الغموض يلف مستقبل شغيلة مراكز استغلال الطرق السيارة. لا خلاص إلا بالنضال النقابي. بقلم، إ.س صحافي بجريدة المناضل-ة الموقوفة
المناضل-ة
2020 / 11 / 6 - 16:30
بعد عامين وسبعة أشهر من توقيع ما سمي "ميثاقا اجتماعيا"، لا يزال مصير أزيد من 1000 أجير لدى الشركة الوطنية للطرق السيارة [مستخدمين عبر شركات هي مجرد واجهة لدفع الأجور والتنصل من علاقة الشغل] ، لا يزال هذا المصير مجهولا.
فالحلول المفترض أن هذا الميثاق، الموقع بحضور وزارات الداخلية والمالية والشغل والتجهيز وإدارة اتوروت المغرب، قد نص عليها لم تر النور بعدُ.
وقد سبق لنقابة المستخدمين [منضوية في الاتحاد المغربي للشغل] في بيانها الاستنكاري يوم 1 يوليوز المنصرم أن سجلت عدم التزام الإدارة بتنفيذ الاتفاق، وخصت بالذكر عدم العمل بعقود جديدة مع "الشركاء الاستراتيجيين" ، ابتداء من فبراير 2019.
أصل المشكل
وضعية أجراء مراكز الاستغلال بالطرق السيارة نموذج للظلم الصارخ بحق يد عاملة تمارس عملا هو بطبيعته قار ودائم، لكن إدارة الشركة الوطنية للطرق السيارة تملصت من علاقتها بهم، وسعت للتخلص منهم بإسناد أداء أجورهم وكل تحملاتهم الاجتماعية لشركات أخرى.
إنها نوع من مرونة التشغيل الذي تلجأ إليها المقاولات الرأسمالية لتضخيم أرباحها على حساب قوت الأجراء وحياة أسرهم. وتقع المسؤولية الأولى والأخيرة في هذا التعدي على حقوق إنسانية أساسية على الدولة المغربية. فتطبيقا للسياسات النيوليبرالية الهمجية التي يمليها الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الاستعمارية للقرن 21 [صندوق النقد الدولي والبنك العالمي...] تسير الدولة المغرب إلى تجريد مرفق الطرق السيارة من طبيعته كخدمة عمومية لتحوله إلى القطاع الخاص، ليكون عينا لا تنضب من الأرباح للرأسماليين الأجانب أو المغاربة أو بشراكة بينهما. وكما الحال دائما في نظام الاستغلال الرأسمالي الضحية هم الشغيلة.
وقد خاض أجراء مراكز الاستغلال بالطرق السيارة المغربية كفاحات مريرة من أجل الترسيم. كان أعظمها إضراب سنة 2012 الذي دام قرابة ثلاثة أشهر، و انتهى بوعود بضمان استقرار، وبتوقيع عقود عمل غير محددة المدة... لكن دائما مع شركات دخيلة.
وقد مضت مدة شغلت فيها الإدارة العمال ونقابتهم بأكذوبة "الاتفاقية الجماعية". وقد ركض البعض وراءهذا الوهم رغم وضوح زيفه، حيث لا يمكن لمشغل غير معترف بعلاقة شغل مع أجراء أن يوقع معهم اتفاقية جماعية، لأن فيها اعترافا بما ينكره، أي علاقة الشغل.
بعد أكذوبة الاتفاقية الجماعية... غموض "الميثاق الاجتماعي"
في بلاغ مختصر إلى الرأي العام، يوم 21 مارس 2018، أخبرت نقابة أجراء مراكز استغلال الأتوروت عن توقيع "ميثاق اجتماعي" بين النقابة وشركة الطرق السيارة، بمقر وزارة الداخلية.
اكتفى البلاغ بوصف "الميثاق الاجتماعي" بأنه " يأخذ بعين الاعتبار حقوق ومطالب الأجراء ومصالح شركة الطرق السيارة". وختم البلاغ بدعوة المناضلين والمناضلات إلى وقف كل أشكال الاحتجاج والتعبئة لتحسين جودة الخدمات وبناء مستقبل الشركة.
وكان المسؤول النقابي الأول بالقطاع قد صرح لجريدة العمق آنذاك أن "الميثاق أنهى جميع مشاكل القطاع بعد أربع سنوات من التفاوض" و"أننا فتحنا صفحة جديدة ونسينا الماضي" .
بعد 31 شهر من توقيع "الميثاق الاجتماعي"، تأكد أن الإدارة ناورت وربحت وقتا ثمينا، وأوقفت نضال الأجراء بوعود لم تنفذ، ولم تغلق صفحة ولا فتحت أخرى جديدة.
ما هو الميثاق الاجتماعي؟
رغم ما أحيط به "الميثاق الاجتماعي" من تعظيم شكلي بإشراك أربع وزارات في توقيعه، ليس له أي صبغة إلزامية. فالمُلزم في قانون الشغل، والذي له قوة الحجة هو عقد الشغل والاتفاقية الجماعية، حيث يمكن في حالة عدم الالتزام بهما المطالبة بالتعويض. فالاتفاقية الجماعية تكتسي هذه الصبغة بإيداعها لدى المحكمة ولدى وزارة التشغيل.
أما ما سمي "ميثاقا اجتماعيا" فنوع من التعهد المعنوي، لا صبغة قانونية له، ويتوقف تطبيقه على قوة الضغط العمالية وبما أن هذه القوة العمالية تم تعطيلها، لم يطبق الوعد. وتبقى إدارة الطرق السيارة حرة في المماطلة، وحتى في فرض الأمر الواقع الذي تريد.
عندما سيُسند تسيير الطرق السيارة لهذه الجهة أو تلك سيكون 1064 مستخدما مسألة يتم تدبيرها بما يخدم مستقبل أرباح الخواص. أما اليد العاملة فقد جرت العادة في هذه البلاد على التنكيل بها وتشريدها.
وكان مسؤول وطني بمركزية الاتحاد المغربي للشغل، ممن وقعوا ميثاق 21 مارس 2018 ، قد اعتبره أقل من اتفاقية جماعية. مضيفا أن الاتفاقية الجماعية تبقى أمنية في الأفق. لكن أي أفق؟ وتوقيع الاتفاقية الجماعية يتطلب اعتراف شركة الطرق السيارة بعلاقة الشغل مع الإجراء، وهو ما ترفضه بإصرار، مستعملة قناع شركات الوساطة.
لماذا تم فرض الميثاق الاجتماعي ؟
رغم كفاحية شغيلة الاتوروت، بقوا وحدهم في ساحة النضال، نظرا لضعف التضامن، ونقص الدعم من جانب مركزيتهم الاتحاد المغربي للشغل، وانعدام منطق التضامن الطبقي لدى النقابات الأخرى، وبمقدمتها الوازنة في الساحة مثل الكنفدرالية الديمقراطية للشغل.
هذا فضلا عن التشتت الذي يميز أجراء قطاع الطرق السيارة بوجود تعدد نقابي لا مبرر له: نقابة خاصة بالأطر، و أخرى بالإداريين، و ثالثة بمراكز الاستغلال، و رابعة لعمال الصيانة والحراسة. هذا التعدد بينما المشغل واحد، والمشاكل في آخر المطاف واحدة ما دام الجميع عرضة للاستغلال وهضم الحقوق من طرف نفس الجهة.
بقاء شغيلة مراكز الاستغلال وحدهم في ساحة المواجهة، وانعدام أفاق نضال وحدوي في القطاع وفي عموم القطاعات المتضررة من إسناد اليد العاملة الى شركات أخرى [المناولة، الوساطة في التشغيل، وكالات التشغيل المؤقت] ، أدى إلى الخضوع لخطة الدولة، المشرفة في نهاية التحليل على القطاع.
هذه الخطة القاضية بجر النقابة العمالية إلى قبول حل مبهم، وغير واضح التفاصيل. هذا الحل الفخ هو ما سمي "الميثاق الاجتماعي". و من عجائب العمل النقابي التي ربما لا يوجد لها مثال بالعالم، أن هذا الاتفاق بقي سريا، لم يجد طريقا إلى النشر لحد الساعة.
كل ما قامت به قيادة النقابة هو الجولة التوضيحية، مفادها أن الاستقرار في العمل مضمون حتى التقاعد. لكن ما هي تفاصيل هذه "الضمانة"؟ كيف سيُضمن العمل لمئات الأجراء و الاوتوروت مقبلة على تنظيم جديد للاستغلال قوامه اعتماد للتكنولوجيا سيؤدي إلى الاستغناء على قسم من العمال؟
كيف سيُضمن الاستقرار في العمل والاتوروت مقبلة على تسيير الخواص لها ؟ والكل يعلم أن الخواص لا هم لهم غير الأرباح، و لاشيء غير الأرباح. وكم من الأجراء جرى طردهم أو إجبارهم على "المغادرة الطوعية" بالضغوط الرهيبة في العمل و التهديد بالطرد باصطياد الأخطاء والهفوات؟
ما تفاصيل ضمان استقرار العمل حتى التقاعد؟ ليس صدفة القول المأثور: في التفاصيل يكمن الشيطان.
من لا يفهم المنطق الرأسمالي يتوهم أن وعود "الميثاق الاجتماعي" ستكون مستقبلا زاهرا للأجراء. عندما يحين التطبيق ستعرض على الأجراء فرص عمل غير مرضية لهم، سواء بسبب طبيعتها، او بسبب موقعها الجغرافي. وستضعهم الإدارة أمام خيار القبول أو المغادرة. وستكون حجتها أنها أعطتهم فرص عمل دائمة وهم من رفضها.
ما هي خطط الإدارة: ما نوع فرص العمل ستعرض على الأجراء ؟ وما موقعها الجغرافي؟ وما التكوينات الضرورية لملاءمة الأجراء مع فرص العمل تلك؟
لا خبر، و لا تواصل. الإدارة تشتغل بمنطق الحرب، أي أنها تخفي خططها على الشغيلة بقصد مفاجأتهم، وإرباكهم، لتنجح في تحقيق مراميها: التخلص بسهولة وبكلفة زهيدة من يد عاملة "زائدة"؟ لتخفيف تكاليف التسيير ومن ثمة تضخيم أرباح الشركة على حساب حقوق الأجراء.
المنطق الرأسمالي هو أن الأجراء موارد بشرية [ مثل الموارد الطبيعية..] تستعمل عند الحاجة وتُـترك بانتهاء الحاجة إليها. البعد الاجتماعي للمسألة لا يهم الساعين إلى الأرباح.
هذا هو جوهر المشكل الذي يدعي الميثاق الاجتماعي أنه وجد له حلا.
لا حل لحد الآن غير الغموض والضباب والظلام. وحدها الإدارة لها خطة وهي سائرة في تطبيقها.
حتى ما اعتبر مكسب إضافيا، أي جمعية الشؤون الاجتماعية، لم تر النور بعد.
جمعية الشؤون الاجتماعية تحتاج تمويلا. فهل ننتظر من شركة الاتوروت تمويلها، أي أن تزيد على كاهلها نفقات إضافية، وهي التي تسعى للتخلص من اليد العاملة لتقليص النفقات. نعم يمكن أن تمولها إذا فرض النضال العمالي ذلك ، كما يمكنها ترسيم الأجراء اذا فرضه النضال العمالي لا غير.
وزارة الداخلية التي أشرفت على توقيع "الميثاق الاجتماعي" يهمها في الأمر بالدرجة الأولى إطفاء نار كفاح عمال يمكن أن يكون دافعا لقطاعات أخرى تعاني نفس مشاكل أجراء الاتوروت.
أين هي الداخلية اليوم بعد كل هذه المدة من عدم تطبيق "الميثاق الاجتماعي" وعدم إحداث جمعية الشؤون الاجتماعية؟ وزارة الداخلية تحركت تحت ضغط النضال، وبانتهاء النضال انصرفت الى شغلها.
ما العمل لتجنب الكارثة؟
من الجهة العمالية، لا شيء غير الانتظار لحد الآن. وقد لا حظ المراقبون بالساحة العمالية تراجع الأداء النقابي، إعلاميا، وعلى صعيد الاشتغال، في القيادة، كما في القاعدة. هل هو نوع من الاطمئنان الخادع؟ كأن النصر تحقق، وانتهى المشكل وأصبح الأجراء في وضع حسن.
إن ما يجري اليوم لأجراء الصيانة والحراسة في الاتوروت من طرد وتشريد شاهد على أن الشركة الوطنية للطرق السيارة ستضحي بالأجراء لضمان الأرباح.
هذا إذا استمر الغياب النقابي. أما إذا استعاد الأجراء المبادرة، ووحدوا الصف، فسيسقطون جميع حسابات الإدارة الرامية إلى الإضرار بهم. لكن بشرط، شرط الاستفادة من دروس المعارك السابقة. وهذا يتطلب نقاشا واسعا في القاعدة العمالية، تمده القيادة النقابية بما لديها من معلومات. وتوضع خطة نضال متدرجة ذات نفس طويل، تساعدها المركزية النقابية بكل أنواع الدعم، وتنسقها مع نضالات العديد من القطاعات التي تعاني من ويلات التشغيل غير القار.
إن وسائل التواصل الاجتماعي تتيح تبادلا كثيفا للمعلومة و للآراء بين الأجراء حول مشاكل حاضرهم وظلام مستقبلهم. ويمكن بعد مدة من النقاش، وبالاستفادة من التجارب النضالية السابقة، الخروج بخطة نضالية تخرج الوضع النقابي بالقطاع من مأزقه الحالي، وما هذا بعسير على الشغيلة .
بالوحدة و التضامن **** لي بغيناه يكون يكون