نحو حزب شيوعي عمالي
محمد الخباشي
2005 / 9 / 25 - 13:50
المبادرة بحد ذاتها:
نشرت رابطة النضال الشيوعي بالمغرب، مشروع أرضية توجيهية، واعتبرتها "رؤوس أقلام للنقاش والتطوير والتدقيق مع الالتزام بالأسس الجوهرية". ولم أتحمس للدخول في هذا النقاش لاعتبارات: أولها أن الأرضية ليست إلا واحدة من ركام الأوراق التي تعرض للنقاش، وقد سبق أن عرضت خطوطها العريضة، في صيغة أقرب إلى التي نشرت بالحوار المتمدن، في اللقاءات الماراطونية لمجموعات "اليسار الجديد" إبان البحث عن إطار وحدوي، أو أثناء إعادة بناء الذات في أعقاب الإفراج عن المعتقلين السياسيين في بداية التسعينات. وبالتالي لم أر من ضرورة لنقاش سبق أن استنزف قوى مناضلين آخرين.
ثانيها أن روح الأرضية لم يشد عن الملاحظات التي أبديتها في مقال سابق "أسئلة إلى اليسار المغربي" نشر بالحوار المتمدن عدد1289 ، إذ أن الحركة التي أصدرت الأرضية تعتبر نفسها فصيلا من فصائل الحركة الاشتراكية والعمالية، وفي الوقت ذاته تعتبر نفسها بديلا، على عكس ما ورد في الأرضية. في الوقت الذي تقول أن "الرابطة لا تعتبر نفسها بديلا للأحزاب والمجموعات الاشتراكية المغربية...."، فإنها في الواقع تعتبر نفسها بديلا ثوريا "وخطوة أولى في الألف ميل..." تتميز بمعارضتها "الجذرية والشاملة للنظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي القائم بالمغرب". أكثر من ذلك فإنها تعتبر نفسها "التعبير الواعي السياسي والنظري للطبقة العاملة المغربية وحلفاءها...". الصيغة وردت معرفة وليست نكرة، بما يعني ذلك أنها تعتبر نفسها التعبير الوحيد الواعي... تلك سمة لم تشد الرابطة عن مثيلاتها من التنظيمات اليسارية التي اتخذت شكل أحزاب أو المجموعات الصغيرة. وقد سبق أن عبرت عن ذلك في المقال المذكور أعلاه. وهي عقلية شوفينية اقصائية، عنترية في غالب الأحيان. ونفس العقلية، ترجمتها المقالة المسماة: قراءة نقدية لأرضية الرابطة، المنشورة بالحوار المتمدن عدد 1323.
وفي القراءة المذكورة وصلت الجرأة بصاحبها إلى الإشارة بشكل خبيث إلى التلميح بنوع من الغمز، في إشارة إلى مصادرها ومن هم أصحابها الذين يقول أنهم معروفون بصمودهم ومعرفون أيضا لدى المخابرات... وكان من الأجدر أن تناقش الأرضية في حد ذاتها، وليس أصحابها. وشخصيا لا يهمني إن كان أصحابها من الشجعان الذين التحقوا بالقوى السياسية أو الذين لم يلتحقوا. ولا يهم مصدرها حتى ولو كان بوليسيا. ما يهم بالدرجة الأولى ، الأرضية، مضمونها وحمولتها التوجيهية والسياسية ، والأهداف التي ترمي إليها.
حين يعتقد المرء انه الوحيد القادر على إنتاج المعرفة النظرية والسياسية، وحين يدعي تنظيم، مهما كان حجمه، انه وحده القادر على تخليص الطبقة العاملة من براثين الاستغلال والقهر، وانه مفتاح الانفكاك من الظلم الطبقي. وبوابة جنة الخلد، فإنه مدعاة للسخرية أولا.
وثانيا، فمن المؤكد أنه في طريقه إلى الزوال والركون إلى زوايا الأرشيف والمتاحف، كما هو شأن العديد من التنظيمات عبر مسيرة النضال السياسي بالمغرب، بما في ذلك الظرف الراهن.
مبادرة الرابطة ليست سوى رقما من الأرقام، ولن تكون ذات مفعول ايجابي على الساحة السياسية والجماهيرية، لأنها كانت قائمة أصلا كممارسة من خلال فعل أصحابها وهامشية ممارستهم وتأثيرهم على المنظمات الجماهيرية والنضال الجماهيري بشكل عام. إضافة إلى ذلك، فإنها صوت من ضمن الأصوات التي ترتفع من حين لأخر، كصوت صاحب القراءة النقدية لأرضية الرابطة. لنظل في حلقة مفرغة يعتقد كل منا أنه الأصح، والأصلح للبقاء، وبالتالي نتقاذف، نتبادل اللمز والغمز، رغم ادعائنا أننا نسمو ونتعالى على الممارسة الصبيانية التي لازمت قوى اليسار عبر مسيرته. ونجسد في الوقت ذاته، العجز المطلق على تجاوز الحلقية والعنترية، ولا أنكر أنني، نفسي، انزلقت إلى هذا الموقع بوعي أو بدون وعي. ومهما كان الأمر، فإنني أقر أن الواقع الحالي للنضال السياسي بالمغرب، وواقع التنظيمات اليسارية، لا يبرر أن نطلق النار على الجميع، وندعي أننا الوحيدين على صواب. وهنا يكمن مأزق صاحب القراءة النقدية نفسه. وسوف أعود إلى متطلبات الوضع الحالي، وسأبدي تصوري للطريقة الوحيدة –حسب نظري- التي يمكن أن يولد بها حزب الطبقة العاملة.
- المضمون التوجيهي والسياسي للأرضية:
أوافق على الملاحظة الأساسية التي وردت في الأرضية، نبذت فيها منطق التشيع والحلقية. وقد سبق أن أشرت في السابق إلى أن الاشتراكية ليست عقيدة، وحين يدافع أحد عن التراث اللينيني واغناؤه للفكر والممارسة الثورية الاشتراكية، وهذا أمر لا غبار عليه، دون الأعلام الأخرى، ودون الالتفات إلى الثورات الأخرى، بنجاحاتها وإخفاقاتها، فإنه ينزلق إلى تقديس النصوص والشخصيات .... وهذا أمر يضرب في العمق المنهج المادي الجدلي. وحين نختزل النضال الإنساني كله من أجل الانعتاق والتحرر ومن أجل المجتمع الخالي من الطبقات، في ثورتين كومونة باريس وثورة أكتوبر 1917، فإن ذلك ليس بعيدا عن دالتونية سياسية ونظرية. ليست الثورات الناجحة وحدها هي التي يجب أن نستفيد منها، إن لم نقل أن الإخفاقات والثورات الفاشلة هي التي يجب أن تكون موضع الدرس والتقييم للاستفادة من أخطائها. وإذا كانت الثورة الصينية، أو القيتنامية وحتى الكوبية ثورات غير اشتراكية، حسب المنطق الدالتوني، فهل يمكن أن تنجز ثورة اشتراكية من طرف نفر من الناس لا تسمع حتى صيحاتهم؟ هل بمقدور مجيمعة ظلت لأكثر من 15 سنة غير قادرة على تجاوز الحلقة الضيقة التي تتكون منها، لتنفذ إلى الإطارات والنضالات الجماهيرية، أن تقود النضال من اجل حتى مطلب إصلاحي بسيط؟
وحين تختزل الثورة الروسية في شخص لينين، ويختزل بناء الاتحاد السوفياتي، أو حين تختزل الثورة كلها بهدمها للقديم وبناءها للجديد، في رجل واحد مهما كان دوره، هنا يستسلم المنطق المادي الجدلي والفكر الاشتراكي لفقهاء الدين المتزمتين والخانعين وهم في ثوب يخذلهم هم أنفسهم قبل غيرهم. الاشتراكية كفكر وكبناء اجتماعي، لا ترتبط بشخص ولا بمرحلة، ولا تقبل التلوينات التي تزين بها. واذا كنا نتوهم اننا نقود النضال السياسي في بلادنا، كقوى يسارية بفعالية، واننا نؤثر في المسار السياسي للصراع الطبقي، فلينظر الجميع الى انجرار جمع المنظمات الجماهيرية النقبية والجمعوية... وراء هرولة الاحزاب السياسية التي كانت متنفذة فيها بعدما جرتهالطبقة الحاكمة الى المشاركة في الحكومة. هل استطعنا ان نوقف هذا الانجرار؟؟؟؟
وبالعودة إلى أرضية الرابطة، فلا بد من الإشارة إلى أن ما يهمني ليس هو الواقع التنظيمي للرابطة، وان كانت تريد الانخراط عبر الانترنت كما أشار إلى ذلك صاحب القراءة النقدية بنوع من البولميك الرخيص. ولا يهمني إن كانت مجموعة كبيرة أو صغيرة أو حتى مجموعة فارغة. ما يهمني هو الطرح الابديولوجي والسياسي. ورغم ذلك لابد من الإشارة إلى ملاحظة مفادها أن هناك نوع من الازدواجية في الخطاب، فتارة نسمع "الهيئة التأسيسية" وتارة نسمع "رابطة النضال الشيوعي..." ومن حقنا أن نتساءل إن كانت هذه الرابطة قائمة فعلا، أو قيد التأسيس.
أما في مضمون الأرضية التوجيهية، فأول ملاحظة يجب تسجيلها هي أن الأرضية تنم عن منطق تفكير تائه، لا يميز بين الاستراتيجي والتكتيكي، وشوه مضمون الاشتراكية كتدبير وكبناء مرحلي يمهد للنظام الشيوعي. لنرى ذلك:
حددت الأرضية مهام نضالها في المرحلة الراهنة من تطور المجتمع المغربي في:
1- إسقاط نظام الحكم القائم وتحطيم جهاز الدولة المخزني/الاستعماري الجديد والقضاء على ثلاثي البرجوازية.... وإقامة سلطة مجالس العمال...
اعتبرت الأرضية هذا "الشعار" تكتيكا، وهنا يكمن المأزق. هذا "الشعار" غير قابل للتحقق إطلاقا على المدى القريب وحتى المتوسط.
فهو من الناحية النظرية والسياسية أكثر بعدا من الاستراتيجي- المرحلي، لاعتبارات ترتبط بالواقع الاقتصادي والاجتماعي المغربي الذي تكمن فيه بعض معوقات النضال السياسي الهادف إلى بناء المجتمع البديل، بل إنها تكبح عملية التوسع التنظيمي والجماهيري للقوى المناضلة. الأمية والفقر كانت وباستمرار الأرضية الخصبة للقوى الاستغلالية كي تنشر فكرها وتؤبد سلطتها. وقد عرف تاريخ المغرب تجارب حية في هذا المجال، وعلى الجميع أن يتذكر حسب ما يروي أبطال حركة 3 مارس، حين كان هؤلاء الفقراء والمعدمون، يرشدون السلطة لإلقاء القبض على الثوار. فهل يمكن للدعاية والتحريض.... أن يقود إلى حركة عارمة أو عصيان مدني... في غياب الحد الأدنى من الديمقراطية، وينجح في تغيير نظام الحكم؟ من جهة أخرى، هل يعتبر القضاء على البرجوازية إجراء آنيا، يتحقق بضربة سيف؟ يمكن القضاء على الملكيات الخاصة والاحتكارات الكبرى. ولكن البرجوازية لا تختزل فقط في ذلك، بل في الفكر أيضا ، وهو الذي ضرب جذوره في المجتمع. فهل يتم القضاء عليه دون هيمنة إيديولوجية للطبقة العاملة والفكر الاشتراكي؟ هاهي البلانكية لا زالت حية في تفكير العقليات البيروقراطية التي لا ترتبط بالجماهير إلا من خلال مكاتبها. وتصوغ النماذج كما يحلو لها. تم، من سيقود كل هذه الأعمال قبل إقامة المجالس العمالية؟ اضافة الى ذلك سردت الارضية سلسلة من الاجراءات التي تعتبر دات اولوية في النقطة الثانية. وهنا لست ادري انكان الترتيب الوارد في النقط البرنامجية خاضع لترتيب منطقي ام لا. تعتزم الرابطة تأميم المالح الاقتصادية............ واقرار نظام ضريبي تصاعدي. وهنا اتساءل ن كانت الرابطة تقر بالاجور والمداخيل المتفاوتة الى درجة تستدعي احذاث نظام ضريبي تصاعدي. هذا النظام تسنه الدول التي يوجد فيها فرق كبير بين الاجور والمداخيل، كما هو الشأن بالنيبةللضريبة على الثروة مثلا. فهل ستسمح الرابطة باجور مرتفعة ؟ وهل سيكون في النظام الاشتراكي للرابطة نشاط اقتادي خاص يمكن احبة من مركمة ثروة خاصة’؟
لقد بينت الأرضية أن الرابطة، في حالة قيامها، تفتقد إلى برنامج ديمقراطي وبالتحديد إلى الإجراءات التي يجب النضال من اجلها في الظرف الراهن كي توفر الأرضية للبرنامج الاستراتيجي المرحلي المحدد في النقط الخمس. وإذا كانت تعتبر أن هذه النقط ذات بعد آني، فإن الرابطة ألقت بنفسها إلى بحر الحلقات المفرغة واستراتيجية الفوضى. الثورة لا تتحقق بضربة واحدة. بل هي تراكمات كمية تتوج بقفزة نوعية. الثورة مهما كانت طبيعتها تتمفل الى حلقات، تعتمل في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي على المدى الطويل. لكنها تنتقل من حلقة الى اخرى مارة بمنعرجات، بفترات المد والجزر، بنجاحات وبانكسارات ايضا. لكن لا يمكن ان تتحقق بدون تراكمات. هذه التراكمات هي المكتسبات التي يتم تحقيقها على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي ولكن ايضا على الصعيد السياسي والديمقراطي.
الملاحظة الثانية هي أن مدبج الأرضية، لكي لا أقول الرابطة كلها، أو على الأقل الهيئة التأسيسية التي أصدرت الأرضية، لا زالت لم تستطع التخلص من الفانتازيا والعقلية العنترية بشكل كامل. وتؤكد "أن أساليبها غير مقيدة في الزمان والمكان وهي بذلك مستعدة لاعتماد كل الوسائل القانونية واللاقانونية... السلمية والعنيفة...."
هذه لغة لا يستطيع أن يستعملها قائد سياسي ولم يستعملها حتى غيفارا نفسه‼.
خلاصة أخيرة، وهي أن الأرضية، رغم حمولتها الإيديولوجية والسياسية، فإنها لم تتجاوز الحجم السياسي والتنظيمي للهيئة التي أصدرتها. لكنها جديرة بالقراءة والنقد من موقع ليس بالضرورة مشرزطا بالالتزام بمضمونها وباسسها الجوهرية.
من أجل حزب ثوري عمالي:
أعود إلى ما سبق أن نشرته في مقال سابق. وهو أن حزب الطبقة العاملة، لن يولد إلا بولادة جديدة لليسار المغربي. ولادة قادرة على تخليص اليسار بما علق به من امراض وطحاليب وبقايا الفكر الديني والقومي والعروبي المنغلق والشوفيني، واليسراوية والطفيلية والصبيانية حتى. لن يولد إلا من خلال حركة جماهيرية واسعة، ونشاط إيديولوجي وسياسي مكثف قادر على خلق أنوية ولبنات أولى قادرة على قيادة النضال من اجل الاشتراكية. وشروط ذلك:
1- شرط توجيهي وإيديولوجي: يجب العمل على أن يصبح الفكر الاشتراكي واسع الانتشار في المغرب، وكبح جماح الانتهازية واللامبالاة والتطرف الديني. أي أن هناك معركة إيديولوجية يجب خوضها. حتى يتم تجاوز الحلقات الضعيفة المنغلقة والمتعصبة والتحريفية منها وتنفضح التخفية في زي الاشتراكية. في ظل الأرخبيلات القائمة والعقلية الاقصائية التي لازمت منطق تفكير التنظيمات والمجموعات القائمة ، سوف نظل ندور في حلقة مفرغة. ويتكرر الطرح السياسي لمجموعة سياسية صغيرة في خطاب شبيه ومماثل والتشدق بأن هذا الطرف سرق مواقف الطرف الثاني الخ...
2- شرط جماهيري: يجب خلق حركية جماهيرية مطلبية تحرك المياه الراكدة والآسنة. من شأن هذا الشرط أن يخلق ديناميكية تعمل على تجاوز العناصر المتهالكة والشائخة، وخلق قوى اجتماعية جديدة، تستطيع أن تقود النضال من أجل الاشتراكية.
بتحقق هذه الشروط تفرز الدعائم الأساسية لبناء حزب ثوري على قاعدة اجتماعية تعرف مضمون ومعنى الاشتراكية، وعلى أرضية اجتماعية، سياسيا وإيديولوجيا، لا يعتبر فيها الفكر الاشتراكي غريبا. ولكي لا نتعالى على الواقع، أي تنظيم أو مجموعة تضم في صفوفها طبقة عاملة واعية ثورية.....؟ وحتى إذا حصل هذا الشرط، هل تستطيع وعلى المدى البعيد أن تؤثر على عموم الطبقة العاملة كلها وتحقق النصر؟.
ولأجل ذلك أجدد الدعوة إلى العمل على تحقيق أرضية قابلة لتسهيل عملية ولادة اليسار من جديد بجسم سليم من الأمراض التي تفتك به. هذه الأرضية ألخصها مجددا في خلق منتدى فكري وسياسي حددت مهامه في المقال المذكور.
خلاصة:
نريد شيوعية عمالية منبنية على منهج مادي جدلي وتحليل سليم للمجتمع وصياغة البرنامج السليم لتحقيقها. ونريدها شيوعية عمالية يقودها أناس وعناصر تعرف الاشتراكية ومضمونها ولا نريد اشتراكية ولا حركة اشتراكية يقودها أناس لا يعرفون من الاشتراكية إلا اسمها.