المهنية تقريبًا، نظرًا لأنهم يدفعون كل المستحقات الضريبية والتقاعدية للنقابات، ولا يتلقون من الدولة أى مزايا من أجور ومعاشات وتأمينات وخلافه، والتي أجبرت قواعدها القيادات على بدء التحرك، بمستويات مختلفة.
بدأ المحامين التحرك، وهو ما فتح الباب لعدة قطاعات مهنية أخرى للضغط على قيادات نقابتهم للتحرك، لتتبع نقابات المهندسين والأطباء وأطباء الأسنان نفس مسار رفض الضريبة الجديدة. تفاجأت الدولة برد الفعل القوي، وهو ما أجبرها على التراجع عن فرض التسجيل في المنظومة الجديدة يوم 15 ديسمبر، ولكن لا يجب أن يخدعنا هذا لأنه تراجع تكتيكي لامتصاص غضبة الصدمة الأولي. وهو ما يبدو واضحًا للكثيرين، حيث يستمر ضغط القواعد على قيادات النقابات الموالية للدولة للتحرك حتى إلغاء الفاتورة الإلكترونية نهائيًا وليس تأجيل تنفيذها.
الدافع وراء فرض الفاتورة الإلكترونية ورفضها
يعيش النظام الرأسمالي المصري أعمق وأعقد أزماته منذ هزيمة ثورة 2011، أزمة تهدد الاستقرار الاجتماعي الهش الذي عمل على حراسته وصيانته الديكتاتورية العسكرية الحاكمة طوال السنوات الماضية بشكل جدي. كثير من العقبات الاقتصادية تواجه النظام، من أزمة مديونية مهولة، يجري حلها بمزيج ومزيد من الاستدانة والخصخصة والتقشف، مرورًا بأزمة توفر الدولار، بدأت تظهر منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية مع هروب الأموال الساخنة، وهو ما أثر على حركة الاستيراد وبالتالي أدي إلى إغلاقات وارتفاع في الأسعار، مستوى تضخم وصل إلى 20%، بداية ركود ملحوظ في السوق نتيجة إجراءات التقشف والهجمات الاجتماعية على أجور المواطنين. وهو ما أصاب الطبقة الوسطى بشدة، ليس فقط الفقراء.
كل هذا تعبير عن الأزمة البنيوية للرأسمالية المصرية الضعيفة، التي تعمل على حل أزماتها على حساب الطبقة العاملة والفقراء، وهو ما يمهد الطريق لأزمة أكبر وأعمق، خصوصًا في ظل أزمة الرأسمالية العالمية. وهو ما يجعل الديكتاتورية العسكرية تصول وتجول لتبحث عن أى قرش في جيوب الجماهير، محاولة فرض ضرائب على كل شيء وأى شيء، لدرجة أنها أحيانًا تحاول أخذ ضرائب أكثر من مرة، مثل محاولة فرض الفاتورة الإلكترونية برغم أن المهنيين يدفعون ضرائب عن طريق النقابة اصلاً، وقبلها محاولة فرض قانون التصالح. وكل هذه القوانين والضرائب الاعتباطية ليست إلا “جباية” بالمعنى الحرفي للكلمة كما وصفها بحق المهنيون في بيانات اعتراضاتهم على المنظومة الجديدة.
يظن النظام واهمًا أن هذه الإجراءات البائسة سوف تساعده في حل أزمته، وهذا الوهم بالطبع يدعمه المستشارين في صندوق النقد الدولي، الذي جعلت منه الديكتاتورية العسكرية الحاكمة وصيًا علينا، بجانب الدائنين الآخرين، الذين هم بالطبع لا يهتمون بحياة الجماهير وإنما فقط بتأمين أموالهم واستثماراتهم في مصر، وفي سبيل تلك الأموال يحثون الدولة على عصرنا حتى أخر قطرة، وهو ما تفعله الديكتاتورية العسكرية بطرقها الخاصة.
لكن بعد سنوات من التقشف والهجمات الاجتماعية المستمرة، تفيق الجماهير من ضربة لتفاجأ بضربة أقوى، ومع عدم وجود أى أفق أو أمل في انتهاء الأزمة قريبًا، أو حتى استقرارها، وانعدام الثقة بشكل كامل في السلطة بعد وعود لا تنتهي بمستقبلٍ مشرقٍ مزعوم لا يُرى إلا عكسه، بدأ الكيل يطفح، وتحركت قواعد النقابات المهنية وأجبرت قياداتها على الحركة، ولن تدخل تلك المنظومة الجديدة حيز التنفيذ بسهولة، هذا إن نُفذت أصلاً.
من أجل وحدة النضالات
تحاول الديكتاتورية العسكرية المراوغة وتفريغ شحنة الغضب عن طريق التسويف وإرجاء تنفيذ المنظومة الجديدة، معتمدة في ذلك ليس فقط على جيوش المرتزقة في الإعلام والصحافة، ولكن أيضًا على عملائها في قيادة النقابات وأصحاب الأعمال والمكاتب الكبيرة. وهو ما يجب أن ينتبه إليه جيدًا المهنيون، يجب ممارسة رقابة وضغط كامل ودائم على تلك القيادات الانتهازية، والتي سوف تتحين أول فرصة لتقديم قواعدها على طبق من فضة للديكتاتورية العسكرية الحاكمة.
إصرار قواعد نقابة المحامين على الإلغاء الكامل للمنظومة الجديدة وليس إرجاء تنفيذها صحيح بشكل كامل، ويجب دعوة كل النقابات المهنية إلى تبني نفس الموقف، كما يجب الدفع بأقصى قوة من أجل ربط تحركات النقابات المهنية المختلفة ببعضها البعض في أسرع وقت، وصولاً إلى وضع جدول زمني للحركة وخطة للتحرك الجماعي ضد تلك الموجة الجديدة من الهجمات الاجتماعية. كما يجب أن يتم ربط ذلك بالإفراج عن أعضاء النقابات المهنية من المعتقلين سياسيًا، والمعتقلين السياسيين بشكل عام.
يجب أن نعلم أن النظام قادر على هزيمتنا، سواء بالاحتواء أو القمع أو بمزيج من الاثنين، إن لم نتحد. وأن الضمانة الوحيدة لانتصارنا في تلك المعركة -وغيرها- وعدم انتقام النظام منا مستقبلاً هو خلق ميزان قوى جديد في المجتمع بين الديكتاتورية العسكرية والطبقة السائدة من خلفها وبين الطبقة العاملة وأغلبية الجماهير من خلفها، وهذا لن يحدث إلا بالنضال من أسفل وتوحيد المعارك والجبهات.
مقدمة لما هو آتٍ
بداية تحرك القطاعات المهنية، وهي الحاضنة التاريخية للطبقة الوسطى التي تلقت كثير من الضربات الاجتماعية في السنوات الماضية واقتربت كثيرًا من الطبقة العاملة من حيث ظروف العمل ومستويات المعيشة، هي علامة فاصلة ستكون فاتحة للكثير من الأحداث في المستقبل. ما يحدث الآن هو علامة على بداية صعود التشققات للسطح، ولن تتحرك الديكتاتورية العسكرية الحاكمة في تحميل الجماهير ثمن الأزمة بحرية كما الماضي.
من المحتمل أن تستمر هذه المعركة عدة أيام، خصوصاً مع رفع سقف المطالب إلى حد المطالبة بإقالة وزير المالية والتهديد بإضراب للمحامين يوم الاثنين القادم الموافق 12 ديسمبر. وسواء انتصرنا في تلك المعركة أو استطاع النظام احتواء الغضب الحالي بشكل مؤقت، فإنه لن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، وسوف تحذو شرائح بعد أخرى مثال المهنيين، وسوف تنتقل الجماهير من المطالبة بإسقاط الوزراء إلى المطالبة بإسقاط النظام مجددًا في المستقبل. كنا ولازلنا بالفعل نشهد منذ فترة عدة نضالات عمالية مهمة، أبرزها إضراب عمال يونيفرسال، وآخرها إضراب عمال غزل كوم حمادة احتجاجًا على تردي الأجور وتسعف الإدارة، وهذه ليست سوى البداية.
يجب أن تعمل كل القوى اليسارية والعمالية على توحيد تلك المعارك والنضالات المتفرقة لمختلف شرائح الطبقة العاملة والمضطهَدين في معركة موحدة ضد الديكتاتورية العسكرية والنظام الرأسمالي الذي تحميه. يجب أن يتم ربط المطالب السياسية والديمقراطية (الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين وحق التجمع وحق إنشاء النقابات والأحزاب السياسية وحرية الصحافة…الخ) بالمطالب الاقتصادية (المتعلقة برفع الأجور وتحسين ظروف العمل وتخفيف الضرائب وزيادة الدعم ومناهضة الخصخصة…الخ) في إطار برنامج انتقالي يتحدى النظام في أفق العمل على تجاوزه وإسقاطه.
الأزمة الحالية تهز وعي الملايين من المصريين وتدفعهم للتخلص بالتدريج من السكون الذي فرضته الديكتاتورية العسكرية بالقوة الغاشمة لسنوات، وضغط الأحداث يدفع العديد -خصوصًا الشباب- لاستخلاص استنتاجات راديكالية وثورية أحيانًا. مع كل صدمة اجتماعية وكل معركة نضالية ستقترب نهاية النظام الحالي.
سوف تشتد الأزمة في الفترة القادمة، خصوصًا أننا سنشهد تعويم مجدد للجنيه في الفترة القادمة، ومع اشتداد الأزمة يلجأ النظام لمزيد من التقشف والقمع بالتبعية. لا يوجد مخرج من الأزمة الحالية ضمن حدود النظام الرأسمالي، لأن النظام الرأسمالي نفسه هو سبب الأزمة، والديكتاتورية العسكرية الحاكمة مصممة على تحميل الطبقة العاملة والفقراء ثمن أزمة النظام الرأسمالي كاملاً، وهو ما ظهر بوضوح في حديث الديكتاتور في المؤتمر الإقتصادي، وبهذا لا يدفع إلا إلى توريط نفسه ونظامه في تناقض لا يحل مع أغلبية الجماهير، لا يحل إلا بإسقاطه.
قلنا في شهر مايو الماضي أن السيرورة الثورية قد بدأت في مصر، واليوم نقول أن قطار الحركة الجماهيرية بدأ في التحرك، وسوف يراكم السرعة والقوة الكافية مع الوقت لتحطيم حائط الديكتاتورية العسكرية. بالطبع لن تكون مسيرة سهلة أو تصاعدية من الانتصارات التي لا تنتهي، بالعكس سنشهد موجات مد وجزر. يجب أن نستعد لكلا الحالتين، ويجب أن نستعد للمستقبل الذي سيكون مليء بالأحداث، عن طريق العمل على دراسة النظرية الماركسية وبناء المنظمة الثورية لتوفير بديل للطبقة العاملة والجماهير عندما تدق ساعة الحقيقة.
لا للفاتورة الإلكترونية!
الحرية للمعتقلين السياسيين!
تسقط الديكتاتورية العسكرية الحاكمة!
تسقط حكومات رجال الأعمال!
لا حل سوى انتصار الثورة الإشتراكية بقيادة حكومة عمالية!
محمد حسام - عضو في التيار الماركسي الأممي
9/12/2022