مجموعة فاغنر: المرتزقة الروس في أفريقيا

تامر خرمه
2022 / 5 / 4 - 00:30     



احتلال أوكرانيا فتح الباب لعديد من الناقشات حول قضايا سياسية دولية. في هذا النص، نود تناول منظمة غير معروفة كثيرا تدعى “مجموعة فاغنر”. هذه الميليشيا على درجة عالية من التدريب المتعلق بنشاطات التمرد والتمرد المضاد، وتأليف الأخبار الكاذبة، والعمل على استقرار أو زعزعة استقرار الحكومات، وفقاً لمصالحها.

بقلم سيزار نيتو
الحرب الهجينة

على مدى عقود، قام الماركسيون بتحليل التكوين الاجتماعي للقوات المسلحة. بشكل عام، يتألف التسلسل الهرمي من الطبقة الوسطى، أو من قطاعات برجوازية بشكل مباشر. القاعدة الاجتماعية، أي الجنود وضبّاط الصف، تتألف من من قطاعات الطبقة العاملة التي تنضم إلى الجيش لأسباب اقتصادية، ولأنها تعاني على يد الرأسمالية، فهي الأكثر انتقادا لأعمال الحرب البغيضة، التي قد يطلب منها إتمامها، ما يجعلها تتحمل مسؤولية فضح الأعمال المشينة المرتكبة في القتال. لذا، بدأ بعض منظري البرجوازية في تصميم القوات المسلحة بقليل من الجنود وضبّاط الصف، والكثير من التقنيات الحديثة التي يديرها المرتزقة.
هناك عدة أمثلة على كيفية دخول الجهاز القمعي الرئيسي للدولة البرجوازية في الصراع نتيجة لهذا الانحراف. القوات المسلحة البرازيلية سبق وأن عانت من اضطرابات كبرى عام 1963 عندما تمرد البحارة ضد رؤسائهم. وفي عام 2001، انضم القادة المتوسطون [ضباط الصف] في الاكوادور إلى القطاعات الأصلية والشعبية، لاحتلال قصر كاراندوليت، والإطاحة بالرئيس جميل معوض. هذه الأمثلة وغيرها تفسر اللجوء إلى خيار المرتزقة لإحلالها مكان الجنود وضبّاط الصف. لكن من الواضح أنها لا تحل محل القوات المسلحة بالكامل، لكن الميليشيات المستأجرة تحل بعض المشكلات المذكورة أعلاه، والتي تواجهها الجيوش.

جموعة فاغنر: الفاشيون الروس الجدد في خدمة بوتين

مجموعة فاغنر لا يمكن النظر إليها على أنها شركة ذات طقوس رسمية. إنها منظمة خاصة للمقاولين العسكريين الذين يعرضون خدماتهم على شبكة أعمال المرتزقة لأغراض متعددة. من بين هذه الأعمال يمكننا أن نذكر: قمع الاحتجاجات الشعبية، وتحقيق استقرار الحكومات العميلة، ونشر الأخبار الكاذبة.. الخ. وفي المقابل يحصلون على تصاريح لاستخراج الذهب، والماس، والموارد الطبيعية الأخرى.
قادتهم، من أمثال ديمتري أوتكين، معجبون بهتلر ويتفقون مع الأيديولوجيا النازية. لهذا السبب يضعون أنفسهم في خدمة بوتين، كونه حاكم برجوازي يميني متطرف.
مجموعة فاغنر هي شركة برجوازية تدافع عن مصالح واستثمارات كبار رجال الأعمال الروس وحلفائهم، لكنها مشبعة أيضا بكامل التحيز “الروسي العظيم” الذي استنكره لينين. إنهم يدافعون عن أطروحة ضرورة قمع القوميات الأخرى من أجل استكشاف وإثراء أنفسهم بشكل أفضل.

يفغيني بريغوزين، رجل بوتين، رئيس مجموعة فاغنر

المنظم والممول الرئيسي لمجموعة فاغنر هو يفغيني بريغوزين، الذي ليس لديه خلفية عسكرية. في أواخر التسعينيات، افتتح الرجل مطعما كان يتردد عليه مستشار عمدة سانت بطرسبرغ آنذاك، فلاديمير بوتين. المستشار أصبح رئيسا للبلاد واستمر في التردد على مطعم صديقه، الذي كان قادرا على توسيع نطاق عمله لتزويد الكريملين بوجبات الطعام، وتقديم الوجبات المدرسية الخفيفة، وتوفير مزرعة للجيش. بريغوزين بات يُعرف بأنه “طباخ بوتين”. وقد سمحت هذه العلاقة الوثيقة لأعماله بالاستمرار في التوسع، وهو اليوم المنظم والممول الرئيسي لما يسمى “بمجموعة فاغنر”.
عام 2011 اندلع الربيع العربي، تلته حروب أهلية في ليبيا وسورية. وفي هذين البلدين رأت البرجوازية الروسية استثماراتها في خطر. كان التدخل في تلك الأحداث لا يمكن أن يتم عبر القوات الروسية النظامية، وكان البديل هو إدخال ما يسمى بصراعات التوليد “الهجينة”. لهذا الغرض، أنشأت حكومة بوتين قوات العمليات الخاصة الروسية، وأول شركة عسكرية خاصة. وفي مقابلة له، قال بوتين إن “الشركات العسكرية الخاصة هي أداة فريدة في يد الدولة، لذا فهي لا تستطيع أداء المهام دون الارتباط بها”(1).
في البداية، تم إنشاء قوات العمليات الخاصة وإخضاعها لهيئة الأركان العامة. وهي قوة قادرة على القيام بعمليات “الاستطلاع، والتخريب، والتآمر، ومكافحة الإرهاب، والتخريب المضاد، والاستخبارات المضادة، وحرب العصابات، ومناهضة التحزب، وعمليات أخرى”(2). في 27 شباط من كل عام يتم الاحتفال باليوم الوطني لقوات العمليات الخاصة. وقد تم تحديد هذا التاريخ من قبل رئيس الاتحاد الروسي. “اختيار تاريخ لم يأت بمحض الصدفة، ففي 27 شباط 2014، قام مسلحون مجهولون، يرتدون ملابس مموهة، بالسيطرة على مبنى المجلس الأعلى، وحكومة جمهورية القرم المتمتعة بالحكم الذاتي، ثم على جزء من أوكرانيا، وفي الأيام التالية على مطار سيمفيروبول، والمرافق الاستراتيجية الأخرى في شبه الجزيرة. إضافة إلى ذلك، فقد ساعدوا في ضمان النظام والأمن خلال استفتاء 16 آذار 2014 بشأن ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا” (3).
الخطوة الثانية كانت إنشاء أول شركة عسكرية خاصة، وهي الفيلق السلافي، بهدف تسويق الحروب من خلال استخدام الجيوش الخاصة بحكم الأمر الواقع. ووفقا لبوتين، مرة أخرى، فإن: “إنشاء الشركات العسكرية الخاصة كان خطوة مهمة في التطوير النوعي للقوات المسلحة الروسية، ما زاد من قدرتها على التنقل والاستعداد القتالي. بات لدى البلد أداة قوية وفعالة أخرى لحماية المصالح الوطنية ” (4). المصالح الوطنية التي أشار إليها بوتين، كما سنرى أدناه، هي حماية الوصول إلى الموارد المعدنية والطبيعية، خاصة في إفريقيا.

فاغنر في أوكرانيا عام 2014.. في خدمة الثورة المضادة

استخدام الشركات العسكرية الخاصة وقوات العمليات الخاصة بدأ خلال الربيع العربي. وعندما اندلعت الأزمة في أوكرانيا، أصبحت البلاد ساحة تدريب حقيقية لهذه الشركات الروسية، التي استفادت من آثار نضالات أحداث الميدان، والانقسام البرجوازي الداخلي، وإضعاف الجيش الأوكراني بعد ضم شبه جزيرة القرم، وقد أثبتت الشركات العسكرية الروسية الخاصة فعاليتها في تنفيذ العمليات العسكرية، بما فيها الهجمات الأمامية، وحرب العصابات، وكذلك حرب العصابات المضادة، إضافة إلى عمليات التخريب. وهكذا، أصبحت أوكرانيا بلا منازع “ساحة اختبار” لمهمة أكثر ربحية، سورية، حيث أثبتت الخبرة المكتسبة في أوكرانيا أنها ذات أهمية حاسمة.
العمليات في شبه جزيرة القرم الأوكرانية، وفي دونباس، وضم شبه جزيرة القرم (كانون الثاني- آذار 2014)، مع الاستخدام المكثف للشركات العسكرية الخاصة، وقوات العمليات الخاصة، خلقت الظروف اللازمة للعمليات المستقبلية في سورية. بدون هذا التحضير في أوكرانيا، كان الأمر مستحيلا. في عملية الإعداد والاختيار هذه، برزت ما تدعى “بمجموعة فاغنر” كإحدى أكثر الشركات العسكرية الخاصة استعدادا.

الفاشيون الروس الجدد في خدمة الاضطهاد القومي

أحد المبررات التي حاول بوتين تقديمها لاحتلال أوكرانيا كان ربط الأمر بوجود القوات الفاشية في تلك البلدان، وأن احتلال البلاد كان لتحرير الأوكرانيين من هؤلاء الفاشيين. صحيح أن كتيبة آزوف تعمل في أوكرانيا في ظل رضا الحكومة، لكن قيادة “مجموعة فاغنر” لها نفس الأيديولوجيا، وهي مستعدة ومجهزة بشكل أفضل لمحاربة الصيرورات الثورية أينما ظهرت. دعونا نوضح هذا:
– الجنجويد ومجموعة فاغنر: ميليشيا الجنجويد السودانية هي إحدى أعنف الميليشيات في العالم. خلال الحراك الواسع للإطاحة بالديكتاتور السابق البشير، قتل الجنجويد، المعروفين الآن باسم قوة الدعم السريع، أكثر من 100 شاب في مظاهرة واحدة. والجنجويد يرتبطون ارتباطا وثيقا بمجموعة فاغنر.
– أسوموي جويتا، زعيم الانقلاب في مالي، أغلق الكونغرس وقرر منح نفسه السلطة. وتحت ضغط الإمبريالية الفرنسية، سعى وحصل على دعم فاغنر لاستقرار وضعه.
– عملية فاغنر ترتبط مباشرة باغتيال ثلاثة صحافيين روس ذهبوا إلى جمهورية إفريقيا الوسطى للتحقيق في تهريب الأسلحة خلال الحرب الأهلية. الأمر نفسه حدث للصحافي السوري، أحد منتقدي فاغنر، الذي توفي عندما سقط، في وضع مريب للغاية، في المنطقة التي توجد فيها الشقة التي كان يعيش فيها.
– النازيون الشباب وفاغنر (5). لا ينكر الأخوان فلاديسلاف وأرتيم كراسنولوتسكي على الإطلاق عشقهما للرايخ الثالث والنازية. فلاديسلاف توفي أثناء لجوئه إلى سورية وعمله مع فاغنر. أما أرتيم فقد كان قد حكم عليه بالسجن 11 عاما، بتهمة الاختطاف، وهرب من السجن وانضم إلى فاغنر.
مؤسس مجموعة فاغنر والنازية: ديمتري أوتكين معروف كأحد مؤسسي فاغنر، وقد تم تجميل صورته من قبل بوتين. ديمتري يحب أن يظهر متجهما، وعاري الصدر. وفي الصور يمكننا رؤية الوشوم النازية على جسده.
– القصة المذهلة للكمبيوتر اللوحي المتروك في معركة خاسرة (6). كانت مجموعة فاغنر نشطة في ليبيا بالدفاع عن خليفة حفتر والمنشآت النفطية التي استولى عليها أثناء الصراع في ذلك البلد. في إحدى المعارك، ترك أحد جنود فاغنر “تابليت” به إرشادات عن الألغام الأرضية، والعبوات الناسفة المرتجلة، وصور الاستطلاع التي التقطتها طائرات بدون طيار، وبعض الكتب مثل كتاب “كفاحي” لأدولف هتلر.
كل ما سبق ذكره أعلاه يثبت أن فاغنر والجيوش الروسية الخاصة الأخرى، ليست تحررية، لأن كل مجموعة شبه عسكرية تحمل في داخلها أفكارا وأساليب نازية.

الجيوش الخاصة في خدمة الدكتاتوريات، والشركات متعددة الجنسية، ولصوص المعادن

في الماضي، أرسل الاتحاد السوفياتي السابق جنوده إلى أنغولا، وموزمبيق، ودول أخرى، لكي يدعم، على طريقته الخاصة، الحكومات القومية البرجوازية، أو تلك التي مرت بصيرورات استقلال. واليوم، بعد إعادة بناء الرأسمالية في روسيا، وإخضاع البلاد للنظام الرأسمالي العالمي في حلته الإمبريالية، يخرج الجنود الروس، عبر جيوش خاصة من أمثال مجموعة فاغنر وغيرها، للدفاع عن الدكتاتوريات، والشركات متعددة الجنسية، والاستفادة من ذلك بالمشاركة في سرقة ونهب الموارد الطبيعية. دعونا نلقي نظرة على بعض الأمثلة:

فاغنر في سورية

العمليات الروسية في سورية تم تنفيذها من قبل القوات النظامية، والشركات العسكرية الخاصة، ولا سيما مجموعة فاغنر. في تلك الفترة التي دامت ست سنوات، توفي نحو 7000 مدني نتيجة الغارات الجوية التي نفذتها القوات الجوية الروسية. ووفقا لتقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، المنشور في أيلول 2021، فقد أودى القصف بحياة 6910 أشخاص، من بينهم 2030 طفلا.
إضافة إلى القوات النظامية، فقد شاركت أيضا عدة شركات عسكرية خاصة. طائرات الفرقة 76، المقدمة من وزارة الدفاع الروسية، نقلت الحمولة الأولية لمرتزقة شركة فاغنر العسكرية الخاصة. اليوم يستخدمون الجسر الجوي المدني التابع لشركة أجنحة الشام للطيران، السورية.
وكالة “أسوشيتد برس” أفادت بأنها تلقت نسخة من العقد المبرم بين شركة “يورو بوليس”، المرتبطة بـ “بريغوزين”، والمؤسسة العامة للنفط المملوكة للدولة السورية. وينص العقد على أن تحصل “يورو بوليس” على “25٪ من أرباح استخراج النفط والغاز من الحقول التي استولى عليها مقاولوها وقاموا بحمايتها من مقاتلي الدولة الإسلامية ” (7).

فاغنر في موزمبيق

موزمبيق هي إحدى أفقر البلدان في العالم. وكابو ديلجادو ،الواقعة في أقصى الشمال، هي
أفقر مقاطعة في البلاد. لقد تم اكتشاف الغاز الطبيعي المسال هناك، وهو اليوم أحد أكبر المشاريع الاستثمارية في إفريقيا. والمستثمرون هم شركات توتال (الفرنسية) و”إي إن آي” (الإيطالية) وشيفرون (الأمريكية) وروسنفت (الروسية). يحلم السكان بحياة جديدة يحظون فيها بالعمل والكرامة. لكن الحلم لم يتحقق، بل تحول إلى كابوس في شكل جماعات إسلامية مسلحة تقطع حناجر الرجال، وتغتصب النساء، وتختطف الأولاد من أجل الصراع المسلح، والفتيات كسبايا من أجل الجنس. من الذي يموّل هذه الجماعات المسلحة بشكل جيد، ويدفع رواتب هذا العدد الكبير من الجنود؟
في أيلول 2019، وصلت طائرة نقل روسية من طراز أنتونوف 124 إلى مطار ناكالا، وسلمت معدات عسكرية تم إرسالها بعد ذلك إلى كابو ديلجادو. وهناك سجلات فوتوغرافية لتفريغ حمولة الطائرة على الشاحنات وطوافة من طراز Mi- 17
مع إعلان الحرب من قبل الجماعة الإسلامية المزعومة، ساد مناخ من الرعب. ونتيجة لذلك، نزح أكثر من مليون شخص إلى مناطق أخرى. وهكذا بدأ الروس، الذين كانوا في حالة حرب مع الإسلاميين، في تمهيد الطريق أمام الشركات الفرنسية والإيطالية والأمريكية والروسية.
في مقابلته السنوية لعام 2018، في 20 كانون الأول، صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالقول: “إذا قامت “مجموعة فاغنر” بأي انتهاك، فعلى مكتب المدعي العام للجمهورية إجراء تقييم قانوني حول وجودها في أي مكان في الخارج، أكرر مرة أخرى: إنهم لا ينتهكون القانون الروسي، ولديهم الحق في العمل، لتعزيز مصالحنا التجارية، في أي مكان في العالم” (8).
في إحدى أفقر دول العالم، وفي منطقتها الأكثر فقرا، كابو ديلجادو، تصرفت مجموعة فاغنر بطريقة تفضي إلى قيام شركات توتال وإي إن آي وشيفرون، الفرنسية والإيطالية والأمريكية على التوالي، بنهب الغاز الطبيعي المسال في ذلك البلد. إنهم يواجهون احتلال أوكرانيا، لكنهم يشكلون تحالفا مع هذه الشركات الإمبريالية، متعددة الجنسيات، بشرط أن تشارك روسنفت (الروسية) في هذه السرقة.

فاغنر في السودان

بعد تقسيم البلاد في العام 2011، كان على السودان إعادة تنظيم اقتصاده بدون نفط، الذي ترك لجنوب السودان. هيكلية حكومة الديكتاتور البشير كانت تستند إلى المجمع العسكري (الجيش والشرطة وأجهزة المخابرات)، لكن هذا لم يكن كافيا لإعادة تفعيل اقتصاد البلاد. وخلال تلك الفترة، تمت الاستعانة بمصادر خارجية للقمع، من خلال الخدمة القذرة التي تقدمها مجموعة من الميليشيات. وقد فرضت هذه الميليشيات السيطرة على الأراضي الرطبة، والسافانا، والصحاري الجافة، التي تحمل النفط والذهب في باطنها. وعندما انخفضت أسعار النفط العالمية، بدأ السودان بزيادة الإنتاج الزراعي والحيواني للسيطرة على الميزان التجاري. ونظمت الميليشيات دوريات لضمان المحصول، واشترت مصرفا (بنك الثروة الحيوانية)، وتمكنت من إنشاء بنك خاص بها (بنك الخليج)، بالشراكة مع رأسماليين من الإمارات.
الجنجويد كانت هي الميليشيا التي تطورت أولا، وتوحدت تدريجيا، بعد أن ضمت ميليشيات محلية صغيرة أخرى. وقد تم تحويل الجنجويد إلى قوة نظامية تسمى بـ “قوات الدعم السريع”. باتت الجنجويد قوة مهيمنة، حيث امتلكت عدة مجموعات وعصابات موحدة، ومعدات متفوقة، ولاسيما المركبات المواتية لجميع التضاريس، والمجهزة بالمدافع الرشاشة، ولكن كان لديها، قبل كل شيء، الدعم المادي واللوجستي من الدولة التي تسيطر عليها ديكتاتورية البشير.
عام 2019، عندما تم تحويل الجنجويد بالفعل إلى قوات الدعم السريع، كانت مسؤولة عن القتل الجماعي لأكثر من مائة متظاهر ضد دكتاتورية البشير.
بعد سقوط البشير وتولي الحكومة الانتقالية زمام الأمور، تم تعيين الفريق محمد حمدان “حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع، نائبا لرئيس مجلس السيادة.
صلات قائد قوات الدعم السريع، حميدتي، بتعدين الذهب وتهريبه، باتت محط تنديد مستمر من قبل المعارضة السودانية، وكذلك ارتباطه بمجموعة فاغنر.
في 25 تشرين الأول 2021، عاد الشعب السوداني إلى الشوارع مطالبا بإنهاء حكم البرهان العسكري (حليف البشير)، بمظاهرات أسبوعية ضخمة، وسقوط أكثر من 100 قتيل. وقد تم القمع على يد قوات الدعم السريع، مليشيات الجنجويد السابقة.
بعد وقت قصير من غزو أوكرانيا، قام محمد حمدان “حميدتي” بزيارة رسمية إلى روسيا، نظمها مرتزقة فاغنر الروس، “لإيجاد مخرج لحلفائهم في السودان، ولضمان بقائهم في السلطة، حتى يتمكنوا من الاستمرار في نهب موارد البلد” (9).

فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى

عدم الاستقرار السياسي في جمهورية إفريقيا الوسطى أدى إلى حرب أهلية استمرت لنحو عقد من الزمن. القوات الحكومية تسيطر فقط على حوالي خمس أراضي الجمهورية، بوجود ما يقرب من اثني عشر فصيل متمرد نشط في معظم أنحاء البلاد.
في أوائل العام 2018، تلقت روسيا تصريحا من مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، لتزويد حكومة البلاد بالأسلحة. إلى جانب الأسلحة، أرسلت 170 مدربا عسكريا مرتبطين بالشركات العسكرية الخاصة، ولا سيما شركة فاغنر.
تمت دعوة رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى، فوستين أرشانج تواديرا، إلى منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي عام 2017، حيث التقى بالرئيس بوتين. بعد بضعة أسابيع، بدأ المدربون العسكريون الروس بالوصول. وعين تواديرا الروسي فاليري زاخاروف مستشارا أمنيا خاصا له.
زاخاروف مرتبط بشركة “ام- للتمول”، إحدى الشركات الروسية العديدة العاملة في جمهورية إفريقيا الوسطى. كان يفغيني خودوتوف يدير الشركة حتى حزيران من العام الماضي، عندما باعها لزوجته. تصف وثائق الشركة أعمالها الأساسية بأنها تتعلق بـ “تعدين الأحجار الكريمة”. الارتباط بعمليات فاغنر واضح، بقدر ما يحتوي عنوان البريد الإلكتروني للشركة على نفس نطاق “كونكورد كاترينغ”، وهي جزء من إمبراطورية بريغوزين، والذي هو، كما قلنا، رجل فاغنر القوي.
بعد وقت قصير من بدء عمليات التدريب الروسية، استأنفت العديد من الشركات عملياتها في مناجم الماس التي كانت مغلقة بسبب الحرب الأهلية. تقع بعض هذه المناجم في الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون، لكن السلطات الروسية أقامت علاقات مع العديد من تلك الجماعات، حتى خلال تدريب قوات الأمن الحكومية.
لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة تتهم المدربين الروس العاملين بالتنسيق مع القوات المسلحة لجمهورية إفريقيا الوسطى بارتكاب أعمال قتل عشوائي، ونهب، واختفاء قسري في البلاد. ورغم أن تقرير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لا يتهم أعضاء فاغنر رسميا، إلا أن العاملين عليه يعترفون بالأمر بشكل غير رسمي.
عمالقة الماس الأقوياء من أمثال “دي بيرز”، و”سيغنيت” تمكنوا من استعادة شبكة الموردين الخاصة بهم في البلاد منذ أن بدأت مجموعة فاغنر بدعم الحكومة والتفاوض مع الميليشيات. وفي الوقت نفسه، حصلت شركة “لوباي للاستثمار”، إحدى شركات “بريغوزين”، على عدة امتيازات لتعدين الماس والذهب.
هذه الشركات تهتم أكثر بحماية الأرباح والتعدين على حساب الأرواح، بما يشمل المواطنين الروس.

فاغنر والانقلاب العسكري الأخير في مالي

منذ الانقلاب العسكري في آب 2020، الذي أطاح بحكومة إبراهيم بوبكر كيتا، الحليف القوي لفرنسا، تشهد مالي حالة كبيرة من عدم الاستقرار. الحكومة الجديدة، التي تطلق على نفسها اسم اللجنة الوطنية لخلاص الشعب، يرأسها العقيد أسيمي غويتا. وقد تلقى أسيمي التدريب في كل من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، ولديه خبرة في العمل مع القوات الخاصة بالجيش الأمريكي.
أسيمي غويتا، الذي اقترح في البداية حكومة مؤقتة وإجراء انتخابات في 18 شهرا، خالف اقتراحه الأولي وقرر تمديد فترة ولايته إلى ست سنوات. ولكن النقاش الأساسي ليس حول تمديد الانتداب، بل حول العلاقة مع الدولة الفرنسية، التي أبقت البلاد محتلة لسنوات من قبل قوات “عملية برخان”، وأثارت المزيد من العنف والغضب والمقاومة من السكان. ويتعين على أسيمي السيطرة على غضب السكان، والأزمة داخل القوات المسلحة المالية، بعد الهزائم العسكرية المتتالية مع الجماعات الإسلامية.
هذه العلاقة المتوترة دفعت فرنسا إلى تغيير دفة دعمها، مراهنة على مجموعة دول غرب إفريقيا، والاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا، والاتحاد الأفريقي، ضاغطة من أجل إجراء انتخابات فورية.
أسيمي غويتا، الذي شعر بالضغط، سعى إلى عقد تحالفات جديدة، ووجد في مجموعة فاغنر الروسية الحماية العسكرية، وسيطر على الحراك. وبوجود الحليف الجديد، طرد غويتا السفير الفرنسي، ثم انسحبت القوات الفرنسية من البلاد، مع تولي شركة فاغنر الخاصة السيطرة العسكرية. واستمر قمع شعب مالي بلا هوادة. أما بالنسبة للتنقيب عن الذهب والسيطرة على اليورانيوم على الحدود مع النيجر، فقد بات لديهم الآن أصحاب مصلحة جدد وحقيقيون.
في نفس الوقت، الروس متورطون في احتلال أوكرانيا، ويواجهون مصالح الإمبرياليتين الأوروبية والأمريكية، لكن العلاقة في مالي مختلفة، فرغم أن فاغنر تسيطر على البلاد، إلا أنها لم تتخذ أي إجراء ضد شركات تعدين الذهب والفوسفات واليورانيوم، المملوكة لأوروبا أو الولايات المتحدة.

الهزيمة العسكرية لروسيا لن تتحقق إلا بدعم الطبقة العاملة الأممية للمقاومة الأوكرانية

كثير من النشطاء الشرفاء يكررون حجج الدفاع عن غزو أوكرانيا. حسب رأيهم، فإن الغزو يتعلق بالنازيين الجدد النشطين في ذلك البلد. ومن منطلق هذا المنطق، سيكون الروس هم حراس الديمقراطية العالمية، الذين قاموا بهذا الغزو لضمان حقوق الإنسان في أوكرانيا. هذا المنطق، قبل أي شيء، لا يأخذ في الاعتبار سيادة الشعب في حل مشاكله الداخلية. وهناك آخرون يقولون إن الغزو الروسي هو صراع مناهض للإمبريالية ضد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. هذان الخطآن من التفكير لا يأخذان بعين الاعتبار أن روسيا دولة رأسمالية متخلّفة، ولموازنة نفسها في هذا النظام، أنشأت العديد من الشركات العسكرية الخاصة، تماما مثل البلدان الإمبريالية الأخرى، بهدف الإبقاء على حكومات أو الإطاحة بغيرها (وفقا لمصالحها)، ومن ثم السيطرة على الثروة الطبيعية لتلك البلدان التي تسيطر عليها الشركات العسكرية الخاصة. باختصار، إنها تفرض نفس علاقة القهر والاستغلال التي تطبقها الإمبرياليتين الأمريكية والأوروبية.
لهذا السبب تحديدا، وحدها الطبقة العاملة، المستقلة عن البرجوازية، ودون الاعتماد على الإمبرياليتين الأمريكية والأوروبية، اللتين ليس لديهما النية لمساعدة أوكرانيا في نضالها من أجل الاستقلال، ستكون قادرة على ضمان انتصار الشعب الأوكراني في هذه الحرب. يجب أن نفعل ذلك معا، وبدعم وتضامن العمال الروس، الذين يحشدون ضد الغزو داخل روسيا، ومقاتلي المقاومة الأوكرانية. هذه هي المهمة التي تنتظرنا.

ملاحظات



(1 )

https://russian.rt.com/russia/article/473941-chvk-rossya-zakon



(2 )

إطلاق العنان للقوات العسكرية والأمنية وغير النظامية في أوكرانيا: شبه جزيرة القرم ودونباس

https://www.academia.edu/40243363/Unleashing_the_PMCs_and_Irregulars_in_Ukraine_Crimea_and_Donbas



(3 )

https://ria.ru/20190227/1551334701.html



(4 )

المرجع السابق



[5] https://informnapalm.org/43865-rossijskie-neofashisty-na-sluzhbe-rossii-pod-prikrytiem-chvk-vagnera/



[6] https://www.bbc.co.uk/news/extra/8iaz6xit26/the-lost-tablet-and-the-secret-documents



[7] http://informnapalm.rocks/pmc-rush-ru



[8] https://informnapalm.org/46262-putin-publichno-solgal-o-chvk/



[9] https://www.dabangasudan.org/en/all-news/article/coup-critics-condemn-sudan-deputy-s-visit-to-russia

ترجمة تامر خرمه
مراجعة فيكتوريوس بيان شمس