22 فيفري .. الجزائري يستفيق أخيرا
مولود مدي
2019 / 2 / 25 - 18:51
أخيرا كسر الجزائري حاجز الخوف الذي صنعه النظام ، بمظاهرات مليونية طالبت بإزالة نظام بوتفليقة ورفض ترشّح هذا الأخير لعهدة خامسة، في جريمة ضد الوطن قبل أن تكون ضد الدستور وحتى ضد العقل والمنطق، المظاهرات شهد لها القاصي والداني وحتى السلفي الذي اصبح اليوم يعترف بأن لديه وطن، أنها كانت سلمية وحضارية لأبعد الحدود، فلم نسمع عن نهب او اعتداءات او أي خروقات من المتظاهرين، الجميع كان مشغولا بإعادة الكرامة لنفسه ولبلده، لقد سحق الشعب ودمّر تلك الصورة المخزية التي رسمها بوتفليقة وحاشيته وحاول تسويقها في الداخل والخارج، عن أن الجزائري، فرد متخلّف ومتوحش لا يستطيع ان يمارس السياسة وأنه مواطن قاصر يجب ان تُمارس الوصاية عليه.
لقد جعل هذا الحراك الشعبي كل جزائري سواء شارك او لم يشارك، مواطنا ام مغتربا، فخورا بجزائريته بعد أن كانت البلاد عبارة مضحكة عالمية في وسائل الإعلام العالمية ، فمنبع الحراك كان الحس الوطني والوعي بأن البلاد تسير نحو الهاوية، وأن هناك خيانة لتضحيات الشهداء، هذا ما أيقض الشعب، أسباب الحراك لم تكن فقط المطالبة بعدم ترشح رئيس غير قادر على تحريك يديه، أو اقتناع بأن هذا الرجل هو مجرد واجهة تستعمل لتكريس الفساد وسياسة اللاعقاب ودولة اللاقانون، لقد رأينا وعيا سياسيا بين المتظاهرين وحضارية صدمت كل من كان يعتقد أن هذا الشعب لا يهمه من يحكم ولا يحكم، لقد رأينا شعارات سياسية بإمتياز كالتنديد بالفساد وسوء التسيير وخرق الدستور الذي صاغه النظام بنفسه.
صلاح باديس ، المولود عام 1994 ، الذي انضم للمظاهرة بعد شيء من التردد يصرّح قائلا :"لا أعرف من دعا إلى هذه المسيرة ، لكن الشيء الوحيد الذي أنا متأكد منه هو أن الجزائريين احتاجوا لعشرين سنة لتدمير جدار الخوف والعودة إلى الشارع ، وعشرين سنة حتى يرفضوا هذا الكمّ من الإهانات التي تصبح ثقيلة جدا على ظهورهم. "
هذا النظام نسي أن الجزائريين شعب صبور، ولكن هذا لا يعني أنه سيقبل بكافة صنوف القهر والظلم و أكل أموال الناس بالباطل الى أن يرث الله الأرض ومن عليها، من أين له تلك السلمية والوعي السياسي، بالرغم من عقدين من تغييب النخب وسجن واعتقال الصحفيين و سياسة تجهيل متعمدة بالسماح بنشر الفكر الخرافي بين الشعب و تغييب كافة النقاشات السياسية والاجتماعية لصالح النقاشات الإسلاموية والهوياتية والجهوية؟ لقد تشكلت هذه الحضارية وهذا الوعي بسبب الصبر الطويل و بسبب مأساة الحرب الأهلية التي أشعلها النظام لمدة عشر سنوات، ان هذا الشعب، يعيد الى الأذهان ما حققه اجداده الشهداء، وكيف صبروا وثابروا و تشكل وعيهم السياسي فأخرجوا ثورة أصبحت مصدر الهام لكل ثوّار العالم بالرغم سياسات الاستدمار الفرنسي على كافة الأصعدة والتي يحاول نظام بوتفليقة تكرارها واعادتها الى الواجهة.
هذا الحراك الشعبي، جاء بسيل من النتائج غير المتوقعة والتي لا يمكن تجاهلها، وأرى أن أبرزها ؛ التمرد على الدجل الديني السلفي الذي ارادت السلطة نشره في المساجد، المناطق الحساسة في الجزائر، تلقت تعليمات من وزارة الشؤون الدينية ، بإلقاء خطب حول "طاعة الحاكم" ، فكان الرد سريعا، تمثّل في خروج المصلين من المساجد، لأنها تحولت في نظرهم الى أوكار لتبرير الظلم بغلاف الدين، السلطة لا زالت تظن ان الجزائري غبي لكي يستسلم لهذا الخطاب "الاموي" وفي واقع الأمر، الجزائري مقتنع بأن أبرز صفة كرّسها النظام طوال فترة حكمه هو ظلم في ظلم، فأي دين هذا يحث الناس على الصبر على الظلم والسكوت عليه؟ .. هذه نقلة نوعية جدّا لهذا الشعب، تبشر بنهاية الخطاب السلفي المضحك الذي لا يخدم لا الدين ولا الشعب، بل يخدم فقط القوي ويسحق الضعيف، فليذهب خطابكم الأموي الى مزبلة التاريخ دون رجعة، عليكم أن تفهموا بأن الخطاب الوعظي لن ينفع في ثني الشعب على المواصلة في نضاله السلمي والمشروع الذي اطلقه في 22 فيفري، والتاريخ سيذكر من كان في صف الشعب ومن كان ضدّه، وعندها لن ينفعكم وعظم ولا سلفيتكم من غسل عاركم.
ماذا عن الإعلام الجزائري؟ انتشرت عشية المظاهرات، عبارات "اعلام العار"، وهي عبارة تظهر مدى التعتيم الممارس على المظاهرات من طرف اعلام السلطة والخاص أيضا، فلا يخفى أن من نقل اخبار المظاهرات ، كان الإعلام البديل المتمثل في الفيسبوك والتويتر، والاعلام الاجنبي وبالضبط الفرنسي، وهذه بالمناسبة فرصة جيدة لمعرفة من يقف الى صف الشعب، ونسف الأكاذيب التي كان يسوقها الاعلام الخاص بأنه ينقل الاخبار الى الجزائريين بصدق ومصداقية، المضحك في القصة هو ان النظام الجزائري مستعد لإظهار نفسه انه لا يريد ان يتعلم من أخطائه وجرائمه وغبائه أيضا، فعمد الى التشويش على شبكة الانترنت وقطع شبكات الهاتف، وظهرت ان هذه الممارسات كمثل من يريد ان يزيد البحر ماءا.
الجزائريون أمام فرصة مواتية لتحقيق الإنتقال الديمقراطي السلمي، واولى خطواته؛ تشكيل جبهة وطنية شعبية تضمّ الجميع احزابا ومستقلين، من كافة الاتجاهات الايديولوجية، وان يكون المطلب هو تغيير النظام، بالانتخابات .. يجب أن لا نكرر الحماقة الاخوانية في مصر، أين تم تقسيم الشعب المصري الى مؤيد للإسلاموية وأخر معادي لها، يجب على أحزاب المعارضة أن تذوب مباشرة في الحراك الشعبي، وهذا هو القرار الذي سيمكّنها من كسب ثقة الشعب، وعليها ان تنسى تماما ذلك الوهم بأنها قادرة على تطويع المظاهرات لصالحها، لان الشعب خرج بدونها أصلا، وهو عازم معها او بدونها على كنس النظام، وقد يقول قائل ان الانتخابات ستكون مزورة ومحسومة لصالح النظام، وانا أرى بأن هذا القول صالح لفترة ما قبل 22 فيفري ، من هذا التاريخ لن يتكرر مشهد الانتخابات المعتاد و المخزي، وان لم نستغل هذا الحدث سنفوت فرصة لن تعوض لاجتثاث العصابة، الانتخابات يمكن ان تكون الوسيلة الفعالة، ان عزمت الارادة الشعبية على مراقبتها ومنع التزوير، الارادة الشعبية هي الفارق، وهذا الخيار ليس طوباويا على الاطلاق، فهناك بلديات عديدة من منطقة القبائل، أيام الانتخابات التشريعية، قام مواطنيها بفرض الحراسة والمراقبة على صناديق الاقتراع وتم منع اي محاولة تزوير لصالح الحزب الحكم.
وفي الختام، نطالب الشعب بتكثيف الضغط على العصابة، فهي الان في حالة ارتباك، واعلامها بدأ يسقط ويتداعى، بجملة من الاستقالات للكثير من الاعلاميين، ويجب ان أشير الى نقطة مهمة جدّأ، يجب ان لا تحصر المظاهرات في مطلب واحد، وهو رفض العهدة الخامسة، هذا انتحار للحراك الشعبي، والتفاف عليه، لأن هناك من في السلطة من يريد توجيه الضغط الشعبي في هذا المنحى، والا فلنستعد لعقود أخرى من الفساد والرداءة والظلم.