عن الإنتفاضة العراقية وإمكانية الإنتصار
محمد حسام
2020 / 1 / 4 - 13:13
أكثر من شهرين مروا منذ أن أعلنت الجماهير العراقية انتفاضها في وجه الطبقة الحاكمة، أكثر من شهرين من التضحيات الجسيمة والبطولات والنضالات المبهرة. في الأول من أكتوبر انتفضت الجماهير العراقية وأعلنت عصيانها وثورتها على الطبقة الحاكمة التي سرقت ثرواتها وأحلامها وكبتت حريتها وابداعها. ثارت الجماهير على الفقر في بلد غني بالنفط وعلى الجهل في بلد الحضارة والثقافة، ثارت الجماهير بعد أن أيقنت أن كل أعضاء الطبقة الحاكمة الذين يتقاسمون السلطة فيما بينهم جميعاً ليسوا فقط فاسدين وإنما مجرمين وقتلة حتى النخاع وأن سلطتهم هذه لا يمكن اصلاحها.
طبيعة السلطة والطبقة الحاكمة العراقية:
أن الطبقة الحاكمة العراقية التي تسيطر على الثروة والسلطة منذ العام 2003 بقوة السلاح وارهاب المليشيات تم تشكيلها بواسطة الاحتلال الأمريكي بعد سقوط الطاغية صدام حسين. هؤلاء من يتحكمون في العراق منذ العام 2003 والى الآن جاءوا على ظهر الدبابات الأمريكية وتوطد حكمهم وسلطتهم تحت حماية ورعاية قوات الاحتلال الأمريكي.
الإمبريالية الأمريكية التي سرقت ثروات العراقيين ومازالت والتى ارتكبت جرائم حرب في حق الجماهير العراقية ارتأت أن السبيل الوحيد لضمان استمرار وجودها واستغلالها لموارد العراق هو دعم الرجعيين العراقيين اتباع الرجعية الدينية الإيرانية، هكذا رأت الإمبريالية الأمريكية أن الحل هو تأصيل الطائفية لتشتيت الجماهير ليسهل السيطرة عليهم خصوصاً بعد أكثر من عشرين عاماً من الخوف والقمع والاستبداد تحت حكم الديكتاتور صدام حسين، ولم يكن هناك أحد يستطيع تنفيذ تلك المهمة غير حزب الدعوة الإسلامي المدعوم كلياً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً من الرجعية الدينية الإيرانية، بالطبع هذا بجانب باقي الزعماء الطائفيين من أمثال مقتدى الصدر الذي يحاول اليوم الظهور بمظهر الداعم للجماهير ومطالبهم ويحاول التنصل من مسؤوليته عن سياسات الطبقة الحاكمة المنحازة للأغنياء والمرتهنة للقوى الخارجية كونه أحد أعضاء تلك الطبقة الحاكمة. باختصار نحن أمام سلطة وطبقة حاكمة جائت تحت حراسة قوات الإحتلال الأمريكي وبدفع ودعم من الرجعية الدينية الإيرانية.
ومنذ أن جائت تلك السلطة في العام 2003 لم ترى الجماهير سوى الفقر والاذلال وضياع الهوية والأحلام والموت برصاص المليشيات في حروب طائفية في نفس الوقت الذي كان فيه أعضاء الطبقة الحاكمة من سياسيين ورجال دين وزعماء عشائر يزدادون ثراءً من نهب ثروات الجماهير ومن كونهم سماسرة يقايضون على مجهود عمل وثروات الجماهير مقابل بقائهم على سدة الحكم. وفي نفس الوقت الذي دأبت الطبقة الحاكمة فيه على تقسيم الجماهير على أسس طائفية وقومية كانت هي تنسج فيما بينها شبكة مصالح متينة تمكنها من تقاسم ثروات العراق.
ملاحظات أولية عن الانتفاضة:
الجماهير العراقية التي عانت من الفقر والجوع والاذلال والحسرة على ضياع الأحباب والأحلام في محرقة الحكام، الجماهير التي عانت من القمع والاستبداد والقتل، الجماهير التي عانت من الحروب الخارجية العدوانية والداخلية الطائفية، الجماهير العراقية التي تكاتفت القوي الاقليمية والدولية المتحاربة على قتلها وقمعها وسرقتها، تلك الجماهير أعلنت أنها سأمت هذه الحياة وأنها لم تعد لديها شيئاً لتخسره بعد أن أصبح الموت والمجازر مشهداً مألوفاً لديها، خرجت في الأول من أكتوبر وأعلنت ثورتها على كل البينة السياسية والاقتصادية القائمة.
ثارت الجماهير متحدية إجرام القوات النظامية والمليشيات الطائفية. قدمت الجماهير حتي الآن أكثر من خمسمئة وخمسين شهيداً وأكثر من عشرين ألف جريح، هذا عدا عن المختطفين والمفقودين. استطاعت الجماهير من احتلال ساحة التحرير في وسط بغداد بعد معارك دامية امتدت لأيام، خرجت الجماهير في كل مدن الجنوب تقريباً وفي بغداد متجاوزة المنطق الطائفي الذي صنعه ورسخه الطبقة الحاكمة منذ الاحتلال وحتى الآن.
ثبتت الجماهير والشباب الثائر على مواقفها الرافض للسلطة وهزمت ليس فقط القوة المسلحة للدولة ومليشياتها ولكن أيضاً الاعيب وحيل رموز النظام الطائفي من أمثال مقتدى الصدر والمرجعية الدينية الأعلى في العراق على السيستاني، بل ومتحدين أحياناً سلطة زعماء عشائرهم.
ومن الملفت أيضاً الحضور الواسع والمؤثر للمرأة العراقية في الانتفاضة. فالمرأة العراقية التي قُمعت وتم حصارها وإذلالها بأسم الدين تارة وبأسم التقاليد البالية تارة آخرى تلك المرأة تخرج في الشوارع وساحات الإعتصام اليوم كتفاً في كتف مع الرجل العراقي في معركتهم المشتركة ضد ناهبيهم وقامعيهم المشتركين أيضاً وهم الطبقة الحاكمة بمنظومتهم الاقتصادية والفكرية التي ذاقت النساء العراقيات من ورائها الآمرين. تخرج المرأة العراقية متحدية جميع العراقيل والحواجز التي وضعها النظام الذكوري والعشائري أمامها لاسكاتها.عبر الانتفاضة اليوم تحصل المرأة العراقية على جزء من حقوقها الأساسية التي حرمت منها طيلة عقود، هذا الجزء من الحقوق المكتسبة هو إعادة الاعتبار للمرأة والاعتراف بكونها فاعل أساسي في المجتمع، بعد ظلت المرأة طيلة العقود الماضية تعاني التهميش والسيطرة الذكورية والفكرية عليها وعلى أفكارها. يجب الحفاظ على تلك المكاسب الثورية للمرأة والصراع من أجل انتزاع مكاسب أكثر وصولاً لتحرر المرأة التام وهو ما لا يمكن أن يحدث دون إنتصار الثورة وإنشاء نظام سياسي واقتصادي واجتماعي مختلف جذرياً عن النظام الرأسمالي الأبوي القائم حالياً، نظام يضمن للمرأة الاستقلالية الاقتصادية والفكرية، نظام يضمن الحد الأدني من متطلبات الحياة للجماهير من ضمنها المرأة، نظام يعمل على اقتلاع جذور الفكر الذكوري من المجتمع. بدون هكذا مجتمع ونظام تظل حتى تلك المكاسب التي انتزعت تواجه خطر الضياع مع أول ارتداد أو هزيمة للانتفاضة.
ردود فعل الطبقة الحاكمة والتدخلات الاقليمية والدولية:
كان رد فعل الطبقة الحاكمة منذ بداية الانتفاضة في منتهى الشراسة، فأطلقت يد قواتها النظامية ومليشياتها لتقتل منذ الأول من أكتوبر وإلى الآن أكثر من خمسمئة وخمسين شهيداً وأكثر من عشرين ألف جريح وخطف متظاهرين ونشطاء وتعذيبهم والتنكيل بهم في مشهد يعيد للأذهان مشاهد بدايات قمع الثورة السورية على يد مليشيات وشبيحة النظام.
اتبعت الطبقة الحاكمة في البداية سياسة العصا والجزرة مع جماهير الانتفاضة، تارة يخرج علينا رجل الدين الشيعي والسياسي البارز مقتدى الصدر يعلن دعمه للمتظاهرين وتارة أخرى يخرج علينا رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي يعلن رفضه القاطع لمطالب المتظاهرين، والمرجعية الدينية على السيستاني يتأرجح ما بين هذا وذاك. لقد خلخلت الانتفاضة الشعبية المعادلة السياسية القائمة منذ العام 2003، وهذا ما يظهر في تضارب تصريحات ومواقف أعضاء الطبقة الحاكمة، إلى أن وصلنا لإستقالة عادل عبدالمهدي، وهي خطوة ليست كافية إطلاقاً بالنسبة للجماهير التي ذاقت ويلات النظام الطائفي القائم وتعرف الاعيبه حق معرفة وتدرك جيداً أن استقالة عادل عبدالمهدي ما هى إلا مناورة لامتصاص الغضب الجماهيري ومحاولة لكسب الوقت لترتيب الأوراق، وتدرك جيداً أن الحل ليس فقط رحيل عادل عبدالمهدي ولكن اسقاط كل البنية الفاسدة والمجرمة التي انتجت عبدالمهدي ونور المالكي وأمثالهما.
واليوم تواصل الطبقة الحاكمة إعداد مزيد من الحيل لاحتواء الانتفاضة المتفجرة، فنسمع عن إعداد قانون جديد للانتخابات وعن تقديم بعض الشخصيات للمحاكمة بتهم فساد وغيرها من الاجرائات التي تظن الطبقة الحاكمة إنها ستتمكن عن طريقها من إخماد لهيب الثورة وإيهام الجماهير المنتفضة أن طريقهم للنصر ولتحقيق أهدافهم هو الطريق التي تحدده الدولة وليس استكمال الثورة.
هذا داخلياً، أما خارجياً فالنظام العراقي هو نقطة التقاء كثير من خيوط الخريطة السياسية في الإقليم. فالعراق يتحكم فيه منذ العام 2003 الراديكاليين الشيعة الموالون لإيران بوصفهم الفصيل الأكثر تنظيماً واستعداداً وقوة فإستطاعوا استغلال الفراغ الذي تولد عن سقوط صدام حسين. ومنذ ذلك الوقت وتحول العراق تدريجياً إلى سوق لتصريف البضائع الإيرانية، وورقة في يد الرجعية الدينية الإيرانية تساوم بها الإمبريالية الأمريكية بشكل خاص والغربية بشكل عام، بالإضافة أن العراق أصبح ممر لبيع البترول الإيراني للتحايل على العقوبات الأمريكية الغاشمة. لهذا فمن شأن أي تغيير في التركيبة السياسية أو تغيير في التوجه الإقتصادي للدولة العراقية أن يؤدي لأزمة في المجتمع الإيراني نفسه وهو ما بدأت بوادره في الظهور في احتجاجات الجماهير في عدة مدن الإيرانية منذ عدة أسابيع اعتراضاً على رفع الدعم عن السلع البترولية. لهذا فانتصار الثورة العراقية معناه أن العد التنازلي الرجعية الدينية الإيرانية قد بدأ. لهذا فالنظام الإيراني مستعد لفعل أى شئ لمنع انتصار الثورة العراقية، حتى لو اضطر لارتكاب عشرة أضعاف الجرائم الوحشية التي ارتكبها في حق جماهير الثورة السورية. وقد رأينا عينه عن ما قد يفعله النظام الإيراني في تصديه للمحتجين الإيرانين حيث قُتل أكثر مائتي شهيد في يومين فقط.
أما الإمبريالية الأمريكية المتسبب الرئيسي في كل مايحدث في العراق منذ العام 2003 وإلى الآن أمام تحدي حقيقي يتمثل في هدم البنية السياسية التي هندستها وبدأت ترتد عليها تدريجياً نتيجة للنفوذ الإيراني. شرعت الإمبريالية الرميكية في البداية لإرسال مبعوثة الأمم المتحدة للعراق ثم ارسال مستشار دونالد ترامب للعلاقات الخارجية مايك بنس وغيرهم للاشتباك مع ما يحدث عن طريق محاولة إظهار نفسها بمظهر المدافع عن حق الجماهير في التعبير وما إلى ذلك من الدعايا سخيفة، محاولين التحايل على الذاكرة الشعبية العراقية التي لازالت تتذكر جرائم الإحتلال الأمريكي في حقها ولازالت تتذكر جيداً عواقب التدخلات الإمبريالية وتدخل مجلس الأمن والأمم المتحدة (حزب الثورة المضادة العالمي).
ما يحدث من شد وجذب بين الإمبريالية الأمريكية والرجعية الدينية الإيرانية ما هو إلا محاولة لتغيير ماهية الصراع من صراع داخلى اجتماعي لصراع خارجي، وبالتالي إلهاء الجماهير عن هدفها الأساسي وهو إسقاط سيطرة الطبقة الحاكمة الرأسمالية على المجتمع وتغيير هدفها ليصبح صراع يتخذ من محاربة الوجود الأمريكي كشعار فقط، لكنه في النهاية يخدمها لأنه لا يضرب أسس السيطرة الأمريكية على العراق وهي سيطرة اقتصادية بالأساس، بالإضافة أنه يخدم زيادة النفوذ الإيراني بشكل مباشر، أو تحويل الصراع لصراع ضد النفوذ الإيراني فقط وفقاً لسياسية أتباع الإمبريالية الأمريكية، وهي سياسة تؤدي في النهاية للتبعية الكاملة للإمبريالية الأمريكية واتباع أكثر قسوة للسياسات النيوليبرالية لخدمة مصالح الشركات متعددة الجنسيات والبنوك، هذا من جانب. ومن جانب آخر هو محاولة كلا الطرفين كسب نقاط على حساب الطرف الآخر بعد أن خرجت الإنتفاضة عن السيطرة.
في الوقت الحالى الإنتفاضة العراقية تواجه سيناريوهين متضادين، السيناريو الأول وهو السيناريو الإيراني، وهو سيناريو إغراق الإنتفاضة في الدم إلى النهاية وتحويل العراق لساحة حرب مفتوحة خصوصاً بعد اغتيال رجل إيران القوي في الخارج قاسم سليماني، لأن الرجعية الدينية الحاكمة في إيران ستدافع عن منفذها الأخير وسوقها المضمون، ولا يمكن أن تسمح أو تتقبل خسارتها لنفوذها في العراق بسهولة. السيناريو الثاني وهو السيناريو الأمريكي، يعتمد هذا السيناريو على الخروج بأكبر قدر من المكاسب والحد من النفوذ الإيراني ومحاولة احتواء الانتفاضة. فالإمبريالية الأمريكية تعلن دعمها الظاهري للانتفاضة لسببين، الأول أنها تعلم أن الإنتفاضة حتى الآن لا تمثل تهديد حقيقي لمصالحها ومصالح شركاتها في العراق لافتقار الإنتفاضة لمعبرها السياسي الثوري، والسبب الثاني أنها تعلم أن أى تخلخل في المنظومة الحاكمة العراقية الحالية يمكن أن يؤدي لزعزعة الوصاية الإيرانية على العراق وما إغتيال قاسم سليماني إلا خطوة في هذا الطريق. خصوصاً إذا أوجدت الإمبريالية الأمريكية بديل للجماهير عن السلطة الحالية، وهو ما يمكن أن يظهر في صورة انقلاب عسكري، وهو ما يمكن أن يحظي بقبول قطاع من الجماهير المنتفضة في البداية لأنه بالنسبة للجماهير هو الطريقة الوحيدة للتخلص من سيطرة الرجعية الدينية الإيرانية ومليشياتها على البلاد، هذا في ظل غياب بديل ثوري من قلب جماهير الانتفاضة.
أياً كان ما ستفضي إليه هذه التصعيدات الحالية والمفاوضات المستقبلية بين الفاعلين الدوليين وأتباعهم المحليين ستظل الجماهير في موقع المفعول به إن لم تنتقل وبشكل واعي وآني إلى موقع الفاعل، أى أن تدرك جماهير الإنتفاضة مواطن ضعفها وتنظم هجوماً على مجمل البنية السياسية والاقتصادية القائمة.
نقاط ضعف الإنتفاضة:
إن الانتفاضة العراقية برغم كل التضحيات والأرواح التي بُذلت لأجلها وكل مظاهر النضال والشجاعة التي أظهرتها الجماهير إلا أنها تعاني من نقاط ضعف ستكون مدخلاً لقوى الثورة المضادة المختلفة لإحكام سيطرتها عليها واحتوائها، سواء بالقوة المسلحة أو بالطرق الناعمة.
نقطة الضعف الأولى للانتفاضة، هو اعتماد جماهير الانتفاضة على تكتيك حرب الشوارع مع الدولة، وهو ما يمكن تفهمه نتيجة التكوين الطبقي لجماهير الانتفاضة -وهو ما سنتحدث عنه لاحقاً-. هذا التكتيك برغم أهميته أحياناً وبطوليته ونضاليته الدائمة، إلا أنه ليس التكتيك الأمثل لمواجهة مثل هذا الخطر المسلح المتمثل في المليشيات الطائفية بكل إجرامها، لأنه تكتيك أصلاً يعتمد على حرب غير عادلة أحد طرفيها أعزل وغير منظم، فكان من الطبيعي أن تسيطر الدولة على الوضع وتحصر الاحتجاجات والاعتصام في ساحة التحرير فقط وفي الساحات الرئيسية في المدن الأخري. وهو ما يمثل خطر حقيقي بالنسبة للانتفاضة يتمثل في سهولة حصارها أو قمعها بالقوة المسلحة أن اقتضت الضرورة ذلك.
نقطة الضعف الثانية هي الشعارات المرفوعة في الانتفاضة والتي هي معبر عن الوعي السائد فيها. وهي إما أنها شعارات فضفاضة يمكن تأويلها حسب مُنفذها، وإما أنها شعارات مضللة تدفع الجماهير بعيداً عن طريق الانتصار الانتصار مثل شعار "كلا للأحزاب"، هذا شعار يجب نقضه بشكل واضح لأنه معبر عن مزاج عام لدى الجماهير العراقية، مزاج له مبرراته الموضوعية الأحزاب بالنسبة للجماهير منذ العام 2003 ما هي إلا وسيلة لنهبهم وسرقتهم وخداعهم وقتلهم، لكن هذا لا ينفي ضرورة التحزب وتنظيم الصفوف، فالجماهير اليوم في أمَس الحاجة للتنظيم، يجب نقض هذا الشعار بقول نعم نحن لا نريد الأحزاب التي أفقرت أغلبية الجماهير لمصلحة الأقلية، نعم نحن لا نريد الأحزاب التي قتلت الجماهير وقمعتهم في حروبها الداخلية، لكن أن نقول "كلا للأحزاب" بغض النظر عن توجهها وانحيازها كأننا نوافق على وجود معبر سياسي عن الانتفاضة من خارجها، كأننا نسلم الأعداء مهمة تقرير مصيرنا ومصير انتفاضتنا من وراء ظهورنا في الغرف المغلقة. بالطبع هناك شعارات ترفعها قطاعات من جماهير الانتفاضة معبرة عن التطلعات الثورية للجماهير مثل شعار "كل السلطة للجماهير المنتفضة" الذي يرفعه منظمة البديل الشيوعي في العراق، وغيرها من الشعارات الرافضة لمجمل الطبقة الحاكمة وما إلى ذلك ولكن يجب العمل على تسييد هذه الشعارات في الانتفاضة لتنفيذها.
نقطة الضعف الثالثة هي عزوف جماهير كردستان العراق بشكل كامل وجماهير المدن ذات الأغلبية السنية بشكل جزئي عن الانخراط في الانتفاضة. بالنسبة لكردستان فيواصل الحزب الديمقراطي الكردستاني عمالته وخيانته بقمعه لأى محاولة من قبل جماهير كردستان العراق للتعبير عن تضامنهم مع إخوانهم ورفاقهم المنتفضين، هكذا يكتب حكام كردستان العراق سطراً جديداً في خيانتهم الواضحة لتطلعات الجماهير المضطهدة والكادحة، وسطراً جديداً في عمالتهم الواضحة للإمبريالية الأمريكية. أما بالنسبة لجماهير المدن ذات الأغلبية السنية فما يمنعها أن تشعل شوارعها وساحاتها بلهيب ثورتها أن ذكريات الحرب الطائفية مازالت حاضرة في الأذهان، هذا من جانب. ومن جانب آخر أن جماهير تلك المدن عانوا كثيراً في السنوات الماضية من حكم داعش البربري لحرب اجرامية بقيادة الإمبريالية الأمريكية والحشد الشعبي، بالتالي جماهير تلك المدن يلزمها كثيراً من الأمل على وجود إمكانية لانتصار الثورة ليصبحوا قادرين على تجاوز مآسي الماضي البعيد والقريب والانخراط بشكل كامل فيها.
نقطة الضعف الرابعة للانتفاضة، والنقطة الأهم والأخطر، هي غياب التدخل الفعّال والواعي للطبقة العاملة، حتى الآن لم تشهد الانتفاضة اضراب قطاعات عمالية حتى لو جزئية وهو ما يشي بقصور كبير في دور المنظمات الثورية والماركسية، وهذا ما يحيلنا في البداية لتحليل طبيعة التكوين الطبقي لجمهور الانتفاضة، الانتفاضة عمادها الأساسي من العاطلين عن العمل والعمالة الغير منتظمة والطلبة والعمال بشكل فردي بجانب الانتلجنسيا المثقفة، هذه الفئات نتيجة موقعهم الطبقي لا يرون الصراع الاجتماعي بشكل واضح، نتيجة وضعهم خارج عجلة الإنتاج يحيلهم هذا لتكوين تصور عن الصراع كصراع ضد الفساد أو حتى صراع ضد الهيمنة الإيرانية بشكل مجرد، أو صراع مجرد من أجل "الوطن" دون تحديد ماهية هذا الوطن وماهية أسباب معناته. لكن ما يجعل الطبقة العاملة أكثر الطبقات الشعبية وعياً بطبيعة الصراع الاجتماعي هو موقعهم في صلب عملية الإنتاج، هو صراعهم اليومي مع الرأسماليين من أجل تحسين شروط حياتهم، هو فهمهم لحقيقة أن السبيل الوحيد لتحسين واقع حياة الجماهير المُفقرة والكادحة هو في إلغاء سيطرة رجال الأعمال على وسائل الإنتاج.
ما العمل:
أن أول طريق الانتصار يبدأ بأن تُدرك الكتلة الواعية في الانتفاضة أخطائها وآفاقها وطريق انتصارها. إن طريق النصر يبدأ من التنظيم.
يجب البدأ في تنظيم الجماهير المعتصمة في ساحة التحرير وغيرها من الساحات والدفع بتلك الكتلة الصلبة المناضلة لانتخاب ممثليهم القابلين للعزل في أي وقت من قبل من انتخبوهم، لتشكل الانتفاضة على الأقل قيادة تدير المعارك اليومية وتضمن عدم استغلال أي طرف من أطراف الثورة المضادة لها.
ثم يجب التوجه وبشكل عاجل للطبقة العاملة العراقية، خاصة قطاع النفط. إن الطبقة العاملة هي المدفعية الثقيلة للثورة وسلاح الجماهير الشعبية والمُفقرة الذي لا يقهر، لهذا إن كان هناك طريقٌ للنصر فهذا الطريق يبدأ بتنظيم تدخل واعي للطبقة العاملة لصالح الانتفاضة. عن طريق الطبقة العاملة يمكن إيقاف عجلة الإنتاج وإخضاع الطبقة الحاكمة لرغبات الجماهير، لو اضرب قطاعات عديدة خاصة عمال النفط لمدة أسبوع أو اثنين ستسقط الرأسمالية في العراق، لهذا فتنظيم الطبقة العاملة لتصبح طبقة لذتها تدافع عن مصالحها المرتبطة بمصالح بقية الجماهير الشعبية هو ضمان الانتصار. هذه هي المهمة التي يجب أن تضطلع بها المنظمات الماركسية والثورية في العراق إن كانت حقاً تهدف الانتصار والتحرر السياسي والاقتصادي. يجب على المنظمات الماركسية والثورية العاملة في العراق أن تعلم أنها إن فوتت هذه الفرصة التاريخية فلن يعطيها التاريخ فرصة ثانية في المستقبل القريب لتصحيح أخطائها وتمحي تاريخ الخيانات والتقاعس.
هذه المهام يلزمها منظمة ثورية لديها خطة وبرنامج ثوري يحمل إجابات عن أسئلة الجماهير المنتفضة والطبقة العاملة، برنامج ثوري يربط ما بين المطالب الديمقراطية والاجتماعية للجماهير وبين انتصار الثورة، برنامج يوضح ويشرح حقيقة أنه أن كان هناك أمل أن تعيش الجماهير العراقية حياة أخري غير حياة الفقر والجوع والبطالة والموت والتبعية التي عاشتها لعقود فتتمثل هذه الإمكانية في إسقاط النظام الرأسمالي التابع القائم الآن وإحلال نظام سياسي واقتصادي آخر محله، نظام اقتصادي قائم على إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وإدارة الموارد الاقتصادية التي هي ملك الجماهير لسد احتياجاتهم وليس لسد جشع ونهم الأقلية الحاكمة للأرباح ومراكمة الثروات، نظام اقتصادي قائم على بناء الصناعة التي هُدمت وخُربت لمصلحة رجال الأعمال والمستثمرين سواء الداخليين أو الخارجيين وتطوير الزراعة ومنظومة التعليم والصحة، ونظام سياسي قائم على حق انتخاب وعزل للمسؤول المباشر في كافة القطاعات بما فيها القوات المسلحة النظامية، هذه هي الديمقراطية أن يتحكم الجماهير تحكم كلى ومباشر في مدة بقاء المسؤول ومهامه ومسؤوليته وأن يخضع هو لمراقبتها الدائمة وللمحاسبة والعزل في أي وقت، وليس نظام قائم على انتخابات صورية يتحكم فيها أصحاب النفوذ والثروات.
هكذا منظمة ماركسية تحمل هكذا برنامج ثوري هو تحتاجه الانتفاضة العراقية اليوم. هذا البرنامج يجب أن يرفع شعار "الإضراب العام هو الحل" من البداية دون أن يتسرع في تحديد موعده ليضمن نجاحه. الاضراب هو الحل ليس لإجبار الحكومة على تنفيذ مطالبنا أو تقديم تنازلات ولكن هو الحل لإسقاط النظام الرأسمالي، الإضراب العام هو الحل بوصف الإضراب العام هو بمثابة جمعية عمومية لجماهير الثورة وللطبقة العاملة، جمعية عمومية تنتخب فيها الطبقة العاملة مندوبين من كل المصانع ويجري الربط بين لجان المندوبين لتشكيل قيادة ثورية منتخبة للطبقة العاملة، لتشكل هذه القيادة مع قيادة الساحات المنتخبة التي تمثل بقية فصائل الجماهير الثورية قيادة للثورة. هكذا يمكن أن يكون لدي الجماهير العراقية لأول مرة قيادة منتخبة تدافع عن مصالحها وتخضع لرقابتها وتستطيع محاسبتها وعزلها إن ارادت. لتشكل بعدها هذه القيادة حكومة جديدة تضطلع بمهمة هدم النظام الرأسمالي الجمهوري ومؤسساته والشروع في بناء مجتمع جديد ونظام سياسي واقتصادي جديد يخرج الجماهير العراقية من الهوة السحيقة التي رمتها فيها الطبقة الرأسمالية الحاكمة التابعة.
في النهاية على الثوريين والماركسيين العراقيين اغتنام هذه الفرصة التاريخية والتعلم من أخطاء الثورات العربية المهزومة، يجب أن تسرعوا في تنفيذ تلك المهام فالوقت ليس أبداً في مصلحة الانتفاضة وجماهيرها، والأيام حُبلى بالمجازر والهزائم إن لم تتعلموا وتعوا أحد أهم دروس الثورات العربية المهزومة الأساسية، هذا الدرس هو أنه في ظل معادلة النظام الرأسمالي العالمي الحالى وتعقد شبكات مصالحه وتكالبها جميعاً على شعوبنا في ظل هذه المعادلة يبقى أمام الجماهير المنتفضة و الثوريين اختيارين لا ثالث لهما إما نصر كامل أو هزيمة كاملة. التنظيم والتنظيم والتنظيم هو وسيلتنا للإنتصار.
المجد للشهداء والشفاء للجرحى والحرية للمعتقلين
يسقط قاتلى الشعب من قوات نظامية ومليشيات طائفية
تسقط الهيمنة الأمريكية والإيرانية على الجماهير العراقية
ابنوا الخلايا والتنظيمات الثورية في كل مكان
من أجل طبقي وثوري
لا حل سوى انتصار الثورة الاشتراكية بحكومة عمالية