النصر كان وسيبقى للعمال ووحدتهم
جهاد عقل
2021 / 10 / 29 - 21:59
من يتابع التحركات النقابية الجارية في مختلف الدول مؤخرًا، يلاحظ أن النقابات العمالية والعمال المنظمين بها، باشروا النهوض النضالي، الذي لم يتوقعه أي خبير في علاقات العمل قبل حلول جائحة كورونا.
لقد كشفت نتائج هذه الجائحة في هذه المرحلة ما كنا أشرنا اليه دائمًا، بأن العمال في مختلف الدول يتعرضون للاستغلال الفادح، في مختلف مجالات العمل والمهن، مثل فقدان شروط العمل اللائق وتدني الأجور والعمل ساعات طويلة خاصة في مجال العمل الرقمي، وعدم توفير وسائل الصحة والسلامة المهنية لهم.
هذا بالإضافة الى قيام أصحاب العمل خاصة ضمن الشركات العولمية عابرة الحدود، وكبرى الشركات التي يملكها كبار الرأسماليين، بفرض نمط التشغيل باتفاقيات عمل خاصة، وفي حال وجود اتفاقيات عمل جماعية جرى الغاء بنود منها، أدت الى فقدان حقوق كانوا قد أحرزوها بعد نضالات طويلة ومريرة، كل هذا أشار الى وحشية الهجوم الرأسمالي النيوليبرالي على حقوقهم.
كما ذكرنا كان لجائحة كورونا واضطرار الكثير من العمال البقاء في بيوتهم بسبب الحجر الصحي، وفصل عدد كبير منهم بما سمي "عطلة بلا راتب"، أثر في ارتفاع غير مسبوق في البطالة، وكل من بقي في مكان عمله اضطر للعمل ساعات طويلة وواجه في حالات خطر التعرض للإصابة بالكورونا، كما هو الحال لدى العاملين في الجهاز الصحي، لهذا كشف حقائق مؤلمة بالنسبة لظروف العمل، دفع العديد من النقابات إلى التحرك بالرغم من صعوبة المرحلة.
بالرغم من تأكيد العديد من المسؤولين على الدور الهام الذي قام به العمال على مختلف مهنهم، وأن هذا الدور كان الرافعة لمنع انهيار اقتصادي واجتماعي محلي وعالمي، الا أن حقيقة هذه التصريحات لم يكن بها رصيد فيه ذود عن العمال وحقوقهم، بل ما حدث على ارض الواقع هو قيام أصحاب العمل والمدراء ممن يمثلونهم، بخطوات ادارية، أطلق عليها "اصلاحات ادارية" كانت ماهيتها المس بحقوق العمال وتقليص أجورهم، بادعاء ان شركاتهم تتعرض إلى أزمة اقتصادية، سببها جائحة كورونا، مع أن كافة المعطيات تؤكد حدوث ارتفاع كبير في ارباح هذه الشركات ودفع مبالغ كبيرة لكبار المدراء، هذا التناقض في المواقف سبب غضب لدى النقابات العمالية والعمال المنظمين لديها، والبدء بحراك نضالي، وهذا ما أكدته المتخصصة بالشؤون النقابية بجامعة كورنيل في نيويورك كيت برونفنبرينر في تصريح لها مع بدء حملة الاضرابات بقولها إن العمال اضطروا للتحرك بما في ذلك الاضراب من أجل الدفاع عن حقوقهم وانهم "يطالبون في الغالب تحسين ظروف العمل، بينما المؤسسات تحقق ارباحا غير مسبوقة"، وأضافت "وبالمقابل تطلب من الموظفين العمل أكثر من أي وقت مضى وفي بعض الأحيان يخاطرون بحياتهم في ظل تفشي جائحة كوفيد، مما دفعهم الى النهوض والمطالبة بتحسين شروط عملهم"، وليس تقليصها كما طالب أصحاب العمل.
هذا التحليل أكد ما لاحظناه من تكثيف الحراك النقابي النضالي في الكثير من مرافق العمل بالدول الرأسمالية الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية، مما ادى الى زعزعة قوية في علاقات العمل. حيث شهدت الاضرابات والمظاهرات واغلاق العديد من أماكن العمل، وبرز ذلك في العديد من أماكن العمل في مختلف الولايات الامريكية، ومنها شركات لم تشهد أية اضراب منذ ثلاثة عقود وأكثر، كشركة تصنيع الجرارات الشهيرة (JOHN DEERE) التي بلغت ارباحها في العام الحالي (عن الاشهر التسعة من بداية العام ٢٠٢١) حوالي٥،٩ مليار دولار، وكل ما وافقت عليه حتى الآن استعدادها لدفع علاوة أجور بدولار أمريكي واحد لساعة عمل كل عامل الأمر الذي رفضه العمال ونقابتهم، وغيرها من كبرى الشركات الأمريكية.
في كثير من الاضرابات كان السبب اما رفض الادارة الدخول في مفاوضات لرفع الأجور، خاصة بعد موجة الغلاء لسلة المعيشة، التي اجتاحت معظم الدول الرأسمالية، وعدم فتح اتفاقيات الأجور منذ عدة سنوات بادعاء الادارات بأن الشركات لا تحقق الارباح الكافية لذلك لا تستطيع دفع علاوة في الأجور، بل في العديد من الشركات تمت عمليات الغاء بنود من اتفاقية العمل أدت الى اساءة في ظروف العمل، وحتى تقليص الاجور في أخرى، كل ذلك أدى الى توتر واحتقان في علاقات العمل، مستغلين ظروف جائحة كورونا وتبعاتها.
بينما الحقائق تؤكد هشاشة هذا الادعاء، والمعطيات الحقيقية تشير الى جني هذه الشركات الارباح الطائلة ومنها من حصد ارباح بمليارات الدولارات، واتضح انها دفعت علاوات بملايين الدولارات لكبار المدراء لديها، بينما تخندقت في مواقف رافضه لرفع اجور من اتوا بهذه الارباح، ألا وهم العمال. هذا الوضع أدى الى حراك نضالي نقابي عمالي، تمحور في اعلان موجة من الاضرابات والاحتجاجات والاعتصامات.
بينما الحقائق تؤكد هشاشة هذا الادعاء، والمعطيات الحقيقية تشير الى جني هذه الشركات الارباح الطائلة ومنها من حصد ارباح بمليارات الدولارات، واتضح انها دفعت علاوات بملايين الدولارات لكبار المدراء لديها، بينما تخندقت في مواقف رافضه لرفع أجور من أتوا بهذه الأرباح، ألا وهم العمال.
هذا الوضع أدى الى حراك نضالي نقابي عمالي، تمحور في اعلان موجة من الاضرابات والاحتجاجات والاعتصامات قام بها العمال بتوجيه من النقابات العمالية وقيادتها، في الولايات المتحدة الامريكية، خلال شهر اكتوبر/تشرين الاول الحالي أطلقت عليها وسائل الاعلام كلمة "ستريكتوبر" وهي دمج كلمتي (strike October)، هذا الاتساع في موجة الاضرابات في مئات المرافق التشغيلية بمختلف الولايات الامريكية قال عنه أستاذ علم الاجتماع في جامعة "فندربليت" بولاية تينيسيجوش موراي "كلما نجحت الاضرابات زاد عددها، لأن الناس بدأوا يعتقدون بأنهم قادرون على الانتصار وهم على استعداد للمخاطرة بأجورهم وبوظائفهم"، الا انه عاد وحذر من احتمال قيام اصحاب العمل باستغلال فرصة أخرى لإعادة ما قد يحصل عليه العمال في هذه الموجة، التي قيل عنها بأنها تشبه تأثير الدومينو أي تفاعل تسلسلي، خاصة وأن هناك الكثير من المطالب المشتركة، مثل تحسين الاجور واتفاقيات العمل الجماعية.
كذلك يعتقد البعض بأن هذا الحراك النضالي النقابي الذي قام به العمال ونقاباتهم، له ركيزة هامة الا وهي، عجز الشركات عن تزويد أيدٍ عاملة تنقصها، مع أن عدد العاطلين عن العمل وفق المعطيات الفدرالية بلغ عددهم أكثر من ٤ ملايين عاطل وفق معطيات شهر آب الاخير، وتسمع الكثير من أصحاب العمل الى أن عدم تمكنهم من تجنيد عمال يحتاجون لهم سببه الدعم الذي تقدمه الحكومة الفدرالية للعمال بسبب جائحة كورونا، مما أدى الى ظهور نقص كبير في مختلف السلع والمواد الخام وغيرها من متطلبات السوق مثل فرع البناء، ومختلف الصناعات، الامر الذي يعيق الكثير من الاعمال ويؤثر على الوضع الاقتصادي عامة في البلاد.
لكن الحقيقة المتعلقة ببروز نزاعات العمل والاضرابات التي أطلق عليها البعض بأنها "ثورة" للعمال، أدت الى شل العديد من أماكن العمل، في مختلف الولايات الامريكية، في محورها المطالبة بتحسين الاجور وشروط العمل.
واضح أن هذه الاضرابات لن تتوقف بدون ايجاد حل يرضي النقابات العمالية والعمال الذين يتبعون لها. وظهر عمق الازمة في علاقات العمل، خلال اجتماع وزراء التجارة للدول السبع الذي عقد في المملكة المتحدة، من خلال البيان الصادر عن الاجتماع يوم ٢٢ تشرين الاول /اكتوبر الحالي، حيث حمل في بنوده موضوعًا يتعلق بحقوق العمال وعلاقات العمل، وانهم سيقترحون على منظمة التجارة العالمية تبني هذه القرارات، التي تؤكد على ضرورة العمل على توفير فرص عمل للعمال الذين فقدوا فرص عملهم خلال جائحة كوفيد ١٩.
وفي بيان بهذا الخصوص أصدره الاتحاد الدولي لنقابات العمال بتاريخ ٢٦/١٠/٢٠٢١، يبارك فيه القرارات الصادرة عن اجتماع وزراء التجارة للدول السبع، لكن الاهم وفق البيان النقابي هو تنفيذ هذه القرارات وفي هذا السياق جاء في البيان:
"التزام وزراء التجارة من دول مجموعة السبع بتحقيق العمالة الكاملة، واتخاذهم خطوات مركزية بالسير، نحو الأمام بشأن حقوق العمال، بما في ذلك القضاء على العمل الجبري وضمان احترام معايير العمل الاساسية في سلاسل التوريد العالمية". كما شمل البيان النقابي ملخص ما جاء في بيان وزراء التجارة لمجموعة السبع والذي شمل توجيه الدعوة الى جميع الدول والشركات العولمية بأن تعمل وتلتزم بـ:
• التمسك بمعايير العمل الدولية.
• اتخاذ خطوات رئيسية حول شفافية سلسلة التوريد، والعناية الواجبة، ومنع العمل الجبري وحماية الضحايا وتعويضهم.
• الالتزام بالمعايير المنصوص عليها في اعلان منظمة العمل الدولي بشأن الحقوق والمبادئ الاساسية في العمل.
• دعم معايير العمل في الاقتصاد الرقمي ووقف حالة التآكل القائمة في علاقات العمل في هذا المضمار والالتزام بشروط العمل اللائق.
بالرغم من تأكيد الاتحاد الدولي للنقابات العمالية على أهمية هذه القرارات، الا أنه يضع تحديًا أمام وزراء مجموعة السبع بأن يقوم وزراء التجارة الآن بمهمة ملقاه عليهم وهي القيام بدمج حقوق العمال في قواعد التجارة العالمية، وهذا يحتاج الى ان تصبح حقيقية من خلال اجراءات ملموسة تتخذها مختلف الدول ضمن منظمة التجارة العالمية.
في ظل هذا الحراك النضالي العمالي الذي ركزنا عليه بما يجري في الولايات المتحدة الامريكية، لا بد لنا أن نولي له أهمية كبرى، خاصة واننا تبصرنا من خلاله، أنه لم تكن هذه الاضرابات الهدف منها مجرد الاضراب، بل كان ذلك وسيلة لم يستعملها بعض العمال ونقاباتهم منذ عدة عقود والبعض منها منذ ثمانينيات القرن الماضي، لذلك كانت هذه الخطوة وسيلة نضالية هامة ومشروعة قامت بها النقابات بتأييد كبير من العمال، من أجل درء حالة الاستغلال التي قامت به قوى رأسمالية متمثلة بشركات محلية وعولمية، خاصة وأن كافة المعطيات الرسمية تؤكد أن هذه الشركات حققت أرباحا عالية، خلال جائحة كورونا، وبالمقابل وجد العمال أنفسهم في حالة تآكل قيمة أجورهم في ظل الغلاء الفاحش من جهة، وتوجيه ضربات من تلك الشركات لحقوق كانوا قد انجزوها بكد في السابق، يضاف إلى ذلك فقدان فرص العمل وانتشار البطالة والأنكى من كل ذلك ما يحاول الرأسماليون القيام به باضطراد، بتوجيه ضربات متعاقبة لحقوق العمال بنا في ذلك تقليص الأجور وزيادة ساعات العمل، الأمر الذي استنهض همة العمال ونقاباتهم في المبادرة للنضال والاضراب خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية - معقل الرأسمالية، لذلك نعود ونؤكد أنه مهما بلغ جبروت الرأسمالية، فقوة العمال ونقاباتهم بالوحدة والاصرار والنضال المثابر، لا بد وأن يتحقق النصر للعمال.