افكار ثائرة على شراهة الرأسمالية
محمد وهاب عبود
2019 / 6 / 7 - 02:34
طوال القرن الماضي ، أثبتت الرأسمالية مرارًا وتكرارًا بشاعة صفاتها: غياب الاستقرار وعدم المساواة.
من بين حالات عدم الاستقرار ، يجب أن نذكر الكساد العالمي (1929-1941) والركود الرهيب الذي بدأ في عام 2008 ، و ما لا يقل عن 11 فترة ركود اقل وطأة حدثت بين هذين الانهيارين المشهورين في الولايات المتحدة. في كل مرة ، يفقد ملايين الأشخاص وظائفهم وتزداد الحاجة ويتفاقم الفقر وتهدر موارد ضخمة. ويعد قادة الراسمالية في كل ازمة بأن "إصلاحاتهم" ستمنع عودة ظهور عدم الاستقرار. هذه الوعود لم يتم الوفاء بها والإصلاحات لم تنجح ولم تصمد أمام اختبار الزمن اذ كان هذا النظام ولا يزال يعتبر "ازمة" اكثر مما هو نظام .
ان حالة عدم المساواة هي الخاصية التي تلازم الرأسمالية طوال مسيرتها فمنذ سبعينيات القرن العشرين ، يتفاقم التناقض بالدخل وتستشري عدم المساواة التراكمية في كل بلد رأسمالي تقريبًا. فاليوم نشهد فجوة هائلة بين الأثرياء والفقراء ، كما كان الحال في القرن التاسع عشر.
لقد أصبح إنقاذ "الطبقة الوسطى المتلاشية" شعار جميع السياسيين فيما تجتاح اللامساواة الشديدة المجتمع بأسره كون الأوليغارشية/ القلة والشركات العملاقة تنفق الملايين لشراء السياسيين ووسائل الإعلام وأشكال الثقافة الهابطة.
إن الرأسمالية في مراكزها الأصلية - أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية واليابان - تعمل على زيادة أرباحها منذ السبعينيات من خلال أربعة طرق رئيسية.
أولا ، الحوسبة والروبوتات ، والتي لم تسهم بتقليل ساعات العمل وتخفيف الجهد عن العمال كما تدعي الراسمالية، وانما لزيادة الأرباح والحد من تكاليف الأجور.
ثانياً استغلال العمالة المهاجرة منخفضة الأجر للاستغناء عن العمالة الوطنية المناهضة للاستغلال والمنضوية في النشاط النقابي.
ثالثا ، نقل الإنتاج إلى البلدان ذات الأجور المنخفضة: الصين والهند والبرازيل وغيرها.
رابعا ، تهميش وإضعاف النقابات والأحزاب السياسية وغيرها من المنظمات التي تدافع عن مصالح العمال. ونتيجة لذلك ، اتسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء في كل بلد يمثل جزءاً من النظام الرأسمالي العالمي.
في الولايات المتحدة ، هزم الإصلاحيون الثوريين بحجة الاستعداد للحرب التي وضعت حداً للكساد العالمي. بعد عام 1945 ، بدأت الرأسمالية في الانتعاش وبدأ الرأسماليون في الابتعاد عن إصلاحات فترة الكساد ، باستخدام الثروة المتنامية لشراء التأثير السياسي الضروري لتدمير الإصلاحات.
كما أدى ظهور أزمة عام 2008 إلى اشتعال الجدل وتجدده مجددا بين تيار الاصلاحيين للراسمالية والثائرين عليها كما حدث في الثلاثينات . على الرغم من أن الإصلاحيين هزموا في الماضي الثوار ، إلا أن إصلاحاتهم لم تمنع عدم الاستقرار او تحقق العدالة فقد استمرت الرأسمالية في التأثير سلبًا على المجتمع. من يدعون اصلاح الراسمالية اليوم يدافعون عمليا عن نفس الإصلاحات التي تم تبنيها في ازمات سابقة رافضين دروس الماضي.
اليوم اصبح البديل الثوري حقيقة وواقع, وخيار ولد من رحم التجارب, اذ يعتقد ثوار اليوم أن المهمة الرئيسية هي تغيير النظام وليس الإصلاح.
بم يختلف تغيير النظام عن الإصلاح؟ الإصلاحات هي تدخلات حكومية تضع أصحاب العمل في وضع استثنائي مع تغيير آليات العمل الأساسية: ماذا وكيف وأين ينتجون ، وماذا يفعلون بالربح. الإصلاحات هي قوانين بشأن الحد الأدنى للأجور ، وإعادة توزيع الأعباء الضريبية والشركات المملوكة والتي تدارمن قبل الدولة.
تقع أيديولوجية الإصلاحات في مكان ما بين (رؤية الولايات المتحدة الأمريكية) والاشتراكية الديمقراطية (في الدول الاسكندنافية) واشتراكية الدولة (في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية وجمهورية الصين الشعبية). تحافظ هذه الإصلاحات على العلاقات القديمة في المؤسسات بين المالكين والموظفين ، حيث يسيطر مدراء القطاع الخاص أو الدولة على كتلة العمال ويتخذون قرارات الإنتاج الرئيسية.
اما تغيير النظام يعني إعادة تنظيم العلاقات الرئيسية في المصانع والمؤسسات والمكاتب وحتى المتاجر. يجب أن تربط هذه العلاقات جميع المشاركين في إنتاج السلع والخدمات وتوزيعها.
يحدد التغيير في النظام الاتي: (1) من وماذا وكيف وأين ينتج ؛ (2) مقدار الفائض والربح المتاح ؛ (3) كيف يتم توزيع الفوائض والأرباح
بمعنى التحرك الحقيقي خارج اسوار الرأسمالية اي كسر العلاقة السابقة بين أصحاب العمل والموظفين. وهذا يعني كسر التقاليد ، حيث لا يمكن لجزء صغير فقط من الأشخاص داخل المؤسسة اتخاذ مجمل القرارات.
في الشركات الخاصة ، أرباب العمل هم مجلس إدارة ينتخبهم كبار المساهمين اما في المؤسسات الاشتراكية الحكومية ، أرباب العمل مسؤولون حكوميون.
يؤدي تغيير النظام إلى علاقات أخرى بين أصحاب العمل والموظفين حيث يتم تنظيم مجموعة خاصة من العمال من مصنع أو مكتب أو متجر والتي تتخذ القرارات على أساس المبادئ الديمقراطية.
في هذه الحالة ، تنطبق القاعدة "عامل واحد - صوت واحد" ، ويتم اتخاذ جميع القرارات على أساس رأي الأغلبية عندها يختفي التمييز بين أصحاب العمل والموظفين.
تستهدف هذه التغييرات جوهر النظام وتختلف اختلافًا كبيرًا عن الية استبدال المديرين الخاصين بأخرين حكوميين ، كما يحدث عند الإصلاحات. هذه التغييرات البنيوية تؤدي إلى دمقرطة الوظائف. في هذه الحالة لم يعد منطق إدارة النظام الاقتصادي يركز على رأس المال ، وتتخذ قرارات الإنتاج والتوزيع على أساس مبادئ أخرى.
تتغير العلاقات الأساسية الخاصة بالرأسمالية ، على سبيل المثال تغيير العلاقة بين السيد والعبد في ظل نظام العبيد ، أو العلاقة بين السيد والعبد في ظل النظام الإقطاعي. يجب أن تكون علاقات ما بعد الرأسمالية ديمقراطية ، لصالح العمال الذين يعملون في اجواء تعاونية منسقة ومتساوية
بالنسبة للاقتصاد القائم على تعاونيات العمال الديمقراطية ، فإن العمالة المضمونة ونوعية الحياة بالنسبة للعمال والعلاقات داخل المؤسسات أكثر أهمية من الأرباح. نظرًا لأن العديد من الأشخاص سوف يشاركون في اتخاذ القرارات المتعلقة بالإنتاج ، فإن مجتمع ما بعد الرأسمالية سيتطور وفق مسارات مختلفة تمامًا عن الرأسمالية.
تقوم تعاونيات العمال الديمقراطيين بما يلي: (1) عدم نقل الوظائف إلى الخارج (2) توزيع الدخل بشكل أكثر توازنا (3)ضمان اقامة عائلات العمال بعيدا عن اماكن العمل المصاحب لتلوث بيئي ، إلخ.
عند حل مشكلة انخفاض الدخول ، فمن المرجح أن تعمل تعاونيات العمال على تقليل ساعات العمل وعدم فصل العمال القسري.
إن اللاعقلانية الاجتماعية للأزمات الرأسمالية هي عندما يعيش العاطلون عن العمل إلى جانب وسائل الإنتاج غير المستخدمة مما يترك الاحتياجات الاجتماعية والانسانية في مهب ريح العوز والحرمان لكنه يشكل دافعا لاستنطاق ضمير المجتمع
في الاقتصاد المبني على تعاونيات العمال - وعلى عكس الرأسماليين (الأقلية الاجتماعية)- سيتم التعامل مع توزيع أرباح الإنتاج عن طريق هياكل ديمقراطية حقيقية ، على أساس رأي الأغلبية. التعاونيات العمالية هي تقدم نوعي وكمي مقابل الرأسمالية. إنها تمثل تغييراً في النظام من أجل حل مشاكل الرأسمالية المدمرة التي لم تتمكن الرأسمالية –نفسها- من مواجهتها لعدة قرون