قصة الدفاع عن اطروحة الدكتوراه في 24 كانون الأول/ ديسمبر1981
سناء عبد القادر مصطفى
2021 / 12 / 23 - 22:53
بدأت مع الزملاء زيا كوركيس نعمان وفليح حسن عبود في اكمال دراسة الدكتوراه في شهر أيلول/سبتمبر العام 1977 والتي أمدها ثلاثة سنوات. التحقنا بمجموعة دراسة الدكتوراه في معهدنا وكانت تضم حوالي 30 طالبا من كلا الجنسين . كان معنا طالب من ألمانيا الديمقراطية اسمه فيرنير (Werner) وكذلك نحن الثلاثة العراقيين أجانب ، أما البقية فهم طلبة سوفيت، من مختلف الاختصاصات في العلوم الاقتصادية في معهدنا : معهد الاقتصاد الوطني في أوديسا. كنت والطالب الألماني فيرنر في قسم تخطيط الاقتصاد الوطني ، أما زيا وفليح فكانا في قسم الاقتصاد الصناعي.
شملت السنة الاولى لدراسة الدكتوراه حضور محاضرات في مادة الاقتصاد السياسي بفرعيه : الاقتصاد السياسي للاشتراكية والاقتصاد السياسي للرأسمالية. كان الأستاذ الدكتور سيرغي باكريتان (Сергей Покритан) يلقي علينا محاضرات في الاقتصاد السياسي للاشتراكية والاستاذ الدكتور أليكساندر مارتينوفسكي
( Александер Мартиновеский) يلقي علينا محاضرات في الاقتصاد السياسي للرأسمالية. وبالمناسبة فإن والد أستاذنا أليكسندر الجنرال مارتينوفسكي كان قائدا لقطعات الجيش السوفيتي التي حررت مدينة أوديسا البطلة من الاحتلال النازي الألماني الفاشي(كان لقب المدينة البطلة يطلق على المدن السوفيتية التي كانت فيها مقاومة شرسة للإحتلال النازي الألماني الفاشي في الحرب العالمية الثانية).
وشملت كذلك السنة الدراسية الاولى لدراسة الدكتوراه حضور محاضرات في مادة الفلسفة. كان الأستاذ الدكتور أويموف (Уймов) من جامعة أوديسا(Одеский Университет) يلقي علينا محاضرات شاملة في الفلسفة بكافة فروعها وأنواعها. انتهت السنة الدراسية الأولى بتقديم امتحانات الدكتوراه بنجاح في مادتي الاقتصاد السياسي بفرعية الاشتراكي والرأسمالي.
بذلت جهودا كبيرة في الانتهاء من كتابة اطروحة الدكتوراه (مشاكل تطوير صناعة الزيوت النباتية في العراق) في الوقت المحدد وطبقا لنظام كتابة اطروحة الدكتوراه في المعاهد والجامعات الأوكرانية وذلك بأن يناقش كل فصل من الاطروحة بعد الانتهاء من كتابته في القسم العلمي ويتم تصليحه على ضوء ووفقاً لملاحظات الأساتذة المناقشين الثلاثة ومن ثم تناقش الاطروحة بكاملها.
قدمت امتحان الاختصاص في مادة الاقتصاد الصناعي بامتياز أمام لجنة شكلت لهذا الغرض
في معهدنا ضمت رئيس قسم المحاسبة الاقتصادية رئيسا ً وعضوية كل من نائب مدير المعهد للشؤون العلمية ومشرفي العلمي على كتابة اطروحة الدكتوراه في شهر مايس /مايو 1980 .
وقمت بمناقشة الاطروحة بكاملها في القسم العلمي التابع له في أواسط شهر أيلول /سبتمبر 1980 . وبعد ذلك قمت بتصليحها وفق ملاحظات المناقشين الثلاثة من أساتذة القسم.
واجهتني مشكلة مهمة ألا وهي أن معهدنا الدراسي لا يوجد فيه مجلس علمي لمناقشة أطاريح الدكتوراه في تخصص الاقتصاد الصناعي ، في حين يوجد فيه مجلس علمي لمناقشة أطاريح الدكتوراهPh.D والدكتوراه في العلوم D.Sc.في اختصاص الاقتصاد السياسي.
قام قسم تخطيط الاقتصاد الوطني الذي أنا عضو فيه برفع رسالة الى مدير معهدنا ومساعديه للشؤون العلمية وللطلبة الأجانب للبحث عن مجلس علمي يمكنني أن أدافع فيه عن اطروحة الدكتوراه . استمر البحث طويلا لعدة أشهر وبموجب ذلك تم تمديد فترة اقامتي في الاتحاد السوفيتي ومنحتني وزارة التعليم العالي السوفيتية مدة سنة بصفة متدرب وبراتب قدره 100 روبل سوفيتي.
في بداية العام 1982 قدم قنصل جمهورية ألمانيا الديمراطية من كييف عاصمة أوكرانيا في زيارة الى أوديسا لمساعدة الطالب الألماني فيرنير في ايجاد مجلس علمي للدفاع عن اطروحة الدكتوراه في اختصاص الاقتصاد المالي. وتمكن من الحصول على موافقة مجلس فرع اقتصاد وايكولوجيا المحيطات العالمية في معهد الهيدروفيزيا التابع الى أكاديمية العلوم في جمهورية أوكرانيا السوفيتية،
The Council of Word Ocean Economi and Ecologi Branch of Marine Hydrophisics Institute , Academy of Sciences of Ukr.SSR
وتم ذلك بدون أن يناقش الطالب فيرنير اطروحته في قسم تخطيط الاقتصاد الوطني الذي انا وهو أعضاء فيه وذلك لأن مشرفه العلمي هو نائب مدير معهدنا للشؤون العلمية أولاً وكذلك بسبب زيارة قنصل جمهورية ألمانيا الديمقراطية التي كانت محضية الاتحاد السوفيتي آنذاك ثانياً.
بعد ذلك تمت مفاتحة المعهد أعلاه بامكانية دفاعي عن اطروحة الدكتوراه في قسم الاقتصاد الصناعي. وحصلت على موافقة القسم المذكور على شرط أن يتم مناقشة اطروحتي أولا في قسم الاقتصاد الصناعي .وتم ذلك في شهر مايس/مايو 1981. قمت بتعديل الملاحظات على الاطروحة والتي قدمت لي من قبل القسم المذكور.
وبما أن موضوع رسالتي هو : صناعة الزيوت النباتية في العراق والمشاكل الاقتصادية لتطورها. معنى هذا أن الاطروحة كتبت باختصاصين كما قال سكرتير المجلس العلمي الدكتور يوري ميخائيلوفيتش كنيجنيك وهما الأول: اقتصاد، إدارة تنظيم وتخطيط الاقتصاد الوطني (صناعة) ورقمه حسب تصنيف وزارة التعليم العالي السوفيتية هو 08.00.05 . والثاني : اقتصاد، توزيع قوى الانتاج في الدول النامية ورقمه حسب تصنيف وزارة التعليم العالي السوفيتية هو 08.00.17 . وهذا يعني بأن المجلس العلمي يجب أن يضم عضوين اضافيين بدرجة دكتور واستاذ في العلوم الاقتصادية واختصاصهما اقتصاديات الدول النامية . وبالاضافة الى أن المناقش الرسمي الاول يجب أن يكون دكتور في العلوم الاقتصادية وبدرجة استاذ، اختصاصه اقتصاد زراعي لان موضوع الاطروحة يتناول ايجاد حل لمشكلة توفير البذور النباتية والمواد الخام في العراق بدلا من استيراد زيت النخيل من تايلاند والذي يكوًن 92% من المواد الخام الداخلة في انتاج منتجات صناعة الزيوت النباتية والتي كانت تشمل الزيوت النباتية المهدرجة والسائلة بالإضافة الى مساحيق وصابون الغسيل ومعاجين الأسنان والحلاقة وغيرها من المنتجات التي كانت تسد الاستهلاك المحلي في العراق ويصدر الفائض الى دول الخليج العربي ومصر ودول غير عربية (راجع مقالتنا المنشورة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين وموقع الحوار المتمدن الموسومومة: المشاكل الاقتصادية لتطوير صناعة الزيوت النباتية في العراق. والتي هي ترجمة لملخص اطروحة الدكتوراه من الروسية الى العربية) . أما المناقش الرسمي الثاني يجب أن يكون دكتور واختصاصه اقتصاديات الدول النامية. كما ان الجهة المشرفة على الدفاع عن الاطروحة يجب أن تكون اختصاصها صناعات غذائية.
وافق معهد تكنولوجية الصناعات الغذائية في أوديسا (باسم م. ف. لومونوسوف) على أن يكون الجهة المشرفة على الدفاع اللذين قاموا بتحديد يوما للدفاع عن الاطروحة في قسم الانتاج الصناعي . كان الدفاع عبارة عن توجيه اسئلة قدمت لي حول موضوع الاطروحة والمشاكل والحلول المقترحة لحلها وقمت بالجواب عليها بشكل ممتاز نال استحسان وموافقة المعهد على أن يكون اللجنة المشرفة على الدفاع عن الاطروحة.
بقيت أمامي مسألة ايجاد العضوين الاضافيين للمجلس العلمي والمناقش الرسمي الثاني بالشروط المذكورة آنفاً.
سافرت الى موسكو في خريف العام 1981 للبحث عن الأساتذة اللذين يستوفون الشروط الآنفة الذكر. فاتحت زميلي وصديقي منذ أيام الدراسة في الكلية التحضيرية في جامعة دانيتسك الحكومية باوكرانيا في السنة الدراسية 1974-1975 الأخ رياض عيسى غيدان رمزي (طالب في مرحلة الدكتوراه في كلية الاقتصاد بجامعة موسكو الحكومية في قسم اقتصاديات الدول النامية) الذي حدثني عن عميد كلية الاقتصاد والقانون في جامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو الاستاذ الدكتور يوري ميخائيلوفيتش شفيركوفЮрий Михаилович Шверков الذي لا أنسى مساعدته لي مطلقاً. قام رياض بالحصول على رقم هاتفه من أحد أصدقائه السوفيت ، والذي وافق مشكوراً على مقابلتي في اليوم التالي في كلية الاقتصاد والقانون بجامعة الصداقة بين الشعوب. وقبل الذهاب الى مقابلة شفيركوف في صباح اليوم التالي اقترح علي رياض طالما يوجد عندنا وقت قبل الذهاب الى جامعة الصداقة أن نذهب الى قسم الإقتصاد الصناعي في جامعة موسكو ، عسى ولعل يمكن أن يقدموا مساعدة في حل مشكلتي. قابلت رئيس القسم الذي رحب بي وبعد شرح مشكلتي له واطلاعه على الاطروحة اعتذر عن تقديم مساعدة وذلك لأن قسم الاقتصاد الصناعي في جامعة موسكو يدرس ويبحث عن الحلول النظرية لمشاكل الاقتصاد الصناعي وليس الحلول العملية لمشاكل الاقتصاد الصناعي كما هو الحال قي اطروحتي. وبالمناسبة فإن المعاهد الدراسية في الاتحاد السوفيتي تشمل على الاختصاصات العملية ، أما الجامعات فتشمل على الاختصاصات النظرية .
قابلت يوري ميخائيلوفيتش شفيركوف في الوقت المحدد وبعد شرح مشكلتي له بالكامل وكوني لم اتمكن من الدفاع عن اطروحتي لمدة سنة تقريبا ، قام بتصفح الاطروحة وقال لي كما أتذكر: لا أتمكن من أن أكون المناقش الرسمي الثاني لأني رئيس لجنة تقييم اطروحات الدكتوراه والدكتوراه علوم في جميع الاختصاصات الاقتصادية وهي اللجنة التابعة الى لجنة التقييم العليا في مجلس وزراء الاتحاد السوفيتي، ولكن بامكانك أن تضيف اسمي بصفة عضو اضافي اختصاصه اقتصاديات الدول النامية الى المجلس العلمي الذي سوف تدافع فيه عن اطروحة الدكتورا ه في أوديسا. واقترح علي اضافة اسم عضو اضافي آخر الى اللجنة وهو الأستاذ الدكتور أليكساندر دافيدوفيتش دافيدوف المختص بالاقتصاد الأفغاني في معهد الاستشراق في موسكو. قام بمهاتفة نائب رئيس معهد الاستشراق وشرح له الموضوع ورجاه بأن يقوم بمخاطبة دافيدوف حول الموضوع. شكرته من الأعماق وقلت له أهلا وسهلا بك في مدينة أوديسا.
ذهبت مسرعا الى معهد الاستشراق وقابلت نائب الرئيس الذي قال لي بأنه تكلم مع اليكسندر دافيدوف وبامكانك أن تضيف اسمه كعضو اضافي في المجلس العلمي للدفاع عن اطروحة الدكتوراه. قمت بتقديم الشكر الجزيل له وقال لي أتمنى لك التوفيق والنجاح في الدفاع عن الاطروحة. هاتفت الأخ رياض عيسى غيدان وأبلغته من بلوغ نتائج إيجابية بعد مقابلة يوري شفيركوف.
سافرت في اليوم التالي الى أوديسا بالقطار وأنا في قمة الفرح لأني قد قمت بحل قسم من مشكلة الدفاع عن الاطروحة . وبقي من واجب ادارة المعهد وقسم تخطيط الاقتصاد الوطني حل ما تبقى من المشكلة .
قابلت المشرف العلمي على الاطروحة ياكوف بيتروفيتش غولينسكي والذي انبهر لما وصلت له من نتائج زيارتي الى موسكو. ووعدني بأن يفاتح مدير معهدنا حول الموضوع. وقال لي بأنه سوف يسافر قريبا الى موسكو في مأمورية علمية وسيقوم بالبحث عن المناقش الرسمي الثاني هناك.
تمكن المشرف العلمي ياكوف غولينسكي والذي كان رئيس المختبر الاقتصادي التابع الى معهدنا والذي هو أحد أربعة مختبرات اقتصادية في الاتحاد السوفيتي وقتذاك من علاقاته بأوساط الأبحاث العلمية في موسكو من الحصول على موافقة الباحث العلمي الأقدم الدكتور غاتوؤلين ماليوتا فازليفيج في معهد أفريقيا التابع الى أكاديمية العلوم السوفيتية آنذاك، والذي اختصاصه اقتصاديات الدول النامية ويتكلم اللغة العربية بطلاقة .
قمت بتقديم اسماء العضوين الاضافيين للمجلس العلمي واسم المناقش الرسمي الثاني الى سكرتير المجلس والذي قام بدوره ارسال رسالة الى وزارة التعليم العالي السوفيتية في موسكو للحصول على موفقتها في عقد المجلس العلمي بتاريخ 24 كانون الاول/ديسمبر 1981 لمرة واحدة وبالتركيبة المقترحة في الرسالة . وافقت وزارة التعليم العالي السوفيتية على عقد المجلس وقمت بطباعة ملخص اطروحة الدكتوراه بحدود 120 نسخة وبواقع 22 صفحة من القطع المتوسط وقمت بإرساله الى 100 جهة علمية في الاتحاد السوفيتي وكانت هذه هي القاعدة المتبعة في الاتحاد السوفيتي لاستلام ردود الفعل على شكل مقالة (أوتزيف - Отзыв) لتقييم اطروحة الدكتوراه.
كانت شروط المجلس العلمي أن يتم الحصول على 10 مقالات علمية لتقييم الاطروحة وأن تكون أربعة مقالات منها على الاقل موقعة من دكتور علوم واستاذ في العلوم الاقتصادية. قمت وبمساعدة المشرف العلمي بتحقيق هذا الشرط.
طبعت رسالة الدكتوراه بخمسة نسخ وعلى ورق فنلندي من نوع ممتاز وبشروط خاصة ومنها يجب أن تكون نسبة الزيت في شريط الألة الكاتبة بحدود معينة تعرفها كاتبة الطابعة التي تسكن بالقرب من البناية الرئيسة لمعهدنا. تم تحديد الجهات التي ترسل لها نسخ الاطروحة حتى يتم الاطلاع عليها وهي:
1- النسخة الأولى توضع في مكتبة المعهد الذي سوف يكون فيه الدفاع عن الاطروحة وهو: فرع اقتصاد وايكولوجيا المحيطات العالمية في معهد الهيدروفيزيا التابع الى أكاديمية العلوم في جمهورية أوكرانيا السوفيتية
2- النسخة الثانية وترسل الى مكتبة ف.أ. لينين في موسكو– قسم اطاريح الدكتوراه ويجب أن تكون غير مجلدة وبنسبة محددة من زيت شريط الالة الكاتبة من أجل تصويرها وحفظها في الأرشيف. وفي حال عدم توفر الشروط المطلوبة يتم رفضها واخبار الجهات المعنية بذلك حتى يعاد كتابتها لمرة أخرى. وهذا يؤثر على طول فترة المصادقة على الشهادة في لجنة التقييم العليا التابعة الى مجلس وزراء الاتحاد السوفيتي.
3- النسخة الثالثة وترسل الى مكتبة الجهة المشرفة على الاطروحة وهو معهد تكنولوجية الصناعات الغذائية في أوديسا (باسم م. ف. لومونوسوف).
4- النسخة الرابعة توضع في مكتبة معهد الاقتصاد الوطني في أوديسا
5- النسخة الخامسة وتكون من حصة طالب الدكتوراه.
قبل موعد الدفاع بحوالي اسبوع قام العضو الاضافي الثاني للمجلس العلمي أليكسندر دافيدوف بمهاتفة سكرتير المجلس العلمي يوري كنيجنيك واخباره بأنه لا يتمكن من الحضور الى أوديسا بسبب انشغاله بكتابة تقريرالى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي عن أفغانستان. قمت بمهاتفة المشرف العلمي حول الموضوع والذي سافر في اليوم التالي الى موسكو وقام بالاتصال بالاستاذ الدكتور يوري شفيركوف وأخبره بالموضوع. قام شفيركوف بمهاتفة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي واللذين أخبروه بعدم صحة الموضوع وأخبروا بذلك مدير معهد الاستشراق حينذاك الأستاذ الدكتور يفغيني بريماكوف. وافق دافيدوف على مضض بالسفر الى أوديسا وحضور اجتماع المجلس العلمي ولكن بعد أن أخبر سكرتير المجلس يوري كنيجنيك بأنه سوف يكون مع زوجته ويجب حجز غرفة خاصة لهم وحجز تذكرتين للسفر من أوديسا الى مدينة أدلر (منتجع يقع على البحر الأسود). جاوبه كنيجنيك بأنه حسب القواعد المتبعة في الايفاد العلمي أن يتم دفع تذكرة السفر من والى محل عمل واقامة الموفد وهذا يعني دفع تذاكر سفرك فقط من موسكو الى أوديسا ذهابا وإياباً ونحن غير ملزمين بدفع أكثر من ذلك. شرح كنيجنيك الموضوع لي وقمت بدفع تذاكر سفر له ولزوجته من أوديسا الى مدينة أدلر وكانت قيمتها 24 روبل روسي وقتذاك.
ذهبت أنا وياكوف غولينسكي (االمشرف العلمي) ويوري كنيجنيك يوم 23 كانون الاول/ديسمبر 1981 مساءا الى محطة القطار في أوديسا لاستقبال عضوي المجلس العلمي الاضافيين شفيركوف ودافيدوف وزوجة دافيدوف وغاتوؤلين. ومن المسائل الطريفة ، حينما نزل غاتوؤلين من عربة القطار قدم لي نفسه باللغة العربية الفصحى وقال لي : أنا الدكتور مولود فضل عطا الله. جاوبته بكل فرح واعتزاز أهلا وسهلا بك في مدينة أوديسا دكتور مولود. ولكن سألته لماذا تغير اسمك باللغة الروسية الى الشكل التالي لأن كلمة ماليوتا تعني باللغة الروسية السياف الذي يقطع رأس المحكوم عليه بالإعدام في زمن القياصرة الروس؟. جاوبني بأن الروس الملاعين هم اللذين يكتبون اسمي بهذا الشكل. ضحكنا معا .
قال كنيجنيك لي وللمشرف العلمي في محطة القطار بأن نائب رئيس المجلس العلمي والذي من المفروض أن يرأس اجتماع المجلس العلمي غدا، يرقد في المستشفى لوجود آلام في ظهره. نزل الخبر كالصاعقة علي وقلت بيني وبين نفسي هذه مشكلة أخرى ويجب حلها (توفي رئيس المجلس العلمي قبل سنتين ولايحق لأي شخص أن يرأس الاجتماع الاً نائب الرئيس لأن أعضاء المجلس ينتخبون لمدة أربعة سنوات وبمصادقة وزارة التعليم العالي السوفيتية).
أوصلنا الضيوف الى فندق البحر الأسود القريب من محطة القطار في أوديسا. وفي غرفة يوري شفيركوف في الفندق، قال لي بأن يوجد عندة ثلاثة أسئلة بادرت الى ذهنه حينما قرأ الاطروحة وسوف يطرحها علي اثناء الدفاع عن الاطروحة ولذلك يجب أن أقوم بتحضير الجواب عليها اليوم للإستعداد في الإجابة عليها غدا. كتبت الأسئلة الثلاثة على ورقة وخرجت من غرفته شاكراً.
اتفقت مع المشرف العلمي على اللقاء غدا صباحا ًوالذهاب الى زيارة نائب رئيس المجلس العلمي في المستشفى التابعة الى اللجنة المنطقية للحزب الشيوعي السوفيتي في مدينة أوديسا. وصلت البيت في الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل متعبا ومرهقا. قمت بتحضير الأجوبة على أسئلة شفيركوف ، ورقدت الى النوم في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل.
كان البرد قارصاً في أوديسا في يوم الدفاع عن الاطروحة ولا يوجد ورد في محلات بيع الزهور الإً ورد القرنفل . اشتريت خمسة ورود وذهبت مع المشرف العلمي ياكوف غولينسكي الى المستشفى حيث يرقد نائب رئيس المجلس العلمي والذي مع الأسف لا أتذكر اسمه. بعد السؤال عنه ، اتضح أنه تحت العلاج الذي يستمر نصف ساعة. انتظرناه حتى جاء بصحبة الطبيبة المعالجة. قدمت له باقة الورد وبعد أن شرح المشرف العلمي له الظروف التي أمر بها وقرب انتهاء الاقامة في الاتحاد السوفيتي، رق قلبه وقام بتقديم باقة الورد الى الطبيبة المعالجه حتى تسمح له بالذهاب الى مكان عمله. التفت نحوي وقال بالحرف الواحد : يؤسفني إذا لم تدافع عن الاطروحة اليوم. ارتدى ملابسه على الفور وقام بمهاتفة استعلامات المستشفى لإحضار سيارة اللجنة المنطقية للحزب من اجل الذهاب الى مكان الدفاع عن الاطروحة الذي يبعد عن المستشفى بحدود عشرة دقائق بالسيارة. وقال لنا هيا بنا الى قاعة معهدنا المخصصة للدفاع عن اطروحات الدكتوراه. دخلنا القاعة معاُ وكان الساعة تشير الى الثالثة إلا عشرة دقائق بعد الظهر. كان موعد بداية الدفاع هو الساعة الثالثة بعد الظهر
قمت على الفور بتعليق العشرة جداول التي قامت زوجتي آلا بوغدانوفا برسمها وتصميمها بشكل جميل جدا بحيث نالت استحسان الحاضرين في القاعة. كانت المعلومات الموجودة في الجداول العشرة عبارة عن معادلات رياضية وبيانات احصائية من صلب موضوع الاطروحة.
كان عدد أعضاء المجلس العلمي 21 عضواً، من ضمنهم الأعضاء الاضافيين اللذين قدموا من موسكو. قام سكرتير المجلس العلمي يوري كنيجنيك بافتتاح الجلسة وقراءة المعلومات الضرورية عن الباحث العلمي والذي هو أنا وتشكيلة المجلس وبقية المعلومات الروتينية لإفتتاح عمل المجلس العلمي.
بعد عرض ملخص لأهم الافكار والنتائج والتوصيات والمقترحات ضمن الوقت المحدد لذلك وهو عشرون دقيقة ، فتح باب الأسئلة والذي استمر بحدود خمسة وأربعون دقيقة. كان عدد الأسئلة بحدود العشرين كما أتذكرومن ضمنها أسئلة الأستاذ الدكتوريوري شفيركوف . قمت بالإجابة على جميع الأسئلة بشكل ممتاز ونالت على استحسان جميع أعضاء المجلس العلمي وغيرهم من الحاضرين في القاعة اللذين بلغ عددهم بحدود الأربعين.
تم اعلان استراحة من قبل سكرتير المجلس العلمي يوري كنيجنيك لفترة نصف ساعة أو أكثر حتى يجتمع أعضاء المجلس العلمي ويقررون النتيجة. انتهت فترة الإستراحة واعلنت النتيجة وهي أن جميع أعضاء المجلس العلمي اللذين عددهم 21 عضواً مع اعطائي لقب دكتوراه فلسفة في العلوم الاقتصادية. فرح الجميع بذلك وقدموا لي التهاني والورود.
قمت بدعوة جميع الحضورالى حفلة عشاء في كافتيريا السكن الطلابي الذي أقيم فيه.
قام عدد من أصدقائي اللذين أعتمد عليهم بتحضير الطعام والشراب للحفلة ومنهم عامر صبحي وفليح حسن عبود وزيا كوركيس نعمان ومفيد حسين الناصح وأمير يوسف يونان. استمرت الحفلة الى الساعة الثانية عشر ليلاً.
ذهبت في اليوم التالي 25/12/1981 الى فندق البحر الأسود في أوديسا لتوديع ضيوفي اللذين قدموا من موسكو وتقديم الشكر الجزيل لهم والتمنيات اللائقة لهم بسلامة الوصول الى موسكو ومدينة أدلر وقضاء أوقاتا سعيدة في ليلة السنة الجديدة 1982. ذهبت بعد ذلك الى قسم تخطيط الاقتصاد الوطني في معهدنا بعد أن أشتريت كعكة (تورت) كبيرة لأعضاء القسم.
وعند دخولي الى باحة البناية الرئيسة لمعهدنا شاهدت تهنئة لي بمناسبة الدفاع عن الاطروحة مكتوبة بخط جميل وبحروف كبيرة معلقة على لوحة الاعلانات الكبيرة. ذهبت مباشرة الى قسم تخطيط الاقتصاد الوطني حيث وجدت جميع أعضائه موجودين ومن ضمنهم المشرف العلمي الدكتوروالأستاذ المساعد ياكوف بيتروفيتش غولينسكي الذي مدحني كثيرا أمامهم . وكان من ضمن الحاضرين رئيس قسم المحاسبة الاقتصادية في معهدنا وعضو المجلس العلمي الذي جرى فيه الدفاع عن الاطروحة حيث قال كما أتذكر: انت دافعت عن الاطروحة مثل الوحش: Ты защищал десерцации как звер
قالت لي احدى عضوات القسم ، ياسناء، اكيد انك متعب وعندك صداع قوي ولذلك انصحك بالذهاب فورا الى البيت حتى ترتاح. قلت لها ، أنت على حق . قمت بالسلام على جميع اعضاء القسم وذهبت الى البيت لارتاح لاني كنت فعلا تعبان ومرهق جداً.
قمت في الاسبوع القادم وفي بداية العام الجديد 1982 بجمع الوثائق وإملاء الإستمارات المطلوبة بمساعدة سكرتير المجلس العلمي والتي عددها يزيد عن الخمسة عشر ووضعتها في محفظة من جلد خاص أحمر اللون كما تنص على ذلك تعليمات وزارة التعليم العالي السوفيتية ومن ثم ارسالها الى موسكو.
ان طول مدة اجراءات فحص وثائق الدفاع ، والتي من أهمها ملخص واختزال (ستينوغراف) كل ما جرى في عملية الدفاع عن الأطروحة والذي تقوم به عادة امراة متخصصة في الاختزال، تكون بالنسبة للباحثين الأجانب بحدود الستة أشهر. أما بالنسبة للباحثين السوفيت فتكون سنة تقويمية ولكن يحسب له راتب دكتور من يوم الدفاع عن الاطروحة بنجاح.
كان تاريخ منحي شهادة الدكتوراه هو الخامس من شهر مايس/مايو 1982 وهو يوم ولادة كارل ماركس في العام 1818ويوم صدور العدد الأول من جريدة البرافدا الناطقة بلسان حال الحزب الشيوعي السوفيتي في العام 1912. سافرت الى موسكو لاستلامها وهناك احتفلت مع سلمان علي رئيس رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي وكنت رئيس فرع الرابطة في مدينة أوديسا ومع المرحوم كاظم الجباري عضو منظمة الحزب الشيوعي العراقي في الاتحاد السوفيتي.
بعد وصولي الى أوديسا ، ذهبت في اليوم التالي الى سكرتير المجلس العلمي حيث أخبرته باستلامي الشهادة. وكان التقليد أن أحضر مراسيم تقديم الشهادة لي من قبل رئيس وسكرتير المجلس العلمي في يوم حدد لهذا الغرض بعد أن قمت بتسلميها لهم قبل بدء المراسيم.
تم ذلك فيى جو من الغبطة والفرح وتقديم الشكر لهم من قبلي لما بذلوه معي من جهود كبيرة في نجاح سيرعملية الدفاع عن اطروحة الدكتوراه.