عن التاريخ/التأريخ الطبقي المغيب: نضالات الطبقة العاملة والسياسات الاشتراكية عشية الحرب الأهلية اللبنانية

روسانا توفارو
الحوار المتمدن - العدد: 7142 - 2022 / 1 / 21 - 09:57
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

الياس جريجيري
مقدمة المترجم: إلى الشهيد الشيوعي الياس جريجيري، الذي سقط دفاعاً عن مخيم تل الزعتر بوجه ميليشيات الجبهة اللبنانية، في تموز 1976
يمكن قراءة إلى جانب هذه الورقة المقالات التالية: أبحاث حول الواقع الاجتماعي- الاقتصادي، في لبنان؛ الحركة النقابية والعمالية في لبنان، تاريخ من النضالات والانتصارات (2013)؛ الطائفية في لبنان، العلمنة ودور اليسار (2015)؛ ومقال باسم شيت ما بين الطائفة والطبقة: مثقف (2010)

من خلال العودة إلى قراءة التجربة السياسية للجان العمالية، تقترح الورقة التالية تحليلاً لتأثير الضغوط الاجتماعية-الاقتصادية والأيديولوجية في مسار الانشقاق وإعادة التشكيل الطبقي للهويات والتضامن السياسي في لبنان في بداية عقد الـ 1970ات، والذي تميز بتأسيس الحركة الوطنية. تقترح الورقة إعادة تفحص جينولوجية للسنوات السابقة للحرب الأهلية، آخذة بعين الاعتبار كل من فكرة الطبقة والتجذر الأيديولوجي وقوتهما التحويلية، كما تمثل الورقة نقطة انطلاق مناسبة لإعادة إجراء قراءة نقدية للروايات التبسيطية والتضليلية في كثير من الأوقات، وبذلك يمكن فهم المرحلة السابقة للنزاع بشكل عام.

الكاتبة: روسانا توفارو

نشرت الورقة في مجلة Confluences Méditerranée، كانون الثاني/يناير 2020

يوم 13 نيسان/أبريل عام 1975، حددت “مجزرة عين الرمانة” ما يفترض بأنه الحدث الافتتاحي للحرب الأهلية اللبنانية الطويلة والمديدة (1975- 1990).

كما أكد فواز طرابلسي إلى جانب آخرين، كان الجزء الأول من النزاع (ما سمي بـ”حرب السنتين”) المرحلة التي لعبت بها العوامل المحلية دوراً أساسياً. (1) خلال المواجهات برزت فكرتان متناقضتان عن لبنان، دافعت عنهما، بواسطة البنادق، العديد من القوى السياسية. من جهة، تصرف حزب الكتائب وحلفاؤه في الجبهة اللبنانية كـ “حراس أوفياء” للنظام القائم. ومن جهة ثانية، تشكّل حلف غير متجانس من القوى التقدمية والوطنية داخل ما سمي بالحركة الوطنية اللبنانية، بقيادة كمال جنبلاط، الرامية إلى تحقيق تغيير جذري.

قدمت الحركة الوطنية الخطوط العريضة الرامية إلى تحقيق “لبنان عربي وطني ديمقراطي متقدم” بتاريخ 18 آب/أغسطس عام 1975، يوم أصدرت الحركة برنامجاً بعنوان “من أجل إصلاح ديمقراطي للنظام السياسي في لبنان”.(2) تضمّن البرنامج خطوطاً إصلاحية انتقالية تهدف إلى إعادة بناء البنية المؤسساتية والإدارية والقضائية اللبنانية على أساس علماني. تضمّن البرنامج مقدمة طويلة أوردت فيها الحركة الوطنية دورها السياسي وجدول أعمالها في ضوء الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية العميقة التي غرقت فيها البلاد على مدى سنوات. فتفسر الحركة الوطنية: “هذه الأزمة التي تطال مختلف مجالات الحياة اللبنانية تؤكد الحاجة الملحة إلى تعديلات أساسية في السياسة الوطنية الدفاعية وفي النهج الاقتصادي وفي الميدان الاجتماعي وفي التركيب السياسي، وهي حاجة تبرز منذ سنوات على نحو أكثر زخماً في صيغة مطالب تحملها فئات شعبية عريضة لا نبالغ إذا قلنا إنها تمثل الأكثرية الساحقة من اللبنانيين”.(3) وتضيف معترفة بهذا الشرط: “إن الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية التي اضطلعت بدورها النضالي والتوجيهي وسط الجماهير على امتداد السنوات الماضية، تجد من واجبها في هذه المرحلة من تطور البلاد أن تبادر إلى تسليح الحركة الشعبية الناهضة والنامية ببرنامج مرحلي يحدد مطالبها في مختلف المجالات”. (4)

في الواقع، خلال عقد طويل ومضطرب من الزمن الذي سبق اندلاع الحرب الأهلية، شهد لبنان أوسع وأطول موجة صراع اجتماعي في تاريخه بعد الاستعمار الفرنسي. وعلى خلفية فشل الشهابية في الوفاء بوعودها بإصلاح النظام اللبناني على أسس المساواة، إلى جانب الأزمة المشتركة للرأسمالية اللبنانية التي بدأت مع انهيار بنك إنترا، هبّت شرائح عديدة من اللبنانيين بشكل تدريجي، مشكّلة موجة راديكالية من التحركات الجذرية المستمرة. (5) اصطدمت الرغبة بالتغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي التي عبرت عنها بشدة تلك الموجة، برفض البرجوازية والطبقة الحاكمة “التنازل عن أي من امتيازاتها لمصلحة قضية الإصلاح” (6) فأدى ذلك إلى انزياح تدريجي لقطاعات كبيرة من السكان اللبنانيين عن البنى السياسية التقليدية المهيمنة على القيادة المدنية. خاصة من تلك القوى الاجتماعية التي اقترنت بالتبعية السياسية والاجتماعية-الاقتصادية مع استبعادها من أي شكل من الامتيازات الاجتماعية-الاقتصادية والعائلية والقانونية والزبائنية (كالفلاحين والطلاب والطبقة العاملة المُدنية على نحو خاص)، إلى جانب الجماعات اليسارية والتقدمية العديدة التي شهدت وقتها عصرها الذهبي في التجذر، مقدمةً الأطر الفكرية والتنظيمية لسياساتهم الاشتراكية. مع ذلك، وعلى الرغم من الدور المحوري في عملية بناء الكتلة الاجتماعية-السياسية التي عبرت عنها سياسياً الحركة الوطنية، بقيت التحليلات للتحركات الاجتماعية عن ذلك العقد وكيف تداخلت مع الاستقطابات داخل المجتمع اللبناني والتي أدت، في نهاية الأمر، إلى قيام جبهتين متعارضتين، على هامش المنح الدراسية والأجندات البحثية.

هذا التهميش، بحسب رأينا، شكّل إشكالية مضاعفة. الإشكالية الأولى، لأنها حرمت فهماً “لسنوات الـ 1960ات الطويلة” لمجموعة من الفاعلين والديناميات الاجتماعية-السياسية التي لعبت دوراً مركزياً في صناعة تطورها التاريخي. والإشكالية الثانية، لأنه يساهم في تسطيح الجدل حول الجذور العميقة للحرب الأهلية وحصر تمظهراتها الأولية بتفاعلات ثنائية، وغالباً بشكل تسطيحي، بين الأثقال الخارجية (وخاصة وجود المقاومة الفلسطينية) والانقسامات الطائفية المتجذرة.

استناداً إلى هذه الافتراضات، تهدف هذه الورقة إلى تقديم مساهمة بسيطة ولكن نأمل أن تكون مفيدة من خلال بحث أولي يتضمن دراسة حالة للنضال السياسي للطبقة العاملة اللبنانية والتي ظهرت مع نمو القطاع الصناعي الكبير خلال الـ 1960ات. على وجه التحديد، هذه المساهمة ستحاول فك التشابك كيف أن النضال الاجتماعي-الاقتصادي أصبح في النهاية جزءاً لا يتجزأ من سيرورة بناء الكتلة الاجتماعية التي جسدتها الحركة الوطنية. من خلال ذلك، لا نهدف إلى المبالغة في تقدير المحددات الطبقية في اندلاع النزاع، ولا إلى التقليل من أهمية العوامل الخارجية والطائفية. بالأحرى، تهدف هذه الورقة إلى تحريك النقاش الأكاديمي حول الجذور الاجتماعية للحرب الأهلية وأوائل الفاعلين الأساسيين فيها، والذين لا يزال فهمهم [الأكاديميين] مقتصراً لحد كبير بالتفسيرات التبسيطية الجماعاتية والمضللة في كثير من الأحيان.

النمو الصناعي الكبير في الـ 1970ات وظهور طبقة عاملة جديدة

تاريخياً، احتل القطاع الصناعي مكانة هامشية ضمن النظام الاقتصادي اللبناني. (7)، وبشكل خاص، حتى أواخر الـ 1960ات بقي النشاط الصناعي محصوراً بقطاعات غير متخصصة وغير محدّثة بشكل عام (النسيج ومواد البناء، والصناعات الغذائية)، والمخصصة أصلاً لتلبية الطلب المحلي، والموظِّفة لما لا يزيد عن 15 بالمئة من اليد العاملة النشطة. أكثر من ذلك، حافظ القطاع على ازدواجية حادة تقوم على القطاع الشبه الحرفي، والذي يتكون من مجموعة من الورش الصغيرة التي تتشكل ويعاد تشكيلها باستمرار ضمن حلقة مفرغة من المديونية وصعوبة التسويق، إلى جانب عدد محدود من المصانع الممكننة التي تستحوذ على معظم الانتاج الكلي، إضافة إلى احتكار أو شبه احتكار انتاج سلع معينة. (8)

هذا المشهد الثابت تغيّر تغيراً سريعاً بعد حرب حزيران/يونيو 1967. وكنتيجة لإقفال قناة السويس، والانفتاح المتزايد لأسواق الخليج أمام السلع اللبنانية. ساهم كل ذلك في توسيع وتنويع وتحديث القطاع الذي بات يلبي الطلب الخليجي على السلع. كذلك كان الدافع وراء توجه وتوسع التدفق المتزايد للرأسمال الغربي. فقد سعى المستثمرون الغربيون، المسيطرون بالأصل على القطاعين المالي والتجاري المهيمنَين، إلى استغلال الفرصة لتزخيم القطاع الصناعي الذي يمكن عبره خرق الأسواق العربية، مستفيدين من الأجور المنخفضة، والقرب الجغرافي، والاتفاقيات التجارية والجمركية العربية. (9)

كان لتأثير هذا “النمو الكبير التابع” نتائج مهمة على اليد العاملة في القطاع الصناعي. النتيجة الأولى، كانت تزايداً سريعاً لحجم الطبقة العاملة المُدنية المأجورة. بين عام 1972 واندلاع الحرب الأهلية، كان معدل عدد العمال الذين دخلوا إلى قطاع الصناعة بشكل سنوي (حوالي 20 ألف بالسنة)، الذي يتساوى مع ذلك المسجل طوال عقد الـ 1960ات. دخل العمال الجدد إلى مصانع حديثة تضم الواحدة منها أكثر من 100 عامل، حيث كذلك ارتفع متوسط عدد العمال بنسبة 25 بالمئة في كل منها، ليصل إلى 1200-1300 عامل في مصنع واحد. (10) سار هذا التزايد والتوسع جنباً إلى جنب مع تزايد الاستغلال والهشاشة للعمال في القطاع الصناعي.

وكما أشار سليم نصر: “من أجل تأمين قدرتهم على المنافسة وضمان أرباح تعادل تلك التي سجلها أقرانهم في القطاعين التجاري والمالي، مارس الصناعيون ضغوطاً شديدة على عمالهم وطوروا سياسة توظيفية تقوم على المضاربة والعقود القصيرة الأجل في الجزء الأكبر من النشاط الاقتصادي في لبنان”. (11) وقد قام ذلك على استغلال حقيقي “استهلاكي واستنفادي” للقوى العاملة الشابة، التي توظف وتطرد باستمرار بمجرد وصولها إلى الحد الأدنى للعمر الذي يمكن أن تزيد فيها تكاليف تشغيلهم، أو بحسب تقلبات السوق. ولتشجيع هذه السياسة كان هناك ثغرات كثيرة في قانون العمل اللبناني، الذي أعفى أصحاب العمل من دفع الحد الأدنى للأجور للعمال الذين تقل أعمارهم عن 20 عاماً، وقبل كل شيء، سمح القانون بالطرد التعسفي للعمال بمجرد دفع تعويض الصرف (المادة 50 [من قانون العمل]). أكثر من ذلك، جرى تجنب هذا الواجب المفروض على أرباب العمل في كثير من الأحيان من خلال توظيف العمال بعقود عمل يومية، خاصة وأن القانون استثنى دفع تعويضات الصرف للعمال المستخدمين لمدة أقل من سنة مستمرة وموثَّقة. كذلك استغل أصحاب العمل هذه الفائدة لعدم دفع أيام الراحة والإجازات، وتقليل رسوم الضمان الاجتماعي. (12) إلى جانب ذلك، كان عدد الشباب العاطل عن العمل الذي يمكن الاختيار منهم كبيراً جداً.

بدءاً من منتصف الـ 1960ات، دخل الريف في مرحلة أزمة دائمة وتفكك كبيرَين. ومن المفارقات أن جذور الأزمة تكمن في الآثار الجانبية لمشاريع التنمية الريفية التي رعاها فؤاد شهاب (1958-1964)، حيث جاءت التحسينات في البنية التحتية في نهاية الأمر لصالح الأعمال الزراعية التجارية الاحتكارية على حساب صغار مالكي الأراضي والعمال الزراعيين. وكانت نتيجة ذلك مدمرة. فبحلول عام 1975، أجبر حوالي 40 بالمئة من سكان الريف على ترك أراضيهم، بسبب الديون أو الطرد أو استحالة منافسة المشاريع الزراعية الرأسمالية. (13) في أغلب الحالات، كانت وجهتهم نحو بيروت وضواحيها التي شهدت تزايداً في عدد سكانها خلال سنوات قليلة. هنا، كان على أهل الريف التأقلم مع ظروف السكن الرديئة، ونقص الخدمات الأساسية، وسوق العمل المشبع. (14) وهذا ما خلق احتياطاً هائلاً لعمالة غير ماهرة لصالح المؤسسات الكبرى ضمن القطاع الثالثي والصناعة، والذي كان توسعهما ما زال محدوداً لاستيعاب كل العاطلين عن العمل الذين أنتجتهم الأزمة الريفية في كل سنة.

كانت ظروف العمل في المصانع سيئة كذلك. وتماشياً مع موقف أصحاب العمل “من دون تكلفة، بأي ثمن”، بقيت معدلات الأجور في القطاع الصناعي قريبة من الحد الأدنى للأجور، وغالباً ما كان العمل الإضافي والليلي غير مدفوع. (15) إضافة إلى ذلك، بالكاد جرى توفير معدات العمل (الخوذات، والقفازات والملابس…) وكانت معظم المؤسسات مفتقرة للخدمات الأساسية (مياه للشرب، ومراحيض كافية…) فضلاً عن التسهيلات (الكافيتيريات، غرف للاستراحة، التهوئة والتدفئة المناسبتَين…). كما خضع العمال لنظام شديد يخضعهم للرقابة والعقاب. وكان الوكلاء أساس هذه النظام، أي المسؤولون عن الوحدات الانتاجية المتعددة. استخدم الوكلاء، حتى يكونوا عيون وآذان الإدارة، وبهدف الضغط على العمال، وتنمية الشك المتبادل وعدم الثقة بين العمال، والتشجيع على الوشاية، وتقليص تعسفي للأجور في حالة انخفاض حقيقي أو مزعوم للانتاجية اليومية، أو عند الشكوى، أو الوصول المتأخر. وعند حصول عصيان واضح، تفرض العقوبات مباشرةً، وصولاً حتى الطرد الفوري. (16)

تجدر الإشارة إلى أنه، وعلى العكس من التصور المهيمن الذي يظهر العمال أن غالبيتهم هي من الشيعة، كانت الطبقة العاملة الجديدة هذه متنوعة طائفياً. وبحسب دراسة أجراها سليم ومارلين نصر حول القوى العاملة الصناعية في الضواحي الشرقية لبيروت، حيث كان تكونها الطائفي على الشكل التالي: 44 بالمئة من الشيعة، 45 بالمئة من المسيحيين و11 من السنة والدروز. كانت الاختلافات الطائفية موجودة على مستوى الإعداد المهني، حيث سجلت الدراسة أن العمال المسيحيين كانت نسبتهم أعلى بين العمال المتخصصين، والعمال الشيعة كانت نسبتهم أعلى بين العمال غير المتخصصين. (17) في الحالتين، تطورت الحياة العملية والخاصة في الغالب في ذات الحي، خاصة وأن أغلب العمال جاؤوا من الريف للاستقرار بالقرب من المناطق الصناعية. (18)

من “اليتم السياسي” إلى الطليعة الراديكالية: جينالوجية ومسارات اللجان العمالية

بمواجهة الاغتراب المتجذر، وظروف العمل الصعبة والانتهاكات المستمرة، كانت الطبقة العاملة المتوسعة تقريباً وحيدة وغير منظمة في النقابات. في قطاع الصناعات الغذائية، على سبيل المثال، الذي وظف 23 بالمئة من عمال القطاع الصناعي، لم يسمح بإنشاء أي نقابة قطاعية. العمال في قطاع صناعة الزجاج والمفروشات والتعدين، الذين مثلوا ما نسبته 30 بالمئة من العمال في القطاع الصناعي، كذلك حرموا من التمثيل النقابي. (19) وحيث سمح بوجود النقابات، لم يكن ذلك ضمانة كافية وتلقائية لتحسن ظروف العمل. فعمال قطاع النسيج كانوا مثالاً على ذلك. مثّل عمال قطاع النسيج ما نسبته 20 بالمئة من عمال القطاع الصناعي، وكانت لديهم نقابة وطنية تمثلهم منذ منتصف الـ 1950ات، بالإضافة إلى نقابة صغيرة قريبة من الشيوعيين. عام 1969، بعد نضال طويل جرى توقيع عقد وطني [عمل جماعي] أخيراً. ورغم ذلك، وبسبب ضعف كفاحية النقابة الأساسية، استمرت الممارسات التعسفية، لدرجة أن معدل الأجور وظروف العمل في قطاع النسيج كان الأسوأ مقارنة مع بقية أجزاء القطاع الصناعي. (20)

وقد تعزز هذا الضعف بسبب الثقل الهامشي الذي احتلته النقابات الصناعية واليسارية داخل الاتحاد العمالي العام، إضافة إلى التناقضات داخل الاتحاد العمالي نفسه. (21)

عام 1970، وبعد مسار توحيدي طويل، اجتمعت جميع الاتحادات النقابية اللبنانية المرخصة ضمن الاتحاد العمالي العام الموجود، والذي بات أكبر جسم تمثيلي للعمال اللبنانيين. (22) التوحيد كان من دون شك له الفضل الأكبر في جمع العمال والموظفين والنضال المشترك تحت برنامج مطلبي مشترك؛ والذي تضمن مثل: تعديل الأجور بشكل متناسب مع نسبة التضخم المتزايدة، وإلغاء المادة 50 السيئة الذكر من قانون العمل، والدفاع عن الحريات النقابية، والدفاع عن حقوق الضمان الاجتماعي المكتسبة مؤخراً. مع ذلك، فإن الهيمنة الداخلية للاتحادات النقابية اليمينية والمعتدلة، كذلك للاتحادات النقابية في قطاع الخدمات، خلق حلقة مفرغة فبقيت فعالية الاتحاد العمالي العام محدودة بحيث كانت زيادة الأجور ضئيلة. (23) أكثر من ذلك، على الرغم من ضغط الاتحادات النقابية اليسارية بحيث تبنى الاتحاد العمالي العام، على الأقل، العديد من مطالب الحركة الفلاحية، إلا أن مسألة “الطبقة العاملة” لم تدخل أبداً ضمن برنامج الاتحاد العمالي العام.

لكن بدلاً من ذلك شهدت الـ 1970ات توحيداً آخر شكل منعطفاً حاسماً في تاريخ نضالية الطبقة العاملة. بدءاً من منتصف الـ 1960ات، وعلى خلفية الإحباط وخيبة الأمل الناتجتين عن فشل تجربة الجمهورية العربية المتحدة، وإثر الهزيمة في حرب حزيران/يونيو عام 67، ظهر بشكل تدريجي جيل جديد من اليساريين العرب الذي انقسم بشكل نقدي حاد عن المنظمات القومية والشيوعية والاشتراكية الموجودة. وضمن بحثهم عن أطر فكرية وتنظيمية جديدة، مع انتقال أفقهم الثوري من القاهرة ودمشق باتجاه هافانا وهانوي، كانت الماوية والتروتسكية والماركسية-اللينينية مصدرهم الفكري والأيديولوجي. (24)

في لبنان، المنظمتان اليساريتان الأساسيتان الجديدتان اللتان انبثقتا من هذه السيرورة هما لبنان الاشتراكي ومنظمة الاشتراكيين اللبنانيين. كانت منظمة لبنان الاشتراكي تضم مجموعة صغيرة من المناضلين المثقفين وقد تأسست عام 1964. ومثّلت نشرتهم السرية “لبنان الاشتراكي” إحدى أفضل الأمثلة على التحليل الماركسي النقدي العربي في تلك الفترة. أكثر من ذلك، كانت المجموعة منخرطة للغاية بالترجمة النضالية إلى العربية لأساسيات الفكر الماركسي من بينها نصوص لكل من: ماو وغرامشي وتروتسكي وغيفارا وماركس ولينين، متحررين من الوساطة السوفياتية. (25) في حين كانت منظمة الاشتراكيين اللبنانيين الفرع اللبناني من حركة القوميين العرب التي أصبحت، إثر سنوات من الخلافات الداخلية، منظمة مستقلة بين عامي 1968 و1969. (26) عام 1970، اندمجت المنظمتان ضمن منظمة واحدة هي منظمة العمل الشيوعي في لبنان. ضمن مشروعهم الثوري الأوسع للتحويل الراديكالي للمجتمع اللبناني، اتخذت مسألة تنظيم الطبقة العاملة الآخذة بالاتساع مركزية استراتيجية منذ اللحظة الأولى. (27)

إثر الاندماج، أنشئت خلايا عمالية داخل منظمة العمل الشيوعي، كانت مهمتها تنظيم الكتلة المتزايدة من العمال القاعديين الذين أنتجتهم الطفرة في القطاع الصناعي يومها. كانت الخطوة الأولى التي أخذتها المنظمة إجراء بحث بين العمال لمعرفة ظروف عملهم بشكل مباشر. كما كان البحث وسيلة “للدخول” بين أوساط الطبقة العاملة، حيث كان معظم أعضاء منظمة العمل من الطلاب والمثقفين ومن البرجوازية الصغيرة. سرعان ما تَبِع البحث الميداني توزيع نشرة اسمها “نضال العمال”، الهادفة إلى تعريف العمال، بلغة مباشرة وبسيطة، بحقوقهم، وأهمية الوحدة والتنظيم والعمل المباشر، بالإضافة إلى توفير تعليمات حول ماهية اللجان العمالية وطريقة تنظيمها. وقد نجحت الاستراتيجية. مع بداية عام 1971، كانت اللجان النشطة موجودة في المصانع الأساسية في الضواحي الجنوبية للعاصمة. ومع نهاية السنة التالية، كانت قد أصبحت متجذرة في كل المصانع الكبرى في ضواحي العاصمة الشرقية.

وبسبب الحضور القمعي للوكلاء، حصل جزء كبير من النضال السياسي خارج المصنع. لكن ذلك لم يمنع العمال من التعبئة. في صيف عام 1971، نظمت إضرابات في مصانع بيونير-جبر، وسنيبوا، ويونيفيد وسفن-آب. عام 1971، حاول أعضاء اللجان العمالية المشاركة في انتخابات تجديد بعض المجالس النقابية. (28) جرى تفويض الاتصال والتنسيق لنضال العمال، التي بدأت بإصدار بيانات التعبئة والتقارير عن الوضع في المصانع، وتحليل التطورات الرئيسية التي تؤثر على الطبقة العاملة اللبنانية والحياة السياسية، وربط التحركات العمالية بتحركات الفلاحين والطلاب.

في الوقت عينه، كانت درجة النضال الاجتماعي في تزايد في كل أنحاء البلاد. في سهل عكار، هبّ العمال الزراعيون ضد الملاك، وضد الإخلاء التعسفي، وتزايد الزراعات الاحتكارية. في الجنوب، شهدت شركة الريجي تحركات لمزارعي التبغ المطالبين برفع الأسعار، وضمان إصدار رخص زراعية جديدة، والحق بالتنظيم النقابي والضمان الاجتماعي. في المدارس والجامعات تزايدت الحركة الطلابية الراديكالية المتحدية “للمجتمع اللبناني التجاري” وتكاليفه الاجتماعية، إلى جانب السياسة الخارجية للحكومة. أما بالنسبة للطبقة العاملة، فقد لعبت القوى اليسارية دوراً أساسياً في تشكيل التحركات الفلاحية والطلابية. بما خص تحركات عكار، لعب حزب البعث دوراً أساسياً. أما في حالة مزارعي التبغ، فقد كان الدور الرئيسي للحزب الشيوعي اللبناني. في الحالتين، كانت منظمة العمل الشيوعي موجودة. (30) أما بالنسبة للطلاب، فقد كانت مختلف القوى اليسارية حاضرة. (31)

كانت نتائج الانتخابات في تلك المرحلة هزيلة. بما يتعلق بتجديد المجالس النقابية، لقيت مشاركة اللجان العمالية معارضة كبيرة من أرباب العمل والقادة التقليديين للنقابات، الذين تلاعبوا بالتنظيمات الانتخابية لمنع مشاركة اللجان. (32) كما جرى طرد العمال الذين شاركوا بالتحركات، ولم يتم تلبية أي من المطالب. في أكثر من مكان، منعت الإضرابات بالقوة. لكن هذه الإجراءات القمعية فشلت في وقف التعبئة العمالية الذي أمل أصحاب العمل في تحقيقها. بدلاً من ذلك، أظهر ذلك للعمال العلاقة العضوية والتقارب بين الدولة وأصحاب العمل والنقابات التقليدية بهدف الإبقاء على الستاتيكو، الأمر الذي رفع من راديكاليتهم وتقاربهم مع اللجان العمالية.

غندور والمكلس والتأكيد على الاستقلالية المتنامية

في هذه السيرورة من الانشقاق والراديكالية، كان إضراب غندور في تشرين الثاني/نوفمبر 1972 لحظة مفصلية. تأسست شركة حلويات غندور عند نهاية القرن الـ 19 بإدارة عائلة غندور. إثر إزدهار القطاع الصناعي، أصبحت الشركة مصنعاً ضخماً، وقد تبلور ذلك في افتتاح مصنع ثان يضم 1250 عاملاً في الشويفات، إلى جانب المصنع القديم في الشياح (350 عاملاً) في الضاحية الجنوبية لبيروت. وبذلك باتت شركة غندور، الشركة الصناعية الأكبر في لبنان، وفي الوقت عينه، افتقر العمال فيها إلى التمثيل النقابي، فرفضت الدولة ومالكيها مراراً ترخيص ذلك، حتى ولو كانت نقابة محصورة بعمال الشركة. وقد انعكس ذلك على ظروف العمل السيئة التي تعرض لها العمال: فمورست فيها كل أنواع الممارسات التعسفية. كانت الشركة تمثل العلاقات الراسخة بين المستثمرين والطبقة الحاكمة التي تُميز بنية السلطة اللبنانية. كان الأخوان غندور ثاني أكبر أمبراطورية صناعية لبنانية. كما تفاخرا بعلاقاتهما الوطيدة بصائب سلام، فكان من ثمارها تعيين رفيق غندور رئيساً لمؤسسة آل سلام الخيرية السنية، جمعية المقاصد، عام 1966 ومرة أخرى عام 1970. (33)

كان قرار اللجان إطلاق إضراب مفتوح قد نضج إثر أشهر من التوترات التي سببها رفض معمل غندور الدائم زيادة الرواتب أقرت قانونياً خلال فصل الربيع. بدأ الإضراب المفتوح يوم 3 تشرين الثاني/نوفمبر حتى 10 تشرين الثاني/نوفمبر، حيث تطورت التعبئة في مناخ هادئ نسبياً. إلا أن ذلك تغيّر بشكل جذري يوم 11 تشرين الثاني/نوفمبر، حوالي الساعة 8 صباحاً، حين وصلت أفواج من قوى الأمن الداخلي عند بوابات المعمل في الشياح، وفرقت الإضراب بالقوة. خلال الاشتباكات التي لحقت ذلك، أطلقت رصاصات عديدة على الجماهير، موقعة قتيلين. (34) كانت تلك المظاهرة العمالية الأولى منذ الاستقلال التي تقمع على هذا النحو. فعمت موجة من الاستنكارات التي أثارها هذا الحدث غير المسبوق. خلال ثلاثة أيام، عمت المظاهرات الجماهيرية جميع أنحاء البلاد، مع بروز واضح للمنظمات اليسارية والتقدمية. كما شمل الاستنكار الأوساط الليبرالية التي ألحت بالمطالبة بمحاسبة المسؤولين.

وتماشياً مع نهجها التوفيقي، حتى يوم المجزرة، كان سلوك الاتحاد العمالي العام تجاه العمال المضربين في معمل غندور متأرجحاً بين اللامبالاة والأبوية الزجرية. فأجبرت الضغوط العمالية القاعدية الاتحاد العمالي على اتخاذ موقف واضح والدعوة لإضراب عام. (35) كانت المشاركة بالإضراب شبه كاملة. رغم ذلك، لم يكن ذلك كافياً لتحقيق العدالة ومطالب العمال.

بما خص القاتل، لم يشكل رئيس الوزراء صائب سلام أي لجنة تحقيق، الذي تصرف على هذا الشكل انسجاماً مع علاقته بعائلة غندور. أما بما خص مطالب العمال، فبعد شهر من المفاوضات الفاشلة، أغلقت الشركة لمدة ستة أشهر، ترافق ذلك مع طرد كل العمال. ما أدى إلى موجة جديدة من التعبئة التي تمكنت من إجبار الشركة على إعادة فتح المصانع، إلا أنها فشلت في تحقيق الاستجابة للمطالب العمالية. (36)

أدت هذه الحصيلة السلبية لإضراب معمل غندور إلى انتشار حالة من الإحباط والاستياء الشديدَين بين صفوف العمال العاديين ضد الدولة والاتحاد العمالي العام. سرعان ما انتشرت هذه المشاعر خارج المصانع. في كانون الثاني/يناير 1973، وبعد شهرين من المفاوضات غير المثمرة مع الحكومة، تعرض إضراب معلمي المدارس الرسمية لقمع وحشي حيث طردت الحكومة 324 مدرس متهمتهم بـ”إثارة المشاكل”. في الوقت عينه تقريباً، قمعت سلسلة من التظاهرات المستمرة لمزارعي التبغ في كفرمان- النبطية بشكل دموي، حيث سقطت ضحيتين إضافيتين. فكانت ردة الفعل على هذه المجزرة أشدّ من تلك تجاه معمل غندور. فاندلعت موجة من المواجهات العنيفة في كل أنحاء البلد، شاملة الطلاب، والعمال والفلاحين، خاصة في الجنوب، كما شارك فيها مواطنون عاديون وغير مسيسين. (37) في اليوم التالي، نظمت مسيرات حاشدة من الجنوب إلى بيروت. هنا كذلك، لم تلب أي من المطالب المرفوعة. (38) فلم تتحقق المطالب التي كانت الحركة العمالية تطالب بها طيلة 3 سنوات، كما أن قيادة الاتحاد العمالي العام المتواطئة فشلت بشدة في الدفاع عنها.

لعبت الحملات القمعية دوراً حاسماً في تحقيق التضامن النضالي بين القوى الاجتماعية المعنية. وهذا ما ساعد كذلك على تحقيق التقارب بين اليسار القديم والجديد. (39)

بدأت نتائج هذا المناخ السياسي بالتمظهر في نهاية الصيف. في 28 آب/أغسطس 1973، نظم الاتحاد العمالي العام إضراباً، وذلك سعياً منه للحاق الضغط الشعبي. ترافق الإضراب مع تهديد بإضراب مفتوح في حال عدم تلبية مجموعة من المطالب التي طال انتظار تحققها. فنجح الإضراب والتهديد في تحقيق مكاسب قليلة. وعلى أمل منها ضرب عصفورين بحجر واحد (استرضاء الغضب الشعبي وأصحاب العمل)، أطلقت قيادة الاتحاد العمالي العام حلقة مفرغة من الدعوات للإضراب والتراجع عنه على أساس شهري. أدى ذلك إلى استنفاد صبر العمال والنقابات اليسارية على حد سواء.

ففاض الكوب أخيراً في شهر شباط/فبراير عام 1974، بعد سلسلة من الدعوات للإضراب والتراجع عنه من قبل الاتحاد العمالي العام، عمت موجة من الإضرابات العفوية كل البلد. في الجنوب، وبتنسيق من اتحاد نقابات العمال في الجنوب، تظاهر 20 ألف طالب وعامل في صيدا وقطعوا الطريق الأساسية التي تربط الجنوب ببيروت. كما حصل سيناريو مشابه في طرابلس، حيث بلغت التظاهرات أوجها بإغلاق الطلاب والعمال طريق عكار، وسرقة مكاتب الاتحاد العمالي العام في المدينة. في هذا الوقت، شهدت بيروت تظاهرات طلابية في وسط المدينة، كما أغلق 10 آلاف عامل، بقيادة اللجان العمالية، المصانع في منطقة المكلس- تل الزعتر، إضافة إلى قطع الطرقات المحيطة طيلة يومين. (40)

توطدت العلاقة العضوية بين الفلاحين والطلاب والعمال وأقرانهم السياسيين بالتوازي مع التحرر التدريجي للاتحادات النقابية اليسارية من إملاءات الاتحاد العمالي العام. في 2 نيسان/أبريل، أعلنت الاتحادات اليسارية عن إضراب عام من جانب واحد، سبقه مظاهرة حاشدة ضد التضخم. (41) وقد أدى ذلك إلى تحقيق انتصارات كبرى، بدءاً من الإصلاح الجزئي للمادة 50 من قانون العمل وإدخال الفلاحين في الصندوق الوطني الضمان الاجتماعي.

الخلاصة

من خلال هذه الورقة أوجزنا التجربة السياسية للجان العمالية، وقدمنا مثالاً عن الطرق العديدة التي من خلالها، وعشية الحرب الأهلية دخلت الترجمة السياسية للمطالب الاجتماعية والاقتصادية من خلال مصطلحات طبقية في سيرورة تفكك وإعادة تشكيل الهويات الجماعية التي شكلت في نهاية المطاف برنامج الحركة الوطنية. على وجه التحديد، حاولنا تبيان كيف، وفي ظل أزمات اقتصادية-اجتماعية وتفكك سريع للنموذج الاجتماعي الريفي، كان الإنكار الفوقي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للقواعد العمالية وإبعاد الأخيرين عن المشاركة في اتخاذ القرارت، قد أدى في نهاية المطاف إلى انشقاق القواعد العمالية عن البنى السياسية الأبوية المنتجة للوضع المهيمن، والمحافظة عليه. إنطلاقاً من هذا الانشقاق، أدى تعميم الأيديولوجيا الجديدة والبنى النضالية من قبل اليسار الجديد إلى تحديد مسار تجذرهم السياسي اليساري. ضمن هذه السيرورة، لعبت التعبئة دوراً أساسياً، فكانت بمثابة “المفجر” والمنسق بين مختلف الكتل الاجتماعية والسياسية التي تقاربت مشكِّلة الحركة الوطنية. في كل المراحل، ظهر العمال كعناصر نشطة، فالتزموا بوعي- على الرغم من التعدد بوجهات النظر الأيديولوجية- بمشروع سياسي يعيد تعريف المواطنة على أساس المساواة وأكثر شمولية. من هذا المنطلق، إن الاعتقاد المهيمن عن الحركة الوطنية أنها تجسيد سياسي لـ”لبنان المسلم”، أو لأجندات ثورية غير لبنانية- على الأغلب فلسطينية- فيه الكثير من التبسيط. (42)

ضمن التحليلات اللاحقة المبيِّنة لأسباب فشل الحركة الوطنية في الحفاظ على مشروعها السياسي وقاعدتها، اعتبر العديد من مناضليها السابقين أن الخطأ الاستراتيجي تمثل بإعطاء الأولوية الكاملة للإصلاحات السياسية على حساب الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية. (43) وقد كان ذلك بالفعل أحد الأسباب التي ساعدت على تعريض القاعدة الاجتماعية للحركة الوطنية للخطر وإعداد الأرضية للانزلاق الطائفي التالي الذي وقعت فيه الحركة. لذا، للحصول على فهم شامل للموضوع ما زال هناك الكثير من الأبحاث التي يجب القيام بها. في هذا الإطار، إن إعادة النظر بالسنوات السابقة للحرب مع الأخذ بعين الاعتبار بالأسباب الطبقية والأيديولوجية يجسد شرطاً مسبقاً ضرورياً، حيث لا يمكن الوصول إلى فهم كامل للأسباب من دون معرفة الجذور العميقة.


كاريكاتور من الصفحة الأخيرة من جريدة الأخبار يظهر العلاقات بين الطبقة الحاكمة والبرجوازية الصناعية- يظهر الكاريكاتور النائب محمود عمار- تشرين الثاني ١٩٧٢

أنا ضمير المتكلم -عصام حاج علي
الهوامش:

1. Fawwaz Traboulsi, A History of Modern Lebanon (London: Pluto Press, 2012), p. 187–209.

2. Lebanese National Movement, “Democratic Reform of the Political System in Lebanon, 18/08/1975” in Documents of the Lebanese National Movement 1975- 1981 (Publications of the Lebanese National Movement, unspecified year), p. 7-27.

3. Ibid., p. 9.

4. Ibid., p. 10.

5. Tabitha Petran, The Struggle over Lebanon (New York: Monthly Review Press, 1987), 133–39 and Traboulsi, A History of Modern Lebanon, p. 165–67.

6. Kamal Suleiman Salibi, Cross Roads to Civil War: Lebanon, 1958-1976 (London: Ithaca Press, 1976), p. 57.

7. للحصول على قراءة تاريخية للتطور الاقتصادي للبنان المستقل، يمكن قراءة: Carolyn Gates, The Historical Role of Political Economy in the Development of Modern Lebanon (Beirut: Centre for Lebanese Studies, 1989). للحصول على لمحة عامة عن التطور الصناعي اللبناني يمكن قراءة: Toufic K. Gaspard, A Political Economy of Lebanon, 1948-2002: The-limit-s of Laissez-Faire (Leiden: BRILL, 2004), p. 102-140.

8. Claude Dubar and Salim Nasr, Les classes sociales au Liban (Paris: Presses de la Fondation Nationale des Sciences Politiques, 1976), Tab. II.9.

9. Catherine Paix, « La Portée Spatiale des Activités Tertiaires de Commandement Économique au Liban», Revue Tiers Monde 16, no 61 (1975): 16671 and Salim Nasr, « Backto Civil War: The Crisis of Lebanese Capitalism », MERIP Reports, n° 73 (1978), p. 10-11.

10. Salim Nasr et Marlène Nasr, Les travailleurs de la grande industrie dans la banlieue Est de Beyrouth (Beyrouth: 1974), p. 8-ff.

11. Salim Nasr, « Backto Civil War », p. 10-11.

12. كل الممارسات التعسفية الممارسة مستنتجة من ادعاءات وإدانات عبر عنها العمال خلال تحركاتهم، مع التحقق منها من مصادر متعددة.

13. Salim Nasr, « Backto Civil War », p. 6-10.

14. لقراءة المزيد حول النزوح الجماعي من الريف إلى ضواحي بيروت وآثارها الاجتماعية، يمكن قراءة: Fuad Khuri, From Village to Suburb: Order and Change in Greater Beirut (Chicago: University of Chicago Press, 1975).

15. Salim Nasr, « Backto Civil War », p. 11. and Republic of Lebanon, L’Enquête par Sondage sur la Population Active au Liban, vol. II (Beyrouth : Ministère du Plan, 1971).

16. نضال العمال، العدد 8، 1971

17. Nasr and Nasr, Les travailleurs de la grande industrie, p. 115-117.

18. Ibid., 36 and Republic of Lebanon, L’enquête par sondage sur la population active au Liban, Vol. II (Beyrouth : Ministère du Plan 1972): Tab. 21.34 and 22.34.

19. Nasr and Nasr, Les travailleurs de la grande industrie, Tab. 38.

20. Joan Clarke (ed.), Labor law and practice in Lebanon, BLS Report n°304 (Washington: U.S. Bureau of Labor Statistics, 1966), Appendix D.

21. عام 1972، بلغ عدد النقابات المرخصة داخل القطاع الصناعي 24 نقابة من أصل 140 نقابة، منها 5 تابعة لاتحاد النقابات المتحدة، و5 تابعة للاتحاد الوطني للعمال والمستخدمين في لبنان، 6 تابعة لاتحاد نقابات الشمال، و2 لاتحاد نقابات عمال الجنوب، و2 ضمن جامعة نقابات العمال، و1 في اتحاد النقابات العمالية للمصالح المستقلة والمؤسسات العامة، و3 غير منضوية في أي اتحاد (CERMOC 1978, Tab. 2).

22. الياس البواري، تاريخ الحركة العمالية والنقابية في لبنان، الجزء الثاني (بيروت: دار الفارابي، 1986) 351-368.

23. Fawwaz Traboulsi, A History of Modern Lebanon, p. 166-169. تألف الاتحاد العمالي العام من ثلاثة تكتلات أساسية ومتنافسة. الكتلة الأولى والمهيمنة هي الكتلة اليمينية، برئاسة رئيس الاتحاد العمالي العام غبريال خوري، وتضم 4 من أصل 9 اتحادات (اتحاد النقابات المتحدة للمستخدمين والعمال، وجامعة نقابات العمال، واتحاد نقابات العمال في الشمال، واتحاد النقابات العمالية النقل البحري). الكتلة الثانية كانت الكتلة الإصلاحية المعتدلة، والتي تضم اتحاد نقابات مستخدمي وعمال البترول، واتحاد النقابات العمالية للمصالح المستقلة والمؤسسات العامة، والاتحاد العمالي للمصالح المستقلة والمؤسسات العامة بقيادة جورج صقر وأنطوان بشارة وجوزف تويني. التكتل الأخير توجهه يساري، يضم الاتحاد الوطني للعمال والمستخدمين في لبنان، واتحاد نقابات العمال في الجنوب المرتبطين بالحزب الشيوعي اللبناني والحركة القومية العربية على التوالي.

تدين الكتلة اليمينية بموقفها إلى العلاقة العضوية التي تمكن قادتها من بنائها طوال عقود مع القادة السياسيين المحافظين والزعماء. منذ سن قانون العمل عام 1946، سعت الحكومات المتعاقبة إلى الحد من تأثير النقابات اليسارية والعمال من خلال الترخيص للكثير من النقابات والاتحادات العمالية الموالية لها، وغالباً البعيدة عن تمثيل العمال. أنتج ذلك تزايداً في عدد النقابات اليمينية غير التمثيلية، والتي كانت تدار من فوق بهدف خلق توازن قوى بين الاتحادات والتيارات السياسية على المستوى المؤسساتي. لقراءة شاملة عن التطورات الأساسية للنقابات العمالية اللبنانية من منظور تاريخي، إقرأ/ي: Nick Kardahji, A Deal With the Devil: The Political Economy of Lebanon, 1943-75, PhD Thesis, University of California – Berkley, 2015: p. 156-178.

24. Tareq Y. Ismael, The Arab Left (Syracuse: Syracure University Press, 1976), 92124.

25. Fadi A. Bardawil, “Dreams of a Dual Birth: Socialist Lebanon’s World and Ours”. Boundary 2 43, no. 3 (August 1, 2016), p. 313–35.

26. يمكن قراءة مراجعة ثاقبة لعملية انتقال حركة القوميين العرب باتجاه الماركسية اللينينية وإعادة بناء الانشقاقات التي أنتجتها: Walid Kazziha, Revolutionary Transformation in the Arab World: Habash and His Comrades from Nationalism to Marxism (London: C. Knight, 1975).

27. يمكن الاطلاع على التوجهات الأيديولوجية والبرنامج السياسي لمنظمة العمل الشيوعي في الإعلان التأسيسي للمنظمة المنشور في نشرة الحرية، عدد 579، 5 تموز/يوليو 1971. ما عدا ذلك، كل المعلومات المتعلقة باللجان العمالية والمنشورة في هذا المقطع مستمدة من مقابلات مطولة مع أ.د.، المسؤول السابق في منظمة العمل الشيوعي عن اللجان العمالية في الضاحية الجنوبية لبيروت، بين تشرين الأول/أكتوبر 2015 وحزيران/يونيو 2017.

28. نضال العمال، الأعداد: 1-3-5-9، 1971

29. Tabitha Petran, The Struggle over Lebanon (New York: Monthly Review Press, 1987), p. 133-138 Fawwaz Traboulsi, A History of Modern Lebanon, p. 164-166.

30. مقابلة مع ن.س.، مسؤول سابق في منظمة العمل الشيوعي في شمال لبنان، بيروت، شباط/فبراير 2001.

31. Samih Farsoun, “Student Protests and the Coming Crisis in Lebanon,” MERIP Reports, no19 (1973), p. 3-14. إلى جانب الحركة اليسارية المتنامية، تصاعد النشاط الطلابي اليميني عشية الحرب الأهلية. لقراءة متعمقة حول الحركات الطلابية: Halim I. Barakat, Lebanon in Strife: Student Preludes to the Civil War (Austin: University of Texas Press, 1977).

32. نضال العمال، العدد 9، 1971. ذكر العمال صراحة أن نقابات النسيج تابعة لاتحاد النقابات المتحدة اليمينية، وأن نقابة دهاني “الديكور والليسترو” تابعة للاتحاد الوطني اليساري. كان ذلك من أعراض التنافس الشديد بين الحزب الشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي، حيث نظر الحزب الشيوعي إلى تأثير اللجان العمالية المتزايد بمثابة تهديد لهيمنته التاريخية في تمثيل الطبقة العاملة.

33. Johnson, Class & Client in Beirut, p. 343-345.

34. النداء، تشرين الثاني/نوفمبر 12-13، 1972

35. النداء، تشرين الثاني/نوفمبر 14، 1972

36. النداء، كانون الأول/ديسمبر 16، 20، 21، 22، 1972

37. L’Orient-Le Jour, January 25, 26, 27 and 28 1973.

38. Fawwaz Traboulsi, A History of Modern Lebanon, p. 167-171.

39. مقابلة مع فواز طرابلسي، من مؤسسي وعضو سابق في المكتب السياسي لمنظمة العمل الشيوعي، بيروت، حزيران/يونيو 2017. مسار التقارب في كل مراحله يمكن قراءته في Jacques Couland, ‘Movimento sindacale e movimiento nazionale e progressista in Libano’, Quaderni Feltrinelli n° 15 (1981), p. 71-94.

40. L’Orient-Le Jour, February 7, 1974. مقابلة مع م.ز.، عضو سابق في اللجان العمالية في الضواحي الشرقية لبيروت، بيروت تشرين الثاني/نوفمبر 2015. كما حصلت الإضرابات العفوية في المناطق المسيحية الساحلية وفي الشوف وعاليه والبقاع.

41. L’Orient-Le Jour, April 2 and 3, 1974.

42. من الدراسات التي تتبنى هاتين المقاربتين: Farid El-Khazen, The Breakdown of the State in Lebanon, 1967-1976 (Cambridge: Harvard University Press, 2000) and Samir Khalaf, Civil and Uncivil Violence in Lebanon: A History of the Internationalization of Communal Conflict (New York: Columbia University Press, 2013).

43. George Hawi and Jim Paul, “Problems of Strategy, Errors of Opposition,” MERIP Repoarts, no. 118 (1983), p. 18–22.