في اليوم العالمي للسلامة والصحة في العمل: 2,8 مليون عامل ضحايا حوادث العمل كل عام
جهاد عقل
2022 / 4 / 30 - 10:17
*يموت يوميًا 6500 شخص نتيجة حوادث العمل أو الأمراض المرتبطة بالعمل،أي أكثر من 2,8 مليون عامل ضحايا حوادث العمل كل عام*.
قضية حوادث العمل وأمراض المهنة تشغل جميع المهتمين بموضوع السلامة والصحة في العمل، وضمن هذا الإنشغال – الإهتمام – تم تحديد يوم 28 نيسان/ أبريل من كل عام، "اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية" وذلك من قبل منظمة العمل الدولية في العام 2003، وسبق هذا القرار النضالات التي قامت بها النقابات العمالية بهذا الخصوص والتي قامت بنشاطات في هذا اليوم منذ العام 1996، من أجل توسيع دائرة المعرفة بالأخطار الناجمة عن عدم التقيد بأنظمة السلامة والصحة المهنية.
وبدأت منظمة العمل الدولية باستصدار التقارير والأبحاث المتعلقة بحوادث العمل وضحايا هذه الحوادث إن كان ورشات العمل، بحوادث فورية أو ضحايا العمل نتيجة الإصابة بأمراض العمل. وكانت منظمة العمل قد أصدرت مؤخرًا تقريرًا لها بهذا الخصوص بعنوان: "السلامة والصحة في قلب مستقبل العمل: البناء على 100 عام من الخبرة"، كنا استعرضناه سابقًا، اذ تناول مختلف القضايا المتعلقة بعالم حوادث العمل وإصابات أمراض المهنة، كما وأصدرت المنظمة مع انتشار جائحة كورونا أو "كوفيد – 19" دراسة هامة بعنوان: "إدارة الأخطار النفسية والاجتماعية المرتبطة بالعمل أثناء جائحة كوفيد -19".
//"العمل معًا لبناء ثقافة ايجابية للسلامة والصحة المهنية"
تحت هذا العنوان قررت منظمة العمل الدولية أن تكون نشاطاتها في اليوم العالمي للسلامة والصحة في العمل 28 نيسان الحالي، حيث "سيتم الاحتفال باليوم العالمي للسلامة والصحة في العمل 2022 في 28 أبريل 2022 وسيستكشف موضوع المشاركة والحوار الاجتماعي في خلق ثقافة سلامة وصحة إيجابية.
طوال جائحة COVID-19، رأينا أن وجود نظام قوي للسلامة والصحة المهنيتين، والذي يتضمن مشاركة هادفة من الحكومات وأصحاب العمل والعاملين والجهات الفاعلة في مجال الصحة العامة وجميع الأطراف ذات الصلة على المستوى الوطني ومستوى المؤسسات، كان أمرًا حاسمًا في حماية بيئات العمل و الحفاظ على سلامة وصحة العمال.
من خلال الحوار الاجتماعي الفعال، تشارك الحكومات والشركاء الاجتماعيون بنشاط في جميع مراحل عمليات اتخاذ القرار بشأن السلامة والصحة المهنيتين. يعد هذا أمرًا مهمًا بدءًا من تطوير ومراجعة سياسة السلامة والصحة المهنيتين والأطر التنظيمية للتصدي للتحديات المستمرة والجديدة للسلامة والصحة المهنيتين، إلى التطبيق الفعلي على مستوى مكان العمل. لا يساهم الحوار الاجتماعي في تحسين سياسات واستراتيجيات السلامة والصحة المهنيتين فحسب، بل إنه ضروري أيضًا لبناء الملكية والالتزام، مما يسهل الطريق لتنفيذها بشكل سريع وأكثر فعالية.
على مستوى مكان العمل، فإن ثقافة السلامة والصحة المهنيتين القوية هي ثقافة يتم فيها تقييم وتعزيز الحق في بيئة عمل آمنة وصحية من قبل الإدارة والعاملين. تُبنى ثقافة الصحة والسلامة المهنية الإيجابية على الإدماج، من خلال المشاركة الهادفة لجميع الأطراف في التحسين المستمر للسلامة والصحة في العمل. في مكان العمل الذي يتمتع بثقافة قوية للسلامة والصحة المهنيتين، يشعر العمال بالراحة في إثارة مخاوفهم بشأن مخاطر أو مخاطر الصحة والسلامة المهنية المحتملة في مكان العمل، وتتعاون الإدارة بشكل استباقي مع العمال لإيجاد حلول مناسبة وفعالة ومستدامة. وهذا يتطلب اتصالًا مفتوحًا وحوارًا مبنيًا على الثقة والاحترام المتبادل.
مع استمرارنا في العيش في ظل أزمة صحية عالمية ومواجهة مخاطر الصحة والسلامة المهنية المستمرة في عالم العمل، يجب أن نواصل التحرك نحو بناء ثقافة سلامة وصحة قوية على جميع المستويات".
//رغم هذه النشاطات...ضحايا العمل والأرقام الرهيبة
وفق معطيات منظمة العمل فإن عدد حوادث العمل والوفيات من الإصابة بأمراض المهنة كبيرة جدًا حيث جاء في آخر تقرير بهذا الخصوص: "في كل يوم، يموت 6500 شخص نتيجة حوادث العمل أو الأمراض المرتبطة بالعمل، أي أكثر من 2.8 مليون حالة وفاة سنويًا. 374 مليون حادث يقع أثناء العمل سنويًا ؛ أدى العديد من هذه إلى التغيب المطول عن العمل. التكلفة البشرية لهذه المحنة اليومية هائلة ويقدر العبء الاقتصادي لممارسات السلامة والصحة المهنية السيئة بنسبة 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي كل عام".
هذا الواقع الخطير الذي يتعرض له العمال في أماكن العمل دفع بالنقابات العمالية في مختلف انحاء العالم أن تضع في أجندة ةنضالها موضوع مكافحة ظاهرة حوادث العمل والإصابة بامراض المهنة، وضمن هذه الأجندة تقوم النقابات في تاريخ 28 نيسان/ أبريل من كل عام بنشاطات لها من اجل تعميق الوعي والمعرفة لدى العمال بموضوع السلامة والصحة في العمل، كما تقوم بالضغط على أصحاب العمل والحكومات من اجل توفير بيئة عمل آمنة للعمال في أماكن العمل.
وطالب الاتحاد العالمي للنقابات العمالية هذا العام بأن يكون شعار نضالاته بهذه المناسبة بأن تكون تحت شعار: "اجعل العمل الآمن والصحي حقًا أساسيًا"، ووجه طلبًا الى منظمة العمل الدولية بأن تضع ضمن جدول اعمال مؤتمرها إقرار اتفاقية : "نحن نطالب منظمة العمل الدولية باعتماد الصحة والسلامة المهنية كحق أساسي في العمل". كما جاء على لسان الأمين العام النقابية شاران بورو أن هذه القضية: "لا تقل أهمية عن حرية تكوين النقابات والقضاء على العمل الجبري وعمالة الأطفال والتمييز في التوظيف".
وأضافت بورو :"مرت ثلاث سنوات منذ أن اتفق المؤتمر المئوي لمنظمة العمل الدولية على القيام بذلك. في ذلك الوقت، توفي حوالي 8.1 مليون شخص نتيجة لعملهم، ويعيش المزيد الآن مع إصابات وأمراض غيرت حياتهم لأن صاحب العمل لم يوفر لهم الحماية".
//الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب
كما قام الإتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب بإصدار بيان له بهذه المناسبة جاء فيه: "كجزء من جهوده المختلفة لإقناع منظمة العمل الدولية بإعلان والاعتراف بالصحة والسلامة المهنية كحق أساسي"، وجاء ايضا في البيان: "بشأن اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 155 بشأن السلامة والصحة المهنية (1981) واتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 161 بشأن خدمات الصحة المهنية (1985) باعتبارها جوهر تأمين الحق في بيئة عمل آمنة وصحية. على أنهما "اتفاقيات أساسية" لتأمين الحق في بيئة عمل آمنة وصحية، مع اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 187 بشأن الإطار الترويجي للسلامة والصحة المهنية (2006) بمثابة اتفاقية تكميلية". كما: "حث الاتحاد الدولي للبناء والأخشاب جميع النقابات التابعة له على ان تكون الحملة ضمن هذا الموقف أي من: "أجل أن تصبح الاتفاقية رقم 155 و 161 جوهر اتفاقيات السلامة والصحة المهنيتين، وإعلان الصحة والسلامة المهنية كحق أساسي" الأمر الذي يمكن إنقاذ حياة عدد لا يحصى من العمال، وسوف يمنع المعاناة التي لا توصف من العديد من اعتلالات الصحة المرتبطة بالعمل".
//الأخطار الاجتماعية والنفسية المرتبطة بالعمل أثناء جائحة كوفيد -19
مع انتشار جائحة كورونا، برزت قضية أخرى واجهها العمال عامة وخاصة العاملون في الجهاز الصحي والخطوط الأمامية، ألا وهي التأثير الاجتماعي والنفسي عليهم، مما دفع منظمة العمل الدولية الى إصدار "دليل" يشمل توجيهات حول كيفية توفير وسائل واقية لهؤلاء العاملين خاصة في المجالين الاجتماعي والنفسي وجاء في مقدمة هذا الدليل: "تأثرت جميع دول العالم بجائحة كوفيد-19، ولم تقتصر آثارها على الناحية الصحية فقط بل طالت جميع مناحي الحياة، وكان لها آثار عميقة اقتصادية واجتماعية، هذا وأدت الجائحة إلى إحداث تغييرات جذرية في ترتيبات العمل وظروفه وشروطه مما تسبب في ظهور تحديات نفسية اجتماعية ذات أثر خطير على صحة العمال ورفاهيتهم. حيث يواجه العاملون اليوم،جراء هذه الجائحة..."وجاء أيضًا: "يمضي كثير من الأشخاص وقتًا في العمل مع زملائهم في العمل أكثر مما يُمضونه في المنزل مع أسرهم، لذلك ليس من المُستغرَب أن يكون الدعم الاجتماعي عاملًا مُهمًا يؤثر على صحة العمال ورفاهيتهم وعلى وجه الخصوص، يُعَد الدعم الاجتماعي مهمًا للغاية في التعامل مع الكرب (الإجهاد)، والحد من الآثار المُضرّة للكَرْب (الإجهاد) على المُخرجات الصحية، كما أن له تأثيرًا إيجابيًا على الرضا الوظيفي.. ويمكن للشعور بالعزلة والوحدة أن يشكل خطرًا على جميع العمال، خاصة عندما يستمر لفترة طويلة…"، هذا بالنسبة للدعم الاجتماعي أم بالنسبة للدعم النفسي جاء: "في أماكن العمل حيث يتم توفير الدعم النفسي المناسب، من المُرَجّح أن يسعى العمال الذين يعانون من الكَرْب (الإجهاد) المرتبط بالعمل على المساعدة المناسبة وتطبيقها، حيث سيساعدهم ذلك في الحصول على تعافٍ أسرع وعودة أكثر إستدامة الى العمل".
يتضح لنا من هذا الدليل أن قضية إصابات العمل لا تتوقف على السقوط عن سقالة أو غيرها، بل هي تشمل العديد من المناحي بدءًا من حادث العمل في الورشة عبورًا بإصابة بمرض مهنة وحتى التأثيرات الاجتماعية والنفسية على العاملين، بحيث برز هذا الموضوع منذ انتشار جائحة كوفيد -19، لكن انتشار حوادث العمل والإصابة بأمراض المهنة والوضع النفسي – الاجتماعي كلها تتنامى في ظل تنامي ظاهرة الجشع الرأسمالي وتحقيق أكبر ما يمكن من الأرباح، حيث يقوم أصحاب العمل وبدعم مباشر أو غير مباشر من الحكومات لهم، بعدم توفير وسائل السلامة والصحة المهنية في أماكن العمل، كما يحدث في بلادنا ألمر الذي يعرّض حياة العمال للخطر في مختلف المهن، فلا يعقل أن يفقد 2,8 مليون عامل حياتهم في حوادث العمل ونتيجة الإصابة بامراض العمل، ولا يكون أي إهتمام من قبل الحكومات وأرباب العمل، ويبقى الموضوع في ساحة المنظمات الدولية والنقابية التي ترفع "صرخة" هذه الكارثة كما جاء في بيان اتحاد النقابات البريطانية قبل أيام، لذلك فإن مطلب الحركة النقابية بأن تكون اتفاقيتا 151 و 161 لمنظمة العمل اتفاقيات أساسية هو مطلب عادل وعلى منظمة العمل الدولية اقراره في المؤتمر القريب الذي سيعقد في شهر حزيران القادم، لكن هذا الأمر لا يكفي، بل على الحكومات وأصحاب العمل تنفيذ كل ما يتعلق بوسائل السلامة والأمان في أماكن العمل وفرض غرامات وعقاب رادع على المخالفين من أجل ضمان سلامة وصحة العمال في أماكن العمل.