المساواة المطلوبة بين الجنسين بالمغرب
يامنة كريمي
الحوار المتمدن
-
العدد: 5117 - 2016 / 3 / 29 - 00:18
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
المساواة المطلوبة بين الجنسين
بالمغرب
يامنة كريمي
يتخلل التدافع بين التيارات الفكرية حول المساواة بين الجنسين في المغرب منذ دستور2011، التساؤل عن طبيعة المساواة بين الجنسين التي يطالب بها الحداثيون والحقوقيون وخاصة أهل المنهج السياقي. ومهما كانت منطلقات وتوجهات وأهداف السائلين والسائلات، يبقى سؤال: أي مساواة بين الجنسين يطالب بها السياقيون؟ سؤالا جوهريا ومشروعا للأمور التالية:
-من جهة، (سؤال أي مساواة يطالب بها السياقيون؟) سؤال ينم على نوع من التواضع من طرف التيار المعارض وتحوله من محتكر للمعرفة الدينية و"متخصص-مقدس" في تنزيل الأوامر والفتاوي إلى مجتهد يقبل الاستماع إلى غيره من المجتهدات والمجتهدين خاصة في تأويل كلام الله الذي إلى جانب كونه فريضة عين فإنه يحتمل الصواب والخطأ مصداقا لقوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله) وجزاء الاجتهاد محفوظ.
-ومن الجهة الأخرى، يشهد هذا السؤال على بداية اتساع الآفاق الفكرية في الحقل الديني للمغربيات والمغاربة وانفتاحهم البناء على تجارب الحضارات والثقافات الأخرى بماضيها وحاضرها. إضافة إلى استعدادهم بل شروعهم في تبني قيم الحوار والتسامح كما تنص على ذلك مقاصد الإسلام وكدى نصوص القرآن ذات التأويل الحسن. وعليه فالإجابة على هذا السؤال تستحق استفراغ الجهد لتحقيق الدقة والوضوح والمصداقية من خلال خطوات المنهج السياقي.
جاء في مجموعة من المعاجم والقواميس العربية أن المساواة مشتقة من فعل ساوى يساوي، مساواة، فهو مساو (برفع الميم). والتساويَ هو التكافؤ في المقدار بلا زيادة ولا نقصان. والمساواة تكون بين المتفقين في الجنس وتعرف ب(التماثل) وتكون بين المُختلفَيْن وتسمى ب(التكافؤ). وبتحديد مفهوم المساواة تحضر لنا عبارة أخرى وهي، العدل، التي تأتي في إحدى السياقات بمعنى السواء مثل: سَاوى الشيءُ بالشيءَ، إذا عادله؛ ويقال: فلان وفلان سَواء، أي متساويان؛ ويطلق عديل (جمع أعدال وعُدَلاءُ) على النظير والمثيل، أي الذي يُعادل غيره في الوزن والقدر.
ومنه فإن المساواة أو التساوي هي العدل أو التعادل والتكافؤ في المقدار بلا زيادة ولا نقصان سواء بين المتفقين أو المتضادين. وهذا دليل قاطع على أن المساواة أصل من أصول النص القرآني وإن لم تحضر كعبارة فإن ما يدل عليها كان حاضرا وهو العدل والقسط والميزان... (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴿-;-٧-;-﴾-;- أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ﴿-;-٨-;-﴾-;- وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴿-;-٩-;-﴾-;-) أما جوهر التفاضل عند الله/ العدل لا يكون إلا في التقوى والعمل الصالح لذلك لا يجب أن نقف في تدبر النص القرآني عند مستوى التلاوة وظاهر النص وإنما نبحث عن آيات ودلالات النص من خلال سياقاته وباستخدام مختلف آليات وأدوات البحث الموضوعية لتحري الحقيقة.
وعلى أساس: تعريف عبارة مساواة -واستحضار كل ما سبق توضحيه في الأبحاث والمقالات السابقة عن تاريخ المرأة في الشرق والغرب الإسلامي -وعن مقارنة النصوص المتعلقة بالجنسين وتأكيد المساواة كأصل والتفضيل لعلة كاستثناء مع أن قاعدة أحكام العلة معروفة -وعلى أساس مقاصد الإسلام وسيرة النبي ص القائمة على اليسر وتحقيق المصلحة ودرء المفسدة. -وعلى أساس الفطرة والطبيعة -ومن خلال الاجتهاد والتأويل الحسن، يأتي الطرح السياقي لنوعية المساواة المطلوبة بين الجنسين كما يلي:
إن المساواة التي يجب أن تتم بين الرجلة والرجل هي المساواة بشكليها كما ورد في التعريف، أي مساواة التماثل ومساواة التكافؤ وذلك تبعا للفطرة والسياق.
أولا، سياق تحقيق مساواة التماثل وشروطه:
1- مراعاة سن التفكير في الزواج: يجب تجنب أي زواج قبل سن النضح الفكري والعاطفي (حوالي 25 سنة تقريبا) وما يرافقه من استقرار مادي ومعنوي حتى يتم القطع مع زيجات النزوات والاطماع والمتاجرة وما يترتب عن ذلك من مشاكل ومفاسد.
2- ضرورة الوعي بالزواج كمؤسسة تشاركية: الزواج بمفهوم العصر، شركة يجب ان تقوم على أساس المساواة في الحقوق والمساواة في الواجبات بمعنى التماثل وأحيانا التكافئ/ العادل بما تفرضه الفطرة والطبيعة.
3- اختيار الزوج مسألة شخصية: يجب أن يتم اختيار الزوج (مذكر/مؤنث) بمسؤولية وعلى أساس اقتناع كل طرف بالآخر، على مستوى الشكل و العواطف و الفكر والقيم والوضع الاقتصادي والاجتماعي... لان الاقتناع بالآخر هو الذي يجعل كل زوج لباس لقرينه حتى يتحقق الاستقرار ويتم القطع مع كل أشكال الانزلاقات الأسرية من عنف وتعدد وهجر وخيانة أو طلاق...مما تكون له تبعات تكلف الأسرة والمجتمع لأن الزيجات الفاشلة لا تنحصر انعكاسات فشلها على الاسرة وإنما تشكل عبئا اقتصاديا واجتماعيا وخلقيا على الدولة.
4- الوعي بجوهر عملية الإنجاب: الإنجاب لم يعد استثمارا وإنما هي سنة إنسانية ومسؤولية صعبة لمن أراد أن يقوم بها على حقيقتها. وهذه السنة يجب أن تتم -تبعا لما نص عليه النص القرآني وكما تقر به المواثيق الدولية- دون تمييز بين الجنسين. قال تعالى في سورة الشورى الآية 49: (لِلَّهِ مُلْكُ ٱ-;-لسَّمَٰ-;-وَٰ-;-تِ وَٱ-;-لأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱ-;-لذُّكُورَ) كما أنه عز وجل أعاب على الناس القول ب: (ليس الذكر كالأنثى).
5- شروط تربية المولود وتوجيهه: تتطلب تربية وتنشئة المولود/المولودة تجاوز مستوى التغني بالمساواة إلى مستوى التطبيق كسلوك ومعاملات. فالتربية ، منذ اللحظة الأولى، يجب أن تكون من منطلق المساواة وعلى مختلف المستويات: بداية من العقيقة وشكل ولون الغرفة واللباس واللعب (برفع اللام وفتح العين) واللعب (بفتح اللام وكسر العين). ويجب أن تستمر المساواة في كل المراحل العمرية وأن تشمل كل الحقوق والواجبات، مثل التعلم والمساهمة في خدمة الأسرة أو البيت والحرية والأنشطة الموازية وخاصة تلك الأنشطة والألعاب التي بقيت حكرا على الذكور لزمن طويل، والتي تستغل كدليل على الاختلاف بين الأنثى والذكر على مستوى القوى الجسمانية والشجاعة وهذا أمر مغلوط لأن التجربة أثبتت على أن المرأة يمكن أن تحصل على لياقة بدنية تضاهي أو تتجاوز تلك التي يتمتع بها بعض الذكور لأن الذكور ليسوا كلهم أقوياء وشجعان رغم كل الفرص التي تتاح لهم... كما أن الإناث -ورغم تربية الحصار والمحاصرة التي فرضتها عليهن العقليات التقليدية المريضة مما غرس فيهن الضعف الجسدي والخمول والخوف والمبالغة في العواطف- فمنهن من تسللن من المسار المخطط لهن قسريا وأثبتن أن المرأة ليست ضعيفة لا فكريا ولا جسديا ولا تغلب عليها العاطفة بالفطرة.
ثانيا، المساواة بالتكافؤ في حالة الإنجاب:
لمناقشة هذه الإشكالية والإحاطة ما أمكن بمعظم جوانبها لا بد من رفع اللبس عن مسألة اجتماعية من الأهمية بمكان، وهي ظاهرة إنجاب المرأة.
إن الفكر الذكوري الذي يسيطر على الطبقات الشعبية الإسلامية، يعتبر مسألة الإنجاب تافهة وليست ذات أهمية، فبالنسبة لهم ولهن أي أنثى يمكنها أن تقوم بالإنجاب أو التفريخ. ففي المغرب مثلا عادة ما نسمع المقولة التالية: (ما تادير والو غير كتولد وتحط حداها. أو بعبارة أخرى غير كتفرخ وتحط حداها). دون الإدلاء بسندهم الإسلامي في هذا الباب، أهل هو النص القرآني أم السنة الموافقة له؟ لأن المرجع الأصلي للإسلام يكرم المرأة كأم أعظم تكريم (الجنة تحت أقدام الأمهات)، هذا التكريم الذي للذكر فيه نصيب لأن بدونه لا يمكن أن يكون هناك حمل ولا إنجاب. مما يدل دلالة قاطعة على أن الاختلاف في الخلق هو سر إلهي وآية عن الإرادة الربانية في التكامل اللازم بين معظم المخلوقات وخاصة بين بني البشر سواء من خلال السخرة وخدمة البعض للبعض كل حسب كفاءاته وتخصصاته. أوالتكامل بين الزوجين بالمودة والرحمة والأنس. والكلام على أن "النساء" شقائق الرجال في الإسلام لم يأت اعتباطا (وكل شيء عند بمقدار/بحسبان) وإنما تعني أن كل زوج هو شق لقرينه ولا يمكن أن تتحقق الحياة إلا باجتماعهما مثلهما مثل مجموعة من الثمار التي جعل الله الواحدة منها تتكون من شقين متلازمين.
وعلى عكس تلك الصورة التي جذرها، في الأوساط الشعبية الإسلامية، الفكر المعادي للاختلاف بما فيه الجنسي بزعامة فئة من الفقهاء والمتمثلة في اعتبار المرأة مجرد أداة ترويح وتفريخ، فإن الانجاب معجزة حبا الله بها أنثى كل المخلوقات والظواهر وكرمها بذلك لكن البشر إناثا وذكورا ولسوء تدبير الكلام الإلهي شوهوا ذلك التكريم وتلك النعمة وحولوها إلى نقمة. والموضوع يتسع للمزيد من الحوار لكن لضيق المجال ننتقل إلى سؤال لا يقل أهمية في هذا السياق وهو: هل الإنجاب موضوع المرأة بمفردها أم لا؟
إدا كان الجواب بنعم، ففي هذه الحالة الحل أبسط من عبارة نعم وهو أننا نعيش في وهم وسراب وأن الحقيقة والحق هي أن يكون المجتمع مجتمعا للأمازونيات، كما حكى عنه التاريخ. وهذا ليس بالأمر المستحيل لأنه قد سبق وتحقق، بغض النظر عن انعكاساته أو موقفنا منه. أما إن كان الجواب بلا فلنمر إلى السؤال الموالي وهو: هل الإنجاب موضوع الرجلة والرجل أم موضوع مجتمع أم موضوع أطراف أخرى؟
في الواقع لا يمكن أن يختلف اثنان حول كون الإنجاب مسؤولية تتجاوز إمكانيات الفرد الواحد والإثنين والثلاثة والعشرة وأحيانا حتى قدرات المجتمع بكامله. فكيف ذلك؟
إذا كان من الفطرة أن المرأة هي التي تلد فإن ما تقوم به للمولود بعد الولادة ليس فطرة وإنما هو من باب العادة والتقليد السيئ مما ألحق ضررا كبيرا بالمرأة خاصة تلك التي تشتغل سواء داخل البيت أو خارجه وما بالك بهما معا. فالأب كالأم يمكنه (باستثناء الرضاعة) أن يرعى المولود/المولودة ويقوم بإطعامه وتغيير ملابسه والحراسة على نظافته...لأن طب الأطفال أو رعايتهم هو علم ومعرفة والطبخ والغسيل والنظافة كذلك مهارة تكتسب وهي لا تحط من الكرامة إلا لدى الجهلة بمفهوم الإنسانية والمرضى والأنانيين. والواقع الحالي أثبت أن الطبخ والنظافة والتأثيث والنظام... يتقدم فيها الذكور عن الإناث في حالات عدة، ولنا في المطاعم والفنادق وحضانة الأطفال الدليل القاطع. ناهيك عن بعض الأسر المغربية التي قد تجاوزت تلك النمطية مما أسفر عن تعايش وتساكن ومودة بين الزوجين واستقرار أسري قائم على العدل والمساواة عوض (الشيفور والكريصون). كما تم القطع مع استغلال الإنجاب كوسيلة لتنسيء المرأة (جعلها في الخلف أو المؤخرة) والإجهاز على حقوقها مثل ما هو سائد عند العامة من المغاربة. حيث عند الإنجاب تتوقف كل أنشطة الرجلة وأعمالها أو دراستها وتتحول إلى أداة للتفريخ لا تزيد قيمة –وأحيانا تقل-عن تلك الأدوات واللوازم التي الموجودة في البيت. وهنا يجب أن تتدخل الدولة والمجتمع لوضع قوانين تضمن تعويض الرجلة عن فترة الولادة حتى تحافظ على حريتها واستقلالها الماديين. وكدلك تمتيعها بالوقت الكافي للراحة واسترجاع الانفاس من تعب الحمل والولادة. إضافة إلى تمكينها من الرخصة الكافية للسهر على المولود/المولودة خلال فترة ما قبل الحضانة. وفي هذه النقطة يمكن حسب الظروف -أي أهمية عمل كل من الزوجين- أن يتولى الأب السهر على المولود/المولودة مباشرة بعد استراحة الأم وقدرتها على متابعة وظيفتها أو مسؤوليتها العامة. إضافة إلى وجوب إنشاء حضانات تتوفر فيها الشروط الضرورية من بنايات وتجهيزات وفضاءات وأطر مختصة لتجنب كوارث حضانات وروض التجارة والمضاربة. دون إغفال ضرورة رفع الحيف الذي يلحق المرأة التي أنجبت عند مساواتها بالرجل في سن التقاعد حيث لا يخفى على أحد سرعة دخول المرأة في مرحلة الشيخوخة بفعل الإنجاب.
والخلاصة هو أن المساواة بين الرجل والرجلة بشكليها هي أساس العدل في زماننا هذا. وأن إنجاب المرأة لا يجب أن يكون أداة للتقليل من شخصها أو المس بكرامتها وحرياتها الاقتصادية والاجتماعية والفكرية وإنما العكس هو الحق. والمرأة المغربية قد أثبتت في معظم الحالات أنها في مستوى المسؤولية بمختلف أنواعها، تحتاج فقط لقانون يساوي حقوقها مع الرجل ويراعي لديها خصوصية الإنجاب ويقدرها حق تقديرها إلى جانب تحفيزها ودعمها وتشجيعها. والمغاربة والمغربيات لن يخطئوا ولن تخطئن الموعد مع محطة التطور والديمقراطية التي يعيشها المغرب من أجل تغيير العقليات وتمكين الجميع من المواطنة الحقة القائمة على المساواة وعدم ظلم وهدر نصف طاقات وكفاءات المجتمع كأساس للاستقرار وتهذيب الأخلاق والتقدم والنمو خاصة وأن التمييز بكل أشكاله، لم تحصد من ورائه المجتمعات الإسلامية سوى الفساد والنفاق والجهل والتخلف...