تقاطعات بين الأديان 11 المرأة في روايات الخلق


عبد المجيد حمدان
الحوار المتمدن - العدد: 5787 - 2018 / 2 / 14 - 15:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

تقاطعات بين الأديان


11

المرأة في روايات الخلق



والآن تعالوا نعاود قراءة روايات خلق الإنسان وقراءة أساطير الطوفان ولكن بالتركيز على زاوية مغايرة ، هي زاوية خلق أنثى الإنسان فتحديد دورها ، بوصفها امرأة ، في مسار التطور البشري . واسمحوا لنا أن نبدأ مع روايات الخلق ، لنعقبها بأساطير الطوفان .
1
تقول رواية ديانة المايا – أمريكا الجنوبية – أن الآلهة ، في تجربتها الثانية والفاشلة للخلق ، خلقت ذكرا وأنثى من الطين ، أي في وقت واحد ، دون مميزات لهذا على تلك . وتضيف أن الآلهة ، في التجربة الرابعة الناجحة ، خلقت في البدء أربعة رجال ، ثم وهم نيام خلقت لهم أربع نساء ، من نفس المادة – حبوب الذرة - ، دون أية فروق بين هؤلاء وأؤلئك ، عدا جهازي الذكورة والأنوثة . وبما أن عدد الرجال كان مساويا لعدد النساء ، فكان بديهيا أن يقتصر عدد الزوجات على واحدة لكل رجل .

وتقول رواية ديانة الأنكا – أمريكا الجنوبية والوسطى – أن الإله فيراكوتشا خلق البشر من الطين ، دون إشارة لاختلاف بين الجنسين أو سبق احدهما على الآخر ، ولنفهم أن الإله فيراكوتشا خلق الرجل والمرأة بعدد متساوي وفي نفس الوقت ومن نفس المادة ، دون فروق غير تلك الخاصة بالذكورة والأنوثة ، وزوجة واحدة لكل رجل .
2
وتقول ديانة قبائل هندية ، أمريكية شمالية ، أن الإله خالق الأرض ، قام بتشكيل تماثيل من الطين لرجال ونساء بعدد متساوي ، وبعد أن جففها في الشمس نفخ فيها الحياة . ونفهم منها أن إله القبائل الهندية خلق الرجال والنساء من نفس المادة ، وفي وقت واحد ، معا ، دون أية فروق تتجاوز صفات الذكورة والأنوثة ، وزوجة واحدة للرجل الواحد .
وتقول رواية الخلق الاسكندينافية – شمال أوروبا – أن الآلهة خلقت الرجل والمرأة من قطعتي خشب ، أخذتهما من الشجرة العملاقة ، فكانا أول البشر ومن تزواجهما – لاحظوا زوجة واحدة للرجل الواحد - نشأت البشرية . ولأنهما – الرجل والمرأة - خلقا من قطعتي خشب متساويتين ومتماثلتين في كل شيء ، كانا متساويين في كل شيء ، وبلا أية فروق عدا تلك الخاصة بالذكورة والأنوثة .
3
وتقول روايات الخلق الإفريقية – مالي مثالا – أن الإله صنع زوجا يشبهه من الطين ، جعل منهما رجلا وامرأة ، أي رجل واحد وزوجة واحدة . ولد لهما ، بعد تزاوجهما ، أطفال يحملون صفتي الذكورة والأنوثة . قام الإله بعد ذلك بفصل الصفتين ، محولا هؤلاء الأطفال إلى ذكور وإناث ، ومرة أخرى زوجة واحدة للرجل الواحد . ونفهم من الرواية أن خلق الجنسين حدث من نفس المادة وفي نفس الوقت ، وبلا أية فروق عدا تلك المتعلقة بالذكورة والأنوثة .
4
ونصل إلى الديانات الآسيوية بادئين بالهند . تقول روايات الخلق الهندية أن الآلهة خلقت الإنسان بذات الطريقة ، ومن نفس المادة التي خلقت منها الأرض ، النباتات والحيوانات . ونفهم من عدم الوقوف على تفاصيل خلق كل من الرجل والمرأة تساويهما في كل شيء ، كما هو حال الحيوان والنبات ، وحيث تقف الفوارق عند صفات الذكورة والأنوثة فقط .
وتقول رواية الخلق الصينية أن الإلهة نيوى وا ، وفي غمرة لهوها ، صنعت الكثير من الدمى من الطين ، ثم نفخت فيها فدبت فيها الحياة ، ثم بعد ذلك قسمتها إلى ذكور وإناث . ومرة أخرى نفهم من الرواية تساوي عدد الرجال والنساء ، وزوجة واحدة للرجل الواحد ، ثم مساواة تامة بين الرجل والمرأة في كل شيء ، بدءا بالخلق معا ، ومن نفس المادة ، عدا فروق الذكورة والأنوثة .
وتقول رواية الخلق في الديانة الزرادشتية – إيران وما حولها – إن إله الخير أهورا مازدا خلق ماشيا – الرجل – وماشيانة – الأنثى – معاً ، أي في نفس الوقت ومن نفس مادة الخلق ، ودون أية فروق تتجاوز صفتي الذكورة والأنوثة . ولأنه خلق رجلا واحدا وامرأة واحدة بدأ الزواج في الديانة الزرادشتية أحاديا .
وأخيرا تقول رواية الخلق لديانة لاوس – شرق آسيا – أن الآلهة خلقت البشر ، الذكور والإناث - من الطين ، أي من ذات المادة ، في نفس الوقت ، وبنفس العدد لكل نوع ، ودون أية فروق بين الجنسين تتجاوز صفتي الذكورة والأنوثة ، وكانت زوجة واحدة للرجل الواحد .
5
ونصل إلى منطقتنا بادئين بالديانات المصرية .
في مصر وقبل توحيدها في قطر واحد ودولة واحدة ، تعددت دياناتها تبعا لتعدد المقاطعات ، كما تعددت روايات الخلق كنتيجة لتعدد الديانات . لكننا ، وبالرغم من هذا التعدد ، نقرأ وبسهولة ، أن خلق الإنسان ، ذكرا وأنثى ، حدث في وقت واحد ومن مادة واحدة . وكمثال عليها دولاب أو عجلة الإله خنوم للخلق . على هذه العجلة صنع تماثيل من الطين للإنسان ، وجعل منها ذكورا وإناثا ، ومن تزاوجهم جاءت البشرية . ونفهم من الرواية أن عدد الذكور كان مساويا لعدد الإناث ، فزوجة واحدة للذكر الواحد ، وبأن الخلق تم من مادة واحدة وفي وقت واحد ، أي بدون أية فروق ، عدا فروق الذكورة والأنوثة .
ونَحَتْ ديانات ما بين الرافدين ذات المنحى . ففضلا عن اتفاقها بأن خلق الرجل والمرأة جاء من مادة واحدة هي الطين ، وأن خلق الجنسين تم معا ، أي في نفس الوقت ، فقد كان عدد الرجال في بدء الخلق مساويا لعدد النساء ، وعند التزاوج تم تخصيص امرأة واحدة للرجل الواحد . وتعالوا نأخذ أسطورة الفائق الحكمة كمثال . تقول الأسطورة أن الإلهة الأم جبلت أربع عشرة قرصة من الطين المقدس . وضعت سبعا منها على اليمين وسبعا على الشمال ، وفصلت بينهما بحاجز من الآجر ، ثم جعلت من السبعة على اليمين ذكورا والسبعة على الشمال إناثا . زاوجتهم ومن نسلهم جاءت البشرية .
ونختم ديانات المحيط بالرواية الكنعانية . وفيها أن الإله إيل ، كبير الآلهة ، أرسل الإله آدم للأرض كي يضع حدا لشرور حورون إله الشر . لكن حورون ، وقد عرف بسر مهمة الإله آدم ، تنكر في صورة ثعبان سام ، لدغ الإله آدم فأفقده صفة الخلود ، أي حوله لبشر . وتعويضا له خلق له الإله إيل امرأة طيبة القلب ، من تزاوجهما كان خلود البشرية . ولا يفوت قارئ هذه الرواية ،أو الأسطورة ، ملاحظة أن خلق آدم فيها سبق خلق امرأته بكثير ، وأن طبيعتهما مختلفة ، حيث كان الأول إلها قبل تحوله لبشر ، لكن زوجته لم تعرف صفة الألوهة . كما لا يفوته ملاحظة أن الإله إيل خلق لآدم زوجة واحدة .
6
ونصل أخيرا للديانات التوحيدية . وفيها نلاحظ اتفاق الرواية التوراتية مع الرواية القرآنية ، في قولهما أن الله خلق آدم أولا ، وبعد وقت طويل فكر في أن يخلق له مؤنسا ، فكان أن عمد ، وآدم نائما ، لخلق حواء من ضلعه الأيمن القصير . وبالرغم من أن الروايتين تقولان بوضوح أن الله مع بدء الخلق خلق لآدم زوجة واحدة ، كانت قادرة على إشباع غريزته وكفاية متطلباته الجنسية ، ومن تزاوجهما نشأت البشرية ، إلا أن الروايتين تتفقان في الإشارة لاختلاف مادتي الخلق وزمنه وتبعا لذلك اختلاف قدراتهما ، خصوصا وأن حواء جاءت جزءا من آدم ومن ضلعه القصير والأعوج .
7 .
وبعد كل هذا تعالوا نُعَرِّج على أساطير الطوفان ، مع التركيز على من حمل منقذو البشرية من الطوفان معهم من البشر . ولأن الأساطير الرافدينية هي الأصل سنكتفي بالمرور السريع على بعضها . نقرأ عن رواية الطوفان في ملحمة جلجامش أن منقذ البشرية أوتا – نافيشتي ، ومعنى الاسم وجدت حياتي لكسبه وزوجته الخلود - حمل معه أهل بيته ؛ زوجته ، أبناءه وزوجاتهم ، وبعض أقاربه ، ودون أن تفوتنا ملاحظة الإشارة للزواج الأحادي آنذاك ، أي زوجة واحدة للرجل الواحد .
وفي الأسطورة السومرية ، واسم المنقذ زيو – سودرا ، ومعناها ذو الحياة المديدة ، أو الحياة الخالدة ، نطالع أنه حمل على الفلك أهل بيته ، أي زوجته ، زوجة واحدة ، وأبناءه وزوجاتهم ، زوجة واحدة لكل واحد من الأبناء .
وفي الأسطورة البابلية ، وحيث تغير اسم المنقذ إلى أتر – حسيس ، نطالع أن الآلهة أنعمت عليه وعلى زوجته بالخلود ، أي كان لأتر – حسيس زوجة واحدة .
وفي الأسطورة اليونانية التي جاءت كترجمة للأسطورة السومرية ، حصل بطلها كسيسوتروس وقرينته على الخلود مكافأة على إنقاذه للبشرية . مرة أخرى زوجة واحدة .
أخيرا وفي الروايتين التوراتية والقرآنية ، حمل نوح زوجته على الفلك ، حسب الرواية التوراتية ، وتركها لتغرق في الطوفان حسب القرآن . و في الروايتين حمل أبناءه وزوجاتهم – الرواية القرآنية تقول بترك واحد منهم للغرق – أي زوجة واحدة لكل منهم ، وليكون نوح الأب الثاني – آدم الأب الأول – للبشرية التي عادت من نسل أبنائه .
8
كما وتبين مطالعة روايات الخلق السابقة انفراد ما تعرف بالديانات السماوية ؛ الزرادشتية ، اليهودية ، المسيحية والإسلام ، إلى جانب ديانتين أو أكثر من الديانات الوثنية ، القول بأن البشرية انحدرت من أب واحد وأم واحدة . وتوضح الأدبيات الإسلامية حدوث ذلك على النحوالتالي :
تقول الأدبيات أن أمنا حواء كانت تحمل في البطن الواحد توأما ؛ ولد وبنت . وكان الولد من البطن الأول يتزوج أخته من البطن الثاني ، والولد من البطن الثاني يتزوج أخته من البطن الأول ، وهكذا دواليك . وتزعم الأدبيات أن هذا الترتيب لزواج الأخ من أخته كان من بين الأسباب التي دفعت قابيل لقتل أخاه هابيل . تقول الأدبيات أن أخت قابيل التوأم كانت أجمل من أخت هابيل التوأم ، وأن قابيل رأى أن يحتفظ بأخته الجميلة لنفسه ، ولم يكن ذلك ممكنا إلا بقتل هابيل .
والملفت للانتباه أن الله وبعد نمو البشرية من زواج الأخوة الأشقاء هذا ، لم يكتف بتحريمه ، ومن اعتباره معصية ، وإنما صنفه كواحدة من أعظم الكبائر . هنا يندفع لذهن القارئ سؤال : لماذا اختار الله هذا الشكل من الزواج طريقا وحيدا لنشأة وتكاثر البشرية ؟ ولماذا خالف آلهة الأديان الموصوفة بالوثنية والتي من البدء صنعت عددا من الرجال وعددا مماثلا من النساء ومن نسلهم تكاثرت البشرية ؟ وإذا ما توقفنا عند آيات تحريم زواج الأخوة ، ألا يجب أن يخطر ببالنا أننا جميعا انحدرنا من النجس ؟ كما وأن نسأل : هل سبل إزالة النجس المنصوص عليها في الأدبيات الإسلامية ، قادرة على إزالة النجس الأصل في تكويننا ؟
ثم ، ولما كان عمر البشرية ، مستندا لنزول آدم على الأرض ، يقدر بقرابة الستة آلاف سنة ، وهي لحظة قصيرة جدا من عمر الأرض ، قبل عمر الكون ، فكيف سمح الله لإبراهيم بالزواج من أخته سارة، ولجمع يعقوب بين الأختين ، ثم عاد وحرم ذلك تحريما قاطعا بعد أقل من ألف سنة ؟
وغير هذا يلفت الانتباه أيضا أن البشرية تنبهت مبكرا جدا للأمراض التي تفتك بالإنسان . واكتشف الطب مبكرا أن التناسل بالشكل الذي ارتآه الله ؛ الأم الواحدة والأب الواحد ، يورث أمراضا تقضي على النسل بعد بضع مئات قليلة من السنين . فكيف للمرء أن يفسر انتباه الأديان الوثنية لهذه المسألة وغفلة الله القدير عنها ؟
9
وأخيرا ومن إعادة مطالعة روايات الخلق نلاحظ اتفاق كل الأديان على أن الخلق ابتدأ بعدد متساوٍ من الرجال والنساء . أكثر من أربعة في غالبية الأديان ، ورجل واحد وامرأة واحدة في البعض وفي الزرادشتية ، الكنعانية ، والديانات التوحيدية الثلاث . كما ونلاحظ أن الروايات اتفقت على أن الزواج الأحادي – امرأة واحدة للرجل الواحد - كان هو الزواج الذي ارتأت الآلهة صوابه لبدء نشوء البشرية .
هنا يبرز السؤال : لماذا عادت الديانات وأقرت الزواج المتعدد ؟ لكن قبل الإجابة ، تعالوا نحاول التعرف على متى حدث ذلك ؟ وللتسهيل دعونا نقصر البحث على الديانات السماوية ؛ اليهودية ، المسيحية والإسلام .
تتفق أدبيات الديانات الثلاث على كل الرسل والأنبياء ، قبل إبراهيم ، وفي طليعتهم آدم وأولاده ومن بعدهم نوح وأبناؤه ، تزوجوا زواجا أحاديا . وفي هذه الديانات نقرأ أن إبراهيم هو أول من بدأ الزواج المتعدد . في البدء كان متزوجا من أخته غير الشقيقة سارة . ولأنها عاقر أقنعته بالزواج من أخرى ، فجمع إليها هاجر ، خادمتها المصرية التي أنجبت له ابنه الأول إسماعيل .
بعده أقصر ابنه إسحاق زواجه على واحدة ، لكن يعقوب جمع بين أربع ؛ أختان شقيقتان وخادمتاهما . ومن بعده فرطت المسبحة كما يقال في مثلنا الشعبي . وبلغ تعدد الزوجات واقتناء الجواري أوجه مع داود وسليمان ، حيث جمع الأخير سبعمائة كما تقول التوراة ذاتها .
صحيح أن المسيحية حاولت العودة إلى الزواج الأحادي ، لكن الإسلام أعقبها بإقرار الزواج المتعدد ، بحد أعلى اربع زوجات معا وما شاءت قدرة الرجل المالية من الإماء والجواري .

خاتمة
ويقف المرء ، بعد مطالعة مدققة لما سبق ، إما حائرا ، وربما مندهشا ، فمستنكرا أو رافضا لسيل التبريرات القائلة بصحة موقف الدين من الزواج المتعدد . مندهشا من سرد الأئمة ، الوعاظ وغيرهم من رجال الدين ، البراهين على قوة غريزة الرجل والحاجة لإشباع رغباته الجنسية التي تُقَصِّر قدرة الزوجة الواحدة عن تلبيتها ، وبدعاوى الحفاظ على الفضيلة وعدم الانزلاق إلى الرذيلة . أدلة وبراهين مستمدة ومستندة لمنطوق القرآن الذي نصت آياته على الزواج بمثنى وثلاث ورباع ، واقتناء ما وسعت قدرته المالية من الإماء ملك اليمين . أصحاب البراهين هذه لا يتوقفون أمام حقيقة أن الله خلق حواء واحدة لآدم . لم يخلق له لا اثنتين ولا ثلاثا ولا أربعا ..الخ . كما لم يخلق له ولنسله من بعده ، وعلى مدارعشرات وربما مئات الأجيال ، إماء وملك يمين . وأصحاب البراهين لا يمر على خاطرهم سؤال : ألم يُقَدِّر الله ، حين خلق حواء واحدة لآدم ، أن قدراتهما الجنسية ، واحتياجاتهما الغرائزية والعاطفية غير متوازنة وغير متساوية ، وأن الواحد منهما غير قادر على إشباع رعبات الآخر تماما ؟ هل غفل عن خلق هذا التساوي ، ثم فطن فأدرك بعد آلاف السنين أنه أخطأ في خلقه وتقديره ، فعاد ليصحح خطأه هذا بتشريع الزواج المتعدد ؟
هذه الأسئلة أعزائي القراء ، وحاولات الإجابة عليها ، تعيد طرح السؤال : من يشرع للآخر ؟ من يحدث التغيير للواقع ، ويستحث له ما يناسب من التشريعات ، الإنسان أم الله ؟ الاجابات أتركها لحسن تقديركم .