المندائيون والاهوار
سعدي جبار مكلف
2020 / 8 / 4 - 10:58
الجزء الاول
ليس من السهل معرفة ماذا ينقص الماء كي يتكلم غير ان لكلامه الذي من كرستال وزبد السنة اطرافها ماسيه تقول وداعا لكل ما يظل على الضفاف
من اقوال استورياس
ان الاهوار عالم غريب بذاته بكل ما يحتوي من متناقضات فهو الهدوء وهو الثوره والغربه انه عالم يعجز القلم ان يوصف سجاياه ونوره وظلامه وخيره وشره لقد كان مكان للثوار وكانوا كثير من رفاق السجن يعتقد ان الاهوار سيكون منطلق شرارة الثوره الاولى ومنذ القدم ربما قبل ثورة العشائروثورات الفلاحين المتواجدين هناك ولجوء الثوار الى اعماق الاهوار وانطلاق الثورات منها ولابد للتعرف على مواضع كانت هي الاكثر استعدادا وقدره من سواها على انضاج واطلاق تلك الثورات لا يغيب عنا انتفاضات الاهوار العديده وانتفاضة ال ازيرج وانتفاضة
الزنج والقرامطه وهو نفس المكان الذي جاء منه ابو الانبياءابراهيم عليه السلام ففي اور وعلى مقربة منها تفجرت ثورة هور الغموكه عام 68
ومن محطة القطار المسماة اور حيث تذهب ابصار الناس تبحث في تراب الارض عن اثار اقدام النبي ابراهيم عليه السلام ...لقد وصف الكاتب السوري حيدر حيدر احداث انتفاضة هور الغموكه من خلال روايته وليمه لآعشاب البحر وقد شاعت حول الروايه كثير من الشائعات
والقراءات والرؤى لما فيها من تساؤلات وجدانيه واحيانا متطرفه تهم المعتقدات والفكر الى حد دفع الازهر تحريمها في مصر وسحبها من الاسواق وبعضا من الروايه تقع احداثها في الاهواروقد تمكن الكاتب من
سرد الاحداث عن طريق اللقاء مع احد ابطال الانتفاضه في الجزائر وكيف تجمع الثوار القلائل في الهور بعد الهروب من سجن الحله لهذا
يصبح الهور ملاذ للثوار وانطلاق للثورات الاهوار نقطة البدء لحلم هؤلاء الهاربين الى سماء التغير والحريه ليلتقي المكان والفضاء بأراء
اشخاص الروايه هذه الاراء التصقت بالمكان ببيئة الاهواروخلقت حالة اندماج بين المكان والذاكره لهذا تشم في كثير من المواقف رائحة البردي والقصب والماء والجواميس فطبيعة الاهوار مثلت في خصائصها الجماليه رؤوى معكوسه على ذاكرة المثقف العراقي منذ العصور السومريه الاولى وتكاد اساطير الحضاره العراقيه هي اساطير مائيه تعود في مخيلتها الى روح المكان والخرافه والتصاق هذه الخرفات بالهم المعاشي والبيئي لا تخلو من الماء والقصب والسمك والصياد ودورة الحياةعبر الماء والهواء وثالثهما النار كما في كثير من الاساطيركما في اسطورة الخليقه والطوفان وملحمة كلكامش وايوب السومري وغيرها من الاساطيركان الماء والقصب والطير والموجدات الاخرى تمثل وعيا كونيا لهاجس المثقف من جهه وهاجس الثقافه بين الانسان ومحيطه لهذا
الهمت قواه التخيليه روحية القصه وقول الشعر فجاء التراث الرافديني
القديم في اغلبه مولود في تلك البيئات حيث تتفرج الالهه على سطح الماء وتتخيل مصائر البشر ويمكنها ايضا ان تبني مخيلة تمتلكها عاطفة الشوق لجمال الطبيعه وسحرها لتدفع بقواها الجسديه لتجمع القصب لبناء المعبد ولشوي السمك ولذبح الطير قربانا للالهه التي اختارت هذه الطبيعه لتكون موطئ قدم لسكن الانسان المتحضر الذي كتب الروايات وصنع الفخار واخترع الاله الموسيقيه وعزف عليها
وحين تأمرني السيده المبجله بشئ اخر فأني سأذهب حتى دون ان
تنطلق لعمل من القصب الطويل بيتا اتعبد فيه اننا رهن طوعها وانا
وبيت القصب والمركب سنصاب بقوه عواصفها حين تغضب من اجل هذا علي ان ارضيها دائما ولا اجعلها تغضب)
اذن كان المكان وموجوداته هو كل مفردات الذاكره الاسطوريه والشعريه وهي في زمن كانت قيمة الادب شاسعه ومنتشره وفي كل العصور بقي المكان يمثل روحا للخلق والابداع وكان هو موطنا لواحده
من الديانات القديمه وهي المندائيه وفي الاهوار مارس المندائيون عباداتهم للخالق الواحد الاحد بتمازج روحي مع موجودات المكان وصار الماء سيد الطقوس للتعميد ان احد اركان الديانه المندائيه لا يتم الا عن طريق طقسا راقيا جميلا رائعا وكانت مياه الاهوار كفيله بأن تكون هي هذا الطقس ولا اريد هنا ان اشرح تاريخ المندائيه ومنشأها الا انني اتحدث عن الثقافه التاريخيه يقول الاستاذ الكبير عزيز اسباهي في صفحه 20 من كتابه ( اصول الصابئه ومعتقداتهم الدينيه ) الصادره عن دار المدى الطبعه الثالثه سنة 2003 ما يلي
( فقد كانت المنطقه التي ظهرت فيها ديانات التوحيد تعج يومها بالتفاعلات الفكريه والدينيه اثر الفتوحات والصدامات العسكريه بين الفرس والرومان واليونان كانت الوثنيه واديان الاقوام التي فقدت الصداره تنسحب طواعية من مسرح الحياة كليا بما تنطوي عليه من معتقدات وطقوس واساطير وانما تترك اثارها في العقول وتتأثر بها الاديان الجديده مثلما عانى الادب والفكر والفلكلور عامه وفي حالات بقيت اثارها لدى تجمعات صغيره ظلت الضغوط عليها موجهه الى هذا الحد )
وحتما ان استاذنا الكبير السباهي يقصد المنطقه التي ظهرت فيها اشارات الديانات التوحيديه الاولى هي بلاد الرافدين ومصر وفلسطين حيث يمتلك التاريخ موروث مقدس وفي جميع الكتب المقدسه اشاره الى ولادة ابراهيم عليه السلام وبعث يونس الى نينوى وطوفان نوح في امكنة البطائح وتقابل قصة ايوب السومري قصة النبي ايوب الوارده في قصص الانبياءوفي جنوب العراق وفي مدينة القرنه وهي واحده كانت من مدن الاهوار هناك مكان مقدس لشجرة سدر يقال انها شجرة ادم وتحتها استظل ابو البشريه .
سيدني استراليا
لنا لقاء في العدد القادم