ضيفة على الرُّوزنامة: أم سلمة الصَّادق المهدي ـ يا الضَّايقين حلوها مُرَّها ضوقو!
كمال الجزولي
الحوار المتمدن
-
العدد: 7385 - 2022 / 9 / 28 - 00:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إذن، فالوضع التعليمي بعد الانقلاب مأزوم بمعنى الكلمة. فبالاضافة للاغلاق بسبب أزمات الخبز والوقود والكهرباء، والمواكب المستمرة منذ قيام الانقلاب، واغلاق الجسور بواسطة الانقلابيين انفسهم، مما أدى لتقليص السنة الدراسية، تعرض عدد من المقررات للحذف والإنقاص، تمهيداً لتغيير المنهج بالكامل، وتخريباً للأساسيات، واستهتاراً بقضايا مصيرية دون شورى، وهو نفس طريق النظام المباد حذوك النعل بالنعل!
الأربعاء
كان يوم 15 سبتمبر الجاري اليوم العالمي للاحتفاء بالديمقراطية بقرار الأمم المتحدة. وقد ورد في صفحتها بهذا الخصوص: "احتفاء الأمم المتحدة بالمناسبات الأممية يأتي لكونها مناسبات لتثقيف الجمهور بشأن القضايا ذات الاهتمام، وحشد الارادة السياسية، والموارد، لمعالجة المشاكل العالمية، وللاحتفال بالانجازات الانسانية، وتعزيزها". وفي ذات الصفحة عُرِّفت الديمقراطية بأنها "إحدى المثل العليا المعترف بها عالمياً، وإحدى القيم الاساسية للامم المتحدة. وتهيء الديمقراطية بيئة مناسبة لحماية حقوق الانسان وإعمالها على نحوٍ فعال. وتبذل الامم المتحدة جهودا كبيرة لدعم الديمقراطية وتعزيزها في جميع انحاء العالم بما في ذلك: الحكم الرشيد، ومراقبة الانتخابات، ودعم المجتمع المدني، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية، والمساءلة، وضمان حق تقرير المصير في البلدان المستعمرة، وتقديم المساعدة على صياغة دساتير جديدة في دول مراحل ما بعد النزاع". كما أثبتت الدراسات المتخصصة الرصينة أن الديمقراطية هي الطريق المأمون للتنمية. فالحكم الراشد، بشفافيته، ومحاسبيته، وتشاركيته، وسيادة حكم القانون، يقطع الطريق أمام سوس الفساد الذي ينخر في عظم الاقتصاد والتنمية.
يتحسر السودانيون، يوم الاحتفاء بالديمقراطية، للأسف، على ضياع الأمل في ثورتهم، وما انتظروه من فتحها نوافذ واسعة لنسيمٍ ديمقراطيٍ عليل ينقلهم من حالٍ إلى حال! وبانقلاب 25 أكتوبر يزداد الواقع سوءاً بفقدنا رجلاً ظل يبشرنا، مهما كان الظلام حالكاً، بأن الديمقراطية "راجحة وعائدة"!
الخميس
ما بين خميسٍ مشرقٍ ولد فيه "الحقاني" عليه الرضوان، في ديسمبر من العام 1935م، وخميسٍ نحسٍ صعدت فيه روحه الى باريها في نوفمبر من العام 2020م، أو مثلما كتب المحبوب عبدالسلام "يوم أن أظلمت بوابات الشعب وأضاءت بوابات الفراديس"، استطاع هذا الرجل الأمة، في تلك الفترة من عمره، أن يقدم الكثير لوطنه، ولدينه، ولحزبه، ولكيانه، ولأسرته، ولعالمه.
جاء في خطاب باري قوسي، رئيس جائزة قوسي الدولية للسلام، إلى الصَّادق المهدي، لدى اختيار منظمته له لتكريمه بالجائزة التي هي المقابل الآآسيوي لنوبل الأوربية: "ننتظر بشغفٍ كبيرٍ حضوركم في يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2013م، الساعة الخامسة مساء، بمركز الفلبين الدولي للمؤتمرات بمانيلا بالفلبين، لاستلام التكريم المتميز المخصص والمكافيء لمساهماتكم المهمة في مجال فن إدارة الدولة، والحنكة، ومجال بناء السلام، تقديرا لعملكم من أجل الديمقراطية، والسلام، والاحياء الاسلامي، والسعي لعالم أعدل وأفضل، مما جعلكم قدوة ليس، فقط، للسودان، وإنما عبر العالم العربي، وافريقيا، وأوربا، والولايات المتحدة الأمريكية، وآسيا، والمجتمع الدولي".
في هذه العجالة لن أحيط بحياته التي أضاءت حيوات، ولا بنهجه الذي نفع به الكثيرين، ولن أجرؤ على ذكر ألم فقده الذي أمات أنفسا، وأوقف أحوالا، مكتفية برؤوس مساهمات تشير ولا تحيط، تقفو ولا تفي.
عبر رئاسته لمنتدى الوسطية، وعضويته لنادي مدريد، ولكثير من المنظمات التي تعنى بالديمقراطية والسلام والبيئة، قدم رؤىً لماحة، وحلولاً موضوعية، لنزاعاتٍ شائكة، منها، على سبيل المثال، "شروط استدامة الديمقراطية"، "الديمقراطية راجحة وعائدة"، "فك الاشتباك الديني العلماني"، "حل الدولتين لقضية فلسطين"، "المشكلة العراقية الايرانية"، "حرب اليمن"، "حوض النيل"، "سد النهضة"، "العلاقات السودانية المصرية"، "أحاديث عن البيئة"، و"مشروع زراعة ترليون شجرة درءا للتصحر"، كما كتب عن الرياضة وأهميتها، وعن الفكاهة وجدواها .. الخ.
وعبر عضويته لمنظمات اسلامية قدم فهما اسلاميا صحويا برَّأ فيه الدين السمح مما لحق به من ممارسات الطغاة والغلاة، مثل كتاباته عن "جدلية الاصل والعصر"، و"التجديد الديني"، و"حقوق المرأة"، و"حقوق الأقليات في الاسلام"، و"المنظور الاسلامي لحقوق الانسان"، و"العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاسلامي"، و"الاقتصاد من منظور اسلامي"، و"فهم السيرة من زاوية الرسول الانسان"، و"تفسير القرآن استصحابا للمقاصد"، بما شكل مدرسة متكاملة للفكر الوسطي الصحوي .. الخ.
وعبر رئاسته لحكومة بلده، وللمعارضة فيها، بما أكد حسن ادارته للتنوع، والجنوح للقومية، وإعلاء أجندة الوطن: «قضية جنوب السودان"، "حلول مشكلة دارفور"، "الهوية السودانية"، و"الخصوصية السودانية" .. الخ.
وعبر إمامته لكيان الانصار استطاع أن يجعل الدعوة تصب في التيار الاسلامي العام، وان يجد لها نسبا مع كل الطيف الاسلامي، مما كتب لها حياة متجددة ممتدة، «يسألونك عن المهدية"، و"فكر المهدية" .. الخ، كما عمل على ترسيخ المؤسسية، وتنصيب الامام بالانتخاب.
وعبر رئاسته لحزب الأمة استطاع ان يجعل حزبه "عضم ضهر" الديمقراطية في بلده، ومسمار نصها، ورسخ فيه المؤسسية، ونهج الشورى، وعقد المؤتمرات، وورش العمل، والندوات، والمحاضرات، وقدم المبادرات، مثل العقد الاجتماعي، ونصرة النساء، وتقديم الشباب .. الخ.
ولنا نحن أهل بيته أرسى، عبر تعامل ديمقراطي رحيم، أسلوبا في التربية عن طريق القدوة، لا القسوة، والصداقة لا السلطوية، والرأفة لا العنف، والمحبة لا الاكراه، مما سطره في "أيها الجيل"، وشهدناه مثالا ناطقاً لأحفاده الذين افتقدوه والداً رحيماً، وصديقاً مقرباً، وقائداً حكيماً.
هي مسيرة اهتم فيها بحسابٍ يجرده يوماتي، بمراجعات النفس اللوامة، ويبذله سنويا في "وقفات الميلاد" لنقد الذات، والاعتذار عن الأخطاء، ويقول في احداها: "أنا شخص يسعى لتحقيق المعادلة الذهبية بين اتهام للنفس لا يورث العجز، وثقة في النفس لا تورث تضخم الذات"!
ثمَّ إنه أحسنَ نعيَ نفسه بقوله في آخر ما كتب: "وأفضل الناس في هذا الوجود شخص يترحم مشيعوه قائلين لقد شيعنا حقاني إلى الحق".
طبت حياً، وحيا ترزق، يا صادق الوعد.
الجمعة
من المؤسف حقا أن السودانيين منقسمون حول معركة الكرامة ــ كرري التي لم تكن نصراً حسياً مثلما غنى المغنون! إذ صحيح أنهم كانوا رجالاً "كالأسود الضارية"، لكنهم لم "يشتتوا كُتَل الغزاة الباغية"! فقد كانت كرري معركة "هزيمة الهزيمة"، كما وصفها الامام الصادق عليه الرضوان. وكانت صموداً صلداً، محضاً، شجاعاً، في وجه الغزاة الذين شهدوا بروعته هم أنفسهم، فقال قائلهم: "لم نهزمهم ولكن دمرناهم بقوة السلاح"! وكتب المراسل الحربي جي. دبليو. ستيفنس: "كان ذلك آخر أيام المهدية، لكنه كان، بحق، أعظمها على الاطلاق، لم يتراجع العدو، قط، لم تكن كرري معركة بل كانت إعداماً لأبطال"، مما سجله النابه د. محمد المصطفى موسى في سفره الرائع "الأصداء العالمية للثورة المهدية".
شكل ذلك الصمود الاسطوري، والاستعداد اللامتناهي للتضحية، نسيجا فولاذيا مهر الأمة السودانية فيما بعد كرري، وقوّى عزائمها، لمقاومة الطغاة من غزاة خارجيين، أو بغاة داخليين! لقد اتصفت الشخصية السودانية بالعزة، والانفة، والكرامة، ورفض الذل، ورفض الخنوع، اتصالا بتاريخ موثق منذ رماة الحدق وكوش، وقد جسدته المهدية في دولة وطنية موحدة، وعمّقته معركة "اعدام الابطال" في كرري.
وحتى يوم الناس هذا نرى الشباب السوداني يصمد أمام المدرعة، والمجنزرة، والدبابة، وهو أعزل إلا من إرثه الجيني هذا!
ثم أن كرري كانت تجسيدا لانصهار قومي متناغم، ولوحدة وطنية مبشرة:
"فمن اواسط السودان العركيون بقيادة الامير احمد حمدان العركي، العمارنة بقيادة الامير بابكر ود عامر، كنانة بقيادة الامير البشير عجب الفيا، دغيم بقيادة عبد الله ابو سوار، الشنابلة بقيادة الامير فضل الله فضل المولى، الركابية بقيادة الامير مكاوي احمد والامير احمد السيد الركابي، البطاحين بقيادة الامير عثمان النائب؛
ومن الشمال الامير احمد جمال الدين الجعلي، والامير محمد عبد الحليم مساعد، والامير ود سعد الجعلي، والامير محمد ود التويم، والجوابرة بقيادة الامير جابر الطيب؛
ومن دارفور وكردفان: بنو جرار بقيادة الامير محمد احمد ود محمد ود نوباوي، ودار حامد بقيادة الامير تمساح امبدي، والكبابيش بقيادة الامير عوض السيد قريش، والكواهلة بقيادة الامير جاد الله ود بليلو، والجوامعة بقيادة الامير دودية، وبنو هلبة بقيادة الامير رضوان آدم، والزيادية بقيادة الامير جاد الله عيسى، والهوارة بقيادة الاميرحامد موسى، والرزيقات بقيادة الامير موسى مادبو والامير يس فضل، والمسيرية الحمر بقيادة الامير علي الجلة، والهبانية بقيادة الامير محمود عبدالكريم، والتعايشة بقيادة الامير عثمان الدكيم، والفلاتة بقيادة الامير بيلو الداداري، والميدوب بقيادة الامير شيبو، والبرقو بقيادة الامير الطاهر مكي، والبرنو بقيادة الامير حاج ابراهيم، والحمر بقيادة الامير مسلم عيسى، والهواوير بقيادة الامير حامد عربي، والنوبا بقيادة الامير عبدالرحمن انبار، والبرتي بقيادة الامير احمد ابو جديري، والزغاوة بقيادة الامير حسبو محمد، والفور بقيادة الامير ابراهيم شمس الدين.
ومن الشرق: الارتيقة بقيادة الامير سليمان كشة، والهدندوة بقيادة الامير عثمان دقنة".
كانت كرري معركة غير متكافئة من حيث العدة والعتاد، ومن ورائها كيد انتقامي عظيم أشعلته الهزيمة التي ألحقها السودانيون بقوات الاحتلال وقد "شتَّتوا كُتل الغزاة الباغية" حقا في شيكان، ومعارك كثيرات أُخر، بعدها وقبلها، محققين انتصارات مؤزرة على دولتي الاحتلال آنذاك. وكان وقع مقتل غردون، القائد البريطاني المعظم في قومه، مؤلماً على عرش بريطانيا التي اهتزت له، كما أشعل الأمل أخضراً في جنبات مستعمراتها التي لم تكن الشمس تغيب عنها، فنظر الايرلنديون للامام المهدي كبطل أسطوري، وخلد قادة المهدية شعراء مشهورون، واحتفى به الصِّينيون رمزا للعزة والكرامة. لذا من المحزن عدم الاستفادة من دروس كرري في تخليق دولتنا الوطنية، ومن المؤسف ألا يراها بعضنا إلا مجرد تهور وحماقة، ولا يراها آخرون إلا جزاء مستحقا لظلمة، ومن الخطأ عدم قراءة التاريخ بتأن، أو قراءته خارج سياقه!
وخطة الخليفة لكرري، على عكس ما يروَّج له، بشهادة ونستون تشيرشل، هي "خطة بالغة التعقيد، وباستثناء عدم تقديره الجيد لفعالية نيران اسلحتنا الحديثة، ليس بوسع المرء انتقاد شيء من استراتيجيته العسكرية". ولا يستطيع المرء إلا ان يقف مبهوراً، متقطع الانفاس، وبدموع مدرارة، عندما يقرأ من صفحات تلك البطولة أن محمداً ابن الامام المهدي، ذا الثمانية عشر عاماً، نفد صبره، وهو يرى النيران الانجليزية تحصد شهداء الانصار، وسط صيحات الأمير يعقوب مطالبا قواته بضبط النفس، فجرَّ جواده مخاطباً الأمير متحدياً:
ــ "يا الضَّايقين حِلُوْها مُرَّها ضُوقُو"!
ومندفعا نحو الانجليز بقلب لا يعرف الخوف، حتى أصيب بوابل من الرصاص اخترق جسده، ليتهاوى على الأرض شهيداً، فما كان من الأمير يعقوب، لدى رؤية ذلك المشهد البطولي، إلا أن اندفع هو الآخر صائحاً:
ــ "سبحان الله أكان ود المهدي الصغير دا سخى بالموت انا يعقوب الكملت شبابي وشيبي في خير الدنيا راجي حياة بعد دا"؟!
فمتى نلتفت لأهمية تاريخ مشترك نجمع عليه، على الأقل في حده الأدنى، ففي كرري كلنا سال لنا دم، وبكرري كلنا نلنا نصرا معنوياً شهد به الأعداء، ووثقوه شعراً ونثراً.
والآن، جاء في الأخبار، أن رأس الانقلاب احتفل بكرري، وطالب بريطانيا بالاعتذار عن مقتلتها! ومع أن الاحتفاء بالذكرى استحقاق لا خلاف حوله، وأن ما حدث فيها كان جريمة كاملة الاركان ضد الانسانية، فإن شرف المطالبة بمحاسبة قتلة السودانيين، في 2 سبتمبر 1898م، لا يجب أن يأتي ممن قتلهم في25 اكتوبر 2021م، بل ومنذ30 يونيو 1989م!
السبت
في بداية الاسبوع الثاني من سبتمبر الجاري توفيت الملكة اليزابيث الثانية، أطول ملوك المملكة المتحدة جلوسا على العرش. وشهدنا التبجيل والحزن العميق الذي قابل به الشعب البريطاني، وشعوب الكمونولث، بل وشعوب العالم، هذا الخبر، بما يقرب من التقديس! ومثل الملايين وجدتني مشدودة إلى الشاشة البلورية أرقب الجنازة الملكية، وتنقلها من مكان لآخر، وبين اصطفاف الآلاف على جانبي الطريق، من مقرها المؤقت في قاعة كنيسة وستمنستر التاريخية، حيث ظل جثمانها مسجى لأيام، لينضم، لبضع ساعات، الى جوار جثمان زوجها الامير فيليب المدفون في القبو الملكي، قبل أن يُنقل الجثمانان لكنيسة جورج السادس، حيث يستقران بجانب والدي الملكة اليزابيث.
بالطبع لا يمكننا اغفال أن بعضا من هذا الحزن الذي أبداه العالم قد يكون سببه ما قدمته الملكة الراحلة لشعبها، في زمن انحسر فيه دور الملوك، وصار مثار جدل، حيث ارتضوا بالادوار الشرفية، وتماهوا معها! لكن الحقيقة أن الناس يقرنون بين جبروت الملوك وجبروت الآلهة، ويلمسون في ملوك الأرض بعض سطوة قوة عظمى لا يرونها، وإن جسَّدها السلطان، أو الملك، أو الشيخ .. الخ!
لقد انقسم السودانيون بين ذارفٍ للدموع على الملكة الراحلة، ومن يرى وراء الدموع استلاباً لصالح المحتل! وفي بلد كانجلترا، تتداخل مظاهر "العلمانية" و"الدين"، فالملكة رأس الدولة، وتتربع، أيضاً، على رأس الكنيسة! وظلت مراسم التتويج تقام، طوال الـ 900 عاماً الماضية، في كنيسة وستمنستر آبي، ويؤدي رئيس اساقفة كانتربري طقوسا دينية انجليكانية، وفي ذروة المراسم يضع تاج سانت ادوارد على رأس الملك الجديد الذي يؤدي قسم التتويج أمام العالم، ويحصل على "الصولجان" و"الاورب" الذي هو قطعة من الذهب مرصعة بالجواهر على شكل العالم يعلوها صليب، رمزاً متداخلاً بين "المحسوس" و"الما ورائي" لدوره كملك جديد لانجلترا ودول الكومونولث الـ 14. وفي أمريكا، أعتى قلاع الرأسمالية، نرى هذا التداخل، أيضاً، في عبارة "In God We Trust" مطبوعة على الدولار الأمريكي!
وحدثنى أحد اليساريين بأنه، مع اعتقاده بالمادية الجدلية، لا يغادر بيته دون أن "يزربه"، وحقائب سفره، إن سافر، في "زريبة الشيخ حامد"، ويعتقد جازماً أن ممتلكاته، إن لم يفعل، تضيع! وحكى أحداثاً أثبتت له عواقب عدم التزامه بذلك! ولم أغالطه، فالإيحاء يحدث في عالم لا تفسره المادة وحدها، حيث الدين من ضرورات الانسان العشر.
الأحد
يحكي أحد الأحباب من مناضلي حزب الأمة الجسورين الذين شاركوا في النضال ضد دكتاتورية نميري أنهم، بعد وقوع انقلاب 25 مايو 1969م، وادراكهم لتوجهه اليساري ضدهم، صاروا يعملون "ليل نهار" لتنظيم مقاومته. ويقول الحبيب ميرغني ضيف الله أنه، وبصحبة الحبيب محمود ابو سعيدة، ظلوا على هذا الحال طيلة "نهار وليل" 25 حتى فجر 26 مايو بلا توقف؛ فقال ابو سعيدة لضيف الله:
ــ "أول مرة أعرف حزب الأمة صحي ليل ونهار"!
وكان أهلنا، عندما يجيئون من الأرياف لحضور مناسبة للحزب بالعاصمة، ويسمعون الهتاف "حزب الأمة لن ينهار"، يرددونه "حزب الأمة ليل ونهار"!
***