بقعة الضوء في تظاهرة الشيوعي اللبناني
سمير دياب
2018 / 12 / 22 - 13:13
انتهى الصمت!
أهمية التظاهرة، أنها قالت "لقد انتهى الصمت"، وأنها أبرزت بشعاراتها نقاط قوتها، لتضيف المشاركة الجماهيرية الواسعة تفلتها من "طابعها الحزبي" إلى "بعدها الطبقي". وهو البعد، الذي يمكن التأسيس عليه، كقاعدة متقدمة، لنزع القناع الطائفي عن الصراع، وتفكيك المعسكرات المختصة بتدريب رعايا الطوائف على الاحقاد وخوض النزاعات والصراعات المسلحة أو المنبرية أو الاعلامية في معارك التوزانات والمحاصصات الطائفية.
شكلت تظاهرة الاحد الماضي، 16 كانون الأول، بدعوة من الحزب الشيوعي اللبناني، بقعة الضوء في هذا السواد السياسي والاقتصادي والاجتماعي القاتم، وتمرين نضالي ميداني لرفع أصوات الجماهير المفقرة، ومطالبها، في بلد تندلع فيه يومياً نيران الفساد السياسي – الطائفي التي حولت الوطن إلى رماد، والشعب إلى هياكل عظمية.
أهمية التظاهرة، أنها قالت "لقد انتهى الصمت"، وأنها أبرزت بشعاراتها نقاط قوتها، لتضيف المشاركة الجماهيرية الواسعة تفلتها من "طابعها الحزبي" إلى "بعدها الطبقي". وهو البعد، الذي يمكن التأسيس عليه، كقاعدة متقدمة، لنزع القناع الطائفي عن الصراع، وتفكيك المعسكرات المختصة بتدريب رعايا الطوائف على الاحقاد وخوض النزاعات والصراعات المسلحة أو المنبرية أو الاعلامية في معارك التوزانات والمحاصصات الطائفية.
لم يقتصر فرح نجاح التظاهرة على الشيوعيين وأنصارهم فقط. إنما، تخطاه إلى تفاعل المشاركين فيها على اعتبارها مظاهرتهم، تعًبر عن وجعهم وصرختهم والآمهم.. فعقدوا العزم والأمل من جديد على تبني طرح الحزب الشيوعي بصفته "حزب الشعب" المؤتمن على حمل قضاياه، بثقة وأمانة ونكران ذات، وبمصداقية أثبتها على مدى عقود زمنية طويلة في النضال الوطني المقاوم ضد المحتل الصهيوني، وفي النضال الوطني الديمقراطي دفاعاً عن حقوق الطبقة العاملة والفئات الشعبية الكادحة. وهو بالتالي، القادر على قيادة حركة النضال الديمقراطي من أجل الانقاذ الوطني.
بالطبع، لم يتعود الحزب أن يتباهى أو يصاب بالغرور بمجرد نجاح تظاهرة، لاعتبار الأمر من صلب مهامه الوطنية. وأي تقصير في ذلك، فواجبه الوطني أن يقدم نقداّ ذاتياً. أو، يتوجب نقده في حال تقاعسه عن القيام بمسؤولياته الوطنية.
ولأن حركة الاحتجاج والمواجهة المتجددة مع السلطة في بداياتها، لكنها غير مشوشة سياسياً. وما يهم الجماهير المفقرة وترتاح لسماعه، أن تبقى هذه الحركة في حالة تصاعدية بسبب مضامينها الطبقية التي تلامس قضاياهم الاجتماعية والاقتصادية المباشرة. وفي قدرة هذه الحركة على النمو واستقطاب العمال والمزارعين والاجراء والمياومين والمتعاقدين والمتقاعدين والموظفين والنساء والشباب والعاطلين عن العمل والطلبة والنقابات.. والانخراط فيها لتشكيل " قوة جماهيرية شعبية" تقول كلمة الفصل في عملية الانقاذ الوطني ضد السياسات النيوليبرالية الظالمة في جمهورية المحاصصات الطائفية، بحكوماتها المتعاقبة، التي تضم مجموعة من كبار الرأسماليين - الاثرياء في العالم.
هؤلاء، تعاهدوا باسم تعزيز السلم الاهلي والتنمية والعيش المشترك،على تنفيذ خطة من باريس 1 الى باريس 4 ( سيدر) على تسليم اقتصاد البلد كلياً إلى الخارج.
هؤلاء، اختلفوا على رهن البلد سياسياً لمحاور الخارج. (ولا يعني هذا أن نظرة الحزب للمحاورالاقليمية والدولية متمائلة. بل، أن مواقفه وادبيات وثائق مؤتمراته واضحة من صراع المحاور في المنطقة، ومرتبطة بمشروع تحرري وطني جذري وشامل.. لذلك فإن التقاطع مع قوى مقاومة الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية وكل اقنعتهم الارهابية.. نابعة من صلب مبادئه وممارساته وتجاربه النضالية.....)
هؤلاء، اتفقوا على بيع انتاج العمال والمزارعين والكادحين وكل الصناديق الضامنة للاستشفاء والمتقاعدين والموظفين والقروض.. كقطع غيار(فوائد) للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
مائة مليار دولار ديون لحد الآن، ولم تصلنا بذور التنمية الموعودة، بل صًدرنا أموال التنمية إلى البنوك الخارجية باسم الصفقات ونهب المحاصصات الطائفية. واستوردنا شروط الهيكلة ولوائح الضرائب والقرارات والقوانين التي تجبر شعبنا على تسديد فواتير فساد أرباب النظام من لحم ودم الفقراء، وإعفاء الاغنياء وشركات أسهمهم الوهمية. ومع استحقاق كل دفعة فوائد على الديون تختفي صندوق من الصناديق الضامنة، ومع ارتفاع كل سهم من أسهم شركات اقتصاد (الريع) يصدر قانون يصيب شريحة اجتماعية أوسع، وتقضي على احلامها. أما مصيرنا النهائي، فيعود إلى "بزنس البنوك" التي توزع علينا اعاشات القروض الملغومة، مقابل سلبنا حياتنا كلها.
ولأنهم تعاهدوا على موت شعبنا اقتصادياً واجتماعياَ، بعد نجاح عمليات زرع البذور الطائفية والمذهبية، فإنهم سيتجاهلون حتماً، كل الشعارات المطلبية للتظاهرة (زيادة الأجور، خفض الضرائب، وتخفيف العبء الضريبي على الفقراء وتحويله إلى الرأسماليين..توفير الخدمات العامة.. اجراء الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية.. الخ).
هذا الاستنتاج ليس استشعاراً عن بعد، وليس تبصراً عن قرب . أنه واقع حال هذا النظام السياسي – الطائفي، وواقع أزمته الوطنية. فالمعركة الطبقية ضده طويلة وقاسية تستلزم التصدي بروحية كفاحية ويقظة ثورية لسياسة التهميش والتجاهل والتطييف والافقار، عبر وضع خطة عمل مدروسة لتزخيم نجاح التظاهرة، وابتداع أطر واشكال نضالية، وتنظيم جدول تكتيكي ممنهج للمواجهة الديمقراطية. فيوم واحد للتظاهر والغضب الشعبي لا يكفي، والتجارب السابقة دليل عمل.
إن تنظيم صفوف الحركة العمالية والنقابية، هي مهمة ثورية، لتفعيل حركة الشارع، والارتقاء باضراباتها وتظاهراتها وتجمعاتها في العاصمة والمناطق لتشكيل قوة ضغط شعبية صلبة لدفع الصراع الطبقي الى الامام، وربطه باصلاحات وطنية اقتصادية واجتماعية وسياسية على طريق التغيير الديمقراطي كمقدمة للقضاء على نظام الازمة الدائمة.