قطار الموت الجزء الثاني
سعدي جبار مكلف
2020 / 5 / 6 - 14:48
جريمة العصر ... قطار الموت
سعدي جبار مكلف / سيدني
الجزء 2
وصلت عربات النقل العسكرية الى محطة القطار قبيل منتصف الليل وهناك قضی المعتقلون وقتا طويلا وقوفا امام المحطه ثم فوجئوا بالحرس يقتادهم نحو قطار حمولة لنقل البضائع يتألف من عربات تشبه الاسطبل او طولة حيوانات محكمة الاغلاق ماعدا القار الساخن جدا شحنت البضاعة السياسية المؤلفة من خيرة شباب العراق بعد ان فكت قيودهم واربطتهم من الكلبچات وسلاسل الحديد وظلت حبال القنب التي ربطت ايدي بعضهم فتمكنوا من التخلص منها بسهولة ولكنهم شعروا بالرعب وضعفت معنوياتهم فور اغلاق الأبواب الثقيله وحلول الظلام عليهم بدلا من خيوط الصباح الذي بدأ يتنفس وبعد ترتيب كل شئ بما في ذلك احضار الركاب المزيفون ويمثلون الحرس واكمال الاجراءات الفنيه تحرك قطار الموت ببطئ لتبدأ اشهر رحله اجرامية في التاريخ العراقي حكم على ركابها الافذاذ بالاعدام خنقا او شوية قبل الوصول الى السماوه وقبل أن ينقلوا الى سجن نقرة السلمان.... قبل بدء الرحله بساعات شعر الركاب بالبرد واثناء انتظارهم المبهم داخل العربات تسلل البرد الى اجسامهم النحيفه فبقي اكثرهم واقفا بينما جلس الباقون القرفصاء منكمشين في زوايا العربات كانوا يتمنون أن لا تطلع الشمس حيث تتحول العربات الى افران
حديديه ساخنه جدا وتلك صفات الجو في الصحراء وما أن حلت الساعه الثامنه حتی شعر الجميع انهم في تنانير حديدية اسطوريه سيقضون فيها حتفهم جميعا ففيها العتمة الدائمة والابخره والغازات وبخار الماء ومن روائح أجسادهم وبها سينشغل الكل في تذكر احبابه الواحد تلو الاخرقبل أن يفقد توازنه ويشرع في الهذيان والصياح والدعاء ثم يغمى عليه طويلا حتى يرحمه الموت من قسوة الالام وبشاعتها كل عربة اذا هي قدر حديدي مغلق يتحرك وسط نار ببطئ وملتهبه تتصاعد حرارتها بقوه لتعلو على حرارة الشمس في الخارج لماذا كل هذا العقاب كان معظم السجناء لا يرتدون غير ملابسهم التي اعقلوا فيها وهي بجامة النوم وفي محطة المحاويل ادركوا من بغض الثقوب القليلة جدا ان الفجر يبزغ والنهار قد بدأ يتكون تحولت جميع عربات قطار الموت المتكونة من خمس عشر عربه الى جحيم حقيقي بعد ان قطع 110 كيلو متر بين محطة الحلة والهاشمية وحسب التقديرات الطبية والعلمية يستسلم المعتقلون الى الموت بعد ساعتين فقط بعض ركاب قطار الموت تترنم بأغاني واناشيد وطنيه شعبيه قبل أن يستسلموا الى قدرهم المحتوم في حوالي الساعة التاسعه من ذلك اليوم المشوؤم بدأت حالة الركاب تسوء بسبب نضوح العرق وانخفاض نسبة الماء والملح في اجسامهم فشعروا بالاختناق والغثيان وهبوط ضغط الدم والضيق والاغماء والتقيؤ والتبول وبعدها فقدوا الرغبة في كل شئ يقول احد السجناء بدأت أجسامنا تفقد سوائلها بسبب التعرق الشديد واصبح الوقوف على الاقدام مؤلم جدأ والاتكاء على العربة غير ممكن ولم تكن في حوزتنا قطرة ماء واحده بعد الغثيان ونقص الأوكسجين وأنشغل كثير من الركاب ببحث عبثي يائس فأحتشدوا حول ثقوب وهمية لاستنشاق الهواء واغرب ما قام به ركاب قطار الموت انهم مارسوا عملية لحس العرق من اجسادهم الاطباء في قطار الموت من المعتقلين نصحوا رفاقهم عدم خلع ملابسهم لكي يحفظ طاقتهم كما يفعل البدو في الصحراء الكثير من السجناء مارسوا الصراخ والضرب على الجدران لكي يلفتوا الأنظار ولكن دون جدوي لا أحد يعرف من السجناء كيف سينتهي به الحال وهو يعلم علم اليقين انهم متروكون وحدهم لمصيرهم المحتوم وفي اعلى درجات اليأس الذي خيم على المعتقلين جميعا في تلك العتمات الخانقة سمعوا صوت خافتا من الخارج قرب شق الباب يقول اصبروا اخواني سيأتي الفرج قريبآسائق القطار ما يدري ماهو حمل قطاره وقد ادرك الان وسيصل بكم السماوه بسرعه كان شرطيا عراقيا شريفا مجهولا ايضا انتقل من عربة الى اخرى لينقل الى المعتقلين نفس الرسالة عندما شعر ركاب قطار الموت بتزايد سرعة القطار الى الدرجة التي بدأت عربات القطار تهتز وتتأرجح لفرط السرعة انتعشت امالهم من جديد وتشبثوا بالحياة ولو كانت وهما لم يعرف السجناء ولا غيرهم حتى الان كيف علم ذلك النفر من ابناء المحاويل او في اي محطة اخرى بسر ذلك القطار ليحتشد حاملین اسطل الماء لرش عرباته اثناء توقف القطار او حين يبطئ في السرعه عند المحطات الاخرى كل هذه الأحداث العاصفه لا واللقطات العنيفه لم يكن سائق القطار يعرفها لاهو ولا حتى رجال الحرس انهم ضحايا ايضا مثل ركاب القطار ومثل الملايين المحكومة دائما بالبطش والارهاب الخداع ينفذون جرائم الطغات بصمت واذا ما علم احدهم بسير هذه الجريمه او تلك اختار واحد من الاثنين اما الذهاب اللا حبل المشنقه او حفر نفق ضيق ونعيش فيه الى الابدعبد عباس عرف الان سر حمولة قطاره وهذه جريمه وادرك انه يقود توابيت جماعية وهذه جريمة كبرى اذا ما استمر بتنفيذ التعليمات حتى نهاية المرحلة فأن جميع الركاب سيدركهم الموت حتما من الذي يهمه قتل هؤلاء الناس ولماذا يضعونهم في تنانير قاتله قرأ ابو مظهر المحنه من كل الجوانب وادرك انه في يوم عصيب ولكنه اختار عراقيته بسرعه فحزم أمره واطلق صفارته مستعجلا حراس حمولته لينطلق بالقطار بسرعة قصوى غير مسموح بها لقطار حموله في كل الأحوال لم يعد يهمه شئ اكثر من ايصال هذه الأمانة بأقصى سرعة انهم من خيرة شباب العراق وهاهو المخدوع يدرك سرهم وسر الوجوه المهمة التي حضرت مراسيم الوداع والحرس الذين يحرسون الحديد دونما علم سار بقطارة بسرعة تفوق سرعة القطار العادي السريع بل قال بعض ركابه أن القطار كاد أن يطير بهم الى السماوه متجاوزا اكثر المحطات الباقية يقول السائق وقعت في ورطه بين الخيار في انقاذ الأرواح البريئة وبين احتمال العقوبات المترتبة على عدم الالتزام بالتعليمات ولكن لابد من الذهاب بها الى النهاية وكان لابد من التحايل على العناصر الأمنية ايضا لابد من التلاعب بمؤشر السرعه خشية افتضاح الأمر ولابد الحفاظ على ارواح الركاب والسماح للثلج والماء الذي كان يرشه الناس على العربات التبريد سطحها في المحطات التي كان يتوقف فيها القطار كيف يتم التعامل مع هذه المعادلة الصعبة ماهو الاختيار السرعه ام التوقف لرش الماء والثلج واقتربت مني امرأة وقبلت يدي في غفله مني وقالت ارجوك اوصلهم بسرعه يقول السيد علاء المفرجي النجل السابع السائق القطار سر لنا والدي رحمه الله انه تحايل على العنصر الأمني المرافق له لكي لا يكتشف مقدار السرعة الهائلة التي حصلت ولكن العنصر الأمني تواطئ معه في النهاية ثم ابلغه بضرورة السرعة لانقاذ الناس الأبرياء ولكن كيف تسرب الخبر السري والشخصي والمكتوم الى الناس بهذه السرعه ومن قام بتبليغ الأهالي في المحطات واحضار الماء والثلج ورشة على العربات ...هل كان اجتهاد أوتعاطفا من شخص او اشخاص ام هو عمل منظم قامت به جماعة او حزب ما. كان بين سجناء القطار ضابط صيدلاني هو ابن السيد طالب والأخير هو احد وجهاء السماوه شخص ميسور الحال وحالما عرف بخبر القطار اتصل من بغداد بأهالي السماوه وأستنفرهم لاستقبال السجناء واحضار الماء والطعام والشاي اخيرا وصل قطار الجريمة الى السماوه قبل ثلاث او اربع ساعات على الموعد المقرر له كان سائقه الشهم عبد عباس المفرجي قد اختصر الكثير من التوقفات والطقوس المعتاده في رحلة قطار الحمولة وكان كلما مر بمحطه وعرف من وجوه المحتشدين واشاراتهم انهم على علم بسر الحموله ازداد اصرار أعلى زيادة السرعه وانقاذ الركاب وما أن توقف القطار امام رصيف المحطة القصير وتعالى الصراخ من داخل العربات وخارجها حتى هرع صوب ناظر المحطه وطلب منه بسرعه فتح الأبواب كان الجميع ومن فيهم سائق القطار بأنتظار ظهور المخلوقات الاسطورية التي ستتهاوی امام اعينهم في مشهد اعجازي لن يتكرر ابدأ كانوا اشباحأ وهياكل عاريه تطلق حشرجات واهنة وتزحف ببطئ من ظلام القبور نحو الماء والهواء والضوء كانوا موتى احياء يحركون اصابعهم ويطلبون العون المتأخر جدا في لحظة هي الاقرب الى الموت في تلك الزنازين المظلمة سقط بعضهم على الرصيف وتمدد آخرون قرب القطار فيما زحف قسم منهم نحو حنفية الماء اما المغمى عليهم فظلوا على نومتهم حتى بعد رش الماء على وجوههم مما تطلب ارسال سبعة منهم بسيارة اسعاف البى المستشفى، وقد استشهد واحد منهم هو الرائد يحيینادر كان العنصر الأمني والحرس جميعا في ذهول تام وهم يرون المواد الحديدية وقد تحولت فجأة إلى مخلوقات بشرية زاحفه من اول عربه وعندها صرخ رجل الأمن بأعلى صوته ...هاي رادوا ايخلوها ابراسي......