الكتابة المخادعة بين يعقوب ابراهامي وطلال الربيعي


رائد الحواري
2015 / 8 / 9 - 21:57     


نشر على الحوار المتمدن مقال ليعقوب ابراهامي يوم 7/8/2015، يرد فيه على ما كتبه طلال الربيعي على حلقات تحت "خرافة وجود الشعب اليهودي" نحن مع الكتابة في كل كبيرة وصغيرة، فليس هناك ما هو محظور، القارئ لما ينشر من مقالات في المتمدن يجد كم هائل من الأفكار المتناقضة والمتعارضة، ونجد أيضا حوارات رائعة تتم بين الكتاب، هذا يكتب مقالا وذاك يرد عليه، وهذا يكتب تعليقا وآخر يتكلم مدافعا عن كاتب المقال، وهكذا، لن نحمد/نمدح هذا الأمر فكما له من الحسنات، عليه من السلبيات، فنحن في المنطقة العربية كأفراد وجماعات نعاني الأمرين تحت وطأة الجهل وتكريس الدين لتخريب الوطن وتشريد وقتل المواطن، وبينما يقوم الحاكم العربي بتكديس وتجميع الثروة على حساب الوطن والمواطن، مستخدما أبشع وأقذر الأساليب لتحقيق وتثبيت مصالحه الشخصية.
لا احد ينكر واقعنا المزري والمنحط، فنحن نعيش في الحضيض كمجتمعات وكأمة، لكننا كأفراد غير ذلك، فقد خرج منا عمالقة أذهلوا العالم وأثروا فيه بحجم دول كبيرة، فكان السياب الذي ما زالت صرخته في الخليج "العراق العراق، ليس سوى العراق" وما زالت قرع خزان غسان كنفاني يدق رغم مرور أكثر من أربعين عاما على قتله من قبل الصهاينة (اليهود) وما زالت مدن الملح لعبد الرحمن منيف تحذرنا مما نحن فيه، وما زال "احمد العربي" لمحمود درويش محاصرا من وفي مدن الرماد، وها هو "رجب إسماعيل" لعبد الرحمن منيف ما زال قابع في غياهب السجون، وها هو "المتشائل" لإميل حبيبي يتكلم ساخرا من الاحتلال ودولته، وها هو نشيد "لا تصالح" لأمل دنقل يدفعنا لنتمسك بحقنا.
بهؤلاء وغيرهم لسنا أمة عقيمة، لسنا نوري السعيد/المالكي، والسنا القاعدة أو داعش، ولسنا من دعم وساهم في تشكيلهما، أسألوا وابحثوا عمن أوجدهما، ستجدون الجواب والحل معا.
قد يبدوا هذا الحديث خارج عن موضوع يعقوب ابراهامي، كلا، انه في صلب موضوع، هذا العراقي الذي أرجو وأتمنى أن يعود لعراقيته، الوطنية والجغرافية، ولحزبه الذي يتفاخر بوجوده فيه، وفما زال يفاخر بفترة اعتقاله، هناك في العراق.
لسنا ولم نكن ضد أي طائفة أو فكرة، لكننا كباقي شعوب الأرض نقف ضد كل من خرب وطننا وشرد شعبنا، مهما كانت ملتهم، دواعش أم يهود، حكام/موظفين فاسدين، فكل من ساهم في إلحاق الضرر بنا نحن ضده.
الكاتب المخادع يستخدم وجعنا وما الحق بنا من مآسي لكي يدفعنا إلى البقاء مغموسين فيما نحن فيه، لا يريدنا أن نبحث في أحد أهم الأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه، وجود واصطناع دولة في قلبنا، في وعلى جغرافيتنا، كل من يحلل ما يحدث في العراق وسورية تحديد، يعلم بأنهما يعاقبان على (أثم/خطيئة/جريمة) اقترافها بحق دولة الاحتلال، من هنا لا يريد يعقوب (العرقي) أن يبحث أي إنسان في مأساته هو قبل مأساتنا نحن، مأساة بخلعه من وطنه العراق وزرعه في تربه ليست له، فأرض النخيل تختلف عن جبال الزيتون، فهو ما زال ـ في العقل الباطن ـ يحمل/يحن للجذر الذي غذاه حتى كبر، لكنه في ذات الوقت يكابر، يريد أن يقنع نفسه، قبل الآخرين بأنه على صواب، وأنه جزء من الدولة التي توفر له كل شيء، ويعيش في كنفها في بحبوحة من العيش، ليس بهذا الشكل يتم أخذ الأمور، .
انقل ما كتبه يعقوب (العراقي) لكي نقترب ونفهم أكثر، الطريقة التي يخادعنا ويخدع نفسه فيها. فيقول:"وليس هذا فحسب. يقول الدكتور: "ينبغي على كل حكوماتنا ومؤسساتنا الثقافية الرسمية والشعبية نشر هذا الكتاب وتوزيعه بالمجان على كل الناس. فللناس الحق الكامل في معرفة الحقيقة".
ولكن لماذا بالمجان؟ وإلى أي حكومات ("حكوماتنا"!!!) يتوجه الدكتور؟ في الأمس القريب فقط قلتَ أنهم "مافيا" – كيف انقلبوا فجأةً إلى "حكوماتنا"؟ أليس حل مشكلة الكهرباء في العراق، مثلاً، ألح وأهم من نشر كتاب شلومو ساند "مجاناً"؟ هل البت في قضية "خرافة وجود شعبٍ يهودي" هو الذي يجب أن يُشغل اليوم بال "مؤسساتنا الثقافية الرسمية والشعبية"؟ هل مُحِيت الأمية؟ هل انعدم الفقر؟ هل زالت الأمراض؟ هل قُضِي على الفساد؟ ولم يبق أمام "مؤسساتنا الثقافية الرسمية والشعبية" سوى أن تقرر في المسألة المصيرية: هل اليهود شعبٌ أم لا؟" بهذا يريدنا
يعقوب أن لا نفكر أو نتكلم إلا بما أوجده الآخرون لنا، فليس مسموحا لنا أن نذكره ـ وهو منا ومحسوبا علينا ـ ونذكر أنفسنا بأن أحد أهم مصائبنا وجود تلك الدولة المصطنعة.

وعندما تحدث أحد المعلقين على الجريمة التي اقترفتها تلك الدولة، التي تدعي وجود "الشعب اليهودي" وتحميه من الأخطار المحيطة به يرد عليها قائلا:"أنت تسألين : لماذا يحق لكم تشريد شعب وطرح مشروع تهويد بلد ولا يحق لغيركم نقاش ذلك؟
إذا كنتُ أنا المقصود بهذا السؤال فأنا لم أقل ذلك" - بهذا الشكل يهرب الكاتب من واقعه هو، قبل أن يرد لنا الهروب من واقعنا.