-قانون جنسية جديد-، ام تحويل العراق الى باحة خلفية لايران؟
نادية محمود
2019 / 3 / 18 - 09:46
اثارت التعديلات المقترحة على قانون الجنسية العراقية الجديد هذه الايام ردود افعال ساخطة وواسعة. لكن قبل الخوض في مناقشة هذه التعديلات واسبابها، اود التأكيد على اعتقادي الراسخ، كشيوعية، بان الحدود بين البلدان يجب ان تزال، وان تكون الكرة الارضية مكانا للجميع، لان الحدود مصطنعة، ويجب ان تمنح حرية التنقل بين بلد واخر بحرية مطلقة. فالحدود لم اضعها انا وانت، بل وضعتها الطبقات الحاكمة ودول استعمارية لتقسيم البلدان والمصالح فيما بينها، و لا مصلحة لنا في هذه الحدود، بل دفع العمال والكادحون والمحرومون على هذه الحدود في ارجاء العالم المختلفة الدماء تلو الدماء من اجل مصالح البرجوازيات والطبقات الحاكمة. في مجتمع يرفل بالحرية والمساواة، مجتمع اشتراكي، يعطى حق المواطنة لكل من يتعهد بالقيام بشروط المواطنة، لا اكثر ولا اقل.
الا ان التعديلات الاخيرة لقانون الجنسية في العراق والذي يتيح تجنيس من أمضى عاماً واحداً في العراق أو من تزوّج عراقية، أو الذين يقدمون ما يثبت أنهم من أصول عراقية هي امر اخر يختلف كليا عن المبدأ الانساني الذي تحدثت عنه اعلاه، وفي الحقيقة لاصلة بين الاثنين.
السؤال الذي يجب ان يطرح هنا: لماذا اهتمت الحكومة العراقية بقضية منح الجنسية العراقية "للاجانب"، وطرحتها الى البرلمان لمناقشتها؟ هل طالب احد في العراق مثلا، جماهير البصرة وبغداد، والمسيب التي تتظاهر ل15 اسبوع من اجل الماء، بامر منح الجنسية للاجانب. ان قائمة المطاليب التي تتنكر السلطة لها وترد عليهم بالنار والحديد هي طويلة بما لاحدود له. هل يخطر ببال احد مثل هذا التعديل؟ هل هو هم احد، قضية احد، موضوع احد؟ قضية من هو اذن، ولماذا يطرح ولماذا الان وماهو مصلحته في ذلك؟
ان طرح هذه التعديلات لاياتي الا ضمن مخطط ابقاء العراق في الفوضى وتحويله الى باحة خلفية لايران، باحة مهمة لجعل العراق دمية طيعة بيد نظام الجمهورية الاسلامية في ايران، نظام يختنق بالازمات الداخلية التي على وشك العصف به وفي صراع اقليمي وعالمي شرس مع امريكا من اجل الهيمنة والنفوذ في المنطقة. لقد جوبهت الخطوة بسخط اجتماعي واسع وادراك واسع لاهداف هذه الخطوة ومخاطرها المدمرة.
اولا، هل هو مطلب احد، مطلب العمال البنغلاديشين او الباكستانيين مثلاً؟ هذا اذا كانت هذه السلطة تسمع للمطاليب الواقعية لملايين العمال "العراقيين"! من الناحية الاجتماعية والمجتمع نفسه، انه موضوع منبثق "من العدم"! انه منبثق من حاجات السير وفق حاجات "ولي النعمة"، لا اكثر!
في واقع الحال يعيش العمال الاجانب في العراق من بنغلاديشيين وباكستانيين حياة عمل مزرية هي اقرب للعبودية منها الى عمل سوي وطبيعي دون ان تحرك الحكومة ساكنا. فهل تيقظت الاخيرة التي لا تلتفت الى هؤلاء العمال- العبيد، لاعطائهم الجنسية العراقية؟ ام ان وراء الاكمة ما ورائها؟
لقد سعى ولازالوا، وعبر اكثر من ثلاثة عقود، العراقيون الى طلب اللجوء الى بلدان اوربا وذلك لتطلعهم لشروط حياة افضل من حيث توفر فرص العمل او ضمان البطالة، احترام لحقوق وكرامة الانسان بشكل افضل، وجود خدمات، وشروط حياة افضل. ولكن مالذي يتوقعه طالب "مواطنة" في العراق - ان كان هنالك اي طالبين على الاطلاق-؟ لبلد يعيش اكثر من ربع سكانه تحت خط الفقر، يعانون من عدم وجود فرص عمل، ناهيك عن عدم وجود اية ضمانات للبطالة، ولا يوجد كهرباء وماء، ويعانون من سوء وتدهور التعليم، وسوء وتدهور الخدمات الصحية، وبلد تغرق شوارعه مع اقل زخات مطر، ويعاني من ازمة سكن، ورقعة العشوائيات بدأت تتسع بسبب هذه الازمة، فلأي شيء يتطلع "الاجانب" ليكونوا مواطنين في هذا البلد؟ والحكومة التي لم توفر لمجتمعها اي من هذه الخدمات الاولية، كيف تلتفت فجأة لتبحث عن اعطاء حقوق لـ"الاجانب" وتسهل عليهم شروط استلام الجنسية؟ اين واية فرص عمل ستتوفر لهؤلاء "المواطنين" العراقيين الجدد؟
نحن نعرف ان الدول تلجأ الى سياسات من هذا القبيل، "تسهيل تجنيس الوافدين"، نظرا لحاجتها لايدي عاملة، اذ حين فتحت المانيا حدودها في نهاية الحرب العالمية الثانية للعمال الاتراك، كانت بحاجة الى قوة عمل رخيصة من اجل اعادة اعمار المانيا؟ او حين حددت استراليا عامين للحصول على الجنسية، لانها كانت بامس الحاجة الى ايدي عاملة في قارة جديدة، فلاي شيء ستحتاج الرأسمالية في العراق لهذا التعديل؟ لتنشيط الانتاج، لزيادة الانتاج مثلا؟ ام لاي شيء؟
ما ان طرح قانون الجنسية الجديد، حتى ادرك الجميع، وعن حق، بان هذا التعديل مصمم لمصالح الجمهورية الاسلامية. لماذا الان؟ لماذا اعقب زيارة روحاني الذي دخل للعراق لا كبلد، بل كباحة خلفية، لايتبع اي اعراف دبلوماسية، من المطار يزور الامام الكاظم مباشرة دون ان يستقبله مسؤولاً حكومياً عراقياً، في سابقة لها معاني ودلالات واضحة، ويعقد اجتماعات موسعة مع شيوخ العشائر الحلة وكربلاء والنجف و... ؟!
يجب ان يكون واضحاً للجميع ان كل القرارات والقوانين والمشاريع والبرامج التي طرحت من قبل كل التيارات السياسية والمليشياتية الحاكمة منذ 2003 لاربط لها بادارة المجتمع وتسيير حياة مجتمع عادي، كلها اتخذت في سياق صراعها السياسي من اجل تثبيت كل منها لسلطته ونفوذه وثروته واتساعها. اي موضوعة حسم كل طرف للسلطة لصالح تياره (ومن يقف وراه من قوى اقليمية وعالمية) وليست من اجل السهر على تلبية حاجات الجماهير. وتاتي هذه الخطوة في هذا السياق حصراً.
انه عمل سياسي على وجه الخصوص لتقوية يد ايران و"اياديها" في العراق وسلطة احزاب الاسلام السياسي الشيعي الذي يرى كل يوم وكل ساعة مدى النقمة الجماهيرية من قبل المواطنين على حكمه. يوفر التعديل فرصة لها لضخ قوى مؤيدة لها من خارج الحدود، من مواليها الطائفيين في ايران ولبنان وسوريا والبحرين واليمن و... غيرها قوى لا تمت لواقع اجتماعي ولا اقتصادي ولا سياسي في العراق لدعم وجودها ووجود السلطة الراهنة ورسوخها، وتكون سنان حربة موجهة ضد الجماهير في العراق والمنطقة كذلك، موالون، وبـ"جواز سفر عراقي"، يمكن اطلاق اياديهم في التحرك الحر في بلدان اكثر واكثر في المنطقة او غيرها، ودفع مصالح "الهلال الشيعي" المعادي للجماهير في المنطقة. "مواطنون" لايحتاجوا الى ان يعملوا، فاي عمل في العراق؟! يمكن تامين معيشتهم بالف طريقة وطريقة، واولها تجارة المخدرات، مليشيات تدفع رواتبها السلطة الطائفية في بغداد. قوى هدفها ترسيخ سلطة الاسلام السياسي "الشيعي"، مستعدة لاي شيء، لان تكون مليشيات، "بلطجية"، "مصوتين في الجيب لولي نعمتهم" في مهازل الانتخابات "المهجورة"، كاسرو اضرابات و..غيرها.
اناس يتركوا بلدانهم ليس من اجل فرصة عمل- ليعودوا لبلدهم لاحقا- بل سيكونوا "مواطنين" يجري استخدامهم ضد العراقيين، كما فعل صدام حسين حين استخدم مجاهدي خلق لضرب الانتفاضة في العراق. الا ان صدام استخدمهم، ولم يمنحهم الجنسية العراقية. الاحزاب الاسلامية الشيعية الموالية لايران تريد مواليهم في ايران والمنطقة يقومون بتنفيذ اجندة ايرانية باعتبارهم "مواطنين عراقيين"!!
اي قريحة تفتقت عن هذه الفكرة؟ سيأتي اعضاء حزب الله اللبناني والحرس الثوري الايراني والحوثيون من اليمن ليصبحوا مواطنين عراقيين لتنفيذ اجندة سياسية للسلطة الحاكمة وتحديدا احزاب الاسلام السياسي الشيعي. ان التعديلات القانونية المقترحة هي لتقوية سلطة احزاب الاسلام السياسي الشيعي واحاطتها بجيش عقائدي شيعي من مواطنين اكتسبوا الجنسية العراقية، لقمع كل معارض لاحزابها ولسلطة ايران في العراق.
من هنا، ان التصدي لهكذا مشاريع قانونية، عمل سياسي في غاية الاهمية، وقد عبر المواطنون العراقيون عن موقفهم منه عبر وسائل الاعلام الرسمي ووسائل الاعلام الاجتماعي، وهو الرفض التام والكامل لهكذا قوانين، لن تفعل سوى الاسهام باحداث المزيد من التدهور في حياتهم، في حين ان كثير من القوانين مركونة على رفوف البرلمان ولم تمتد اليها يد مثل- على سبيل المثال- قانون مناهضة العنف المنزلي ضد المرأة. ان هذا القانون هو لتلبية مصالح نظام الجمهورية الاسلامية في البدء والخاتمة، ويعمل على تحويل العراق الى باحة خلفية لايران عبر ممثليها والمدافعين عنها من الاحزاب الاسلامية الشيعية.