اليونان: سيريزا يلحق هزيمة شعبية كبيرة بغزاة الترويكا الأوروبية
الرابطة الأممية للعمال-الأممية الرابعة
2015 / 3 / 11 - 08:54
متجاوزا الأفضلية الانتخابية التي بشرت بها الاستطلاعات منذ أشهر، خرج حزب سيريزا بانتصار كبير في الانتخابات التي جرت في اليونان.
المتضرر الأكبر كان حزب الديمقراطية الجديدة، التي يترأسه رئيس الوزراء السابق أنطونيو ساماراس، الفاعل الرئيس في الخطط الاقتصادية القاسية التي أنهكت السكان والتي طالبت بها الترويكا (الاتحاد الأوروبي، البنك المركزي الأوربي، صندوق النقد الدولي) بدين يبلغ 240 مليون يورو.
نحن بصدد مرحلة جديدة مع فاعلين سياسيين جدد. إذ وجهت صناديق الاقتراع ضربة قاسمة للأحزاب الرئيسية التقليدية: حزب الديمقراطية الجديدة وحزب باسوك الاشتراكي الديمقراطي، والذي بعد أن كان بطل السياسة اليونانية خلال أربعة عقود، حصل فقط على 4.6 بالمئة من الأصوات (13 مقعدا).
عبرت النتائج الانتخابية عن انتصار سياسي للطبقة العاملة اليونانية. فقد كان تصويت ملايين اليونانيين لسيريزا، في الأساس، صيغة لمعاقبة الأحزاب والقادة الذين دمروا البلاد خلال السنوات الست الأخيرة، وذلك خدمة للترويكا ورأس المال الألماني.
يعني التصويت لسيريزا هزيمة تشرعية للوضع الاقتصادي الكارثي، بمؤشر خسارة بلغ 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي عملا بالخطة الخمسية الأخيرة؛ البطالة طالت ربع السكان وأكثر من نصف فئة الشباب؛ ثلث السكان يعيشون تحت مستوى الفقر، الدين الخارجي هائل، حيث يمثل 177 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. ولا يزيد من مرارة "القرارات المجحفة" في كل مرة إلا وجود تلك الحكومات الخانعة التي كانت عبئا ثقيلا على الشعب اليوناني.
يمكن تفسير اختيار سيريزا عبر صناديق الاقتراع بمثابة "كفى" لكل دعوات "خطط التقشف" وللأحزاب التي تدعو لها، والتي كما يعرف الجميع، خرجت الطبقة العاملة والشعب اليوناني الفقير لمواجهتها منذ الخطوات الأولى، الشعب الذي تصدر أكثر من 30 إضرابا عاما وعدد لا ينتهي من النضالات اليومية منذ بداية الأزمة الرأسمالية وما ارتبط بها من "حروب اجتماعية" فرضتها الترويكا على الشعوب الأوروبية.
ولهذا السبب شددت شعارات حملة ساماراز، الذي ملأه الخوف، حتى وصل إلى درجة الرعب، على التصويت له أو الدخول في حالة الفوضى، والنتيجة كانت اخفاقه في هذه الدعوة. بعد ست سنوات من التقشف والبطالة والجوع وتدمير قطاع الخدمات العامة، زيادة بنسبة 45 بالمئة بحالات الانتحار والإهانات من كل صنف، أدركت أغلبية الشعب أن حالة "الفوضى" قائمة بالفعل منذ زمن طويل وبأن الجزء الأكبر من "الخوف" لا يمكن أن يستمر حتى اللحظة الراهنة.
في هذا السياق، اختلف خطاب تسيبراس، الذي أكد أن "التقشف ليس مقدسا في أية معاهدة أوروبية" وتعهد "باسترداد الكرامة الوطنية" للشعب اليوناني. ظهر حزب سيريزا كما لو أنه "الجديد" الذي أصبح مؤتمنا على أمل الشعب الذي شعر أنه لا يملك شيء ليخسره.
إن التفوق الانتخابي الصاروخي الذي حققه سيريزا، انتقل ما بين عامي 2009 و2015 من 5 بالمئة إلى 36 بالمئة من الأصوات وهذا يفسر، من جانب، بأنه نتيجة قساوة الأزمة الاقتصادية والوسائل الوحشية للحكومات المتعاقبة، ومن جانب آخر، بسبب غياب البديل السياسي الثوري مع إسهاب تعاطف الطبقة العاملة. وفي الوقت ذاته، تعبر نتائج الانتخابات اليونانية عن لحظة جديدة بالنسبة للأحزاب التي تسمى "ضد الرأسمالية" و "تنتمي إلى اليسار" الذي يتبنى الأفكار الديمقراطية الاشتراكية والأحزاب المحافظة، كما في حالة بوديموس في اسبانيا، الذي من الممكن أن يحصل على انتصار انتخابي باهر في وضع اقتصادي قاسي وسخط اجتماعي واسع مشابه في هذا البلد.
كيف ستكون حكومة سيريزا؟
نفهم جيدا حالة الفرح في هذه اللحظة التي يشعر بها الشعب اليوناني. هذا الإحساس مبرر فلا يوجد أجمل من شعور الانتصار على ميريكل ودائنين الترويكا، هذه المرة خسر مرشحهم.
ولكن فهم الآمال من الحكومة الجديدة لا يستدعي الاتكاء على الأوهام نفسها. فكما أعلنا من خلال بيان سابق صدر خلال الحملة الانتخابية، تفهم الرابطة الأممية للعمال أن التغيير الحقيقي يتطلب قيام سيريزا بالتخلي عن سياسيتها التفاوضية للاتفاق مع رأس المال الممول وتطبيق برنامج القطيعة مع اليورو ومع الترويكا، وهذا بالنسبة لنا يعتبر المخرج الوحيد الواقعي الذي بحوزة الشعب اليوناني من أجل الصعود من الخراب الذي يغوص فيه.
كرس تسيبراس جزءا من حملته الانتخابية لتهدئة الأسواق وقدم نفسه كشخص "موثوق" أمام أوروبا رأس المال. وأكد أكثر من مرة أن هدفه، كما كثيرون غيره، يتمثل في "إعادة التفاوض" بخصوص المهل والفوائد المتعلقة بالدين الذي خنق اقتصاد البلاد. المنتصر بالانتخابات عرض إلغاء جزء من الدين، والباقي سيتم "احترام" الاتفاق بشأنه بعد انتعاش اقتصاد اليونان. بكلام آخر، اقتراح سيريزا يعني أن يستمر الشعب اليوناني بسداد الدين إلى البنوك الألمانية وإلى الترويكا.
مستمرا في هذا الخط، الخطوات الأولى لسيريزا تبتعد شيئا فشيئا عن الطموحات الشعبية. في وقت قصير بعيد الإعلان عن النتائج الانتخابية، أعلن على الملأ عن اتفاق تشكيل الحكومة بين سيريزا وحزب الاستقلال اليوناني (أنيل، الذي حصل على نسبة 4.7 بالمئة؛ 13 مقعدا في البرلمان)، وهو تشكيل برجوازي معادٍ لسياسة "التقشف" ولكن مع برنامج يميني قومي وخطاب معادٍ للمهاجرين. هذا التحالف مع أنيل، الحزب الذي يقوده زعيم مثل كامينوس، وسابقا حزب الديمقراطية الجديدة، لديه علاقة وطيدة مع الكنيسة الأرثوذكسية، ببرنامج محافظ ورجعي، يعلن عن نهج مثبط لآمال الجماهير بتغيير اجتماعي حقيقي.
هناك العديد من الشكاوى على صفحات التواصل الاجتماعي (من الناشطين لتشريع زواج المثليين أو من الحركة السحاقية، المثلية، ازدواجية الميول الجنسي والتحول الجنسي) تبين المخاوف من أن سيريزا وضع مطالبهم جانبا واتجه للاتفاق مع اليمين.
فعل آخر جاء بعد ساعات من الانتصار الانتخابي، المتحدثون الرئيسيون في سيريزا، مثل النائب يانيس فاروفاكيس، وزير المالية الجديد، صرحوا بأن "خروج اليونان من منطقة اليورو" ليس على الطاولة، لن نذهب إلى بروكسل أو فرانكفورت لنواجه. وأكدوا أن ما يبحثون عنه هو "ربط الدفعات التي نسددها بنمو الاقتصاد اليوناني"، أمر يعتبر "إيجابي" بالنسبة لكلا الطرفين.
هذا يلبي حاجات الموقف الذي اتخذته الترويكا مقابل انتصار سيريزا. سينتهي البرنامج الثاني من التراضي في 28 شباط/فبراير، المهلة التي لدى الحكومة الجديدة من أجل طلب الحصة الأخيرة من هذه "المساعدة"، والتي تساوي 1800 مليون يورو. ماذا سيفعل سيريزا؟ أي هامش لديه ليتحدث عن "إعادة الهيكلة"؟ الواقع سيجيب عن هذه التساؤلات.
قالت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستينا ليجارد، في مقابلة لها تم نشرها في وقت سابق في الليموند، بأن "هناك أعراف داخلية تحكم منطقة اليورو، ولا نستطيع إيجاد تصنيفات خاصة لبلدان بعينها". كما حذر رئيس البنك المركزي الألماني، جينس ويدمان، بأن اليونان "لا يستطيع الاستغناء عن دعم برنامج المساعدة، وأن برنامج من هذا النوع يمكن أن يقدم فقط عندما يتم الالتزام بالاتفاقيات."
على الرغم من ذلك، هناك أيضا قطاعات تؤيد الحاجة إلى "إعادة هيكلة" المهل الزمنية لسداد الدين، من منظور عدم تعقيد الوضع السياسي وضمان استمرار النهب بدون اضطرابات ليسوا بحاجة لها. هناك، من أجل طرح هذا، تصريحات رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود جانكر، الذي أكد قبل شهر تقريبا من بروكسل بأنهم "لا يحبون الوجوه الجديد"، ولكن هذا الاثنين هنأ بدون تحفظ تسيريزا على "نجاحه" الانتخابي الباهر وعرض مساعدة المكتب التنفيذي الأوروبي للحصول على مزيد من "الإنماء المستدام" و "المصداقية المالية" المطلوبة.
وبشكل مماثل، كان الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، أول قائد أوروبي يهنئ تسيبراس، والذي قدم له الدعم من أجل "استعادة طريق الاستقرار والنمو وروح التضامن التي توحد الأوروبيين".
المهم هنا، وبشكل مستقل عن التقلبات المتوقعة لهذه المفاوضات، إبراز أن طريق الاستمرار في قوالب الاتحاد الأوروبي وسداد الدين "بعد إعادة التفاوض بشأنه" للترويكا لا يخدم تطلعات التغيير الذي تنشده الأغلبية من سيريزا. بالعكس، هذا فقط يمكن أن يجلب التحرر من الوهم لدى قطاعات واسعة ترى اليوم في سيريزا بديلا يمكن أن يحسن من مستوى حياتهم.
ثقتنا الوحيدة ستكون بالتأكيد بنضال العمال والشعب اليوناني
وضع وصول تسيبراس وسيريزا إلى الحكم، الكثير من اليسار الثوري اليوناني بالإضافة إلى اليسار العالمي، في موضع الاختيار بين دعم هذه الحكومة سياسيا والتبشير لها نظرا للآمال والتطلعات الملقاة عليها، أو الاستمرار بالكفاح من أجل الحفاظ على الاستقلالية السياسية والتعبئة الدائمة للطبقة العاملة، كونها الضامن الوحيد للتغيير الاجتماعي.
يستدعي الخيار الأول ضمان الحكومة الجديدة للسلم الاجتماعي. أما الثاني فيتطلب عدم خفض سقف الطلبات والمراهنة على الآمال الوحيدة في التغيير فقط على نضال الطبقة العاملة والشعب ومطالبة الحكومة الجديدة بخطة إنقاذ الشعب اليوناني والطبقة العاملة، وأن تعيد لهم فرص العمل، رواتب كافية، تعليم وصحة مجانيان وبنوعية جيدة، رواتب بطالة وتقاعد بحيث يستطيع المواطن من خلالها العيش وضمان حقه في سكن مناسب. يفرض الدفاع عن السيادة الوطنية مطالبة الحكومة الجديدة استرداد المصادر الاقتصادية والمالية، استرجاع-تأميم جميع الشركات الخاصة؛ مصادرة المعامل والشركات بدون دفع تعويضات، ومع سيطرة الطبقة العاملة، تأميم البنوك، كل هذه الأمور حيوية من أجل تطبيق خطة طوارئ اجتماعية.
بشكل جوهري، عندما نأتي إلى المطالبة بذلك فإننا نقصد الشعب اليوناني والطبقة العاملة التي حشدت قواها في هذه السنوات ونفذت أكثر من ثلاثين إضرابا عاما، نطالب بذلك من أجل الذين صوتوا: من أجل التغيير الاجتماعي الحقيقي.
بنهاية الحملة الانتخابية، توجب على حكومة تسيبراس الاختيار بين تطبيق خطة إنقاذ الشعب اليوناني والطبقة العاملة وبين سداد الدين للبنوك والسماسرة. أو بين اختيار مصالح العمال والشعب اليوناني أو اختيار الترويكا. هذه المعضلة لن تستطيع الجمل المتحذلقة ولا "الكلمات الفارغة" التهرب منها.
تشير الحملة الانتخابية، "التذرعات" الالتفافية المتواصلة من قبل القيادة في سيريزا، الخطوات الأولى باتفاق الحكومة مع اليمين، إلى أن حكومة تسيريزا لن تكون الحكومة التي تستجيب لمصالح الطبقة العاملة والشعب الفقير في اليونان.
لذلك، الرابطة الأممية للعمال- الأممية الرابعة، انطلاقا من احترام آمال العمال والشعب اليوناني، والفرحة التي عمت نتيجة إزالة اللصوص والحكام الدائمين من الواجهة، فإننا لا نراهن ولا بأدنى نوع من الثقة السياسية على الحكومة الجديدة. ثقتنا وآمالنا في المراهنة على نضال العمال والشعب اليوناني من أجل نفس المطالب التي طالبوا بها خلال الأعوام الأخيرة.
إن سقوط الآمال في التغيير الظاهرة في الانتخابات الأخيرة، مرتبطا مع استمرار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الوحشية التي تعيشها اليونان، كما تظهر أمثلة تاريخية أخرى، يمهد الطريق للأحزاب الفاشية التي تدافع عن برنامج الخروج من منطقة اليورو والترويكا، على الرغم من أنهم يفعلون هذا من منظور عقيدة رهاب الأجانب، من الأحزاب القومية المتطرفة إلى اليمنية المتشددة، مثل أورورا دورادا، الذي كان الحزب الثالث في الانتخابات الأخيرة وحصل على 6.2 بالمئة من الأوصوات، ما يؤمن له 17 مقعدا في البرلمان.
المهمة الأكبر إذن هي العمل من أجل التنظيم والاستقلالية السياسية للطبقة العاملة، والثقة بها فقط من بين القوى، بقدرتها الهائلة على تحشيد الشعب اليوناني. في هذا الإطار، يتوجب تأسيس منظمة ثورية في البلاد. ولأن الكارثة الاجتماعية لم تمنح ولا يوم واحد من الاسترخاء، الطبقة العاملة واليسار الثوري اليوناني لا يجب أن يمنح لا مئة ولا يوم واحد من المغفرة للحكومة الجديدة، وإنما المطالبة بما صوت لأجله الشعب؛ نريد تغييرا اجتماعيا، نريد تطبيق الخطة الوحيدة للإنقاذ التي تحتاج إليها اليونان، خطة العمال والشعب اليوناني.