بيان حول النزاع بين الولايات المتحدة وحلف الناتو وروسيا وأوكرانيا

الرابطة الأممية للعمال
2022 / 2 / 16 - 12:16     


مرة أخرى، تجد أوكرانيا نفسها في قلب نزاع دولي من المحتمل أن يندلع في صراع عسكري واسع النطاق. ولهذا الأمر أهمية بالغة بالنسبة لبروليتاريا أوروبا الشرقية، بل وللقارة بأسرها. السيادة الأوكرانية يتم التلاعب بها من أجل مصالح عصابتي الثورة المضادة: روسيا بوتين من جهة، والإمبريالية الأمريكية، والناتو، وشركائهم الأوروبيين من جهة أخرى.



صادر عن الرابطة الأممية للعمال – الأممية الرابعة

قبل فترة ليست بالبعيدة، عندما دخلت قوات بوتين إلى كازاخستان، لوضع نهاية عنيفة لثورة الشعب الكازاخستاني، صفق لها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. عندما تكون مصالح الرأسماليين على المحك (سواء أكانوا روس أم لا)، فإن القوى العالمية على اتفاق بأن: الإرادة الشعبية مسألة يمكن التضحية بها.
إننا ندافع عن أوكرانيا موحدة، خالية من الاضطهاد الروسي. وهذا يعني عودة شبه جزيرة القرم، وإزالة القوات الروسية من الحدود الشرقية، وانسحاب المنظمات شبه العسكرية الروسية والأوكرانية من دونباس. لا مصلحة للقوى الإمبريالية في الدفاع عن السيادة الأوكرانية. بدلا من ذلك، إنها تسعى إلى عملية تحويل البلاد إلى قاعدة عسكرية لحلف الناتو على الحدود الروسية، ما يجعلها مستعمرة عسكرية.
النضال من أجل السيادة الأوكرانية يرتبط ارتباطا وثيقا بالصراع الطبقي العالمي، وأزمة النظام العالمي الإمبريالي. إن الحرب التي تختمر ليست في مصلحة العمال الروس أو الأوكرانيين، ولا هي في مصلحة العمال الأوروبيين أو الأمريكيين أو أي عمال آخرين على وجه هذا الكوكب.

فلتخرج قوات بوتين وحلف شمال الأطلسي!

بوتين ينشر قواته على الحدود الأوكرانية لمنع حكومة كييف من الانضمام إلى الناتو. ضعف روسيا الرأسمالية في السيطرة على جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق قاد بوتين إلى اجترار الشوفينية الروسية القديمة، الممتدة لقرون منذ القيصرية حتى الستالينية، ضد أوكرانيا الآن.
لكن أوكرانيا، كما يشرح تروتسكي، كانت خلال فترة لينين نموذجا للسياسة البلشفية: توحيد القوميات المختلفة بحرية في اتحاد بأهداف مشتركة، عبر الإقناع وليس الإكراه، وتوليد قوة تجتذب هذه القوميات و”تحفز نضال العمال، والفلاحين، والمثقفين الثوريين في غرب أوكرانيا، المستعبدين من قبل بولندا”.
عام 2014، انتفضت الجماهير الأوكرانية ضد يانوكوفيتش، الذي كان يطبق التعديلات الهيكلية التي طالب بها صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، لكنه كان في ذات الوقت خاضعا سياسيا لبوتين، وضد الانضمام إلى حلف الناتو.
الشعب الأوكراني عانى من غياب قيادة بروليتارية قادرة على توجيه النضال في الاتجاه الاشتراكي، ومحاربة الأوهام “الأوروبية” التي نشرتها الأحزاب البرجوازية، والتي تريد بدورها إعادة استعمار البلاد.
وهكذا، هاجمت زمرة يانوكوفيتش البرجوازية الموالية للكرملين العمال بوحشية عام 2014. وفي ذات الوقت، رفع أسعار الغاز بنسبة 50٪ وقلص رواتب كافة العمال الأوكرانيين. استخدم يانوكوفيتش الكراهية ضد القومية الروسية العظمى كسلاح لتقسيم الطبقة العاملة، وقام بحظر استخدام اللغة الروسية في منطقة دونباس.
هذه الإجراءات تم الرد عليها من قبل الطبقة العاملة الأكثر تمركزا في البلاد بحملة إضراب شديدة، احتلت المناجم والمصانع في منطقتي دونيتسك ولوغانسك. لكن لسوء الحظ، استغلت المنظمات الانفصالية الموالية لروسيا هذه المعركة الكبرى، وأوقفت توحيد العمال والشعب الأوكرانيين ضد سياسات الإمبريالية والحكومة التابعة لها.
بروتوكول مينسك الرجعي (2015)، الذي أوقف التصعيد العسكري، أبقى على الوضع الراهن (استيلاء بوتين على شبه جزيرة القرم والاستقلال الإقليمي على نهر دونباس)، لتموت المسألة على الفور. وقد أدى استعار العداء إلى اشتداد أزمة النظام الإمبريالي العالمي، ووضع أوكرانيا، التي أصبحت الآن شبه مستعمرة مسلحة لحلف الناتو ضد بوتين، في قلب هذا النضال.
الرأسمالية الروسية، التي تعتمد على رأس المال المالي الأوروبي، وتزود الصناعات الألمانية بالغاز والوقود، غير قادرة على تقديم أعمال مربحة للبرجوازية الهشة في الجمهوريات السوفييتية السابقة. لا يمكن لبوتين أن يحافظ على نفوذه الإقليمي إلا عبر دكتاتوريات خاضعة للكرملين، وفي ظل التهديد العسكري.
إن اعتداءاته، سواء أكانت ضد أوكرانيا، أو كازاخستان، أو سوريا، أو بيلاروس، أو غيرها، ليست كما تحاول أحزاب ما بعد الستالينية والكاستروية تصويرها على أنها جزء مما يسمى بالكتلة “المناهضة للإمبريالية”. إنها أعمال معادية للثورة، لدولة تعتمد على الإمبريالية، وهي في ذات الوقت وريثة القوة العسكرية لاتحاد الجمهوريات الإشتراكية السوفييتية السابق، والتي تحتاج إلى سحق الحركات الجماهيرية لدعم الأوليغارشيات الخاضعة لها.
عام 2021، اندلعت المظاهرات في أكثر من مائة مدينة روسية ضد الحكومة، إثر تسميم زعيم المعارضة نافالني، وقد تم قمعها بقسوة، لتسفر عن أكثر من 10 آلاف سجين. في بلد يتزايد فيه ضحايا كوفيد، ويتفاقم فيه الاستياء الاجتماعي، يقوم بوتين بعدوانه المؤيد للحرب بمناشدة القومية الروسية الكبرى، لإسكات كل أصوات المعارضة الداخلية.
بوتين عرض مسألة استيلاء الناتو على أوكرانيا على أنها جزء من حرب أهلية بين الأوكرانيين. ثم قام بحشد القوات على الحدود في موقع يتقاتل فيه النظام الإمبريالي بأكمله، مهددا بحرب طويلة الأمد، وبسقوط آلاف الضحايا على جانبي الصراع.
الإمبريالية الأمريكية وذراعها العسكري في أوروبا، الناتو، تعتزم تحويل أوكرانيا إلى قاعدة عسكرية ليس إلا، وذلك خدمة لمصالحها: زيادة الضغط العسكري على روسيا، مع شراء الوقت أيضا لحل أزمتها السياسية الداخلية العميقة، واستخدام الانقسام الأوروبي من أجل ضبط ألمانيا.

التناقضات داخل المعسكر الإمبريالي

تصريحات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا تتخذ نبرة أكثر سلمية من تلك التحذيرات التي أطلقها بايدن وحلف شمال الأطلسي، رغم أن تلك الدول ستقف على الأرجح إلى جانب الجيش الأمريكي. اللاعبون الرئيسيون في الإمبريالية الأوروبية، والذين تم وضعهم في موقع المراقبين خلال المفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا، لديهم مصالحهم الخاصة التي باتت على المحك. تحديدا، يبدو أن الولايات المتحدة تستخدم الصراع لضبطهم، لا سيما فيما يتعلق بالإمبريالية الألمانية.
روسيا تصدر 35٪ من الغاز الذي تستهلكه أوروبا. خط أنابيب نورد ستريم 1 يزود ألمانيا مباشرة من خلال مروره عبر أوكرانيا. شبكة أنابيب جديدة لخطوط نورد ستريم 2 يجري بناؤها الآن، والتي ستجلب الغاز الروسي إلى أوروبا دون عبور أوكرانيا. ولطالما كانت الولايات المتحدة ضد هذا الأمر. ولكن للتغلب على العلاقات المتدهورة مع ألمانيا خلال عهد ترامب، أسقطت صفقة بايدن وميركل في أوائل العام 2021 العقوبات الأمريكية على الشركات التي تقوم ببناء نورد ستريم 2.
لكن في تشرين الثاني 2021، أعادت الولايات المتحدة فرض تلك العقوبات، ما شل خط الأنابيب مرة أخرى، وكان ذلك بدعم صريح من وزير الخارجية الأوكراني.
من خلال تركيز جهودها على احتواء الصين، كما أعلن بايدن على نطاق واسع، تطالب الولايات المتحدة الإمبريالية الألمانية بالانضباط التام، حتى وإن كان هذا على حساب علاقاتها مع روسيا. كما أن العلاقات الألمانية والروسية مع الصين تضر بأولويات الولايات المتحدة.

حرب ليست في مصلحة العمال

بوتين لا يريد حربا واسعة النطاق ضد أوكرانيا. إنه يفضل الإبقاء على الوضع الحالي للحرب المجمدة، في لعبته للضغط على أوكرانيا من أجل منعها من الانضمام إلى الناتو. إنه يدرك أن الحرب ستؤدي إلى نتائج غير متوقعة لنظامه.
الرئيس الأوكراني زيلينسكي يعاني من أزمة اقتصادية ومن تراجع شعبيته. إنه يستخدم الضعف الروسي، وإعادة تنظيم القوات المسلحة الأوكرانية من قبل الولايات المتحدة، لمصلحته الخاصة.
الولايات المتحدة لا تريد أيضا حربا واسعة النطاق في القارة الأوروبية، مراهنة على التوتر وإجبار بوتين على التراجع، لتعرض هذا على أنه انتصار على بوتين وترامب (الذي يحذو حذو بوتين)، وكمكافأة تتمثل في ضبط (تأديب) ألمانيا.
ما يميز هذا الوضع عن العام 2014 هو أننا لا نواجه انتفاضة جماهيرية، أو تمرد للشعب الأوكراني ضد القمع الروسي. كما أن الهجوم الروسي على الحدود الشرقية (دونباس) ليس له استراتيجيته لاستعادة الأراضي التي تمت خسارتها لكييف.
هذه الحرب المحتملة ليست في مصلحة العمال الروس أو الأوكرانيين، ولا هي في مصلحة العمال الأوروبيين أو الأمريكيين أو أي عامل في العالم.
نكرر أن روسيا ليس لديها حق على حساب أوكرانيا. للدفاع عن نفسها ضد قوات الناتو على حدودها، يجب عليها تحفيز مظاهرات الشعب الأوكراني والأوروبي والأمريكي … والشعب الروسي، ضد تقدم قوات الناتو. لكن الأوليغارشية الروسية، المدعومة من دولة استبدادية، تخاف من حركة جماهيرها أكثر مما تخشى الإمبريالية.

– من أجل وقف الناتو. فلتخرج قواته والقواعد الأمريكية من دول أوروبا الشرقية والغربية.

– من أجل وقف التحالف العسكري لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي بين الدولة الروسية والجمهوريات السوفيتية السابقة، والذي يستخدم في إرسال القوات لقمع الانتفاضات كما حدث في كازاخستان.

– من أجل أوكرانيا موحدة متحررة من القمع الروسي والأوروبي والأمريكي وحلف شمال الأطلسي.

ترجمة تامر خرمه
مراجعة فيكتوريوس بيان شمس