ثورة 14 تموز رؤية جديدة لتجربة عبد الكريم قاسم
عواد احمد صالح
2016 / 7 / 14 - 09:51
ثورة 14 تموز رؤية جديدة
لتجربة عبد الكريم قاسم
عواد احمد
ان حركة 14 تموز 1958 التي قادها تنظيم الضباط الاحرار بزعامة عبد الكريم قاسم وادت الى القضاء على الحكم الملكي واعلان الجمهورية كانت بالتأكيد تمتلك اسبابها الموضوعية والذاتية في عمق الوقع العراقي وتجد جانب من قوتها في الظرف الدولي السائد انذاك الذي كان يشهد تقدم حركة التحرر الوطني في بلدان المستعمرات السابقة وبداية صعود الثورة البرجوازية الوطنية ..وما ساعد على ذلك التوازن الدولي بين الاتحاد السوفييتي والغرب والذي كان يوفر مجالا كبيرا لمختلف الحركات التحررية في بلدان المحيط الراسمالي للنهوض والحصول على الاستقلال الوطني والقومي .
طبيعة النظام الملكي في العراق
ان النظام الملكي في العراق التابع للهيمنة الريطانية كان يمثل مصالح لفيف من الطبقات والفئات : الارستقراطية الملكية الحاكمة والبرجوازية التابعة والمرتبطة بالنظام ، الاقطاع العشائري وهو الطبقة الرئيسية في البلد حيث يمثل الفلاحون 75 بالمئة من السكان تقريبا بموجب احصاء عام 1957 .والبرجوازية الصغيرة او الوسطى المنحدرة من اصول فلاحية كانت تبلغ نسبها اكثر من 20 بالمئة وفقا للتقديرات المبنية على احصاء 1957 المذكور بينما لم تتجاوز الطبقة العاملة الحديثة العهد نسبة 2 بالمئة من السكان والمنحدره من اصول فلاحية ايضا .علما ان عدد سكان العراق كان بموجب الاحصاء المذكور بلغ 6 ملايين ونصف .
ووفقا لهذه التقديرات ونظرا لطبيعة الصراع الطبقي في العراق انذاك فقد مثل تنظيم الضباط الاحرار شريحة هامة من البرجوازية الصغيرة والوسطى وكان عبر حركته وبرنامجة يعبر عن تذمر واستياء البرجوازية الناشئة من انغلاق النظام الملكي وانسداد افاق التطور فية . وقد كان الصراع الطبقي والاجتماعي في البلاد شديدا فقد حدثت اكثر من 10 انتفاظات فلاحية ضد الاقطاع منذ عام 1922 وحتى عام 1957 كما حدثت انتفاظات عمالية مماثلة رغم صغر حجم الطبقة العاملة تمثلت في اظرابات عمال النفط في كركوك والبصرة واضرابات عمال السكك الحديد والبريد والنقل كما شارك العمال في جميع الانتفاظات الجماهيرية التي قادتها البرجوازية (الوطنية ) في العراق بعد الحرب العالمية الثانية .
الطبيعة الطبقية لحركة 14 تموز
يقول البعض ان حركة او ثورة 14 تموز كانت تمثل حركة ثورية وطنية تحررية وديمقراطية ولا ضير في ذلك لكن هذا لا ينفي ان طبيعة تلك الحركة كانت حركة برجوازية ذات اهداف ومرامي واضحة يمكن قراءتها من خلال برنامج حركة الضباط الاحرار الذي كان يهدف الى اقامة جمهورية ديمقراطية واجراء اصلاحات اقتصادية واجتماعية منها الخروج من نظاق الاسترليني وحلف بغداد والاتحاد الهاشمي وتحقيق ما يسمى الوحدة الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية والسيطرة على الثروة النفطية وربط العراق بالمحور القومي العربي الذي كانت تمثلة الجمهورية العربية المتحدة وفي المجال الدولي اتباع سياسة عدم الانحياز بين المعسكرين الشرقي والغربي وتحديد العلاقات الاقتصادية للعراق مع جميع الدول على اساس المصلحة الوطنية (( انظر كتاب ثورة 14 تموز 1958 في العراق : المؤلف ليث عبد الحسن الزبيدي صادر عن مكتبة اليقظة العربية بغداد 1981 الصفحات 139 -142 ))
لقد جرت البرجوازية الناشئة بقيادة العسكر الجماهير الكادحة خلفها تحت ذلك البرنامج وتلك الشعارات الوطنية والقومية في سياق مرحلة تاريخية كانت تشهد انتصار حركة التحرر القومي من بقايا الاستعمار مع وجود شواهد مماثلة ومشجعة منها الانقلابات والثورات في مصر وسوريا في نفس الحقبة الزمنية التي حظيت بتاييد ودعم الاتحاد السوفييتي انذاك وفقا لسياسة الحرب الباردة والصراع بين المعسكرين .
اما اولئك الذين يحاولون اضفاء الطابع اليساري او الشيوعي على حركة 14 تموز فهم على خطا كبير ، لانهم ينطلقون من دور وتاثير الاحزاب التي كانت تجمعها جبهة الاتحاد الوطني وكان يمثل الحزب الشيوعي العراقي ثقلا كبيرا فيها هذا اضافة لما كانت تتمتع به الحركة الشيوعية من نفوذ مادي ومعنوي عالميا وفي العراق ايضا ، اثر انحسار موجة الاستعمار الغربي وتعاظم دور ونفوذ حركة التحرر القومي الهادفة الى تكوين دول وطنية او قومية على النمط الاوربي دول تسير في طريق الحداثة والتقدم الاجتماعي .
عبد الكريم قاسم : الديكتاتورية والصراع على السلطة ؟؟
كتبت في مقال سابق عام 2013 ان ((ان عبد الكريم قاسم لم يكن سوى بونابرت صغير. ..ظهر في سياق حقبة تاريخية مكنته الظروف والعلاقات المحلية والدولية من ان يصبح بطلا في أنظار الاقسام الدنيا الاقل وعيا من البرجوازية الصغيرة والشرائح الاجتماعية المحرومة والكادحة .)) ونظرا لطبيعة العلاقات الدولية والهيمنة الاقتصادية والسياسية للنظام الراسمالي لم يستطع قاسم ورفاقة اقامة نظام ديمقراطي برجوازي تعددي مثلما كانو يطمحون اذ سرعان ماظهرت الخلافات والصراعات بينهم بين الضباط القوميين وبين عبد الكريم قاسم ومناصرية الذين حاولو الانكفاء والاكتفاء ضمن اطار العراق والاهتمام بالشأن العراقي وترك او التنصل من موضوعة القومية والوحد العربية وقد اتهمهم الضباط القوميون بالتنكر للبعد القومي لحركة 14 تموز مما ادى الى مجموعة من حركات التمرد منها اعدام رشيد عالي الكيلاني واثنين معة كانون اول 1958 وحركة الشواف في الموصل عام 1959 والصراع بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف الذي انتهى بالحكم بالاعدام على عبد السلام عارف .وبدات بوادر صراع سياسي حاد بين الحزب الشيوعي والاحزاب القومية وفي مقدمتها حزب البعث العربي الاشتراكي .ومطالبة كل منهما بالاشتراك في مسؤولية الحكم .
وعلى اثر ذلك بدات ملامح الديكتاتورية والحكم الفردي لعبد الكريم قاسم .ومما ساعد على خلق الزعامة الملهمة لعبد الكريم قاسم اضافة الى طموحة الشخصي وحبه للسلطة والحكم انه ظهر في حقبة فقدت فيها الطبقات الاجتماعية او ممثلوها النموذجيون خاصة القدرة على الحكم وتطوير الاقتصاد والتخلص من اعباء التخلف واشتداد الصراعات السياسية مما دفع الطبقات الشعبية الكادحة والبرجوازية الصغيرة المحكومة بالوعي الفلاحي الساذج والبدائي انها وجدت في زعامة عبد الكريم قاسم مخلصها ومهديها المنتظر فقد اجتمع عاملان على تكريس ديكتاتورية قاسم حبه للسلطة واعتقادة الواهم انه سيصنع المعجزات في البلد وتخلصة من معارضيه السياسيين واندفاع الجماهير المظلومة المتخلفة في تأييده وصناعة اسطورة الزعيم .لذلك كان حكم قاسم نموذج اخر للدكتاتورية البونابرتية .مع فارق الزمان والمكان والاحداث . وقد اضفى الاعلاميون والمتملقون ما يقرب من 55 لقبا على عبد الكريم قاسم منها الزعيم الامين والاوحد والمنقذ والعبقري ..الخ
الاتجاه السياسي لعبد الكريم قاسم
يندرج ضمن توصيفات شخصية عبد الكريم قاسم موضوعة الاتجاه السياسي يقول مؤلف كتاب (ثورة 14 تموز في العراق) ان عبد الكريم قاسم لم يكن شيوعيا على عكس التصور السائد لدى البعض ولا قوميا بل كان "قاسميا " وهو اقرب الى فكر الحزب الوطني الديمقراطي الذي يرأسة كامل الجادرجي ومحمد حديد ..والواقع ان عبد الكريم قاسم من خلال تحليل شخصيته القلقة وحبه للزعامة والتفرد لعب على جميع الاتجاهات السياسية فمرة تراه يميل الى القومية ومرة تراه يميل الى الشيوعية وذلك بحكم معرفته الجيدة بالصراع السياسي والتوازنات السياسية في العراق وحاول اللعب على اضعاف جميع الاحزاب السياسية بما فيها الحزب الشيوعي العراقي فبموجب قانون الجمعيات السياسية الذي صدر في الاول من كانون الثاني 1960 حيث تم اجازة اربعة احزاب سياسية وهي الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الديمقراطي الكردستاني والحزب الشيوعي العراقي (جماعة داوود الصائع )الموالي لبعد الكريم قاسم والذي تاسس برغبة شخصية منه بينما لم تتم الموافقة على اجازة الحزب الشيوعي العراقي (جماعة اتحاد الشعب ) التيار الاصلي والكبير ورفض الطلب لمرتين حتى بعد تعديل منهاج الحزب الذي كان مضمونه (ديمقراطي برجوازي) تماما اذ اكد المنهاج على ضرورة تصنيع البلاد وانجاز الاصلاح الزراعي والعمل من اجل رفع المستوى المعاشي للشعب وتطوير مستوى التعليم والخدمات الصحية والعمل على تمتع المراة بحقوقها الكاملة (المصدر السابق ص ص236- 237 ) . ومن الاحزاب التي اجيزت ايضا الحزب الاسلامي العراقي رغم افكاره الدينية المعادية للشيوعية . يقول ليث عبد الحسن الزبيدي مؤلف الكتاب الذي اقتبسنا بعض المعلومات والاحداث التاريخية منه والمؤلف ذو توجه قومي عروبي كما يبدو الا انه كان منهجيا في اغلب فصول كتابة (( لم يمض على اجازة الاحزاب السياسية عام واحد حتى شرع عبد الكريم قاسم بمطاردة الحياة الحزبية وملاحقة واعتقال اعضاءها كما اغلقت صحف هذه الاحزاب لانها اخذت تنتقد سياسة عبد الكريم قاسم الديكتاتورية )) .
منجزات عبد الكريم قاسم
رغم اهمية المنجزات التي قام بها عبد الكريم قاسم الا انها كانت محدودة وكانت في جوهرها برجوازية الطابع - رغم انها شملت شرائح من الجماهيرالشعبية بفعل تاثير الضغط الجماهيري المؤيد لحكم عبد الكريم قاسم - ومنها الاصلاح الزراعي الذي الغى الاقطاع وقام باعادة تقسيم الملكية الزراعية لصالح الفلاحين المتوسطين والاغنياء والذي ترتب عليه هجرة الاف الفلاحين الاجراء من المدينة الى الريف بعد انهيار سيطرة الاقطاع مما ادى الى نقل اخلاق القرية المتخلفة الى المدينة وشكل نوعا من الفوضى الاقتصادية والاجتماعية والبطالة .
لم يتمكن حكم قاسم القصيرة 1958 – 1963 وما واجهه من صراع سياسي حاد من اجراء اصلاحات ذات طابع اجتماعي مؤثر في نقل المجتمع من مرحلة التخلف والجهل والفقر الى مرحلة اكثر تقدما ورفاة حيث بقيت مشكلة الفقر عالية رغم توزيع اراضي وبناء مجمعات سكنية في بعض المدن العراقية لقسم من الشرائح الاجتماعية وبقيت نسبة البطالة والامية كبيرة بين السكان . باستثناء قانون الاحوال الشخصية الجديد الذي ضمن حقوق عديدة للمراة وهو انجاز تقدمي ايجابي .
كانت جميع الاعمال والاجراءات الاجتماعية والسياسية ارتجالية ومرتبطة بشخص الزعيم الملهم نفسة ولم تكن هناك خطة اقتصادية محددة زمنيا تشمل تطوير وسائل الانتاج في البلد باسره . اذ بقي الاقتصاد العراقي من حيث الجوهر تابعا لالية النظام الرسمالي العالمي ومحكوما بقوانينه لذلك رغم صدور القانون رقم 80 لسنة 1961 الذي تمت بموجبه تحديد مناطق للاستثمار لشركات النفط الاجنبية ورغم انه تم انتزاع 99بالمئة من تلك الاراضي غير المستثمرة لم يتمكن نظام عبد الكريم قاسم من انتزاع الثروة النفطية من تلك الشركات بل بعد مفاوضات طويلة تمكن من زيادة حصة عائدات الحكومة من ارباح تلك الشركات .
لقد كان فشل نظام قاسم في معالجة الازمة الاقتصادية العميقة المفروضة بفعل الصراع الطبقي والاجتماعي الحاد سببا اساسيا في ميل عبد الكريم قاسم نحو تكريس الديكتاتورية الشاملة والسافرة والتنصل من وعود الديمقراطية والنظام البرلماني التي وعد بها الشعب عام 1958 عقب نجاح " الثورة ".
واخيرا اذكر بما كتبته في مقالي السابق عام 2013 : ان عبد الكريم قاسم وبعد تفردة بالحكم لم يستطع ان يبني اسس دولة حديثة في العراق ذات ركائز قوية ومؤسسات اجتماعية وسياسية بل انة صنع نظاما مهلهلا واستعدى كثير من القوى السياسية عليه خاصة قوى التيار القومي العروبي بما فيها البعث ومهد الطريق للانقلاب عليه من قبل القوى الفاشية القومية في 8 شباط 1963 والتي قامت بعد استلامها الحكم اعدام الاف الشيوعيين اوزجهم في السجون دون محاكمات . بسبب الصراع السياسي العميق بين تلك القوى السياسية القومية وبين الحزب الشيوعي العراقي الذي كان يملك نفوذا اجتماعيا كبيرا وذهب نتيجة تصورات سياسية خاطئة في مساندة ودعم نظام عبد الكريم قاسم الفردي والموصوف بانه زعيما وطنيا ، رغم ان الحزب لم يكن طرفا مشاركا في الحكم .
14 تموز 2016