الطّبقة العاملة المغربية في مُنعطف تاريخيّ: خطرُ الإجهاز على حق الإضرابْ
المناضل-ة
2022 / 9 / 27 - 22:04
افتتاحية- الطّبقة العاملة المغربية في مُنعطف تاريخيّ: خطرُ الإجهاز على حق الإضرابْ
تُصر الدولة على فرض قانون منع عملي للإضراب، وقد جرى التّقدم خطوة كبيرة في هذا الاتجاه بتنصيص اتفاق 30 أبريل 2022 مع قيادات نقابات الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، على تمرير ذلك القانون.
جاء ضمن ما نصت عليه النقطة السادسة مما سمي “مُخرجات الحوار” ما يلي: “إخراج القانون التّنظيمي المُتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب إلى حيز الوجود، قبل نهاية الدورة الأولى من السنة الثانية للولاية التشريعية الحالية [يناير 2023].
أول ما يثير الانتباه، وغضب الحريصين على مصلحة الشغيلة، أن هذا التنصيص ورد تحت عنوان “استكمال الترسانة القانونية لتشريعات العمل وملاءمتها مع تحولات سوق الشغل الوطنية والدولية”. فقد جرت عادة النقابيين المتكيفين مع الرأسمالية على المُطالبة بملاءمة تشريعات العمل المحلية مع المعايير الدولية، أي اتفاقات منظمة العمل الدولية. ليست هذه الاتفاقات نموذجا مثاليا لما يجب أن تطالب به الحركة النقابية لكنها تتضمن مكاسب لصالح العمال ناتجة عن ميزان قوى بين العمل ورأس المال أيام زمان.
تخلى مُوقعو استسلام 30 أبريل 2022 عن هذا المطلب، الممثل حدا أدنى إلى اقصى درجة، ليتبنوا ما يسعى إليه أرباب العمل ودولتهم، أي الملاءمة مع الهمجية السائدة في سوق الشغل الوطنية والدولية. ما في سوق الشغل هو الأمر الواقع الذي فرضه أرباب العمل من هشاشة الشغل وظروفه، أي تفكيك أوصال الطبقة العاملة بفرض أشكال العمل غير القار، وفرط الاستغلال، وتدهور مريع لظروف العمل. هذا كله سينتقل من الواقع إلى منزلة القانون، أي إضفاء طابع قانوني على كل فظاعات عالم الشّغل التي يستفيد منها الرأسمال وتتحملها الطبقة العاملة.
ضمن هذا المنظور، سيتحول المنع العملي للإضراب بالفصل 288 من القانون الجنائي، وسجن النقابيين، وفك الاعتصامات بالقوة، ومنع المسيرات العمالية والاقتطاع من أجور المضربين- ات، إلى نص قانوني جامع مانع للإضراب. وقد أعطت مشاريع قانون الإضراب التي روجتها الدولة طيلة 20 سنة الأخيرة صورة جلية عن هذا المنع العَملي للإضراب. وقد كان آخر تلك المشاريع غاية في التشدد القمعي لإلغاء الإضراب لدرجة أن منظمة أرباب العمل، الاتحاد العام لمقاولات المغرب التي لا تتردد في اظهار شراستها تجاه الشغيلة، سحبت مشروع قانون سبق أن اقترحته.
سيمثل تمرير قانون المنع العملي للإضراب هزيمة تاريخية غير مسبوقة للحركة العمالية المغربية منذ نشأتها قبل زهاء 90 سنة. فرغم كل صنوف القمع الاستعماري للطبقة العاملة المغربية منذ نهوضها للنضال في ثلاثينيات القرن الماضي، لم تُمنع من الإضراب. ولم يتجرأ أول دساتير الاستبداد، بعد الاستقلال الشكلي، من منع الإضراب العمالي بفعل ميزان القوى الطبقي آنذاك، ولكون الملكية كانت في غنى عن استثارة رد كفاحي من البروليتاريا وهي تواجه خطر يسار الحركة الوطنية الذي كان يُنازعها من أجل تقاسم السلطة. وعلى مر دساتير الاستبداد، وتحولات ميزان القوى الطبقي، ظلت جملة دستور 1962، “وسيبين قانون تنظيمي الشروط والإجراءات اللازمة لممارسة هذا الحق” (حق الإضراب) حبرا على ورق ينتقل من دستور إلى دستور، لتستقر بصيغة “ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته” (الفصل 29 من الدستور الحالي).
وقد بدأت الدولة منذ مطلع سنوات 2000 ترويجا واسع النطاق لمشاريع قانون الإضراب بموازاة حملات إعلامية للنيل من مشروعية الإضرابات العمالية. لكن سياقات سياسية في فترات معينة، وتطور الحالة النضالية الإجمالية، ومنها أجواء العام 2011 (حراك 20 فبراير والموجة الشعبية الموازية) من جهة أخرى، لم يتيحا الإقدام على فرض قانون الإضراب بتمريره من المؤسسات. هذا فضلا على أن التفعيل المستمر للفصل 288 من القانون الجنائي، الذي لم تفلح الحركة النقابية في اسقاطه، إلى جانب إضعاف التنظيم النقابي باستشراء علاقات الشغل الهشة، أنقص كثيرا الإضرابات في القطاع الخاص، ما جعل الدولة غير مستعجلة إصدار قانون المنع العملي للإضراب. وقد تصدت في الساحة التي استمرت فيها نسبة مهمة من الإضرابات، أي الوظيفة العمومية، بالاقتطاع من أجور المضربين، وهو ما أتى أكلا نسبيا.
والآن، وقد استبد الضعف بالحركة النقابية، وتوغلت قيادتها في التعاون مع الدولة وأرباب العمل باسم “الشراكة الاجتماعية” بنحو لا سابق له، واستعدادا لتشديد الهجمات على الشغيلة وعامة الكادحين، تندفع الدولة نحو تمرير قانون الإضراب بما تم التوقيع عليه في اتفاق يوم 30 ابريل 2022.
صون حق الإضراب معركة مصيرية لا تزال أمامنا
يجري هذا لأن قوة الطبقة العاملة غير مجمعة، والقسم المنظم منها مشلول من فوق، إذ أن قيادات الحركة النقابية مُمتنعة عن التّصدي لمشرُوع قانون الإضراب. فرغم أن مشاريع قانون الإضراب توالت منذ 20 سنة، لم تنظم أي مركزية نقابية أي حملة حقيقية لتنبيه الشغيلة في أماكن العمل وبكل وسائل التواصل والإعلام. ولم يحظ قط الدفاع عن حق الإضراب بأي خطة نضالية تكون موضع تنسيق بين مختلف النقابات. لا بل لم تنظم حتى الدفاع عن أجور المضربين رغم كل الادعاءات، فيما أبان نجاح معركة تنسيق نقابات التعليم بجهة سوس- ماسة في العام 2010 إمكان استعادة المقتطعات.
القوة النوعية للضغط العمالي، الناتجة عن دور الشغيلة في تحريك آلة الإنتاج والنقل والإدارة، وكل مناحي الحياة، كفيلة بردع عدوان الاجهاز على حق الإضراب إن هي تحركت في حدود دنيا. وهذا التحرك ممكن لأن في النقابات، رغم تبقرطها المفرط، قوى مناضلة في قاعدتها، والعديد من أطر أجهزتها المحلية والوسطى من المناضلين الحريصين على حماية سلاح الإضراب وأداة النضال التي هي النقابة، ولهم دور كبير في بت النشاط في أوصال النقابة. وتوجد بموازاة النقابات هيئات نضال أخرى، من جمعيات وتنسيقيات، كلها تجمع جزءا من قوة طبقة الأجراء والأجيرات. ولا شك أن واجب الأوفياء لمصلحة طبقتنا من أعضاء الأجهزة القيادية ألا يظلوا أسرى لدى البيروقراطية، فالمعركة لصون حق الإضراب معركة مصيرية تسقط إزاءها كل الحسابات الظرفية.
واجبنا استنهاض هذه القوى، والتوجه إلى عموم طبقتنا بالوسائل التي تتيحها تكنولوجيا الاتصال، والدفع بكل أنواع التعاون والتنسيق، لتجميع القوة الكفيلة بصد العدوان الغاشم.
إن ما تهدف إليه دولة البرجوازية ببلدنا من تجريد الطبقة العاملة من سلاح الإضراب ظلم ينضاف إلى مجمل جرائم الاستغلال والاضطهاد المقترفة منذ عقود، فلتكن صيحة حربنا الدفاعية: هذا الظلم لن يمر.
يجب أن نبرهن لأعداء طبقتنا أننا لسنا عبيدا خنوعين نتفرج على إحكام القيود في أيدينا وأرجلنا، ولسنا نُساق سَوْقَ الخراف إلى المجزرة. فالدفاع عن حق الإضراب، نضال ضد الاستعباد، وليس دفاعا عن حقنا في عمل وحياة لائقين وحسب، بل دفاع أيضا عن الكرامة العمالية.
إنّنا بحاجة ماسة، أكثر من أي وقت مضى، إلى روح المبادرة والإقدام، ولن نضبط وتيرتنا بما تسير به البيروقراطية النقابية المستعدة لوضع حق الإضراب على طاولة التوافقات.
وختاماً، لنا نحنُ طبقة الأجراء حلفاءٌ في معركة حق الإضراب هذه، متمثلون في الحركة الحقوقية وكل القوى السياسية الذائدة على الحريات الديمقراطية، يتعيّن أن نمد نحوهُم جسور التّعاون بدون تردد للسير بقوة وتصميم نحو الهدف المشترك: ضمان حرية رفض العبودية، حرية الاضراب.
شعارُنا الكفاح وأملُنا النصر وايماننا عدالة قضيتنا… فلنرفع جذوة النضال عاليا
جريدة المناضل-ة