سايكولوجية النقص وهستيرية الجماعة
محمد وهاب عبود
2019 / 5 / 21 - 21:04
ثمة نموذجًا في الدراسات الفلسفية والنفسية مثيرًا للانتباه ويكشف أوجه التشابه بين سلوك الحكومات الاستبدادية وبين نهج الجماعات والطوائف الراديكالية ، سواء الدينية أو "الثورية"
هذا النموذج يطلق عليه "سيكولوجية العجز/النقص".
وسط هذا المفهوم يضع الافراد أنفسهم في عالم يعتقدون -في كل لحظة- ان البقاء فيه يعتمد على القدرة الكاملة لانتهاز جميع الفرص والامكانات المتاحة لتصفية الخصوم والأعداء من منطلق :.
اولا, الاعداء يحيطونا من كل جانب
ثانيا. الخطورة تكمن في كل شئ
ثالثا, لا شئ يكفينا
تقسيم الناس الى عدو مطلق وصديق مؤقت والمحايد في وقت الازمة عدو محتمل
انشطتهم تتوجه نحو التكتيكات بدلاً من الاستراتيجية (من المهم تحقيق الهدف الآن ، وما سيحدث بعد ذلك يعد هامشيا). هذه الحكومات , الجماعات, الاحزاب لا تخشى إفساد العلاقات مع الاطراف الأخرى بمجرد تقاطعت معها بوجهات النظر.
تتبع طرق تفاعل واساليب تواصل "رخيصة" مع الاخر: الخطاب العدائي المغلق ، الكراهية كدافع اساسي للاعضاء ، التسلسل الهرمي داخل الهيكل التنظيمي (غالبًا ما يكون غير رسمي ، أوبزي الرسمية) ، فكرة المغالاة في افضلية المجموعة ، التفكير الأسطوري/الميتافيزيقي المرتكز على البطولات والمصير.
هذه أدوات سهلة الاستخدام وسريعة الاستجابة ،وتعمل بشكل فعال من منظور تكتيكي وليس استراتيجي الذي يهدف الى تطوير وإعادة إنتاج مجتمع طبيعي تعاوني متكامل تسوده قيم الحرية في الرأي والعمل وفقا للامكانات الفردية والطموحات الشخصية.
تعيش هذه المجموعات غالبًا في حالة انتظار"الختام" ، فعندما تحين "الساعة" ، سينال اعداؤهم الجزاء من جراء "انحراف اراءهم ومواقفهم وسلوكياتهم" اما هم فسيقفزون من "اللاشئ الى كل شئ"
وبعبارة اخرى ليست انتظارا في حالة سكون وانما يسبقه توجيه كل طاقاتهم وقواتهم لابادة المغاير او المختلف باساليب قد تختلف من طرف الى اخر لكن الهدف واحد, هو ان هؤلاء الخصوم "الزنادقة, العابثين, المندسين, المحرضين" لا قيمة لهم .
سايكولوجية العجز لديها ديناميكية " تحقيق الذات" (حلقة ردود الفعل المُستَلذة). يعني أنه كلما تحقق ذلك الشعور وتقوى انتج ظروفا اخرى طلبا للتعزيز والديمومة. السوء يكمن في ان هذه الحلقة الشعورية على المدى الطويل تزداد سوءًا (هذه الالية صُممت لكي تعتاش الجماعة , الدولة , الشخص, على الازمة في سبيل البقاء على قيد الحياة ، وليس التنمية طويلة الأجل). بعدها سيتم تدمير كل شئ، وتبدأغالبية الناس باتخاذ موقف العداء من هذه التدهورات وهذا من شأنه ان يدفع المجموعة الى الاتحاد واستخدام اساليب وحشية ونهج رخيص ضد المعارضين, وتبدأ عندهم دائرة العجز النفسي بالتوسع.
تتعاظم المخاوف وتنمو التحديات لديهم نتيجة اتساع الجبهة المناوئة لهم, فتظهر الانشقاقات بين صفوفهم وتستشري حالة تمرد الاعضاء الكبار وهروب الصغار حينها تنشأ ظاهرة الفزع من "المؤامرة" فتتخذ المنظمة,حزب, دولة جملة من الاجراءات العقابية الصارمة بحق "عصاة القائد" و"الخونة" ومنتهكي المبادئ الاساسية ويتم تطبيق العقوبات بلا رحمة.
هذه الجماعات تقوم بعمليات تطهير دورية للاعضاء المشكوك بولائهم وهذا يخدم غرضًا مزدوجًا , فهو ، من ناحية ، يعزز المجموعة ويوجه مشاعر الغضب للعدو الاقرب"الخائن" من ناحية أخرى ، يحافظ على الانضباط ضد التصرفات الاستفزازية من قبل بعض الاعضاء ، كقاعدة عامة ، يتم تعيين الأكثر موثوقية ، أو أولئك الذين تصدوا للعصيان.
قادة هذه المجموعة هم نرجسيون مستبدون/ ديماغوجيين اكفاء, يمتلكون قدرات عالية على التلاعب , يجيدون اللعب على اوتار النفس البشرية بذكاء ويمتلكون رؤية حادة للتبعات يماروسون الكذب الفاضح لتجنب تشتت "القطيع" الذي يقوم بزجه في نزاعات داخلية وخارجية مع العالم بحيث يصبح من العسير على احد الاعضاء الانشقاق لانه لم يتبق لديه مكان يأويه.
تلعب قيادات هذه المجموعات,احزاب , دول, دورا هاما, يتمثل بالحد من تواصل أعضائها مع العالم الخارجي او مع جماعات اخرى, وفي نهجهم فان التواصل مع الاخر قد يعني تواطؤا ويجر صاحبه الى افسى العقوبات, كما لا يتم تشجيع الاعضاء على تلقي معلومات جديدة او ممارسة القراءة.
من الخارج يبدو أن جميع أعضاء المجموعة في حالة هستيرية مستمرة حيث تؤثر آليات مثل هذا السلوك على الجانب الغرائزي(الأشخاص الذين يعانون من سايكولوجية النقص يدركون جيدًا رد الفعل الشعوري من "القتال أو الحماسة الهستيرية) لديهم خبرة عاطفية للغاية ويجلب لهم هذا نوعًا من المتعة ، على غرار النشوة أو الغيبوبة. يرغبون بشدة لتكرار هذه المتعة ، اذ يبحث "مستخدمو" سيكولوجية العجز عن مواقف جديدة يمكنهم من خلالها تجربة أحاسيس متشابهة.
في جميع المجتمعات التي تستخدم علم نفس العجز كإستراتيجية تنموية ، تكون النهاية دائمًا مؤسفة: الانهيار والدمار. في الواقع ، إنهم يبددون قوة وجودهم دائمًا على شكل طوائف متناهية الصغر: قائد ، شخص أو شخصان مقربان منه ، وكتلة ضخمة رئيسية تابعة سوف تشعر بالخيبة النفسية وفقدان الامل عاجلا ام اجلا, والحين او بعد حين سوف تتضاءل هذه الكتلة بعد نضجها وتلقيها درس المأساة في الحياة وسينكشف زيف المسميات من قبيل "منقذ الامة" و "القائد الضرورة" وما شابه ذلك.