الميديين والقضاء على المملكة الاشورية


طريف سردست
2016 / 1 / 8 - 18:15     

Deioces in Herodotus
حسب المؤرخ الاغريقي هيرودوتوس، كان ديوسوس هو الملك الاول الذي اختارته قبائل الميديين لملئ الفراغ في القيادة، واسمه صار يبعث على الرعب. يصفه هيرودتوس بأنه كان شخص متعطش للسلطة ودعى ابناء القبائل الميدية للتوحد وبناء مملكة تدافع عنهم بحيث لايخسرون منازلهم، وقد نجح في ذلك، ليكون ديوسوس قد حقق لقبائل البدو من الميديين ماحققه محمد لقبائل البدو العرب وجنكيز خان لقبائل البدو المغول، ولكن سبقهم الى ذلك ببضعة مئات من القرون.
قام ديوسوس ببناء عاصمة اسماها ايكباتانا Ecbatana ( Hamadan) ووضع الادارة وقوانين موحدة وحكم على مدى 35 سنة. ابنه أسمه فراورتيز وهو والد الملك سيخاريز الذي انتصر على مملكة الاشوريين وحقق استقرار مملكة الميديين. غير ان ماكتبه هيرودوتوس يخلط الكثير من الاخبار التي سمعها بالاساطير الشائعة ، بما فيه شجرة الانساب للعائلة المالكة، بما يجعل من المستحيل تحديد تاريخ حياة هذا الملك، ويعتقد انه عاش في النصف الاول من القرن السابع قبل الميلاد.

في الكتابات الاشورية جرى ذكر الملك ديوسوس بأسم دايكو من فترة سرجون الثاني (نهاية القرن الثامن قبل الميلاد) وجاء ذكره بلقب محافظ المنطقة الواقعة على حدود مملكة آشور. قامت مملكة اورارتو ( منطقة ارارات الارمنية) بأخذ ابنه رهينة لتضمن مساعدته العسكرية لها ضد اولوسونو، غير ان سرجون الثاني اسر دايكو ونفاه الى مدينة حماه السورية هو وعائلته. للاسف لاتوجد وثائق اخرى يمكن اعتمادها لتؤكد ان دايكو الذي كان في عهد سرجون الثاني ودايوسوس الميدي هما الشخص نفسه.

الملك Cyaxares´-or-Hvakhshathra ابن الملك فراورتيز وحفيد ديوسيس مؤسس المملكة، كان الملك الثالث والاكثر مقدرة بين ملوك ميديا. وحسب المؤرخ الاغريقي هيرودوتوس، امتلك سمعة عسكرية فاقت سمعة اجداده، تمكن من ابعاد الحثيين عن المملكة وتحالف على سقوط مملكة الاشوريين.

والد سيخاريس قتل في المعارك على يد اشور بني بعل ملك الاشوريين. بعد مقتله بدأ الحثيين يتجرؤون على الميديين واجتاحوا اراضيهم، فقام سيخاريس بصدهم وتمكن من قتل قادتهم واعلن نفسه ملكا على الميديين، ثم بدء بالتحضير للثأر من الاشوريين، فتحالف مع الملك نبوخذ نصر ( بالاكدية: نابو ابال اوسور )الاكدي البابلي (658-605 قبل الميلاد). هذا التحالف جرى توطيده من خلال زواج ابن الملك نبوخذنصر، نبوكادنصر الثاني، مع بنت الملك سيخاريس، آميتيس. هذا التحالف تمكن من اسقاط مملكة الاشوريين واحتلال نينوى عام 612 قبل الميلاد.

بعد اسقاط المملكة الاشورية تفرغ الميديين لتسيير الحملات نحو الشمال ضد الارمن واقسام من آسيا الوسطى وحتى الشواطئ الشرقية لنهر قيزيل إيرماك (النهر الاحمر) وهو اطول نهر في تركيا الحالية ويصب في البحر الاسود، ويشكل الحدود مع قبائل ليديا، وهي الحدود التي رسمتها جملة من الحروب على مدى بضعة سنوات بين الميديين وليديا، انتهت الى السلام بسبب كسوف الشمس، عام 585 قبل الميلاد.

الحروب بين الميديين وليديا سرده هيرودوتوس على الشكل التالي:
"قبائل من السكوثيين البدو Scythians كانوا في صراع مع بقية قبائلهم هربوا وبحثوا عن الحماية في بلاد الميديين. سيخاريس ابن فراورتيس كان قائد الميديين ، والذي في البداية سمح لهم بالمرور واصبحوا ممنونين له بالحماية، وكان يثمنهم عاليا فسمح لاطفالهم بتعلم الرماية ولغة الميديين. ومع الوقت تعود السكوثيين ان يذهبوا للصيد ودائما كانوا يعودون بصيد وفير، الى ان جاء وقت صاروا يرجعون بدون اي شئ. وعندما صاروا يعودون خالي الوفاض علم سيخاريس بما يحصل وأن ذلك لابد انه بسبب شئ شرير، فتصرف معهم بقسوة واستخدم كلمات مهينة. وهم، عندما حصلوا على هذه المعاملة المهينة بدؤا بوضع الخطط لقتل واحد من الاشخاص الذي كان يعلم اطفالهم وسلخه كما يسلخوا الطريدة ليحملوا اللحوم الى الملك سيخاريس ويتظاهروا انها من صيدهم في البرية وبعد ذلك الفرار على عجل الى سارديس. وقد فعلوا ذلك، والملك سيخاريس وضيوفه اكلوا من اللحم والسكوثيين هربوا واصبحوا جنود عند الياطيس في سارديس.
بعد كل ذلك، ولكون الياطيس رفض تسليم السكوثيين عندما طلبهم سيخاريس، اشتعلت الحرب بين الميديين والليديين، واستمرت خمسة سنوات. كانت المعارك متوازنة، وفي احدى المرات اثناء معركة في السنة السادسة، تحول النهار الى ظلام. وعندما رأى الطرفين ان النهار تحول الى ليل توقفت المعركة واصبح الطرفان يرغبان بالسلام. ولتحقيق سلام دائم جرى زواج تبادلي فأعطى الياطيس ابنته ارينيس زوجة الى استياغيس ابن سيخاريس". "(The Histories, 1,73-74, trans. Macaulay)
هذه القصة تظهر خوف الاولين من ظاهرة الكسوف والخسوف واعتقادهم انها تعكس غضب الالهة وتبشر بالموت والهزيمة والكوارث، كما تذكر لنا الوثائق الاشورية. وبما ان الظاهرة حدثت اثناء الحرب فلابد انها اشارة من الالهة على انهم غير راضون عن هذه الحرب الامر الذي سهل عملية السلام.
بعد المعركة بفترة قصيرة مات سيخاريس وحل مكانه ابنه استياغيس ملكا على الميديين. دفن سيخاريس في مقبرة , Qyzqapan, في السليمانية، حسب أعتقاد المؤرخ الروسي ايغور دياكانوف.
في النشيد الوطني الكردي Ey Reqîb يشار الى سيخاريس على انه الاب القومي للاكراد، انطلاقا من التمنيات، ولكن هل حقا ان اكراد اليوم، يمكن فعلا أن يكونوا امتداداً لقبائل الميديين تحديداً!! هذا ماسنعالجه في الموضوع القادم