-الحلقة الرابعة- ما هو السبب في ضعف و أنهيار الحركة الشيوعية و اليسار السياسي بوجه عام في العراق
بهاءالدين نوري
2016 / 10 / 22 - 02:09
ما هو السبب في ضعف و أنهيار الحركة الشيوعية و اليسار السياسي بوجه عام في العراق
وهل من علاج ام انه الانهيار الابدي ؟
-الحلقة الرابعة-
اذا كان السبب الأول لضعف وانهيار الحركة الشيوعية في العراق هوضعف وانهيار النظام السوفيتي فان السبب الثاني يكمن في الخلل الذاتي ، في الاخطاء الجسيمة التي ارتكيها الحزب الشيوعي العراقي (حشع) نفسه طوال عشرات السنين الأخيرة . والاخطاء السياسية الاساسية ، التي اوصلت الحركة الشيوعية الى هذه الحالة البائسة ،تتخلص في قضيتين :
1- التحالف الجبهوي الذيلي مع نظام صدام التكريتي وحزب البعث ( 1972 – 1979 ) . وأقول جزما ان ذلك كان اكبر خطأ للحزب عبرتأريخه ، بل كان بمثابة حكم بالإعدام على حشع ، ليس فقط لأن حزب البعث بني من الأساس كحزب قومي فاشي ، وليس لأنه انقلب من حزب حليف لحشع قبل ثورة 14 تموز 1958 الى عصابات لملاحقة واغتيال الشيوعيين بعد الثورة ... بل لاننا عرفنا حقيقة البعثيين وهم ينفذون انقلاب 8 شباط 1963 الفاشي تنفيذا لأوامر الاستعمار وعملائه ، وانتقاما من عبدالكريم قاسم والضباط الوطنيين الذين قاموا بثورة تموز ، ولاننا رأينا وحشيتهم في حملة ابادة الشيوعيين وقتل سكرتيرهم سلام عادل وقادتهم محمد حسين ابوالعيس و محمد صالح العبللي وجمال الحيدري ونافع يونس وعبدالرحيم شريف وجورج تللو وحمزه سلمان ومئات من الكوادر اللامعة وآلاف من أعضائه ومن الوطنيين عامة .
شاركت قيادة حشعفي حكومة البعث بوزيرين ( عامر عبدالله و مكرم الطالباني ) في ايار 1972 ، وظل وزيراه صوريين اشبه بخراعة خضرة ، من أول يوم لاستيزارهما حتى آخريوم . وجرت هذه المشاركة دون ان يقدم صدام كلمة اعتذار عن جرائم حزبه الرهيبة و دون أن تقوم قيادة البعث بأي عمل يدل عن انه تغير ولو قليلا عما كان عليه سابقا . وفي الواقع لم يخف صدام عقليته الفاشية اذ واجه أول اضراب لعمال الزيوت طلبا بزيادة الاجور باطلاق النار واقامة مجزرة بينهم .
عرف صدام مايفعل في ذلك اليوم وكيف يخطط لتحطيم حشع ، في حين كان سكرتير حشع عزيز محمد يفرح نفسه بأنه وجد الطريق العملي لتحقيق التطور اللاراسمالي صوب الاشتراكية ، وعثر على كاسترو العراق في شخص صدام حسين . وكان الكثيرون من اعضاء الحزب وكوادره الوسطية ينسحبون من حشع احتجاجا على هذا التحالف ، خاصة بعد أن ظهر عزيز محمد و احمد حسن البكر على شاشة تلفزيون بغداد لاعلان ميلاد الجبهة ، والشيوعيون في موقع التبعية شكلا ومحتوى اذ رضيت القيادة بأن ينص ميثاق الجبهة على حكرالجيش والشرطة لحزب البعث القائد وامتناع الشيوعيين عن أي شكل من الصلات مع هذه الاجهزة . وطيلة سني عمرالتحالف لم تتخذ لجنة الجبهة ولا قرارا واحدا في صالح الشعب وقضية الديمقراطية . وفي اغلب الاحيان امتنع البعثيون عن مجرد عقد الاجتماعات الشكلية للجان الجبهة . وفي اجتماع لقيادة الجبهة على مستوى القمة بشر عزيزمحمد صدام بأن حشع يتطلع الى دمج الحزبين الشيوعي والبعث . وبدأ عضو الوفدعامرعبدلله ، بعد هذا التبشير ، بالعمل على حل تنظيمات حشع ، استعدادا للاندماج مع حزب البعث
عندما حقق صدام ما استهدف من التحالف مع حشع رمى بالجبهة الى المذبلة ، وكان على اعتقاد بأن حشع لن يستطيع النهوض على قدميه ، بعد ان فتته ودس في صفوفه أزلامه . قال علي صالح السعدى – سكرتير البعث عام 1963 – ( جئنا على قطار أمريكي ) وهو يشير الى انقلابهم .و عمالتهم لواشنطن .
2- خطأ الانجرار الى اقتتال الاخوة بين القوميين في الاقليم .
العلاقات الجبهوية بين الحزبين الشيوعي والبعث كانت صورية منذ بدايتها ، وتفككت رسميا في 1979 اذ انتقل الشيوعيون الى الكفاح المسلح في الاقليم ضد النظام ومنح ذلك آمالا في انعاش حشع واستعادة قسط من نفوذه . وكانت عملية تأسيس وتوجيه العمل المسلح مناطة بلجنة اقليم كردستان ، فيما كان سكرتير الحزب عزيزمحمدوالغالبية من اعضاءل م موجودين خارج العراق . وبدأ العمل من السفر ولم يكن هناكمن السلاح مايكفي للحراسة . لكن الطريق فتح تدريجا لنقل الاسلحة ونقل الشيوعيين العراقيين بعد تدريبهم على ايدي الجهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في لبنان وكذلك من اليمن وعبر سوريا وتركيا الى كردستان . وقد رسمت لجنة الاقليم منذ اليوم الاول سياسة الحياد الصارم بين الحزبين المتصارعين الاتحاد الوطني الكردستانى( اوك ) و الحزب الديمقراطي الكردستاني ( الپارتى ). وبقينا على هذا النهج طيلة اعوام أربعة و وجدنا الاحترام والتعاون من ذينك الحزبين وامكن ان ننمي ونعزز تشكيلاتنا المسلحة نوعا وعددا ونملك في أيدنيا 1500 مسلحا من نوعيات عقائدية جيدة . وكان هنالك مايبرر لنا التفاؤل بمستقبل وضعنا السياسي والعسكري ، فيما لو ترك للاقليم ان يتابع عمله على نهجه الخاص . غير ان عودة السكرتير واعضاء القيادة من أوروبا الى مقرنا في پشتاشان( سفح قنديل ) وعقد الاجتماعللجنة المركزية هناك في أيلول 1982 جلب كارثة كبرى على حشع ،اذ كانت النتيجة تغيير سياسة الحزب وتبديل حيادنا بين الحزبين الرئيسيين بالتبعية والانجرار الى المشاركة في اقتتال الاخوة وتدميرما بناه الشيوعيون في الاقليم طوال أربع سنوات تدميرا كاملا في غضون بضعة أيام ! وهكذا حلت كارثة حقيقية بحشع ، لابسبب قرارات اجتماع اللجنة المركزية بل لان عزيزمحمد تسرع في الرجوع الى موسكو جاعلا من كريم احمد الداوود المسؤول الحزبي الاول داخل العراق . وفي شباط 1983 وقع كريم اثناء زيارة له الى مقر جلال الطالباني اتفاقية تحالف ستراتيجي . وقد فوجئت أنا شخصيا بهذا الأمر عندما قرأت محضر اجتماع المكتب السياسي لحشع ، حين كنت في جبال هورامان ، وكنت عضوا في ل.م. ومسؤولا عن قاطع السليمانية وكركوك . معنى ذلك ان حشع تخلى عن موقفه الحيادي وانحاز الى اوك . وبعد أيام فاجأنا كريم بموقف معاكس اذ ترك الطالباني وانحاز الى البارتي وحسك ( الحزب لاشتراكي الكردستاني ) ولم ادر مااذا كان ذلك بتوجيه من عزيز او برأي من كريم نفسه. وأخذ يهيئ الشيوعيين لجولة قتال ضد اوك . وصارت البرقيات تردنا يوميا من المكتب العسكري المركزي تطلب منا التنسيق مع البارتي وحسك و پاسوك ضد اوك . وفي 27 / 4 / 1983 ارسلت آخربرقية الى كريم احمد والمكتب السياسي والعسكري في پشتاشان ، قلت فيها : علينا السعي لمنع الاقتتال بين الاحزاب القومية الكردية لان صدام حسين هو الوحيد المستفيد من ذلك . واذا عجزنا عن ذلك فعلينا النأي بانفسنا عن المشاركة . علما اننا لانملك القوى الكافية لكسب المعركة ، بل سنخسرها، والمجنون هو الذي يخوض معركة مع علمه بانه هو الخاسرفيها . وكان الجواب هو شن الهجوم من قوات جود على مقر قاطع اربيل لاؤك يوم 28/ 4 / 1983 ، وطرد مسلحي اوك . وبعد يومين شن مسلحو اوك بقيادة نەوشیروان مصطفى هجوما ثأريا على پشتاشان حيث وجدت مقرات قيادةحشعو حسك وباسوك وقوة من البارتي ، واكتسحوها في نفس اليوم ووقع جميع ماوجد هناك من ممتلكات وسلاح ثقيل في أيدي المهاجمين وبلغ شهداء حشع حوالى 60 شخصا من الكوادر واشباه الكوادر ، فيما هربت القيادة صوب الجهة الثانية من جبل قنديل والاحتماء بالباسدارية الايرانيين . اما كريم احمد وملا احمد بانيخيلاني ، اللذين كانا متحمسين للقتال و ( تأديب اوك ) على حد تعبير بانيخيلاني ، فانهما عجزا عن اجتياز الجبل وعادا الى الجهة العراقية و وقعا في اسر مسلحي أوك واخذا الى مقر جلال الطالباني في ( نيوزنگ ) ليقوم هو بـ ( تأديبهما سياسيا ) اذ انقلبا فورا على 180 درجة ونشرا بيانا يدعوان المسلحين الشيوعيين الى التأخي مع مسلحي أوك والقيام بالجولات والعمليات المشتركة ضد العدو ! انهما انهارا سياسيا بكل معانى الكلمة . وكنت قد استلمت في قرداخ رسالة من كريم شبيهة بالبيان الذي نشروه من اذاعة أوك ، فأرسلت اليه الجواب : ( اني انظراليه كأسير وليس كمسؤول حزبي ).
اتفقنا انا ومسؤول القاطع الأول لأوك ملا بختيار على ألا نتقاتل ونفذنا هذا الاتفاق ، رغم اعتداء مفرزة من أوك – دون علم قيادتهم – على مفرزة صغيرة لنا واستشهاد رفيقين لنا في قرداخ . وعوقبنا لاحقا على هذا الموقف . وكوفئ بانيخيلاني بتعيينه مسؤولا للقاطع ، وهو استلم الافواج الثلاثة من البيشمرگه موجودين شرق شارع دربنديخان – عربت فيما رابط بيشمركة أوك غرب هذا الشارع : وبعد استلامبانيخيلاني المسؤولية بفترة وجيزة عاد مسلحو أوك الى شرقي الشارع وانسحب الشيوعيون الى مقراتهم في جبل سورين .
وهكذا فان حشع أصيب في 1983 بنكسة كبرى جديدة ، قبل أن يتعا في من نكسة التحالف الذيلي مع صدام التكريتي في سني 1972 – 1979 . وفي الكنسة الاخيرة خسر ماكسبهبالتضحيات والنضالات الشاقة طوال اربع سنوات، ونجمت كلتا النكستان عن اخطاء ذيلية ارتكبتها ذات القيادة الفاشلة الجاهلة .
و كان المفترض ، فور الخروج ( او الاخراج ) من الجبهة ، أن تعقد قيادة حشع سلسلة اجتماعات للمكتب السياسي و اللجنة المركزية و لكوادر الحزب المتقدمة ، وتتوج بعقد كونفرنس حزبي أو مؤتمر في كردستان لدراسة و تقييم هذا التحالف و استخلاص الدروس منها في اواسط أواخر 1979 . وطالب الكثيرون من الرفاق بهذا التقييم لتشخيص الاخطاء و المسؤوليات . وكنت شخصيا أحد اولئك المطالبين و كتبت مشروع تقييم من وجهة نطري و قدمته الى المكتب السياسي و طلبت منهم كتابة تقييم من وجهة نظرهم و نشر الصيغتين للحزبيين بغية المناقشة .. الخ . لكن السكرتير ، الذي كان نشطا و متعجلا في عقد الجبهة ، التزم الصمت و أعطى أذ نا صماء للجميع و ترك الكوادر يهجرون الحزب زرافات و وحدانا وراء الحصول على اللجوء في بلد اوروبي أو على عمل يعتاش منه في أي بلد كان : ولم يستجب السكرتير لطلب الدراسة والتقييم حتى بعد أن دفع الحزب الى الوقوع في نكسة جديدة كبرى جراء زج الشيوعيين في اقتتال لاناقة لهم فيها ولاجمل في 1983 . وقد استشهد في هذا القتال اكثر من 100 كادر حزبي على ايدي مسلحين كان المفروض ان نتكاتف معهم لمقاتلة الدكتاتور البعثي صدام حسين ، و هجر الحزب المئات من الشيوعيين الغاضبين على القيادة ، فيما كان السكرتير مقيما في غرفته الهادئة بموسكو بعيدا عن المشاكل المتفاقمة لرفاقه داخل الوطن ، وكان اعضاء القيادة ، الذين هربوا من بشتاشان ، في وضع يرثى لحالهم داخل ايران ، وكان السكرتير بالوكالة كريم احمد و " الجنرال " الأمي في الأمور العسكرية بانيخيلاني قد غادرا مكان أسرهما لدي جلال الطالباني ، باحثين عن المكان الذي يقيم فيه رفاقهما في ايران بعد هزيمة اول أيار 1983 . والمشكلة الحادة التي سلبت منها الراحة الآن هي : بأي وجه يقابلان رفاقهما بعد أن أخزوا الشيوعيين و انقلبوا خلال لحظات على 180 درجة !!