الصهاينة العرب, الإخوان.. أسباب ضياع القضية الفلسطينية.
مولود مدي
2018 / 5 / 20 - 07:20
تصريحات ولي العهد السعودي ” محمد بن سلمان ” الذي هو في الحقيقة الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية, و الذي ينتظر إعلانه ملكا, حول شرعية الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين, ليست مفاجئة لأنه أعلن أن ما يسمّيه “دولة إسرائيل ” لها الحق في العيش بسلام, بل الأمر المفاجئ هو تلك الجرأة على إبداء هذا الموقف في أكبر الصحف العالمية, من حاكم بلد ادعى ولا يزال يدّعي أنه حامي الإسلام و مقدّساته, و لو أن ليس هناك في الإسلام ” السعودية ” و لا ” أل سعود “, فضلا عن أن الإسلام هو دين عالمي غير مرتبط بحيز جغرافي معيّن لكي يصبح حق التكّلم باسمه و الدفاع عنه مسؤولية شعب و بلد معيّن.
و لكن الأمر الخطير هو وقوف نخب البلاط السعودي و الإماراتي من مثقّفين و رجال دين مع هذا الموقف, و بل هناك حتى شرائح من السعوديين و الإماراتيين من يؤيد هذا الموقف المتصهين, فيبدو أن الكيان الصهيوني فهم أن النصر الحقيقي ليس في فتح الجبهات العسكرية مع أعداءه من الشعوب العربية, و إنما في فتح الجبهات في عقول هذه الشعوب و توجيه تفكيرها بما يتناسب مع مشاريعه التوسعية الإستيطانية, فموقع التواصل الاجتماعي ” تويتر ” شاهد على الهاشتاق الذي أطلقه عدد من السعوديين (#القدس_مو_كضيتنا) و الذي أمعن فيه الكثير من السعوديين في مهاجمة الفلسطينيين و تحميل القضية الفلسطينية سبب تأخر البلدان العربية و إتهامهم ببيع أراضيهم و كأن بلادهم كانت على وشك أن تتقدم و تتطور بوجود الكيان الصهيوني و بطرد الفلسطينيين من بلادهم و أراضيهم, و شاهدنا الكثير من التغريدات التي تثني على مستوى التقدم العلمي و الإقتصادي للكيان الصهيوني, معتقدين ان تطوّر دولة محتلة كافي لإعطاء شرعية على ممارساتها.. و لا نعرف رأي أصحاب هذا الإدعاء الساذج في حالة ما جاء يوما الامريكان و الألمان لإحتلال السعودية سيقبلون بهم مادام أن الألمان و الأمريكان متطوّرين علميا و تقنيا!.
لقد تغاضوا عن أمر مهم ألا وهو أن بقاء الكيان الصهيوني يعني بقاء نفس الحكّام العرب الذين ذهبوا بأوطاننا و شعوبها الى الهاوية, و بالمجمل بقاء المنطقة العربية بأكملها في حالة تردّي على جميع المستويات و لهذا يهرع حكّامنا للتطبيع مع إسرائيل التي تدعم الديكتاتوريات العربية التي تبقي الشعوب خاضعة و راكدة و متخلّفة و هذه أحسن خدمة يمكن تقديمها لهذا المحتل.
لكن ما يعاب على موقف الصهاينة العرب, هو فقدانه لـ للقناعة الشخصية و الإرادة الحرّة و المبرر المقنع الذي جعلهم يتصهينون أكثر من الإسرائيليين المذهولين من نخب عربية و بالضبط إماراتية سعودية, أصبحت الناطقة الرسمية للكيان الصهيوني, فكل من يدافع عن الإحتلال الصهيوني, ماهو إلا خادم في البلاط السعودي الإماراتي, و لا يسعى إلا لكسب النفوذ عند سيّده السلطان أو عبادة لدين محمد بن سلمان أو بن زايد فأينما مال حكّامهم يميلون.. وهذا يعيد الى الأذهان نفس ممارسات الحركى و عملاء الإستعمار الفرنسي و البريطاني للمنطقة العربية, الذين كانوا عبارة عن وسائل ناعمة تساعده في دوره، وتمكنه من أهل البلاد، و النيل من المقاومة والنضال ضده و نشر روح التخاذل بين الشعوب، ليطول بقاءه قدر الإمكان، لنهب الثروات، وتخريب البلاد و عقول العباد.
فعندما نعلن تأييدنا للقضية الفلسطينية, فإننا لم نتخذ هذا القرار لأن خلفيتنا الدينية إسلامية, مثلما يفعل الإخوان و السلفيين بل و أغلبية المسلمين, لأن التحجج بالخلفية الإسلامية معناه أن لو كان الفلسطينيين غير مسلمين أو كان المسجد الأقصى يقع في باكستان او الصين فليذهب الفلسطينيين الى الجحيم, او لأن الفلسطينيين عرب مثلما يفعل العروبيين الذين كانوا النكبة الأكبر على القضية و استغلوها أبشع استغلال لخدمة إيديولوجيتهم و مشاريعهم الشمولية الديكتاتورية في الأوطان العربية كسوريا التي يمعن فيها بشار الأسد بقتل السوريين بحجة الممانعة و المقاومة, بل لأن القضية الفلسطينية هي قضية إنسانية عادلة لا تفهمها إلا الشعوب التي ذاقت ويلات الاحتلال و الاستعمار الظالم و التي دفعت ثمنا غاليا من أجل نيل الحرية, وهي دفاع عن شعب أصبح لاجئ في أرضه المغتصبة بغطاء الدين اليهودي التلمودي, و كأن اليهودية تحوّلت من ديانة الى قومية يستغّلها الصهاينة من أجل شرعنة احتلالهم و إرهابهم.
لقد تناسى من يدّعي دعمه للقضية الفلسطينية بسبب ” القدس ” و لأن غالبية الفلسطينيين مسلمين وعرب, أن هذا المبرر لا يخدم إلا ما حاول نخب الإمبريالية الامريكية الترويج له بما يسمّى ” صدام الحضارات ” الذي تم التنظير له من صامويل هنتغتون الاستراتيجي الأمريكي، أي ان صراعات البشرية ستكون دينية حضارية و التي تحمّس لها الإسلامويين لأنها تخدم أجنداتهم الرجعية و المتطرفة, و نسوا أن ذلك ما سيتسبب بفقدان القضية الفلسطينية الدعم العالمي بإعتبارها حركة تحرر إنسانية كسائر الحركات التحررية في العصر الحديث (الثورة الجزائرية, الثورة الفيتنامية..) وتعطي لآخرين شرعية الاصطفاف ضدها على أساس ديني أو حضاري كما يفعل أنصار ترامب و الصهاينة بالمجمل, و هذا ما لم ينتبه له بلهاء الإخوان المسلمين و السلفيين –أو تجاهلوه لغاية في أنفسهم- و الذين خلطوا بين اليهودية و الصهيونية و أظهروا المقاومة الفلسطينية على أنها تستهدف الشعب اليهودي و اليهودية و إستئصالهم من دون تمييز و نسوا أن هناك يهودا متشدّدين رفضوا الصهيونية رفضا قاطعا.
حتى شيوخ المسلمين من السلفيين الوهابيين بالتحديد يتحمّلون مسؤولية تمدد الفكر الصهيوني بين العرب, فهم حاولوا محاربة الفكر الوطني بكل ما أتي لهم من قوّة و حاولوا إظهار تعارض الوطنية مع الإسلام بربطها بالوثنية, و كأن الوطنية عندهم عقيدة و شريعة فيها حلال و حرام و ثواب و عقاب و جنة و نار, فخرج علينا من يدلّس على الناس ليقول بأن الولاء يجب أن يكون للدين و ليس للوطن و يقول لك متحذلقا أنا لست جزائري أو لست تونسي بل أنا مسلم!, وهذا الأمر أعطى الفرصة للصهاينة لكي يعمقوا حالة الهوان والتشرذم العربي, و ليدّعوا نفس الادعاء الإسلاموي الأحمق بشرعنة الإحتلال بالدين و بنفس العقلية الإسلاموية, و الأن وصل الخزي الى أن يستعين الصهاينة بفتاوى مشايخ السعودية في تحريم و تكفير المقاومة الفلسطينية و أن يظهر المتحدث بإسم الجيش الإسرائيلي “أفخاي أدرعي” ليستشهد بفتوى لـ مفتي السعودية الأكبر “عبد العزيز أل الشيخ ” تقول بحرمة التظاهر ضد سلطات الكيان المحتل!.
إننا نعارض الصهيونية ليس لأنها تدّعي يهوديتها زورا لأن ما بين اليهودية و الصهيونية ما صنع الحدّاد, بل لأن الحركة الصهيونية هي حركة عنصرية فاشية إرهابية لا تختلف عن عنصرية و إرهاب النازية وهي ناتجة عن استغلال الدين اليهودي وتوظيفه لخدمة أغراض سياسية, كما أنها ترى كل الشعوب غير اليهودية عبارة عن ” بهائم ” أو ” الغويم ” بالعبرية, و هذه الشعوب وجدت لخدمتها فقط, يعني أنها مبنية على نشر كراهية الآخر والحض على قتله إن لم يخضع لهم، فالصهيونية لا تختلف عما يفعله الإرهاب عندنا باسم الإسلام و هذا الفكر لا يختلف تماما عن الفكر النازي الذي يقول بسمو العرق الأري الألماني الذي يجب ان يكون سيد هذا العالم و بتفوق الرجل الابيض, و أن الشعوب الأخرى ليست ببشر بل هي خطر على الحضارة و صفاء العرق الأري.