هزم ترامب.. لكن بايدين لن يأتي بأي تغيير حقيقي

الرابطة الأممية للعمال
2020 / 11 / 16 - 09:51     



بواسطة منظمة “صوت العمال”
فرع “الرابطة الأممية للعمال – الأممية الرابعة” في الولايات المتحدة الأميركية



ترامب خسر محاولة إعادة انتخابه لرئاسة الولايات المتحدة –الأمر الذي لم يحصل منذ خسارة جورج إتش دبليو بوش لإعادة انتخابه في العام 1992. في الوقت الذي أعلن فيه بايدن انتصاره، عبر فوز ضئيل بنسبة 51.5% من الأصوات الشعبيّة مقابل 48.5% لترامب[1]، لايزال ترامب حتى الآن يرفض التنازل، ويدفع بمزاعم لا أساس لها حول تزوير الأصوات. لا شك لدينا بأن بايدن سيكون هو الرئيس القادم. لكن من الواضح أن فوزه الضئيل يعود لحقيقة أنه كان ينظر إليه كمرشح “مناهض لترامب”، والناس ليس لديها أوهام دفينة ببرنامجه.



إضافة إلى ذلك، ترامب دفع باستراتيجية لنزع الشرعية عن العملية الديمقراطية البرجوازية عبر خوض معارك قانونية لقلب نتائج الانتخابات بطريقة ما. هذا يعمق أزمة شرعية النظام الانتخابي الحزبي الثنائي الذي يعمل كل من الليبراليين والمحافظين باستماتة على حلّه. في عدة ولايات، القواعد المناصرة لترامب حاولت أيضا ترهيب الناخبين ووقف فرز الأصوات. نعلم أنهم محكومون بالفشل. لكن في الوقت الذي يبدو فيه واضحا أن ترامب خسر الانتخابات، لاتزال “الترامبية” والظروف التي قادت لانتخابات العام 2016 بعيدة عن الزوال.



يوم الاقتراع وما بعد الانتخاب: لا انقلاب وخلو من عنف الميليشيات اليمينية


هذه الانتخابات تأطرت من قبل المؤسسة الليبرالية على أنها “كفاح من أجل الديمقراطية”، واضعة ترامب كممثل للفاشية وبايدن كمدافع عن الديمقراطية الليبرالية. بعد أن هدأ الغبار، قادت منصة بايدن “المناهضة لترامب” بشكل واضح إلى نصر انتخابي، ولكن تبين الآن بشكل أكثر وضوحا أن المعركة بين “الديمقراطية” و”الفاشية” كانت هباء ودخان. علاوة على ذلك، بعد اعتقالات مكتب التحقيقات الفيدرالي لأعضاء المليشيات اليمينية الذين زعم قيامهم بخطف حاكم ميشيغان الديمقراطي، جريتشن ويتمير، خشي الليبراليون من عنف وترهيب يميني واسع النطاق في يوم الانتخابات، الأمر الذي لم يحصل في النهاية.



ولكن تأخر الفرز، بسبب إرسال أكثر من 100 مليون صوت عبر البريد، خلق بلا أي شك حالة عدم استقرار سياسي كبرى، ما فتح الباب واسعا للتشكيك بالنظام الانتخابي الحالي من قبل ترامب واليمين المتطرف. كما أن هناك نظام مختلط لكيفية فرز الأصوات. في الوقت الذي قام فيه الديمقراطيون بتشجيع الناخبين على التصويت مبكرا عبر البريد، شجع ترامب قاعدته على الذهاب للتصويت شخصيا، بسبب عدم الثقة عموما بالنظامين الانتخابي والبريدي، وأثار تساؤلات حول صحة وأمان الاقتراع عبر البريد، ولهذا يرفض حتى الآن الاعتراف بنتائج الانتخابات. وفي حين أن خطر الانقلاب ليس واردا، فإن هناك أزمة متفاقمة لشرعية الديمقراطية البرجوازية.



وبينما كان ترامب يستمر بالانخراط في دعاوى لا جدوى منها، لم يكن هناك انقلاب، وبقيت مؤسسات الديمقراطية البرجوازية متماسكة بقوة لتطبيق القانون وفرز كافة بطاقات الاقتراع. لا نعلم حتى الآن ما إذا كانت هذه التحديات القانونية، ومعظمها سخيف للغاية، ستعرض أمام المحكمة (أي أن تمضي في محاكمة أو تصرف على الفور)، ولكننا نعلم أن كل مؤسسات الديمقراطية البرجوازية والشركات الأميركية تدافع عن شرعية انتصار بايدن. القوات المسلحة كانت قد انفصلت بالفعل عن ترامب في حزيران، مظهرة ولاءها للشرعية البرجوازية. حكام الولايات عبر البلاد، خاصة في الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون كجورجيا، وبنسيلفانيا، أو أريزونا، عقدوا، خلال أيام فرز الأصوات، مؤتمرات صحفية متكررة، قائلين: “النظام يعمل، والقوانين يتم تطبيقها، لا توجد مخالفات”. نشرات أخبار الشركات الرئيسية، بما فيها فوكس نيوز، كررت هذا. القضاة قاموا بالفعل برفض بعض دعاوى ترامب التافهة. ولم يظهر وول ستريت أية علامة للاضطراب.



موجة زرقاء؟


الهدف الرئيسي للديمقراطيين في هذه الانتخابات كان “التخلص من ترامب”، دون تقديم أي برنامج حقيقي لحل الأزمات التي مازالت قائمة، فيما يتعلق بالرعاية الصحية وجائحة كوفيد_19، والانكماش الاقتصادي المتزايد، والدمار البيئي والايكولوجي، والظلم العنصري، وقمع الدولة وعنفها. ما يتضح من نتائج الانتخابات هو أن الحزب الديمقراطي فشل في تقديم أي حلول ذات مغزى لتلبية احتياجات الطبقة العاملة والمضطهدين. في النهاية، ستكون هناك حكومة منقسمة بجمهوريين من المتوقع أن يسيطروا بشكل ضيق على مجلس الشيوخ (الحزب الجمهوري خسر مقعدا والديمقراطيون فازوا بواحد، ولكن لاتزال هناك سباقات إعادة لتختتم في جورجيا)، وحتى الآن يبدوا أن الديمقراطيين سيحتفظون بسيطرتهم على مجلس النواب بفارق ضئيل (الديمقراطيون خسروا 4 مقاعد والجمهوريون ربحوا 5).

حقيقة أن بايدن لم يقد موجة زرقاء لم تكن مفاجئة بالنسبة لنا. لقد خاض الانتخابات بأكثر أجندة محافظة يمكن أن تكون لدى ديمقراطي، وقد كان مرشح حزب استمر في خيانة عهوده. وبالتالي، لم يكن قادرا على إقناع قطاعات واسعة من الطبقة العاملة التي إما أنها لم تصوت أو صوتت لترامب كونه كان يمتلك خطة للعمال. بايدن ينظر إليه إلى حد بعيد على أنه مرشح المؤسسة لاستعادة “الحياة الطبيعية”- أي النظام القديم لإمبراطورية الولايات المتحدة والديمقراطية الليبرالية الجديدة- ديمقراطية تخيب فيها آمال أعداد متزايدة من الأميركيين، وتستمر في حرمان شرائح واسعة من السكان.



عودة إلى الوضع الطبيعي؟ ثقة صفرية في بايدن


بعد فوز بايدن، سنشهد ضغطا هائلا من أجل الوحدة “للمضي عبر الممر”، من أجل استعادة شرعية نظام الحزبين، لفعل كل ما هو ممكن للحيلولة دون تعميق الأزمة. وبينما يتجه الحزب الديمقراطي أكثر نحو اليمين، سيكون هناك المزيد من الضغوط لعدم التشكيك بالطابع البرجوازي للديمقراطية، وعدم التشكيك في شرعية الهيئة الانتخابية، والحد من قدرة أحزاب الطبقة العاملة المستقلة على الترشح للانتخابات، خشية “تقسيم” الأصوات التقدمية وتعزيز أصوات الجمهوريين.



الأزمة المالية للعام 2008 حطمت أي وهم بالعودة للحياة الطبيعية بالنسبة للعمال، كما شرح يانيس فاروفاكيس: “الحزب الديمقراطي أظهر مرارا وتكرارا إصراره على منع أي تحدي لأصحاب النفوذ”[2]. عندما كانت المعاشات التقاعدية تنهار، والبيوت تُنتزع من ساكنيها، قام أوباما والحزب الديمقراطي بشن هجمة تقشف كاسحة على الطبقة العاملة والفقراء، عبر إنقاذ البنوك ووول ستريت، وتمويلها من المال العام، وتطبيق سياسات نيوليبرالية قادت إلى تخفيض مستمر للأجور، وهشاشة الوظائف، ونقص التمويل للخدمات العامة. في العام 2016، متغذيا على الإحباط والازدراء العميقين للديمقراطيين وأجندتهم الليبرالية، استغل ترامب هذا الوضع وألقى بكلا حزبيّ الطبقة الحاكمة في أزمة عبر انتخابه_ ملقيا بالديمقراطيين إلى الفوضى ومستحوذا على السيطرة الكاملة على الحزب الجمهوري. بعد فترة تولي ترامب للسلطة، ألقت مصالح الطبقة الحاكمة بثقلها وراء بايدن، حيث رأته “مبعوثا مهذبا للمصرفيين”[3].



بايدن طلب من كل الأميركيين “إعطائه فرصة”. نرد على هذا بأنه كانت لديه الفرصة لإظهار سياسته الحقيقية خلال أكثر من أربعة عقود كعضو في مجلس الشيوخ وثماني سنوات كنائب للرئيس. خلال تلك الفترة، أوضح بايدن بشكل جلي أنه ممثل لرأسمال وامبراطورية الولايات المتحدة، كما ثبت عبر معارضته للحافلات المدرسية في السبعينيات، ودعمه للسجون الجماعية، ومصادرة الرفاهية، وغزو العراق وأفغانستان، واتفاقيات التجارة الحرة، وإنقاذ وول ستريت، والترحيل الجماعي، والتكسير الهيدروليكي، وما إلى ذلك. والشيء ذاته ينطبق على سجل كامالا هاريس السيئ كمدعي عام في تكثيف الاحتجاز الجماعي لمجتمعات السود والملونين في كاليفورنيا. لا يسعنا الانتظار لنرى كيف سيطرح النظام الجديد نفس السياسات الرجعية التي فرضها الديمقراطيون عندما تولى أوباما منصبه، والتي سيستمرون بفرضها حيث يمتلكون السلطة الآن. لقد كان فشل السياسات التي يمثلها بايدن وهاريس بالضبط هو ما خلق الظروف لظهور حركات اليمين المتطرف كالترامبية. طريقنا الوحيد للمضي قدما هو التنظيم والكفاح في أماكن عملنا ومدارسنا، لمحاربة تدابير التقشف المستمرة، وطرح الحاجة إلى عمل جماعي مستقل. ولكن، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى تنظيم مقاومتنا المحلية من الأسفل، نحتاج أيضا إلى البدء ببناء جبهة أوسع لطبقتنا للمطالبة بحلول حقيقية لأكثر من 21 مليون عاطل عن العمل (إذا ما أخذنا بالأرقام الرسمية)، وتفاقم أزمة الإسكان الملحة، والأرقام المسجلة لإصابات كوفيد_19، ولإحراز تقدم ملموس نحو العدالة العرقية وحقوق المهاجرين.



نحن على ثقة بأنه عبر هذه النضالات اليومية سنتمكن من كسب جزء من قاعدة ترامب الانتخابية إلى جانبنا، ومن إقناعهم بأن أجندتنا المناهضة للعنصرية وللتمييز الجنسي هي الأجندة الوحيدة الممكنة للطبقة العاملة. العنصرية والتمييز الجنسي ورهاب المثلية تجب معالجتها على أساس يومي في مكان العمل وفي الأحياء. كاشتراكيين يجب أن نكون مستعدين لردّات الفعل وردّات الفعل المضادة لتلك النضالات، ولكن علينا أيضا تبني حقيقة أن الوعي لا يتقدم إلا عبر النضال. نحتاج أيضا لأن نكون مستعدين لتدخل اليمين المتطرف بشكل أوسع في الديناميكيات القادمة للصراع الطبقي. ولكن، أهم مهمة مطروحة علينا اليوم هي البدء في بناء حزب مستقل، حزب طبقة عاملة ببرنامج وسياسات طبقية واضحين. محاولات إصلاح الحزب الديمقراطي وتحويله إلى حزب للطبقة العاملة ستؤول إلى الفشل. هذه الانتخابات-واحتضان حركة ساندرز بلا حياء لحملة بايدن (إلى درجة أكبر بكثير مما كانت عليه خلال حملة كلينتون في العام 2016)- لا تقدم سوى المزيد من الأدلة التاريخية على هذا الواقع. إذا أردنا حل الاستقطاب المتزايد في طبقتنا بطريقة تمنع تطور الفاشية، فنحن بحاجة إلى طرح سياسات اشتراكية مستقلة واضحة للطبقة العاملة.

ترجمة تامر خورما
مراجعة فيكتوريوس بيان شمس

[1] الغارديان، 8 تشرين الثاني 2020، https://www.theguardian.com/us-news/ng-interactive/2020/nov/07/us-election-2020-live-results-donald-trump-joe-biden-presidential-votes-pennsylvania-georgia-arizona-nevada

[2] الغارديان، 8 تشرين الثاني 2020، https://www.theguardian.com/commentisfree/2020/nov/08/hoping-for-a-return-to-normal-after-trump-thats-the-last-thing-we-need

[3] المرجع السابق