من يوميات أحمد المنفي .. !!
ربحان رمضان
2020 / 9 / 15 - 00:49
دقيقتان وسيأتي الآخرون ..
الجميع محددين وقت ساعاتهم حسب ساعة رب العمل إلا أحمد السـوري . يأتي باكرا ويعود الى البيت باكرا ، وقد أثار هذا التصرف الدهشة والاستغراب لدى السيد المدير العام ( وهو أحمق كالآخرين) يحسب الحياة بحسب دوران عقارب الساعة ، ويعتقد أن القيام بجرّ عربة ، أو حمل كيس نخالة يحتاج لدورة مهنية . الجميع يحملون وثائق أو شهادات تخولهم العمل في هذا المكان القذر .
أحمد يعمل في هذه الشركة منذ أشهر فقط بعد نضال طويل للحصول على أي عمل. إنه لايملك مالا ولا مهنة .. فقد كان وعلى رأي الآخرين .. مناضلا وحسب ..
تعّود تناول طعام الغذاء بصمت لأن زملاءه يقضون فترة استراحة الظهيرة كذلك ودائما ..
اليوم جدّ حدث جديد ، حركة من الشاب الصغير أندرياس ، راح يهز نفسه على الكرسي إلى الأمام والخلف بعصبية ..على حين لم يبدي أحد من بقية العمال أي ردة فعل .. اكتفى ميخائيل بالنظر إليه نظرة سريعة كما ينظر أحدنا إلى ساعته بين الحين والآخر .
بادر أحمد الحديث فقال : " اليوم جميل .. إنه يوم مشمس "
لم يردّ على تعليقه أحد ..
تابع يقول : كيف قضيت عطلتك الأسبوعية ياميخائيل ؟
- في شراء الحاجات المنزلية ، وفي يوم الأحد كنت في سوق البالة بمركز البلد .
• - وأنت ياسيد بيكل باور ؟
- ساعدت زوجتي في الأعمال المنزلية .. العمل كثير في نهاية الأسبوع ..وأنت ؟
• - في مشاهدة التلفاز .. لدي سات ، أتابع البرامج العربية ..إعلامنا يختلف كليا عن الإعلام الأوربي ..
هل شاهدت آخر أخبار البابا يوحنا بولس السادس ؟ إنه في زيارة لمدينة دمشق المقدسة .. إنها موطن القديس باولس .. أو شاؤول الدمشقي .. قال أحمد موجها كلامه للسيد كونيغ ماير الرجل اللطيف والمتقبل لوجود الأجانب في بلاده ، لقد حدثه أحمد كثيرا عن بلاده ، وعن شعبه ، وعن العادات والتقاليد لشعوب عديدة تعيش في بلاد الشرق .
إنه كلب .. رد السيد كونيغ ماير ويقصد بذلك البابا، فقط دون تعليق آخر ..
هل تشاهدون مجازر القرن العشرين ؟
.. دبابة لاتستطيع الصمود بمواجهة الحجر ، أمر القاتل " شارون" بقصف الفلسطينيين بطائرات ال m 16 ..
عندما انتخب النمساويون مرشح حزب الأحرار قامت القيامة ولم تقعد ، جميع الدول الأوربية وأمريكا قاطعت الجمهورية النمساوية في حين أن وزير العدل الاسرائيلي بلغ المجتمع الدولي أن دولة النمسا ممنوع أن يشارك في حكمها السيد هايدر ..
أين أنتم أيها النمساويين ؟؟
شـــايزة ..!! (*)
- أين تقع فلسطين ؟ أندرياس سأل أحمد .
* هي الأرض التي تسمونها اسرائيل .. وللعلم فان وجودها شئ غلط .. ثلاثة دول مختلقة : البوسنة ..
- هذا صحيح ، أجاب ميخائيل .
• واسرائيل ، والفاتيكان ، لأنه لايوجد شعب اسمه الشعب المسلم ، أو المسيحي ، أو اليهودي .. هناك شعوب لها مميزات قومية ، أثنية ، نمساويون ، ايطاليون ، أكراد ، عرب ، مجريون .. أمّـا الأديان فلا تشكل شعب ، هل يمكن أن يكون لجميع المسلمين دولة واحدة ؟
- لا ، أجاب أندرياس .
• وأيضا لايمكن للمسيحيين أو اليهود أن يشكلوا دولة واحدة ..
المشكلة ليست بين الأديان .. كلها تشترك في قاسم مشترك ، الوصايا العشر هي ذاتها منذ نبي الله زردشت الأول ثم زردشت الثاني ثم الثالث فموسى وعيسى ومحمد ..
لاتسرق ، لاتزني ، لا تكذب ,, الخ
المشكلة بين البشر أنفسهم ، وهم أمتان ..
* * * * * * * * * * * * *
مازال أندرياس يهز إلى الأمام والخلف .. ميخائيل تشاغل في مطالعة المجلة الأكثر رواجا في النمسا ( كرونن) ، الآخرون نظروا إلى بعضهم البعض ..
إعلام كاذب .. قال أحمد وهو يسقط خمس شلنغات في حصالة آلة القهوة ..
بنية بدون سكر قال ليسمع نفسه ..
إنهم لايريدون الخوض في حديث غير متكافئ ..
الأفضل الحديث عن الكلب الذي يربيه السيد (غماين باور) فالكلاب متنفسهم الوحيد ، يمعنون في تأديبها وتعليمها ، يأمرونها عندما لايستطيعون الأمر على بشر عاديين .
قطه اللقيط ، صدفة وجده يركض وراءه في ليلة مثلجة ، كان قد اشترى ععلبة سجائر مهربة ويجب عليه دفع ثمنها في تلك الساعة .. مشى مع بائع السجائر الكردي مثله والذي اعتمد على التهريب كمصدر رزق سيما وأنه عاطل عن العمل بسبب قصر رجله اليمنى إثر حادث انفجار لغم على حدود الوطن ..
- ربما أنه ضاع من أصحابه أ و أنهم طردوه ، قال لصاحبه المهّرب .
- لايرمون حيواناتهم في الطريق ، ربما يودعوها في ملجأ الحيوانات ولكن لايرموها ..
دخل مبنى البنك فدخل القط معه ، ولما حاول تركه في المبنى عسى أن يبعث له ابن أو ابنة حلال يربيانه لحقه وهو يموء .. مما جعله يعطف عليه ويصحبه لعند زوجته التي أعجبت بشعره الأبيض الناصع وعيناه الخضراوين ..
- هل ترضين أن يعيش معنا ؟ سأل زوجته .
يالها من قطة جميلة اتركها هنا ، ربما يرزقنا الله بحسنتها ، أجابت زوجته .
- عفوا ، هل قلت أمتان ؟
- نعم .
- ومن هي الأمة الثانية بعدنا…. ؟
- أمتان على رأي المرحوم لينين .
- مين ؟
سأله الأحمق ثاني .
- لينين .
- لعنة الله على المذكور .. علق زميله موسى التركي ، وقال :لقد بلبل الوضع وجعل الناس تطالب بتمزيق الأوطان .
لولاه لما ظهرالارهابيون الأكراد وزعيمهم الذي سيعدم بكل تأكيد ..
- الأكراد أصبحوا ارهابيون ؟ ماهذه السخافة ياموسى ؟ !!
- ماذا تسمي أوجلان اذاً ؟ أليس ارهابيا ؟
- ياعزيزي ليس هناك شئ اسمه ارهاب ، وحتى الارهاب شئ نسبي وليس مطلق . هناك شئ اسمه حق أو باطل . ومطالبة أي شعب لحقه في تقرير المصير مسألة حق .
- أرأيتم ؟ إنه شيوعي .. هذا كلام المغضوب لينين .
- ماركسيسموس ، ردد أندرياس ..
- ياموسى وهذا يمكن أن يقال عن الألبان في كوسوفو أو الجبل الأسود ..
- لا ، هذا شئ وذاك شئ آخر ، الألبان مؤمنون بوجود إله خالق يارجل ..
- وهل الأكراد كفرة ؟!!
قطه الذي صادفه قرب البنك لم يكتشف ذكريته إلا بعد شهرين قضاهما في بيته ، سمعه يموء مواء الذكور في شباط المنصرم ، ثم مالبث أن تعّرف علة قطة جيرانهم اليوغسلاف وهي الآن (حامل)
كلفه تعارف قطه على قطة الجيران كثيرا، فقد اضطر على استقبالها يوميا ولأكثر من اسبوع ، وانجبر أن يلاطف صاحبتها كي لاتنزعج من زيارة قطتها عندهم ، فقد دعاها وزوجها لأكثر من مرّة على العشاء ، كانا يصطحبان زجاجات الركيا معهما في كل مرّة ولا يخرجا حتى ساعة متأخرة من الليل ..
مشكلة اليوغسلافية جارتهم أنها تحب شرب الركيا على أنغام موتسارت وبصوت عال مما يزعج بقية الجيران الذين استدعوا ( في إحدى المرّتين) الشرطة وعملوا (هيصة) ..
تابع يحدث نفسه بصوت يكاد ان يسمع .. سأشرب القهوة بسرعة ، الوقت يمر ، لم يبقى إلا خمس دقائق من الاستراحة ..
دخلت السيدة كاتي فقدم لها أحمد قهوته ، أخذتها شاكرة وقعدت على الكرسي المقابل للسيد كونيغ ماير .. كل شئ على مايرام الخنزير شفي من داء الكلـَب وهو بتحسن مستمر ، ابتسم كونيغ ماير وقدم لها وردة ، تقبلتها أيضا .. شربت قهوتها على عجل وخرجت تلحق زوجها ذلك الأصفر الناحل الذي لايفتئ من مهاجمة الحزب الاشتراكي لمساعدته الأجانب .. شــيَعها أحمد بنظرة دافئة ورشف رشفة من فنجانه وقال : هكذا نحن ، نعطي والآخرون يستفيدون ..
- هل تعلمون كم تدفع العربية السعودية للقوات المتعددة الجنسيات ؟
وكم يدفع الأميركان لحكومة القاتل شارون ، وكم يدفع القذافي للدكتور يورغ هايدر ، وكم تدفع هيئة الأمم لدولتكم عن كل لاجئ سياسي ، وكم تدفع دولتكم للاجئ إليها ، وكم تدفع الشركات لعمالها الأجانب ، وكم يدفع الأجانب ايجار بيوت فيها ، وتابع وهو يغلق عليهم باب صالة الطعام : وكم تدفع نساؤكم للأجانب ، ثم عاد وفتح الباب وقال هل تعلمون كم بقي من الوقت للإنتهاء من تناول طعام الغذاء؟
توقف أندرياس عن الهَز ، وقف الجميع وتوجهوا دفعة واحدة نحو الباب المؤدي إلى ورشة العمل ..
في صباح اليوم التالي فاجأه أندرياس بجواب عن سؤاله في اليوم السابق ، عرفت أين تقع فلسطين ..
في الجنوب ، والارهابيون العرب لايفتأوون ، وعلى الدوام يقضّون مضاجع الاسرائيليين المساكين في بلادهم الهادئة – الآمنة .. !!!
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
* كاتب سوري يقيم في النمسا .