5 مغالطات منطقية لازالت تسيطر على النقاشات العلمية والدينية
مولود مدي
2019 / 1 / 22 - 08:54
المغالطة المنطقية هي في الأساس خطأ في الاستدلال. أن تحاول ان تستخرج نتائج صحيحة وأصلا مقدّمات قضيّتك بالأصل خاطئة، أكثر من يلتفت الى هذه المغالطات هم العلماء سواء فلاسفة او مختصين بأحد الفروع من العلوم التجريبية وخبراء النفس، ومع ذلك، أشار احد الكتّاب وهو أشار ستيفن نوفيلا ، إلى مجموعة متنوعة من هذه المغالطات في كتابه الذي يستحقّ القراءة "دليل المتشككين إلى الكون". والذي شرح فيه خمس أنواع من المغالطات المنطقية ، إلى جانب تعريف لها وبعض الأمثلة عليها :
-1 الحجة من السلطة (Argument From Authority) : وقد سبق وان أشار اليها الأديب والناقد الفرنسي "أناتول فرانس" بمقولته الشهيرة : اذا قال خمسون مليون شخص مقولة حمقاء فهي لا تزال مقولة حمقاء !. فلا يعني مجرد كون مجموعة كبيرة من الأشخاص تعتنق وتتمسك بقضية معيّنة يدل على أنها صحيحة بالضرورة. لتأكيد أن شيئًا ما حقيقيًا لأن السلطة تقول إنه صحيح ، فهذه مغالطة منطقية، وهذا ليس بدليل عل صحة قضيتك، ومع ذلك ، في كثير من الأحيان يسيء الناس إساءة استخدام "الحجج من السلطة" لرفض حقيقة علمية قوية، وفي الوقت الحاضر ، الكثير من المجتمعات ترفض حقيقة أن الانسان العاقل "الهومو سابينس" خضع لعملية التطوّر، ومع هذا يرفض الكثير من المتدينين هذه الحقائق سوى لأنهم مطمئنين أن الكثير من الأشخاص يرفضونها أيضا لأنهم يعتقدون أنها تخالف معتقداتهم، نفس الأمر يحدث مع نظرية الانفجار الكبير، هذه كلها حقائق علمية اعترفت بها منظمات علمية بارزة ومختصة وتعتمد على جبال من الأدلة .. الفقه الإسلامي يتضمّن أيضا هذه المغالطة والتي تتمظهر فيما يسميه الفقهاء بـ "الإجماع"، فإن اجمع فقهاء المسلمين على صحة قضية فقهية (فرضا انهم من كل المذاهب رغم أن هذا لم يحدث حتى بين أصحاب المذهب الواحد أصلا)، فهي تبقى صحيحة، والكارثة أنهم نسبوا قولا للنبي محمد يقول مضمونه أن أمته لا تجتمع على ضلال، بينما التاريخ يثبت أكثر من مرة انهم اجتمعوا على الضلال، فقد قتلوا بعضهم البعض، وكفّروا بعضهم البعض، ولحد الان لازالوا يؤمنون بأن هناك شخصية خرافية اسمها "عبد الله بن سبأ" تسبّبت بتفرقة المسلمين الى سنة وشيعة، وفي الحقيقة السياسة والصراع على الحكم والرياسة بين المسلمين هي التي فرّقت المسلمين بالأساس، لكن لا بأس، لا تجتمع هذه الأمة على ضلال !.
هذا النوع من المغالطة يشكّل حيزا كبيرا من استدلالات الناس ويتحكّم في درجة كبيرة في ارائهم, كما يظهر في الأشخاص الذين يفتقرون إلى المؤهلات ذات الصلة أو يكونون مؤهلين في مجال غير ذي صلة بالقضية المطروحة. على سبيل المثال، "لا يوجد الله، لأن ستيفن هوكينغ قال ذلك وهو فيزيائي متمكّن في مجاله" إن مؤهلات هوكينغ في الفيزياء لا تجعل تلقائيا له سلطة على ما إذا كان الله موجودا أو غير موجودا.
-2 الخلط بين السببية و الارتباط (Correlation and Causation).: الارتباط لا يثبت العلاقة السببية، في علم الإحصاء الذي هو أحد فروع الرياضيات، تقوم العديد من الاختبارات الإحصائية بحساب الارتباطات بين المتغيرات وعندما يكون هناك متغيرين متشابهين ، من المغري افتراض أن هذا يدل على أن أحد المتغيرات يسبّب الآخر. إن "الارتباط الذي يثبت العلاقة السببية" يعتبر سببًا مشكوكًا فيه هو مغالطة منطقية عندما يؤخذ حدثان متلازمان معًا لتأسيس علاقة سبب وأثر، كالإفتراض أن A يسبب B ببساطة لأن A يرتبط بـ B لا يتم قبوله في كثير من الأحيان كصيغة شرعية للحجة، فالكثير من المتدينين يرفضون العلمانية لأنهم يعتقدون أنها تؤدي الى الالحاد او ترك الدين، بينما لا يوجد أي علاقة سببية بين العلمانية وتغيير المعتقدات الدينية، العلمانية تشدد على الحرية الدينية، ومنه العلمانية تؤدي الى مجتمعات متعددة دينيا وطائفيا، لكن لا يعني ذلك أن العلمانية تدعوا الناس الى تغيير دينهم، وكمثال أخر، يرى الكثير من الناس ان انتشار السياسات اليسارية في بلد ما يؤدي الى نمو الإلحاد في ذلك البلد، والكثير يستخدم هذه المغالطة لكي يبرر عدائه لليسار، لكن في الحقيقة هذا شخص يظهر جهله بأدبيات اليسار، كما لا يفهم الفرق بين كلمة "يؤدي الى" وبين "يدعوا الى" فيربط اليسار بالإلحاد.
على أي حال، الارتباط هو نوع قيم من الأدلة العلمية في مجالات مثل الطب وعلم النفس وعلم الاجتماع. ولكن يجب تأكيد الارتباطات الأولى في قضية ما على أنها حقيقية، ومن ثم يجب استكشاف كل علاقة مسببة محتملة بشكل منهجي. في النهاية ، لا يمكن استخدام الارتباط وحده كدليل لعلاقة السبب بالنتيجة أثناء الحديث عن العلاقة بين العلاج والمنفعة مثلا ، إنه أحد أكثر أنواع الأدلة استخداما ، لأنه من السهل بل ومن المغري الوصول إلى استنتاجات سابقة لأوانها على أساس المظهر الأولي للارتباط.
-3 الإستدلال عن طريق الجهل (Argument From Ignorance) : أن تحاول إثبات صِحة أو بُطلان قضية ما، وأنت أصلا تجهل طبيعة تلك القضية، ومن صوره أيضا التأكيد على أن الافتراض الذي نؤمن به صحيح لأنه لم يثبت بعد أنه خطأ أو أن الاقتراح غير صحيح لأنه لم يثبت بعد أنه صحيح، وقولنا أيضا "غياب الأدلة في قضية ما هو دليل على غيابها"، الكثير من المتديّنين في نقاشاتهم ومناظراتهم، يقولون مثلا : لم يستطع الإنسان ايجاد الحياة من العدم او اللاحياة، هذا يدل على أن الله موجود. هذه مغالطة منطقية، صحيح أن الإنسان الى اليوم لم يجد طريقة لإنتاج الحياة من "اللاحياة"، لكن هذا ليس دليلا على انه لا توجد مطلقا طريقة تؤدي الى ذلك، ولا هو في نفس الوقت دليل على أننا في يوم الأيام سنتوصل الى ايجاد تلك الطريقة، بل هو دليل على أننا نفتقر الى المعرفى التي تسمح لنا بالقيام بذلك.
مثال أخر، نقاشات المسلمين اللاهوتية، وما يعرف عندهم بعلم الكلام، هذا علم يحاول فيه شيخ مسلم من أحد الفرق الإسلامية اثبات صفة من الصفات لربّه، علم الكلام هذا في الحقيقة ليس بعلم، لأنه يفتقر الى الشروط التي تجعله كذلك، لكن هذا ليس موضوع حديثا، المهم، يدّعي بأن ربّه لديه صفة على شكل كذا وكذا، لكن أقصى ما امتلكه في حجاجه، نص ديني+منطق ارسطوطاليسي، والأعجب من هذا ان المسلمين سفكوا دمّ بعضهم البعض بسبب نقاشات لا يملك أحد الحقيقة العلمية الموضوعية فيها، كل ما امتلكوا فيها هو نص قرأني يحمل الكثير من التأويل والعديد من القراءات، الحكمة تقول أنك ان لم تعرف طبيعة شيء ما فثما يجب ان يتوقّف حديثك، وأن تعترف بجهلك، لكنهم فضّلوا ان يظلموا بعضهم البعض بسبب الجهل، لكن لا غرو في ذلك فحب السيطرة على رقاب الناس والتقرب الى الحكّام كان ديدن أغلبيتهم.
-4 مغالطة المغالطة :( The Fallacy fallacy ) هي مغالطة منطقية تحدث عندما يزعم شخص ما أنه إذا احتوت إحدى القضايا على حجج مبنية على مغالطة منطقية ، فإن القضية بأكملها خاطئة. يمكن الدفاع عن عبارة صحيحة باستخدام منطق كاذب ، لذلك فإن استخدام منطق كاذب للدفاع عن الرأي ليس دليلاً على كون الرأي خاطئًا، كمثال : يقول الشخص (أ) أن الله موجود لأن والديه يعتقدان بذلك، يرد الشخص (ب) أن هذا غير صحيح، لا يعني أن والديك يؤمنان بأن الله موجود يعني انه حقا موجود، ومنه الله غير موجود .. لا يعني ذلك أن الله غير موجود فقط لأن الشخص لديه حجج زائفة للادعاء بوجود الله.
-5 (الاحتجاج بالشخصية Ad hominem) : وتسمى ايضا اللجوء الى التجريح او الشخصنة، فعندما يحاول شخص ما دحض حجة مخالفه، لا يقوم بعرض أدلة علمية موضوعية، او كشف البناء الخاطئ للقضية، بل يذهب الى مهاجمة الشخص، كأن يتّهمه بالكذب أو يعتمد على نقطة ضعف في ذلك الشخص ليستخدمها ضدّه في رفض رأيه وقضيته، وبقليل من المنطق، ستجد مثلا أن ما يسمّى عند المسلمين والفقهاء بالخصوص بعلم الحديث هو بالأصل مغالطة ! فتخيل كيف ان المغالطة مستترة بحيث ان البعض يظنها علماً عظيما شبيه بعلم الصواريخ !. فالحديث يصحح او يكذب بناءا على راويه. فان كان الراوي منا ونثق به، فهو صحيح والا فهو خطأ. يقال ان ابا نؤاس كان من حفظة الحديث ولكن الرواة امتنعوا عن الرواية عنه لانه فاسق...هذه شخصنة. فهم هاجموا شخصه بدل من ما يطرحه من كلام واراء وافكار.
هذه المغالطة يتفرع عنها الكثير من الأنواع، منها مغالطة الشخصية الظرفية( Ad hominem circumstantial)، على سبيل المثال شخص اختار ان يكون لادينيا، فعوض ان نركّز على الحجج التي جعلته يختار اللادينية، فإننا نقول له، أنت اخترت اللادينية لأنك تريد أن تزني أو تشرب الخمر، لأن اللادينية لا تحرّم الزنا والخمر، وهذا تجريح مباشر للشخص واتهام له في اخلاقه، وهذا النوع من المغالطة منتشر كثيرا، كأن نمنع المرأة من المشاركة في السياسة مثلا لأنها امرأة بدعوتها الى البقاء في البيت والاهتمام بأولادها، لا أن نحاول ان نقنعها منطقيا وواقعيا، وهذا النوع من المغالطة مع المغالطة الأولى والثالثة هي اكثر انتشارا، فسبق لي شخصيا ان قرأت احد تعليقات في الفيسبوك و التي شاركت في جدال يخص نظرية التطوّر، فأراد صاحب التعليق البرهنة على خطأ النظرية بالقول "كيف تؤمن بنظرية داروين وهذا الأخير، هو ملحد لا يؤمن بالله؟".
هذا شرح مختصر، لأشهر المغالطات المنطقية والتي أوردها الكتاب الذي ذكرته سابقا، أتمنى أنه ادى الغرض وهو المشاركة في بناء طريقة تفكير صحيحة، لكن معرفة أنواع المغالطات لا تكفي، فيجب الاكثار من قراءة كتب العلم والفلسفة لتطوير تفكيرنا، ومشاهدة الفيديوهات على اليوتيوب التي تتناول المواضيع العلمية والفلسفية، هذا ان أردنا حقّا منع اي وصاية على عقولنا وحياتنا.