افكار ثائرة على دكتاتورية التعليم
محمد وهاب عبود
2019 / 6 / 3 - 23:54
غادر الأكاديمي فرنادسكي الحياة تاركا مقولته الشهيرة : "إن تاريخ العلم بأكمله في كل خطوة يدل على أن نتاجات الأفراد الشخصية والذاتية كانت أكثر صحة في بياناتها من جمعيات العلماء أو مئات الاف الباحثين الذين يحملون وجهات نظر مهيمنة وينتمون الى مؤسسات رسمية او شبه رسمية
الفكرة الأساسية والابداعية لطالما تشرق من رأس شخص واحد وليست نتيجة لجهود جماعية. وغالبا ما يكون هذا الشخص ذاتيا ومستقل فكريا
هل يمكننا ان نفهم من ذلك أن الأكاديميين واساتذة الجامعات أنفسهم يعرقلون التقدم العلمي؟ الاشكالية الرئيسة بالنسبة للأكاديمي هي عدم وجود الحرية. العلماء في عصرنا ملتزمون بقواعد المنظمة/المؤسسة التي يعملون بها. وكما أشار بول إيرليك ، الحائز على جائزة نوبل: "العلم طائر حر إنه لا يغني في قفص"
نأى الكثير من الأكاديميين والأساتذة بانفسهم عن النشاط البحثي الذاتي والجهد المختبري وانشغلوا بفعل اشياء ثانوية لا تطرح افكارا تقدمية , تم وضعهم في اقفاص جامعية محوطة بانظمة وقواعد معدة من قبل وزارة التعليم التي تدعي اعداد المواهب الطلابية الناشئة. مؤسسات صار العالم فيها موظف والطالب مجند الزامي ينتظر بلهفة قرار التسريح من الخدمة.
السؤال المحوري اليوم هو لماذا يتمتع مشاهير الرياضة بالتقدير والاهتمام العاليين وليس لديهم العلمية الكافية؟ بينما نرى ان العلماء وانجازاتهم لا تحظى بذلك القدر من الاهتمام
في مختلف المجالات الصناعية ثمة أعمال حرة. لماذا لا يوجد مثل هذا العمل العلمي الحر في مجالات العلوم؟ لا سيما بالنسبة للإنسانيات فليست هناك حاجة إلى المختبرات أو المعدات. بالنسبة للباحث في العلوم الانسانية والاجتماعية يكفي وجود قلم وورقة فقط..
هل يجب تعيين عمل للمتخصصين؟ من المفارقات ان شواهد التاريخ تدل على ان الكثير من غير المتخصصين افضل من المتخصصين وتعاملوا بشكل افضل مع المهام ونظموا ووظفوا المنجزات العلمية بطريقة مثلى . اما هنري فورد فيقول اذا فهمت نقاط ضعف المتخصصين تستطيع تدمير خصمك الذي يملك جحافل من الاكاديميين.
سؤال اخر, لماذا يوجد لدى وزارة العلوم قسم لتصديق شهادات العلماء ، ولا يوجد قسم لإيجاد مصادر جديدة للعلماء؟ فمن المنطقي والاجدر أن تبحث الوزارة نفسها عن مصادر جديدة للعاملين العلميين.
كم من الوقت تنفق الوزارة للبحث عن المواهب تحت المصباح الجامعي ، وإلى أي مدى يمكنها التركيز على الأكاديميين والأساتذة ، وكم من الناس الذين لديهم الرغبة الجامحة لتعليم انفسهم بانفسهم لكن نظام التعليم يطفئ رغباتهم؟
إذا كانت الرياضة منخرطة في البحث عن الاحتياط والمورد ، فإن المتعلمين ذاتيا ليس لديهم مثل هذه الاشكالية, إنهم على العكس منتجون للاحتياطات والموارد وليس مستهلكوها..
أصبح مجتمع الأكاديميين والأساتذة مجتمعًا من الخبراء ، عيون هذا الاستاذ على ذاك الاستاذ يرقبه ويترصده بالقول والسلوك خارج الاطر العلمية اما المتعلمون الذاتيون همهم توليد الأفكار. فالمجتمع لايأبه بمن كان صاحب الفكرة المثمرة والمبتكرة سواء كان أستاذ أو ميكانيكي
ان وعي الإنسانية ظهر قبل 40 ألف سنة كما ان تاريخ البشرية هو موجة من التوسع في الوعي. المجتمع ينبغي ان يأتمر بنظام علمي ، لكن يجب الاعتراف بأن هذا النظام لم يتحقق..
لا تقوم وزارات التعليم العالي بمراجعة الفكرة المقبولة او المقولبة حول أشكال تنظيم العلوم ، ولا تبدي تفهماً وإعادة التفكير في هذه الأشكال ، ولا تبحث عن احتياطيات وموارد علمية داخلية و دائمة
يجب السعي وراء السبب العميق الذي يعيق تحقيق تقدم في العلوم ليس وفقا لتبريرات الأكاديميين والأساتذة ، ولكن على المستوى الافقي المتمثل بالقواعد والهياكل البنوية. فلا يمكن حل المشكلة المطروحة في نظام معين بأدوات نفس النظام القائم . فإن أعمق سبب-برأينا- لمنع حدوث طفرة في العلوم هو تجاهل مسألة التعليم الذاتي المستقل لعشاق هذا الميدان وعدم وحصر مجال العلم والمعرفة في اطار مؤسساتي بيروقراطي منشغل بامور هامشية لا مركزية .
منطق الدولة والمجتمع السائد: الطالب الذكي والنابه هو الذي يحصد أعلى الدرجات ويلتحق بأفضل الجامعات. وهو في الحقيقة معيار خاطئ اثبتته التجارب التاريخية الفعلية لعدد كبير من العباقرة منهم من حصل على جوائز نوبل في مختلف الفروع، هؤلاء اختلفوا في تجاربهم وتخصصاتهم واتفقوا على عدم تحملهم لاجواء المدرسة والجامعة والخروج منها في مبكرا، وعلى الرغم من ذلك طوروا قدراتهم، واستغلوا ملكاتهم، فسجلوا أسماءهم في التاريخ بحروف من نور، واستحقت تجاربهم ان تكون نموذجاً للاجيال .
ويجب ألا يفهم من ذلك أن التمرد على المدرسة سبيل للتفوق والعبقرية، فالتعليم لايزال أول أساليب الترقي الفكري والاجتماعي، لكن ما يتلقاه الشخص في المدرسة لا ينبغي أن يكون كافياً او طريقا واحدا لاثبات علمية الشخص، فالحياة مليئة بمدارس أخرى غير نظامية تخرج فيها العلماء والعباقرة والمبدعون من بينهم اينشتاين , شكسبير , طاغور , تولستوي , برناردشو , والقائمة تطول ..