-العذراء على النيل-*: حين تكون اللغة إنذاراً بإبادة مُضمَرة
باسم المرعبي
2021 / 2 / 9 - 14:51
ترجمة وإعداد
رواندا 1979
بالقرب من منبع النيل في أعالي الجبال الرواندية، يقف تمثال للسيدة العذراء، باللون الأسود. في هذا المكان أيضاً تقع مدرسة داخلية ليلية للبنات تحمل اسم "سيدة النيل". إلى هذه المدرسة، يرسل الأغنياء وذوو النفوذ بناتهم لإبعادهن عن مخاطر المدينة وإغراءاتها. لكن بدلاً من ذلك، تنتشر في المدرسة الأحكام المسبقة الموروثة ضد كلّ مَن لا ينتمي إلى أغلبية السكان من الهوتو. وبينما يستمر موسم الأمطار في الخارج، غزيراً، يتصاعد جو الكراهية والعنف داخل جدران المدرسة.
رواية الكاتبة "سكولاستيك موكاسونغا" "العذراء على النيل" تشكّل مدخلاً لفهم المناخ الذي هيّأ للإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، حيث غدت المدرسة نموذجاً مصغراً للمجتمع الرواندي، من خلال طالبتين في المدرسة، هما فيرجينيا وفيرونيكا. تلامس "موكاسونغا" مسألة ماذا يعني أن تكون من التوستي في مدرسة أو بيئة يسيطر عليها الهوتو، حيث التعرض للتهديدات المبطنة والمضايقات، ليس أقلها حين تكون واحدة مثل "غلوريوسا" ابنة لوزير من الهوتو في المكان. عندما رأت غلوريوسا أثناء رحلة إلى التمثال، أن أنف العذراء كما يبدو عليه في التمثال، كان مستقيماً وصغيراً وهو الأنف النموذجي للتوتسي، عندها تقرر القيام بما يلزم لتصحيح الأمر، وهنا تشهد الحكاية تحولاً دراماتيكياُ، بخطاب سام عن التوتسي، تصفهم فيه بالطفيليين، القذرين والنفايات. تبيّن موكاسونغا، من خلال ذلك، مدى أهمية استخدام اللغة في ذلك الوقت وأن الإبادة الجماعية لم تنشأ من فراغ.
مقتطَف من الرواية:
ـ أُمّنا، هل نظرتِ بتمعن إلى وجه العذراء، قالت غلوريوسا؟
ـ أي وجه منهم؟
ـ وجه تمثال سيدة النيل.
ـ ماذا تعنين بالتحديد؟ بلا شك، هناك وجوه أُخرى مختلفة للسيدة. ثمة الأسود الذي صنعه البيض وأعطوه هذا اللون، لكي يسعدوا الفتيات الروانديات، غير أن إبنها في الكنيسة لا يزال أبيض.
ـ لكن هل فكرتِ بأنفها؟ هو صغير، أنف مستقيم تماماً، أنف توتسي.
ـ هم أخذوا عذراء بيضاء رسموها بالأسود وأبقوا على الأنف الأبيض.
ـ نعم، لكن الآن وبعدما أصبحت سوداء صار لها أنف توتسي.
ـ أنتِ تعرفين، في هذا الوقت وقفَ البيض والمبشّرون إلى جانب التوتسي. هكذا بالنسبة لهم كان هذا شيئاً جيداً، نوعاً ما، أن تكون العذراء سوداء بأنف توتسي.
ـ نعم، لكن لا أُريد عذراء مقدسة بأنف توتسي. لم أعد أريد الصلاة أمام تمثال له أنف امرأة من التوتسي.
عن الكاتبة:
ولدت سكولاستيك موكاسونغا عام 1956 في رواندا، وبسبب من عدم الشعور بالأمان، انتقلت مع عائلتها إلى أكثر من مكان داخل رواندا وخارجها، فقد أقامت في كل من بوروندي وجيبوتي ومن ثمّ نجحت في الانتقال إلى فرنسا، العام 1992، وبذلك نجت من كارثة الإبادة التي طالت الكثير من أقاربها، بعد سنتين من ذلك التاريخ. رواية "العذراء على النيل" التي صدرت عام 2012 هي العمل الروائي الأول للكاتبة. قبل ذلك صدر لها ومنذ العام 2006 أكثر من كتاب سيرذاتي وقصصي. حققت روايتها "العذراء على النيل" أو "سيدة النيل" كما في العنوان الأصلي، بالفرنسية، نجاحاً ملحوظاً وحصلت على العديد من الجوائز المهمة كما تمت ترجمتها إلى أكثر من لغة، وتحويلها إلى فيلم سينمائي. صدر للكاتبة بعد هذه الرواية العديد من الكتب، آخرها، رواية بعنوان "كيبوغو الذي صعد إلى السماء".
* صدرت الرواية، قبل أقل من شهر بالسويدية، عن دار ترانان المختصة بنشر الكتب المترجمة من مختلف اللغات إلى السويدية، بترجمة ماريا بيوركمان.
شهادات عن الرواية:
●--- "رواية الكاتبة سكولاستيك موكاسونغا، عمل رائع"
ملحق نيويورك تايمز لمراجعة الكتب
●--- ما أحببته في هذه الرواية هو ان الكاتبة لا تقسم العالم إلى خير وشر ولم تحاول إغراء القارئ بدبق شِراك الحنين إلى الماضي أو تطمح إلى امتهان المعاناة. هنا لا توجد بيانات بلاغية أو تفاهات مجازية، يوجد فقط، مِائة بالمِائة، من النثر الصافي المشرق.
سارة عبد اللاهي ـ يوتبوري بوستن
●--- إنها رواية متينة بشكل رهيب.
لينارت بروماندر ـ أفتون بلادِت