الحمام في الشعر الشعبي العراقي
سعدي جبار مكلف
2020 / 1 / 9 - 09:05
الحمام في الشعر الشعبي العراقي
ذبلن وعود العشگ بشفافك وماتن
وطيور حبنه ارحلن وي طيفك وتاهن
كل المهاجر إجه گلبك بعد ما حّن
شوگ الحمام بهيد والونّه ترفه
خصال كثيرة عميقة قديمة منذ الأزل والقِدم الذي يعصف به الشوق للبعيـد والقريب والعاشق الولهان المغرم والحمام ليكون الأخير حاضراً على مدار التأريخ في يوميات وأشعار الغـرام والعشق والشوق والبعد يتغزلون بالحمـام فيكون رسول المحبيـن وأنيسهم وكـاتم أسرارهم أما صوتـه فتـارة مقام للنشـوة والطـرب والفـرح والسعـادة وأحياناً كثيرة للحنيـن والشجن نوح الحمام محـراب عبّر فيه الشعراء عن لهيب الحب ولوعـة الغـرام والشوق والبعـد في قصائـد شعرية كبيرة واسعة المعنى وواضحة المقصد لا تزال تتردد على الألسن حتى يومنا الحاضر وعلى شكل أنواع مختلفة كالإبوذية والزهيري وقصائد طويلة رائعة في الوصف والجمال
هله بالمعتني بجنح الحمامات
جايبلي ورد بيده هديّه
ما شافن إعيوني تدري عميات
لكن ريحتك فاحت شذيّه
يا طعم العسل والعسل منك غار
ويا نجم الثريه العالي ضيّه
هكـذا هـو الحمام يحتـوي قـوة العـواطف نشيط يمتلك حنيـة ووفـاء غريبة جداً يحسن الصوت هديله جميا ممتع يكون رسول بين المحبين حيث يضع الرسائل في جناحها قديماً وهو رمز الوفاء والصبر يمتلك سراً دقيقاً في حركات العيون يكتم الحـب وهـذا مـن دلائـل الوفـاء والكـرم يشبه الحب والغـرام بصوت الحمام الهديـل كرائحة الطيب المنتشرة من أغصان الشجـر يطـرب السامع ، إن صوت الحمـام يمثل نشـوة الحـب ولهيب الفراق ومرآة حال المحبين يعبرفيها الشعراء عن لواعج قلوبهم خاصة لوعة الحنين وحرقة الجوى...
اتمنه روحي تطير طير الحمامات
وتمر على الغالين تنقل سلامات
كـان الحمام حاضراً في محنـة الفـراق عند الأحبة وجزءاً من يومياتهم وظروفهم وأحوالهم كأن يكون رسولاً بين المحبين يعبر فيها الشعراء عن لهيب البعد والفراق وبث وإرسال الأشواق الى الحبيب الغائب ..
يمّن شخصك علّي اليوم نسّم
أريدك يا وفي.. بالروح نسم
بعـد هديـك حمام الـدوح نسم
يريد إيشوف.. ترديدك عليّه
أوحت الحمامـة في قصيدة الغـزل الشعبية بمعاني الحـب والصبر والشـوق وكان لها علاقة بموضوع العشق فإرتبطت بالمرأة أقوى الإرتباط ومانت صورة لها كما إرتبطت بمحـور أساسي من محـاور تجربـة العشق وهو البعـد والشوق والحزن والفقـرولهذا فقـد إكتسبت الحمامـة جانباً عاطفيـاً خاصاً ، وكانـت الصلة التي تربـط العشاق بها حيث لها أكثرمن دلالة إن رمز الحمامة في غزل الشعر الشعبي لا يحوم إلا في أجواء الحزن والألم والبعد والشوق ولايدل إلاعليها ولا يوحي إلا بهما ولهذا أصبحت العلاقـة بين الشاعـر والحمامة علاقـة تعاطف قائمة على العلاقة الوجدانيـة التي تربطهما معاً...
على روحي الحمام من أصفن يطوف
لأن خليت لك هالروح خضره
إن الحمام كان يعد من الرموز المقدسة وكان ذات شأن كبير في مكة وقد عني دارسوا التراث الشعبي بالمغزى الحقيقي التقليدي للحمام في البيئات الشعبية فقالوا إن الحمام دون بقية الطيور أحيط بقداسة في الظن الشعبي حيث كان مقدساً لـدى بعض الديانـات كديانـة (عشتروت وأفروديت ) وهما آلهتـان للحب والخصوبة ويشيرون إن التبرك بالحمام يضاعف الحياة سعادة وحب ..
إنته بالعِشره مثل طبع الحمام
نشتريك وترجع عله الباعك
وتوصف المـرأة العاشقـة في الشعـر الشعبي بأنها حمامـة وتسمى حمامـة الدوح وهذا يعني ظلال الأشجار الخضراء الوارفة فيكون الجمع بينهما حيث يكون الحمام والظل والخضرة متواجـدة في خيال العشاق أزلية الإنتظار وأشواق اللقاء ، إن وصف الحبيبـة بالحمامة في الشعر الشعبي العراقي متواجـد في التـراث القديـم والحديـث وعلى مرالزمـن يجسد هـذا الإعتقـاد ويخاطب المـرأة بأنها حمامة وهـو إعتقاد يؤكد قدمه وما وجد من أغاني وبستات قديمة حيث كانت تخاطب الحبيبة بعبارة ياحمامة ما لهذا الخطاب من دلالات رمزية وكثـير من النصوص توحي بقمة العاطفة والغزل في وصف الحمامة وكأنها إمرأة جميلة يتأملها الشاعر ويصف جمالها ومفاتنها ..
ياحمام الدوح وش
ياحمام الدوح واشمالك توّن
إنته ربع اللي أوّن ونيته
موش بس إنته يمر بيك الحزن
آنه حزني من الزغر ربيته
صار مثلي يعشگ ويهوّه ويحّن
ومثلي يكتب بالشعر خليته
وعلماني عالجگاير والتتن
وبيّه يشرب لو خلص باكيته
صار ثوبي الوافي المو نص ردن
ومن كثر ما هو حلو لبسيته
هوّه أسود بس أشوفه ابيض گطن
لا يملني ولا أنه مليته
حزن عند الناس بعد عندي إبشجن
وصار طور وبالفرح غنيته
ما يهمني إشما حچو عني وحچن
حزام ظهري من التعب شديته
كبر بيّه اشما يمر بيّه الزمن
ومثل ماي البلصحن داريته
يشهد إلنه أيام الراحج وإجّن
نام دمعه والبجفن غطيته
وعلى مر الزمن إزداد رمز الحمامة وإكتملت دلالاته المختلفة وإكتسبت إصوله ومقوماته رمزاً دالاً على البعد والفراق والنوح وتردد الذكرى وإلإشتياق للحبيب والأنيس الذي يعلن الشكوى والحزن عليه والبكاء بعمق الإحساس بالوحدة والإغتـراب والوحشة وكل هـذا لا جديـد فيـه حيث أنـه معـروف ومتداول وإنما هو تكـرار لمآسي وقصص الغـرام السابقة التي يكـون الحمام جـزءاً منها فنـوح الحمام هو إحساس بالفراق وشوق اللقاء ..
شيظل بالگلب من يهجر الطيبين
يظل مثل الحمام النمكسر جنحه
لا يگدر يطير.. ويلحگ العافوه
ولا يگدر... يظل يتحمل الذبحه
إن الحبيب يحس بعمق الحزن إزاء فقدان حبيبه ولهذا إحساس كبير في لواعج الألم واليأس والعذاب وهنا يصف الشاعر الحمامة وشوقها فكلاهما يحترق من أجل الحبيب المفقود وكلاهما يبقيا مولعاً ةيتأمل الرجوع واللقاء بعد هذا الفراق
مثل نوم الحمام اينام
يسكر بأول الكاسات
ويتثاوب غنچ من أول الگرصات
وآنه ....
آنه أصبر صبر هايم
يا شباچ روحي
يا هواهه وليلهه وقنديلهه الدايم
چا نه إشظل إلي من النوم
وإنته النوم كله وياك نايم
إن رمز الحمامة في الشعر الفصيح والعامي يشكل ظاهرة بارزة حتى أنـه أعتبر بكاء الحمام أصدق من بكاء الإنسان العاشق لأن الحمام دائـم النـوح إن هديـل الحمام هو الذي يسكب دموع الشاعر العاشق وتوجـد كثير من مواضيع بكاء الحمام في شرح شعر الغزل الشعبي إن نوح الحمام هو يمثل طربها وحنانها وترنمها كأنها صورة رمزية للحبيبة النائيـة البعيدة التي يناجيها الشاعـر العاشق ويدعوها لملاقاتـه ويناجي أي شيء منها بلغـة الحـب الشوق ، إن الحمام بلغـة الشعـراء العشاق رمـزاً للإلفة والرجاء والوفاء وهو للشجو والأسى والحـزن وكثيرمن الشعراء جعل الحمام رمزاً للفـراق والبين وهذا من شدة الوجد وغلبة اليأس المتولدة عند الشاعر هي التي أحالت الحمامةـ الى رمز الفـراق والقطيعة ...إن نـوح الحمام يعـد مادة جاهـزة تثير الشاعر العذري وتعبر تعبيراً صادقا عن أحزانه وهمومه وتطلعاته الى حبيب خاب الرجاء في تحقيق أماني اللقاء معه فالحبيبة الغائبة في نظر الشعراء يمكن أن تكون رمزاً مناسبا للهديل المفقود الذي يرجو لقياه ف..
فاگدينك
والحمام إيسولف البگلوبنه بمرسال جدمه
فاگدينك
وبينه خنگة ليل من يفگدله نجمه
لقد تولد نزع من التطابق في الوصف والإنسجام بين نوح الشاعر وبكائه على حبيبته وبين نوح الحمام وشجوها على الضائع الذي لا يعود .ز
عليك أگطع إدروب الخلگ ولفاي
وحرم عيب أطب للنذل ....ولفاي
ولو غير الحمام... ايصير ولفاي
عتبت ولا عتاب إعله ....المنيه
إن تعبير الشعـراء عن رمز الحمامة كونها تعيش في بيوتهـم وأماكنهـم يرونها ويسمعونها تشاركهم أحزانهم وقلقهم وشوقهم لذلك يقدمون أشعارا تحتوي صورا نايضة بالعاطفة الحية مملؤتا بالخيال الخصب وعندما يذكر الحمام وهديله فإنه دلالة على الحزن العميق ..
عذاب الروح بغيابچ هدلنـه
أبد يا زين منبطل ...هدلنـه
إذا صورة عشگحبي هدلنه
نذر الروح لعيونچ...هديه
وهكذا تتكرر المعاني عند أغلب الشعراء لتقاس الدلالات ذاتها حيث يتخذ قسما منهم رمزا لديمومة العشق والغرام والحب والقسم الآخر يعتبها رمزا للحزن المرافق للهجر والقطيعة والبعد فيشعر بالغربة والوحشة واللوعة وطول الفراق .
وياك وياك ....وياك فدوه يا حمام
وياك وياك ....وصلني سلام
گلـّه وأحچيله عليّه ....وشوف هجره إسوّه بيـّه
فراگ الأحباب حرام
وياك وياك وياك فدوه يا حمام
گلـّه عذبني حنيني
لا خبر منه يجيني
لشوفته مشتاگه عيني الليل ما تغفه وتنام
وياك وياك ....وياك فدوه يا حمام
گلـّه من بعـدك يغالي
إلمن أشكي هذا حالي
غايب إنته وعله بالي عشرتك وأحله الكلام
وياك وياك ....وياك فدوه يا حمام
گلـّه هذا العمر شمعه
يذوب دمعه عله دمعه
ليش من عدنه نضيعه يا عمر للناس دام
وياك وياك ...وياك فدوه ياحمام