أزمات النظام السياسي العراقي إلى متى ؟..
صادق محمد عبدالكريم الدبش
2022 / 7 / 14 - 01:05
أزمات النظام السياسي العراقي ... إلى متى والعراق يأن ؟..
متى يغادرون المحاصصة والطائفية السياسي والقومية ؟..
خلال العشرين عام الماضية ، تكررت المواجع والأزمات المتلاحقة ، تتعدد وتتجدد على أيدي هذه القوى والأحزاب السياسية ، التي كانت وما زالت ، تقود المشهد السياسي من سيء إلى أسوء .
فشلت فشلا ذريعا في إدارة ( الدولة !) وبان عجزهم في توفير متطلبات العيش حتى بحدوده الدنيا ، والسبب معروف وواضح ولا يحتاج إلى أدلة وبراهين ولسنا بحاجة إلى التكرار .
هذه القوى الفاشلة الفاسدة والجاهلة ، تحول العراق على أيديهم لأفسد دولة في العالم ، باعتراف الأمم المتحدة والمنظمات المعنية في الاقتصاد وفي السياسة وفي بناء الدول .
رغم هذا فإن هذه القوى وفي مقدمتهم قوى وأحزاب الإسلام السياسي الشيعي الحاكم على وجه التحديد ، الممسكين بناصية بالسلطة وبصنع القرار من 2006 م وما زالوا كذلك .
رغم هذا الفشل وما أصاب البلاد والعباد من تدهور ، مازال هؤلاء مصرين وبعناد على البقاء على رأس السلطة بأي ثمن ، حتى لو اقتضت الضرورة استخدام القوة ضد خصومهم السياسيين ، وعدم التخلي عن مواقعهم ومكاسبهم وهيمنتهم ، على المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك المؤسسة الدينية ، التي من المفترض أن تكون مستقلة وغير خاضعة لجهة أو حزب أو جماعة داخل الوطن أو خارجه .
هذا النهج وهذه السياسية تنذر بنتائج خطيرة ومدمرة ، لحاضر ومستقبل العراق أرضا وشعبا وكيان ، وقد يدفع هذا خلال الفترة القادمة إلى صراع مرير ودامي ، وسيلحق أفدح الأضرار بالعراق وشعبه ويسمح بتدخلات أكبر من التي نحن عليها الأن .
الانتخابات وسيلة من وسائل الديمقراطية والنظام الديمقراطي ، وتساهم في قيام دولة المواطنة ، الدولة الديمقراطية العلمانية بشرطها وشروطها .
العراق دولة وحسب الدستور العراقي ، دولة ديمقراطية اتحادية مستقلة ، ولكن الحقيقة العراق ليس فيه أي شكل من أشكال الدولة ، وغير ديمقراطية وغير اتحادية وغير مستقلة كونها خاضعة قلة قليلة من هواة السياسة ولإرادات إقليمية ودولية ، ومن يقوم على صناعة القرار في الغالب ليس لهم أي رؤيا وطنية ولا في إدارة الدولة .
حتى لا نكرر ما تم تناوله خلال العشرين سنة الماضية ، سنتناول ما حدث ويحدث بعد انتخابات 12/10/2022 م وما أفرزته تلك الانتخابات ، حين رفض نتائجها البعض وقبلها أخرين ، كون الرافضين لم يحصلوا على نتائج يتمنونها ، فوضعوا العصي في عجلة العملية السياسية ، ولم يكتمل تشكيل الحكومة وفي المدد الدستورية .
السؤال .. إن كانت الانتخابات وما أفرزته ، قد نالت رضى وقبول الأطراف المشاركة في ما أطلقوا عليه في حينه ( العرس الانتخابي !) ونالت تأييد الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ، بل ومباركة ورضى الأطراف المعترضة نفسها قبل ظهور النتائج ( الاطار التنسيقي الشيعي ) فلماذا تغير موقفهم 180 درجة ، وما جدوى الانتخابات إذا كانت نرفضه هنا ويقبلونها هناك ، والجميع يعلم بأن الانتخابات فيها ربح وخسارة فلماذا ترفض نتائجها .
على المشاركين في عملية الاقتراع أحزاب وكتل وأفراد ، أن يقبلوا بنتائجها ، ومن يعتقد أن هناك قد شابها شيء ، فعليه اللجوء إلى المفوضية أو إلى القضاء وهذا هو الإجراء الطبيعي .
ومن لم يقتنع بمجمل العملية السياسية ، عليه أن لا يشترك ويقدم حججه ومبرراته في الإحجام وعدم المشاركة .
أما حين تأتي نتائجها بما لا يشتهون فهذا أمر غير مقبول أبدا وغريب عن أي عملية ديمقراطية .
الذي يجري بين المشاركين في العملية الانتخابية ، والتقاطعات والتناحر والسجال والتهديد والوعيد ، ومحاولة فرض رؤاهم على الأخرين ، فهو بعيد كل البعد عن الديمقراطية ومخالفة للدستور والقانون وللأعراف الدولية والوطنية وتحدي ( للدولة إن كان هناك دولة في عراق الإسلام السياسي الحاكم .
اليوم هناك نهج خطير ومكشوف ، من خلال طرح التالي :..
الرأي الأول يقوم على تشكيل حكومة من قبل الإطار التنسيقي ومن يهرول ورائهم ، وبعيد عن الكتلة الصدرية المنسحبة بنوابها أل ( 73 ) نائبا وبنفس الديباجة القديمة والشعارات .
من مهمات هذه الحكومة وحسب رؤيتهم ، تعديل قانون الانتخابات وإجراء بعض التغييرات في هيكلية المفوضية ، وربما بعض التعديلات على الدستور ، فإن تمكنت هذه الحكومة من أن ترى النور ، ربما ستكمل مدتها الدستورية أربع سنوات ، وإن لم تتمكن هذه الحكومة فسيذهبون إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة ، بعد القيام بتشريع قانون انتخابات يتوافق مع رؤيتهم وينسجم مع مصالحهم ، وهذه الرؤيا تدور داخل أروقتهم في الغرف المغلقة !..
وأعتقد جازما بأن هذا لن يحدث ولا فرص حقيقية بأن يرى النور جملة وتفصيل ، لأسباب عديدة ومنها المعارضة الشديدة من قبل الصدريين والمدنيين وثورة تشرين .
الاحتمال الثاني يعملون على تمريره ، العمل على تمرير انتخاب رئيس الجمهورية ، كون الإطار يملك الأغلبية العددية بعد أداء الخاسرين اليمين الدستوري لمليء فراغ المنسحبين ، وتشكيل حكومة مهمتها تشريع قانون انتخابات جديد ومن ثم حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة !..
وأعتقد بأن هذا كذلك لم يرى النور .
والغاية الأساس من كل هذه المراوحة والدوران ، كل تلك الأشهر الطويلة ، هو منع أي حكومة لا يوافق عليها الإطار التنسيقي الشيعي .
بسبب بسيط !..
لو قدر للصدر وحلفائه من تشكيل حكومة أغلبية سياسية ( وطنية ) فهذا يعني فقدانهم لمواقعهم وامتيازاتهم ومكاتبهم الاقتصادية وإدارتهم للكثير من الوزارات والوظائف العليا في مؤسسات ( الدولة المختلفة ) وفي المؤسسة الأمنية والعسكرية التي يشغلون فيها المناصب العليا ، ناهيك عن المطارات والمنافذ الحدودية والجمارك ، والتجارة الخارجية وغيرها ، والأكثر أهمية عندهم هو ( الحشد الشعبي ) الذي يعتبرونه الذراع الضارب والمؤثر لتهديد خصومهم ومن يختلف معهم ، لذلك لن يسمحوا لا للصدر ولا لغيره من الاقتراب منه كما يقولون إنه خط أحمر وما أكثر الخطوط العمر هذه الأيام !..
بالتأكيد هذا وغيره ينال دعم وتأييد بعض المراجع الدينية ، وكذلك الدعم الخارجي من إيران وغيرها .
أما ما يدور في ذهن السيد الصدر وما يهيئ له من خطوات تصعيدية فأعتقد بأن هناك دول إقليمية ودولية جاهزة للتدخل في الوقت المناسب ، ولكن مدى تأثير هذا التدخل وشكله ومداه ، ما زال تحت الطاولة ولم تتضح معالمه .
أقول شيء أعتقد.. مهم : ... العراق يعيش منذ فترة على صفيح ساخن ومفتوح على كل الاحتمالات الساخنة والناعمة .
أما عن جدوى الانتخابات وانعكاساتها على الساحة العراقية ، لا يوجد عاقل لا يؤيد إجراء انتخابات حرة ونزيهة بشرطها وشروطها !..
السؤال الذي يطرح نفسه ؟..
هل نعيد تجارب الانتخابات الخمسة التي جرت خلال العشرين سنة الماضية ؟..
ماذا حققت لشعبنا ووطننا تلك الانتخابات ؟..
ألم نخرج من جب وندخل بأخر أعمق منه ؟..
بالتأكيد أنا مع الانتخابات الحرة النزيهة ومفوضية مستقلة للانتخابات قولا وفعلا ، وقانون أحزاب يطبق على كل القوى والأحزاب والأفراد ، يمنع فيه امتلاك هؤلاء السلاح وتحت أي ذريعة أو مسمى ، ويجب تتبع المال السياسي ومصادره ، ومنعه التدخل في التأثير على سير العملية الانتخابية وشراء الذمم ، وأن تكون برامج هذه القوى ونظامهم الداخلي وأهدافهم وطنية وتدين بالولاء إلى الوطن دون غيره .
هذه الشروط وغيرها وتوفر أدواتها ، وضمان أمن وسلامة وحرية الناخب والمرشح الذي يسعى لشغل عضوية مجلس النواب أو أي وظيفة عليا سيادية أو غير سيادية .
بعكسه أنا لست مع المشاركة في أي انتخابات قادمة ، أو الترويج لها أو دعمها ، كونها سوف لن تنتج لنا سوى الخراب والدمار والموت كما هي سابقاتها .
شعبنا يستحق نظام عادل في دولة عادلة وطنية مستقلة وليس نطاما طائفيا عنصري متخلف .
تكون هذه الدولة قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه شعبنا ، وتحقق لنا الأمن والعدل والمساواة والرخاء .
وهذه الدولة لن تقوم على أيدي من تحكم بمصائر البلاد والعباد خلال العشرين سنة وما زالوا كذلك .
هذه القوى ليس لهم علاقة في السياسة ولا في علم السياسة أو في بناء الدول .
قوى طفيلة فاسدة ، همهم الوحيد ، الكسب الغير مشروع وبلصوصية لم يشهد لها العراق منذ ما يزيد على المئة عام .
الحل يكمن في قيام حكومة إنقاذ وطني ، من الأكفاء الوطنيين المستقلين ، من الخبراء وفقهاء علم الإدارة والقانون وعلم الاجتماع وعلوم السياسة والاقتصاد وعلم النفس .
تكون هذه الحكومة فترتها محددة بسقف زمني ، ثلاث سنوات على سبيل المثال .
مهمتها إعادة النظر في بناء الدولة ومؤسساتها المختلفة ، وعلى رأسها المؤسسة الأمنية والعسكرية وحصر السلاح بيدها ، وعدم السماح بقيام أي فصيل مسلح وتحت أي ذريعة ، وحل جميع الفصائل المسلحة والحشد الشعبي والميليشيات كافة .
تشكيل لجنة لدستور جديد ويكون على أساس دولة المواطنة ( الدولة الديمقراطية العلمانية المستقلة وفصل الدين عن الدولة وعن السياسة ).
إعادة وزارة الأوقاف وحل جميع هيئات الأوقاف وإلحاقهم بهذه الوزارة .
يعاد تشكيل الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات وقانون انتخابات يمثل إرادة العراقيين كل العراقيين ، وتأخذ على عاتقها في نهاية الفترة الانتقالية تنظيم انتخابات عامة حرة ونزيهة .
معالجة مشاكل الناس ورفع الحيف عنهم ، وخاصة الفقر والبطالة والأمية والاهتمام بالتعليم والصحة وباقي الخدمات .
معالجة البطالة وإيجاد فرص عمل للعاطلين ، والعناية بكبار السن وبالأطفال والأرامل والمشردين .
العناية الفائقة بالمرأة وإنصافها وتمكينها لنيل حقوقها كاملة ودون تمييز أو إقصاء وتهميش .
البدء فورا في تحريك عجلة الاقتصاد في مجالاته المختلفة ، ومغادرة سياسة الاقتصاد الريعي ، وتنشيط إنتاج ما يحتاجه المجتمع ، بدل أن نكون مجتمع مستهلك وغير منتج مثلما هو حاليا .
هذه مهمات كبيرة وثقيلة تحتاج إلى من هم أهلا لها ، وليسوا هؤلاء المتربعين على السلطة ، من الفاسدين المتلاعبين بثروات البلاد وتاركين الملايين يتضورون جوعا .
رغم ما تركه هؤلاء الفاسدون من أثار قاسية ومدمرة ، فغن شعبنا ما أصيب بالعقم أبدا ، فهو ولاد مبدع خلاق ، لا يحتاج إلا إلى توفير فرص للإبداع والعطاء ، ليشارك في إعادة بناء هذا الوطن العظيم .
لا أشك أبدا لصنع الحاضر الرخي السعيد بسواعد وهمم بناته النجيبات الشجاعات وشبابه المخلصين الأوفياء ليعيدوا بناء حاضرهم ومستقبلهم ، ويطوون سنوات القهر والجوع والخراب والتشرد وفقدان الأمل بحياة أجمل وأسعد وإن هذا لقريب وقريب جدا .
النصر حليف شعبنا الذي بيده مفاتح الأبواب المغلقة ، بإرادته التي لا تقهر و التسلق والتعلق بأمل واثق ، بأن القادم سيكون أجمل بعزيمة وإصرار وثبات هذا الجيل الواعي القادر على صنع حاضره ومستقبله السعيد ,
المجد لثورة تشرين المجيدة الجبارة ، الخلود لشهدائها الأبطال والحرية للمختطفين والمعتقلين ، والشفاء للجرحى والمصابين .
كل المحبة والعرفان والتثمين لثوار وثائرات ونساء ورجال تشرين صانعي الكبرياء والنصر على أعداء الشعب ، هؤلاء الذين صنعوا لهم ولشعبهم تأريخ حافلا بالعطاء ستخلده الأجيال القادمة ، باستمرار الثورة التي بدأت شرارتها في الأول من أكتوبر 2019 م وما زالت شعلتها تضيء الطريق ، حتى تحقيق أهدافها في وطن شامخ عزيز مقتدر سعيد ، ليعيش شعبنا بحرية ورخاء وسعادة ومستقبل أسعد وأمن موحد في محبة وتعاون متعايش .
المجد لثورة الرابع عشر من تموز ولقادتها الخالدين ، في ذكرى قيامها الرابعة والستين ، وعاش العراق حرا أبي مستقل مزدهر وسعيد .
13/7/2022 مأزمات