حملات انتخابات «بنكهة شعبوية»
امال قرامي
الحوار المتمدن
-
العدد: 7397 - 2022 / 10 / 10 - 19:04
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
توظف الشعبوية في سياقات مختلفة(عالمية أو وطنية-محلية، ..) وتتجدّد من فترة تاريخية إلى أخرى، فتظهر في نسخ versionsمختلفة لتعكس تنوّع التجارب في أوروبا وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلدان. ومن هذا المنطلق يمكن الحديث عن شعباوية متعدّدة Un populisme» pluriel».
وبما أنّه اُريد لنا أن نخوض مرّة أخرى، الانتخابات ونتابع الحملات الدعائية فإنّه لا مناص من النظر في تموقع «الشعبوية التونسية» في هذه الخارطة .فبالرجوع إلى مظاهر تأثّر التونسيين بهذا المدّ الشعبوي نتبيّن أنّ نزوع بعض الشخصيات السياسية إلى الإفادة من «المزايا» التي تتيحها الشعبوية قد انطلق، في الواقع، قبل 25 جويلية ثمّ «استفحل» بعدها، وهو قرار براغماتي واضح لكسب الأصوات ومعركة التموقع السياسي. ولاشكّ أنّ المتابع للخطابات السياسية والإعلامية وغيرها يزداد يقينا من استفحال العدوى.
وبناء على ذلك من المتوقّع أن يلجأ أغلب المترشحين الجدد إلى توظيف الخطاب الشعبوي سيما وأنّه أثبت نجاعته في عدد من البلدان نسوق على سبيل المثال الانتخابات الفرنسية في 2017. وإذا كان من الشائع القول إنّ الذين يعتمدون الخطاب الشعبوي القائم على دغدغة المشاعر والنزعة التبسيطية لحل القضايا هم المترشحون/ات الذين يفتقرون إلى ثقافة سياسية متينة وتجربة ثرية، فإنّ ما عانيناه في الأشهر الماضية، يقيم الدليل على أنّ من السياسيين والراغبين في منصب «نائب الشعب» والامتيازات من سيركب «موجة الشعبوية» وسيلعب على وتر تحريك مشاعر التباغض والكره على أساس طبقي أو جهوي أو ... بعد أن أوعزتهم الحيلة وصاروا غير قادرين في التأثير في الجماهير من خلال خطاب الديمقراطية والحريات و...
ومن المتوقّع أيضا في ظلّ تأزّم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتزايد الإحساس بالخوف من الفقر والبطالة والجوع والمستقبل والشعور بالعجز، أن ينجذب الجمهور إلى الخطاب الشعبوي الذي يصوغه رجل أو امرأة من «عامة الناس» لا من الطبقة السياسية «الفاسدة» أو تلك التي تحترف الكلام لا الفعل في الواقع من أجل المسحوقين المنسيين. إنّ هذا الذي «يشبهنا» ويشعر بآلامنا سيقطع مع الخطاب المعقلن أو الخطاب المعرفي المبني على الاحصائيات والتصنيفات والدراسات المقارنية الذي ينتجه أصحاب التخصصات الدقيقة كأهل الاقتصاد وأهل الإنسانيات والخبراء والسفراء وغيرهم ، وهو القادر على إحداث تغيير فوريّ لأنّه لا يكترث بالتخطيط على المدى البعيد ولا يحبّ الكلام «بالصعيب».
وفق هذا الواقع المأزوم ندرك أنّ الشعبوية تلبي حاجة لدى الناخبين وتوجّه سلوكهم وقراراتهم باعتبار أنّها أوّلا: تروّج لفكرة انّ النخب معادية للمهمشين ومستعلية، وثانيا: تزيد من تعميق الفجوات بين النحن في مقابل «هم» وثالثا: التوهم بأنّ «الشعب» قادر بالفعل، على التعبير عن إرادته وله حكمة le bon sens وبعد نظر وقدرة على التمييز، ورابعا: أنّ المترشّح/ة هو الذي سيكون الناطق الوحيد باسم «الشعب» والمدافع الشرس عن «الزواولة».
إنّ «الحقيقة» التي يروّج لها القائمون بالحملة الدعائية لا تستند إلى معطيات علمية دقيقية وخبرات متراكمة بل هي ملاحظات شخصية انطباعية وتلقائية لا تعتمد على اثباتات وحجج لذلك لن يدخل هذا الصنف من المترشحين/ات في النقاش مع الآخر غاية ما يمكنهم فعله هو الشتم وتوجيه التهم لأنّهم يعتبرون أنفسهم قد امتلكوا «الحقيقة» وأنّهم قادرون بالفعل على تحويل تونس إلى جنّة.
إزاء هذا الوضع لا تملك مختلف مكونات المجتمع المدني المؤمنة بالقانون والحوار والديمقراطية والقيم الحداثية الكونية إلاّ أن تؤسس التحالفات. فالمسار الجديد ليس مسار أحزاب تتنافس بل مسار كتل وائتلافات بإمكانها فرض طرائق مختلفة للعمل وأنماطا مبتكرة للتواصل مع الجماهير وإعادة ترتيب للأولويات وهيكلة مختلفة لعملية بناء مسار جديد وطرح أفكار مغايرة. ونقدّر أنّ هذه التحالفات لا يمكن أن تؤسس للردّ على الشعبوية بل إنّ غايتها تحقيق الانتقال من مرحلة «هيمنة السياسي على الاقتصادي» إلى مرحلة العمل على تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية والجندرية.