أحبب نفسك: على روسيا أن تغادر حياءها وتعرف قيمة نفسها وتتعلم ضبط تصرفات الآخرين
مشعل يسار
2022 / 4 / 15 - 01:36
لسبب ما، كنت جالسًا أتصفح مدونة مهاجر ليبرالي جديد من جنسية "المثقفين والأذكياء" - لا يهم من بالضبط، فجميعهم متشابهون جدًا - وهذا الشخص، الذي يجلس في مكان ما إما في بوسطن أو في حيفا، كان حرفياً مليئًا بالكراهية لروسيا والروس، مما أدى إلى إنتاجه نصا معروفا سابقًا يتكون من "مكعبات" الدعاية الآتية:
عدوان، بلطجة، طاغية، إمبراطورية، استياء، المجد لأوكرانيا، العالم المتحضر، المجد لأوكرانيا، حرية، كرامة، عدوان، المجد للأبطال، عدوان، بلطجة، عبودية، إمبراطورية، صد بطولي، أرطة، آجوج ماجوج.
وقد تابعت يغمرني الحزن هذا الدفق الآجن من الكلمات والأفكار القذرة: كيف أدت الثقافة الروسية - وهي ربما الثقافة الوحيدة من بين ثقافات العالم العظيمة - إلى ظهور مثل هذا الكم الهائل من الأشخاص الذين يعيشون في فضاء الكلام الروسي، ولكن في نفس الوقت إلى بروز مثل هذا العداء الكاريكاتوري الغاضب النافر تجاه روسيا وعدم الولاء لها في أي موقف، وخاصة في المواقف القتالية الصعبة. لا يمكن تصور أن يبرز هناك الكثير من الغضب على أمريكا يبث باللغة الإنجليزية، والكثير من الغضب على الصين باللغة الصينية، مثلما نقرأ بالروسية عنّا، على الرغم من أن الجميع يعلم أن روسيا ليست على الإطلاق القوة الأكثر عدوانية في العالم، فهناك.، بلطيف العبارة، أمثلة أخرى يجدر ذكرها. هناك الكثير من هذا الغضب الذي أرغب بالفعل في الضغط على زر غير مرئي - فقط لإيقاف نطقه باللغة الروسية من الفم الكريه لهذا الصهيوني الجماعي، فلا يستطيع أن يسترسل في تمجيد أوكرانيا وفي وصم روسيا بالبلطجة... إلا باللغة الأوكرانية، أو باللغة الإنجليزية، أو حتى بلغة الإيديش (لغة يهود أوروبا المتصهينين)، وبدون الكلمات الروسية المستخدمة بهذه الطريقة الحقيرة.
كيف تخلق روسيا يا ترى مثل هذا الموقف تجاه نفسها؟ بعد كل شيء، لا يمكن أن تكون هذه مؤامرة مستمرة لقوى خارجية شريرة، لا علاقة لنا بها، فهذا يفسَّر هكذا فقط على شاشة التلفزيون.
إن إجابة أولئك الذين يكرهون - عندما يكونون مستعدين للتحدث مع معارضيهم، وليس فقط لتوبيخهم والبصق بوجههم - ستكون بدائية إذا قلنا لهم: أنتم يا هؤلاء مجرد أشخاص سيئين للغاية، أنتم عدوانيون للغاية، أشرار، توتاليتاريون مستبدون، فكيف يمكننا التصرف معكم؟ هذا ما تستحقون. ثم تسمع من جديد كل نفس الأسطوانة حول البلطجة والإمبراطورية وآجوج ماجوج.
لا تكمن مشكلة هذه المشاعر الغاضبة في بدائيتها، بل في حقيقة أننا لا نلاحظ شيئًا كهذا من حولنا شبيها بحقارتها.
روسيا دولة مذهلة في احترامها "للآخرين" احتراما لا يصدق، لكل "الغرباء" أيا كانت درجة تحضرهم، وفي رغبتها المستمرة في إعلاء الأطراف النائية القروية على العاصمة المركز والحضارة اللامعة المكثفة، الأجانب على السكان المحليين، الأقليات على الأغلبية، الأعداء على الأصدقاء، في تثمين التنوع الثقافي وإتاحة إعلاء تأثير كل أنواع الثقافات الأجنبية على "الذات" و"الخصوصية" الثقافية الروسية، بغض النظر عن كيفية فهمنا لها. هذه الميزات الخاصة بنا صورها بأكثر الألوان مرارة المخرج ليسكوف في فيلم "الفشلاوي" (الذي يكتب بيساره - م.ي.)، وعلى مدى قرن ونصف أو قرنين من الزمان لم يتغير شيء: إذا كان أحد في روسيا يعاني، فهو الروس أبناء البلد أنفسهم. هناك الكثير من الأمثلة على ذلك من الحياة الحديثة، ولكن الاستشهاد بها ليس فقط مزعجًا، ولكن ربما أيضًا غير آمن، ولكن يمكن لأي شخص بسهولة أن يتوصل إلى حالة يصبح فيها من الواضح أن "قضيتنا" في وضع غير مؤات أمام "البعض الآخر".
وحتى عندما يمر خط الجبهة بالقرب من كييف، يخرج مسؤول دبلوماسي من موسكو في نفس الوقت ليقول: "إن الإطاحة بالحكومة الأوكرانية الحالية ليست جزءًا من الغرض من هذه العملية الخاصة". كيف يبدو هذا بالنسبة لمغامري كييف وكيف لهؤلاء الروس الذين حشروهم هناك في السجون أن يتعاطفوا مع روسيا بعد مثل هذا الكلام؟ من الذي يستفيد معنويا من مثل هذا الموقف الليبرالي العبثي؟ أمام من نتباهى بمثل هذا الخطاب؟ لا، إنها كذبة عندما يقولون إن الكراهية تجاهنا مرتبطة ببعض القسوة المسعورة والهوس بالشر لدى الروس.
أخشى أن يكون الأمر عكس ذلك تمامًا.
تنتج الثقافة الروسية موقفًا سلبيًا تجاه نفسها، لأنها لا تحب نفسها، ولا تقدر نفسها ولا تعرف كيف تخلق موقف الخوف والحسد والذعر والحذر تجاهها. نحن أسياد سيئون، حكام سيئون، بالغو الطيبة والكرم تجاه العالم الخارجي. تمامًا مثل الشخص الذي يعاني من تدني احترام الذات، والذي يتعرض للتنمر في المنزل أو في العمل، فهو إما يسحب رأسه إلى ما بين كتفيه، أو يحاول التذلل والتساهل، أو حتى قد يبدأ في قذف الشتائم، ولكنه سرعان ما يتراجع ويتوب أمام الجناة - روسيا لا تستطيع تأديب الآخرين بالشكل الصحيح والمناسب، ولا الإيحاء إليهم بأنها تفوقهم طاقات وطاقات. لكن مثل هذا الشعور لديهم بأنها متفوقة عليهم لا يأتي من أي إشارات سطحية، وإن كانت مرعبة وهادرة للغاية. إنه ينشأ عندما يكون الشخص، بل قل البلد كله على الأقل، مقتنعًا داخليًا برفعة قيمته الخاصة، بل بعظمته، واثقا من نفسه متعاليا لا يرى حاجة إلى إثارة الضجة حوله، وإلى إثبات ذلك لأحدهم.
هناك قصة مضحكة، رواها أحدهم ذات مرة، عن وقت غزو تشيكوسلوفاكيا عام 1968. لقد تشكل حشد من التشيكيين الغاضبين على طريق الدبابات السوفيتية، وراحوا يصيحون بكلام مهين، ويركضون ويشاغبون، ويكتبون ما شاء لهم على الأسوار من مثل: "إيفان، اذهب إلى بيتك"، إلخ. لكن الحقيقة هي أن تلك العملية لم تكن قضية موسكو وحدها، بل شارك فيها كل حلف وارسو. وفي الأماكن التي دخل فيها جيش جمهورية ألمانيا الديمقراطية، لم يكن هناك أي ضوضاء أو زعرنات. كان يعرف التشيكيون أن عليهم التصرف بهدوء وأدب مع الألمان، وإلا فإن كل شيء ممكن، هؤلاء ليسوا روسًا، هؤلاء سادة حقيقيون.
هذا هو الواقع على وجه التحديد - عدم القدرة على وضع كل شخص وقح عند حده بتهذيب وفي الوقت المناسب – إذ يؤدي التراخي إلى هذا الإفلات من العقاب، وإلى عدم الاحترام هذا وإلى سيول من الهراء المهين الذي يُصَبّ على روسيا في أداء العديد من الناس.
لنلاحظ هنا أنه عندما يتعلق الأمر بالقوة والسلطة الحقيقية، بالضغط الحقيقي على الناس - على سبيل المثال، حين يجبر جماعة الفوضويين السود BLM في أمريكا الرجل الأبيض العادي على تقبيل حذاء مجرمين، وعندما تهين النسوة المسترجلات الرجال، وعندما يشتكين على الملأ من تحرش لم يحصل لإشباع رغبتهن في تجاوز عقدة النقص ويودعن العديد من الرجال في غياهب السجون دون محاكمة أو تحقيق – فإن هؤلاء المواطنين الذين تلفظوا بكلمات من مثل آجوج ماجوج والغطرسية والبلطجة لا يعود أمامهم سوى أن يهدأوا فجأة ليصبحوا مطيعين للغاية، وموالين جدًا للسلطات، التي، بخلاف الكرملين، يخشونها ويخشون بطشها حقًا. لقد اتضح على الفور أن ذاك "المثقف" البالغ من العمر ستين عامًا كان يحلم طوال حياته بالاستماع إلى حكمةِ فتاة ناشطةٍ رعناء تبلغ من العمر عشرين عامًا ويردد من بعدها عبارات تافهة عن "النظام الأبوي" (للدولة) كشيء مكروه. وليس عليه سوى أن يرفع لها ولكعبي اسكربينتها التحية.
روسيا، للأسف، لا تعرف كيف تفعل كما يفعل غيرها.
لكنها لا تعرف كيف، أعود وأكرر، لأنها لا تعترف لنفسها بأنها مصدر كامل للحقيقة والعدالة والنظام. هي تشعر بالحرج تجاه أحدهم، تنظر حولها لترى ما يقول أحدهم فيها وفي تصرفها، تقيم وزناً لما يقال، في حين أن الدول التي محت دون أي خوف أو حرج مناطق بأكملها من خريطة العالم واحتلت ما يقرب من نصف الأرض في سنوات مختلفة، تحاضر كعاهرة على موسكو بالعفة والمناقبية.
الاستقلال السياسي وحتى الاقتصادي شرط ضروري للبقاء في هذا الواقع القاسي والمرير. لكن الاكتفاء الذاتي عاطفياً وعقلياً، واحترام الذات طبيعياً وتجاهل حكم الآخرين على أفعالنا هي فقط ما يسمح لنا برفع الرأس وادعاء وطلب شيء ما جاد من غيرنا. بالطمع في السلطة والجبروت واحترام الآخرين لنا ولو عن خوف!
بقلم ديمتري أولشانسكي
ترجمة م.ي.
المصدر: موقع "أوكتاغون" وجريدة "زافترا"