الموقع التاريخي للثورة الصينية و الموقع النظري لماو تسي تونغ
خالد المهدي
2005 / 8 / 4 - 10:47
"لا يمكن أن يقوم حزب اشتراكي صلب إذا لم تكن ثمة نظرية ثورية توحد جميع الاشتراكيين و يستمدون منها جميع معتقداتهم و يطبقونها في أساليب نضالهم و طرائق نشاطهم." لينين برنامجنا 1899
تعاني الحركة الشيوعية في بلادنا من ترددات كبيرة وبلبلة فكرية عميقة تجعل بحق ضرورة بناء الوضوح الفكري والسياسي بين الماركسيين المدخل الرئيسي لحل هذه الأزمة. وهذه المحاولة المتواضعة هي مساهمة في هذا الاتجاه. و قبل أن نتناول بعض انجازات الثورة الصينية سوف نحاول توضيح ما المقصود بالموقع التاريخي؟ وما المقصود بالموقع النظري؟ و سوف نحاول أيضا إبراز ضرورة هذا الربط بين الموقع التاريخي والموقع النظري ونقدم مبرراته النظرية انطلاقا من أسس الماركسية.
إن ضرورة التقيد الصارم بأسس النظرية الماركسية ومبادئها في تحديد الإشكالات والإجابة عليها يشكل أساس الانتماء الطبقي لفكر الطبقة العاملة، فالنضال النظري له أهميته القصوى بل إن النظرية لا تتطور إلا داخل هذا النضال أي داخل الصراع ضد كل الاتجاهات الفكرية الأخرى. إن للتناقض صفة العمومية، إنه جوهر الحركة، فلا حركة بدونه لكن الحركة أيضا غير ممكنة بدون مادة.
منذ ظهورها أعلنت الماركسية صراعها ضد كل الاتجاهات الفكرية البرجوازية وما قبل البرجوازية أي ضد كل فكر الطبقات الأخرى. فبوصفها فكر الطبقة العاملة ومرشدها النظري والعملي انبثقت الماركسية مع تطور تناقضات الصراع الطبقي داخل المجتمعات الرأسمالية أي مع تطور التناقض بين قوى الإنتاج النامية و علاقات الإنتاج، ففي ضرورة تطور هذا التناقض برزت الطبقة العاملة كطبقة مناضلة من اجل تحرر الإنسانية بأجمعها معبرة عن نفسها بفكرها الأكثر نضجا مع الأربعينيات من القرن التاسع عشر، ولا عجب ان نجد الاشتراكية الفرنسية تشكل مصدرا من مصادر الماركسية الثلاث، فالثورة الفرنسية كانت الأساس المادي البارز لتطو ر فكر الطبقة العاملة بعد ان شكل نهوض الطبقة العاملة الاساس المادي لبروز وتشكل الماركسية على يد ماركس وإنجلز.
إن وعي الماركسية بهذه الحقيقة أي بوصفها نتاج الشروط المادية بوصفها انعكاس لتطور التناقضات الطبقية حيث نجد إنجلز في مؤلفه الأكثر قوة في عرض أسس ومبادئ الماركسية: الفلسفة المادية الجدلية والاقتصاد السياسي النظري والاشتراكية العلمية: "انتي دوهرينغ" يحدد الاشتراكية بقوله: " فالاشتراكية الحديثة ( أي الماركسية) ليست سوى انعكاس هذا النزاع (أي النزاع بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج) في فكر الإنسان، انعكاس في شكل أفكار..[1]« "
إن الماركسية بوصفها نظرية مادية تقر بأن الفكر هو نتاج الواقع المادي وتتطور بتطورات هذا الواقع بالذات لكن اهمية النضال النظري لا تنبثق من هذا الاساس وفقط بل و أيضا من كون الصراع النظري هو جزء لا غنى عنه في الصراع الطبقي فــــــ"لا يمكن أن يقوم حزب اشتراكي صلب إذا لم تكن ثمة نظرية ثورية توحد جميع الشتراكيين ويستمدون منها جميع معتقداتهم ويطبقونها في اساليب نضالهم"[2]
وأيضا تستمد الأهمية القصوى للنضال النظري من البلبلة الفكرية التي يعاني منها العديد من"الماركسيين" بفعل عدم قدرتهم على استيعاب الشروط التاريخية التي يعيشونها: النتيجة الموضوعية لارجاء النضال النظري إلى مرتبة ثانية. فهذا النضال هو وحده القادر على جعل المناضل يستوعب مضمون وحاجيات شروط النضال الطبقي التاريخية. لكن لينين علمنا أيضا ضرورة تطوير الماركسية ليس لأنه هو غير قادر على فعل ذلك، بل لأن القاعدة النظرية المادية تقول: إن الواقع يحدد الفكر وبالتالي تطور الواقع يفضي بالضرورة إلى تطور الفكر.
إن هذا التحديد يحيلنا بشكل رئيسي إلى تحديد الحدود الفاصلة بين تطوير النظرية و تحريفها أي يحيلنا إلى الثابت والمتحول في الماركسية إذا شئنا القول. وهو التحديد الذي يسحبنا للتطرق إلى العديد من الإشكالات والقضايا النظرية الأخرى، لذلك سوف نحاول التقيد بقدر الإمكان بالموضوعات الأساسية في هذا الاتجاه وهي أساسا موضوعتين اثنتين:
1. الوجود يحدد الفكر.
2. شمولية التناقض.
وسوف نبدأ بما قاله إنجلز على إحدى أركان الماركسية واحد مصادرها الرئيسية: الجـــدل.
«ليس هناك بالنسبة لفلسفة الدياليكتيكية، شيء نهائي، مطلق مقدس. إنها ترى حتمية الانهيار في كل شيء، و لا يوجد شيء يستطيع الصمود في وجهها إلا المجرى المستمر للنشوء و الزوال، للصعود اللامتناهي من أدنى إلى أعلى. و هي نفسها ليست سوى انعكاس بسيط لهذا المجرى في الدماغ المفكر. ولها أيضا في الحقيقة، جانبها المحافظ، فهي تبرر كل مرحلة معينة من مراحل تطور المعرفة و العلاقات الإجتماعية في زمانهما و ظروفهما لا أكثر. فالصفة المحافظة لهذه الطريقة في الفهم هي نسبية، و طابعها الثوري هو مطلق – وهذا هو الشيء الوحيد المطلق الذي تقبله الفلسفة الدياليكتيكية»[3]
إن ضرورة تحديد المنطلقات الفكرية أمر لا مفر منه في خوض النضال لنظري، إن ضرورة تحديد واستحضار المنطلقات الفكرية سيمكننا بكل تأكيد من إلقاء الضوء على الواقع الحالي، سيقدم بكل تأكيد ايضاءات عديدة للكل، للقوى الفتية التي يقدمها الشعب المغربي بلا انقطاع. سوف يخلق المجال لمزاحمة الحيرة ، ولإزاحة الضبابية وبالتالي سيشحد من جديد الهمم أكثر وينمي الاستعداد بشكل أكبر، وبكلمة سوف يفتح الأفق في أعين كل الغيورين، بل وكل المقهورين[4].
إن هذه المحاولة في تحديد موقع الثورة الصينية هي أيضا استحضار لواقع الحركة الشيوعية العالمية. ولكن هل استحضار واقع الحركة الشيوعية هو أيضا من المنطلقات اللازمة؟ هكذا يتساءل العديد بتعجرف وخبث .
وسوف أجيب على هذا السؤال ، لا لكي أصدم أمثال هؤلاء بل لأعرض الأمر بكل وضوح أمام كل من يتعاطى مع قضايا الشعب المغربي بمسؤولية وجدية.نعم إن استحضار الحركة الشيوعية العالمية لا مفر منه بالنسبة لكل ماركسي حتى يكون ماركسيا. إن الماركسي الذي ينسى ولو لوهلة واحدة كونه شيوعيا، كونه أممــــيا، فإنه يسيء لسمعة الماركسي بكل تأكيد. أما ذلك "الماركسي" الذي يهاجم استحضار واقع الحركة الشيوعية العالمية، فإنه يناضل ضد البعد الأممي للماركسية، يناضل ضد شعار "يا عمال العالم اتحــــدوا" يناضل ضد "البيان الشيوعي" ومن يناضل ضد "البيان الشيوعي" فإنه بكل تأكيد يناضل ضد ماركس وانجلز، ضد الماركسية .فما رأيكم في هذا "الماركسي" ألا يستحق الطرد من بيئة الماركسيين؟ وعلى كل حال فإذا كان المرء لا يملك المشروعية في طرد البعض من بيئة الماركسيين في الوقت الراهن، فإن الجميع يملك كامل المشروعية لعرض أفكاره بشكل واضح ونقد الأفكار الأخرى، شريطة أن يكون نقداً شريفاً ومسئولاً وجديًّا و منظما أيضاً[5]. و مع ذلك فتقدم الصراع سوف يفرض لا محالة على الكل أن يظهر طينته[6]. أن يظهر من يوجد في المستنقع ومن هو ذاهب إليه ومن يناضل ضده وضد الداعين إلى السير نحوه.
"إن أهمية النظرية تكمن أيضا في كون الحركة الاشتراكية- الديمقراطية حركة أممية في جوهرها... إن الحركة المبتدئة في بلاد فتية (التسطير لي)لا يمكن أن تكون ناجحة إلا إذا استوعبت تجربة البلدان الأخرى.ولبلوغ ذلك لا يكفي مجرد الاطلاع على هذه التجربة أو مجرد نسخ القرارات الأخيرة. إنما يتطلب هذا من المرء أن يمحص هده التجربة وان يتحقق منها بنفسه"[7].
هكذا حدد لينين أحد أوجه أهمية النضال النظري: كون ح ش د حركة أممية في جوهرها إن أولئك الذين لا يرفضون قــــولا أهمية النضال النظري ويناضلون فعـــلا ضد استحضار واقع البعد الأممي للحركة الشيوعية العالمية. إنما يحتالون على المناضلين حتى يُخفوا عجزهم أو مآربهم الضيقة التافهة والخسيسة في بعض الأحيان. لذلك يكون النضال ضد أمثال هؤلاء ليس مشروعا فقط وإنما ضروريا أيضا.
يمكن طبعا لكل مطلع ولو من بعيد عن واقع الحملم أن يدرك لماذا كل هذا الذعر من استحضار واقع الحركة الشيوعية العالمية[8]؟
إنه الخوف من النزيف، من التشتت، والانقسامات في صفوف المناضلين الماركسيين المغاربة، إنه الخوف من " إدخال" " عوامل الانقسام" في صفوفهم، " إدخال" تجارب "غريبة" عن بيئتــ"نـا"! ، بعيدة عن خصوصياتـــ"نـــا"!.
إن حجم الجراح التي يحملها المناضلون الغيورون على الحملم تجعل المرء يستوعب ذلك الخوف، لكن ذلك كله لا ينفي عنه صفته الرجــــعية. نعم إنه خوف رجعي، خوف يعيق تطور الحركة الشيوعية، ويعيق تطور الثورة.
إن أمثال هؤلاء يتجاهلون، أو ينفون، لا يستوعبون أن "إدخال"-و سوف نستعمل نحن أيضا هده الصيغة الخشنة لنصدم بها أولائك الدين يروجون لها- واقع الحركة الشيوعية العالمية إلى بيئة الماركسيين المغاربة، أن استحضار البعد الأممي في نضال الماركسيين يعني "إدخال" عوامل الوحــــــدة، عوامل النجــــاح أكثر منها عوامل الانقسام. فالتشتت هو مرادف طبيعي لغياب الوضوح الفكري، مرادف طبيعي للحيرة لدى المناضلين. و الوضوح الفكري لا يقام إلا على أرضية النضال النظري إلا على أرضية الدفاع على أسس الماركسية. وأهمية النظرية حسب لينين " تكمن أيضا في كون الحركة الاشتراكية الديمقراطية حركة أممية في جوهرها[9]
منطـــــلقات لا بد منها
أولا وقبل كل شيء يجب التأكيد على أن النظرية الماركسية نظرية كونية هذا إذا تجاوزنا طبعا المفهوم الصبياني الضيق الذي يعطيه البعض للماركسية بوصفها ما قاله روادها(من البيان إلى المجلد 46 للينين: رغم أن الكل يعرف تمام المعرفة و لسنا وحدنا أبدا، أن هؤلاء لم يقرؤوا حتى عشر دلك و حتى الفتات الذي قرؤوه لم يستوعبوا أي شيء منه). إن الماركسية هي التعبير النظري عن حركية الطبقة العاملة، وما ماركس و انجلز ولينين وماو تسي تونغ سوى أعظم ممثلي الطليعة الواعية للبروليتاريا العالمية. فالماركسية تتغذى وتتطور من خلال حركة الجماهير وعلى رأسها الطبقة العاملة تتغذى وتتطور من خلال انتصارات وانتكاسات الطبقة العاملة والجماهير الشعبية في صراعها ضد النقيض.
ولنعد إلى الأصل، إلى مصادر الماركسية. ألم يتطور مفهوم ديكتاتورية البروليتاريا على قاعدة كمونة العمال الباريسيين؟ ألم يغتن بفضل السوفيتتات الروسية، ألــم يصبح أكثر شمولا إبان الثورة الثقافية الصينية؟
والحال مادامت الماركسية هي التحليل الملموس للواقع الملموس، فإن تطور الواقع- وهو ما لا يمكن أن ينفيه احد- يخلق بالضرورة الأسس الموضوعية لتطور الماركسية. فكون الماركسية نظرية خالدة أنها ربطت وجودها منذ الانطلاق بالوجود[10] ( الوجود يحدد الفكر)
إن الماركسية لم تسثني هذا القانون عن نفسها هي أيضا كنظرية، بل أقرت بذلك إلى أبعد ما قد يتخيل لضيقي الأفق، ولننصت إلى لينين ضد الماخيين وإلى انجلز ضد فيورباخ:«إن انجلز يقول صراحة انه " عند كل اكتشاف يشكل عهدا حتى في ميدان تاريخ الطبيعة"( ناهيك عن تاريخ البشرية)" ينبغي حتما على المادية ان تغير شكلها" (لودفينغ فيورباخ). ومن هنا ينجم أن إعادة النظر في (شكل) مادية انجلز، إعادة النظر في موضوعات فلسفته عن الطبيعة، لا تنطوي على أي شيء ( تحريفي) بمعنى الكلمة الشائع، وليس هذا وحسب، ونحن لا نلوم البتة الماخيين على إعادة النظر هذه، بل نلومهم على اسلوبهم التحريفي الصرف،(التسطير أصلي) ومفاده خيانة كنه المادية تحت ستار نقد شكلــــها، واقتباس الموضوعات الأساسية في الفلسفة البرجوازية الرجعية بدون أية محاولة لحسبان الحساب بنحو صريح وسافر و قاطع لتأكيدات إنجلز من المؤكد أنها بالغة الشأن في المسألة المعنية، ومنها ، مثلا تأكيده القائل:"... الحركة غير ممكنة بدون المادة" (انتي دوهرينغ) "[11].
فأي حيوية تتدفق بها هذه الكلمات، أي آفاق خالدة تفتحها الماركسية لنفسها. إن تجاهل هذه النظرة يعني حسب لينين دائما التهكم على روح المادية الدياليكتيكية (كما يفعل العديد من ماركسيي العهد الجديد و القديم على حد سواء)" أي التضحية بطريقة إنجلس إرضاءً لهذا الحرف أو ذاك عند إنجلس"[12].(وما يفعله بعض التصفويين، هو ما جعلنا كل المناضلين يعرفونه من أفواههم هم حتى لا يقال أننا نسبنا شيئا لأحد، فتلك ليست خصالنا)
و لتحديد الموقع التاريخي الحقيقي للثورة الصينية يلزم تحديد أي إضافات قدمتها الطبقة العاملة و الجماهير الشعبية في نضالها الطبقي، فلا أحد يمكن أن ينكر أن الطبقة العاملة و شعوب العالم المكافحة قد راكمت و قدمت من الإضافات الكثير و الكثير منذ كمونة باريس إلى اليوم أو لنقل منذ الحركة الشارتية إلى يومنا هذا. و سوف أحاول رصد هذه الإضافات وهذا الجديد الذي تبلور من خلال صراع القوى المنتجة و علاقات الإنتاج على المستوى العالمي أو المحلي. و كيف تمكن الرفيق ماو تسي تونغ من التعبير على هذه الحركة نظرياً و سياسياً. إن هذه الطريقة تنطلق من القاعدة الأولى في الماركسية " الوجود يحد الفكر " و تدمجها مع مبدأ "عمومية التناقض/ التطور مطلق". إنها محاولة في استحضار و التقيد بالمنهج المادي الجدلي (الذي يتهكم عليه التحريفيون) لتحديد الموقع التاريخي للثورة الصينية العظيمة و كذا لتحديد الموقع النظري لفكر الرفيق ماو تسي تونغ قائد البروليتاريا العالمية.
كلما ظهر الجديد في الواقع الموضوعي إلا و ظهرت معه ضرورة ولادة التعبير النظري عنه مع ضرورة الإشارة و التأكيد على أن انبثاق الجديد داخل الواقع الموضوعي لا يولِّد مباشرة التعبير عنه، فالنظرية غالبا ما تتأخر على الممارسة العملية كما كان الأمر دائما حسب تعبير لينين (دروس انتفاضة موسكو).و تلعب هنا الصدفة دورا أساسيا "بوصفها تكملة للضرورة و شرط تحققها"(إنجلس) . فما هو إذن الجديد الذي ولد وظهر و هل كانت الصدفة هذه المرة إسمها ماو كما كانت في أواسط القرن التاسع عشر إسمها ماركس و انجلس و في مطلع القرن العشرين إسمها لينين؟ هذا ما سنحاول عرضه أمام القارئ بكل وضوح و مسؤولية دون الإدعاء بتناول كل الإضافات و بالتالي دون الإدعاء بتناول المسألة من كل جوانبها.
إن الحركة الشيوعية منذ انطلاقتها مع ماركس في أواسط القرن 19 جاءت كإستجابة أو لنقل كضرورة لما عرفه تطور المجتمعات و تطور الصراع الطبقي، فلا يمكن تصور بروز الماركسية دون بروز أساسها المادي : الطبقة العاملة. كما لا يمكن تصور بروز الماركسية دون وجود الاقتصاد السياسي الإنجليزي،و الفلسفة الكلاسيكية الألمانية، و الإشتراكية الفرنسية.
إن صراع الطبقة العاملة ضد أعدائها يولد دائما الحاجة إلى النظرية المعبرة عن مصالحها. فنضال العمال الباريسيين أثناء الكمونة خلق مثلا هذه الضرورة التي وجدت تكملتها في ماركس و انجلس و بذلك اغتنت الماركسية أكثر فأكثر و ما الماركسية إلا التحليل الملموس للواقع الملموس.
فلننظر إلى الأمر بتمحيص أكثر، معتمدين على هذا التحديد الذي أعطاه لينين للماركسية: التحليل الملموس للواقع الملموس.إن التقيد بالمنهج المادي الجدلي عند دراسة القضايا و تناول الإشكالات و الأوضاع هو وحده الكفيل بعدم الإنزياغ عن الخط الماركسي الثوري فالتحليل الملموس هو ذاته هذا المنهج ، أما الواقع الملموس فهو ذاته الوجود الموضوعي ، هو ذاته المادة و سوف ننطلق من هنا أي من المادة .(حتى نميز أنفسنا منذ البداية عن أولائك المثاليين الذين يشوهون الماركسية لجهلهم الواضح بها) :
فما هي المادة ؟ هناك الكثير ممن لا يرى في المادة غير ما يمكن أن نلمسه و نراه و هذا تحديد مبتذل للمادة في الفهم الماركسي. إن مفهوم المادة حسب لينين »لا يعبر عن شيء عدى الواقع الموضوعي المعطى لنا في الإحساس«[13] ، »إن"الخاصة" الوحيدة للمادة التي ترتبط المادية الفلسفية بالاعتراف بها إنما هي خاصة أن تكون واقعية موضوعية ، أن توجد خارج وعينا«[14]، و لا يستطيع أي كان أن ينفي الوجود الموضوعي للطبقة العاملة و لا الوجود الفعلي لنضالات الجماهير ككل.
و إذا كان هذا التحديد الخلاق للمادة يشكل أحد الأركان الأساسية للمادية العلمية فإن مفهوم التطور، الحركة يشكل الركن الآخر،الذي لا غنى عنه للحديث عن المنهج المادي الجدلي أي للحديث عن الماركسية (و هذا ما لا يستطيع فهمه العديد من التحريفيين و الديماغوجيين على حد سواء.)
فما هي الحركة، وما هو التطور؟
هناك من يراه بوصفه نقصانا و زيادة، بوصفها تكرارا، بوصفه فعلا ميكانيكيا، إن هذا المفهوم عن التطور حسب لينين : »مفهوم جامد، عقيم، جاف[15]" أما المفهوم الماركسي عن الحركة ،عن التطور فهو ينظر إلى التطور بوصفه وحدة الأضداد إزدواج ما هو واحد إلى ضدين ينفي أحدهما الآخر وعلاقات بين الضدين . إن المفهوم الثاني عن التطور كما وصفه لينين مفهوم» طافح بالنشاط و الحياة« و»فقط المفهوم الثاني يعطينا مفتاح الحركة الذاتية ، لكل ما هو موجود، فقط المفهوم الثاني يعطينا مفتاح "القفزات" و الإنقطاع في الإستمرار و "و تحول الشيء إلى ضده " و تدمير ما هو قديم وولادة الجديد «[16].
فهل إذن يمكن تصور حركة بدون مادة ؟ أبداً. » إن الحركة غير ممكنة بدون المادة [17]« »فالحركة هي شكل وجود المادة [18]«. لذلك نجد لينين واضحاً و حاسما في الأمر عندما يصرح: » إن مفهوم المادة لا يعبر عن شيء سوى الواقع الموضوعي المعطى لنا في الإحساس. ولهذا يعني فصل الحركة عن المادة فصل التفكير عن الواقع الموضوعي... أي الانتقال إلى جانب المثالية [19].«. و هذا بالضبط ما يعكسه التروتسكيون و أذيالهم بكل قوة.
إن الحركة الشيوعية لا تستثنى من هذا القانون، بل إن استيعابها يمر عبر فهم و استيعاب هذا القانون، أي باعتبارها شكل وجود الطبقة العاملة، سواء تحدثنا عن الحركة الشيوعية داخل بلد معين أو على النطاق العالمي و هدا ما علمتنا إياه الماركسية و أساسا الرفيق ماو تسي تونغ
فتطور الفكر الشيوعي، تطور الحركة الشيوعية لا يمكن فصله عن الواقع الموضوعي الموجود فيه و المنبثق عنه، لا يمكن فصله عن المادة لأن في ذلك انتقال إلى المثالية (حسب لينين ) و الانتقال إلى المثالية ليس سوى الانتقال إلى الرجعية .
إن هذه التحديدات النظرية أساسية لفهم و استيعاب الأهمية التاريخية لكمونة باريس و للثورة الروسية و الثورة الصينية. فتطور صراع الطبقة العاملة العالمية ضد نقيضها هو مفتاح فهم و إستيعاب تطور الحركة الشيوعية العالمية، أو المغربية على حد سواء.
لقد سبق و أشرنا إلى بعض المقدمات المادية التي أسست لظهور الماركسية سواء تلك المرتبطة بالتناقضات الطبقية في مستواها الإقتصادي أو انعكاساتها على المستوى السياسي و الأيديولوجي. غير أن التطورات التي يشهدها النظام الرأسمالي و كذا تطور الصراع الطبقي المنبثق عنه و عليه سوف يفرز تغيرات جمة و سوف يشكل الأساس المادي لظهور الجديد.
ولنأخذ مثلا بروز الأرستقراطية العمالية، و هو على كل حال بروز موضوعي أي خارج عن وعي الناس.باعتباره يشكل إحدى الخصائص الجديدة التي سوف تميز الطبقة العاملة و هي على تخوم القرن العشرين باعتباره النتيجة الموضوعية لهجوم الرأسمال المالي على العمل المأجور. فتطور الرأسمال و شدة مركزته قد "نجح" في خلق فئة جديدة داخل الطبقة العاملة هي ذاتها الأرستقراطية العمالية. وقد لاحظ ماركس إنجلس بشكل خلاق هذه الظاهرة، و بروز الأرستقراطية العمالية لم يؤدي إلى بروز الانتهازية كخط داخل الحركة الشيوعية و فقط بل إنه شكل أيضا الأساس المادي لتطور الماركسية ذاتها، بمعنى أن هذا التغير الموضوعي، هذا الجديد الذي ولد من أحشاء القديم أفرز معه ضرورة التعبير عنه نظريا و إن كان إنجلس و ماركس قد لاحظا ذلك بعمق فإن الموت لم يسمح لهما بأن يدرسا أبعاد هذه الظاهرة بمجملها فكانت الصدفة هذه المرة، باعتبارها شرط تحقق الضرورة، إسمها لينين. و لماذا لينين ؟، ماذا يمثل هذا الإنسان هل لأنه الأكثر عبقرية في زمنه؟ فهذا لا جدال فيه لكن ذلك لا يحل المسألة . إن حل المسألة يجد تفسيره في كون لينين يمثل قائد الطليعة الواعية للبروليــتاريا العالمية كلها آنذاك.
و ظهرت الإمبريالية ، ومع كل جديد كانت تتوَلّد دائمًا الحاجة إلى تطور الماركسية و كانت دائما تتطور الماركسية لكن ليس بخط مستقيم، بدون منعرجات بدون انتكاسات بدون هزائم و أزمات وفي كل ذلك و الحق يقال دفع للماركسية نحو الأمام . إن الفكر هو انعكاس للواقع الموضوعي، وهو ما يجعل أي تطور في هذا الواقع إلا و ينتج و ينعكس على مستوى الفكر. (دون أن يكون ذلك فوريا و لا ميكانيكيا ) و هنا نستحضر طبعا الإضافات التي قدمها لينين للماركسية باعتباره هو من عبر عن هاته التغيرات من وجهة نظر مصالح الطبقة العاملة العالمية و الروسية.
نستحضر مثلا إضافاته حول ضرورة الحزب و حول إشكالات بناء الحزب و حول الصراع ضد الانتهازية في حقل التنظيم ( الشيء الذي لا يفهمه، و لا يمكن أن يستوعبه كل مولع بالتروتسكية ) و هو الذي حدد أيضا خصائص الإمبريالية باعتبارها المرحلة العليا و الأخيرة في تطور الرأسمالية و هو الذي طور مفهوم و آليات ديكتاتورية البروليتاريا و... الخ.
لكن هل كان بوسعه فعل ذلك لولا ما أفرزه الواقع الموضوعي، لولا ظهور الاحتكارات، لولا ظهور السوفيتتات ، لولا تقدم صراع الطبقة العاملة. بكل تأكيد يمكن الإجابة بالنفي القاطع " فالاشتراكية الحديثة ( أي الماركسية) ليست سوى انعكاس هذا النزاع (أي النزاع بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج) في فكر الإنسان، انعكاس في شكل أفكار..[20]« . و قد كانت ثورة 1917 العظمى ثمرة هذه الصيرورة النضالية، ثمرة صراع البروليتاريا ضد البرجوازية و الإقطاعية. كانت بمثابة التعبير الواقعي عن نجاح طليعة البروليتاريا العالمية في إحراز النصر و تقديم الثورة العالمية إلى الأمام و بذلك شكلت موقعا رائدا في تاريخ الإنسانية بمجملها فقد أوضحت و جسدت المخرج بعدما بشرت به الكمونة أمام أعين كل المقهورين، لقد أعطت ثورة أكتوبر دروساً لازالت إلى يومنا هذا تحتفظ بكل راهنيتها، لكنها في ذات الوقت و باعتبارها تجربة لبناء أول دولة اشتراكية (الشيء الذي يمتعض منه التروتسكيون) في تاريخ الإنسانية قد أبرزت إشكالات بناء الاشتراكية إلى الواجهة، إشكالات الوصول إلى الشيوعية الأفق الإستراتيجي النهائي لكل شيوعي و شيوعية حقيقيين. إشكالات الثورة العالمية و الثورات داخل المستعمرات و ... و .... و ... إن هذه الإشكالات تعكس هي الأخرى إحدى أهم الخصائص التي تعطي للثورة الروسية مكانة رائدة في التاريخ الإنساني.
إن الإجابة على بعض هذه الإشكالات، و تعميق الإجابة على بعض الملاحظات التي سجلتها الثورة الروسية و على رأسها لينين[21] سوف يشكل مدخلاً تاريخيا و مدخلاً نظرياً أساسياً لفهم الموقع التاريخي للثورة الصينية و كذا الموقع النظري و السياسي لفكر الرفيق ماو تسي تونغ لأنه هو بالضبط من شكل صدفة تحقق ضرورة حل هذه الإشكالات و التعبير عنها من وجهة نظر مصالح الطبقة العاملة العالمية و مصالح الشعوب المضطهَدة.
طبعاً لن يكون بمقدور هذا المقال الإحاطة بكل الإضافات التي قدمتها الثورة الصينية و على رأسها الرفيق ماو تسي تونغ ، لذلك سوف أحاول أن أعرض أمام المناضلين (الذين يتعاطون بشكل جدي و مسؤول مع القضايا المصيرية للشعب المغربي) بعضاً من هذه الإضافات. فهاته المهمة وإن كانت ضرورية فتحقيقها يأتي عبر صيرورة نضالية طويلة (إلى هذا الحد أو ذاك) و ما هو أهم هو أن توجه لا لخدمة شغف المثقف البرجوازي ب"المعرفة" بل لتخدم شغف الثوري بالثورة. أي أن توجه لخدمة قضايا الساعة قضايا واقع الثورة المغربية و قضايا واقع الثورة العالمية. و سوف نحاول أن ننطلق هذه المرة من الأصل أي من ماركس وإنجلس و لنتساءل :
ما هو الأفق الإستراتيجي النهائي للشيوعيين و الشيوعيات؟ في أي اتجاه يجب أن يوجهوا نضال العمال و العاملات، الفلاحين و الفلاحات، و...إن هذا السؤال هو الذي يعطي مشروعية بل ضرورة العودة إلى ماركس وإنجلس[22] باعتبارهما مؤسسا الماركسية، لقد صاغ كل من ماركس و إنجلس هذا الأفق بشكل واضح و جلي.إنها الشيوعية . فالبيان الشيوعي صريح في هذا الاتجاه، لقد قدم ماركس البرهان على اضمحلال الطبقات من خلال مؤلفه الرائع الرأسمال. وقدم أيضا المبادئ العامة للوصول إلى هذا الهدف الذي يشكل معيارا أساسيا للانتماء إلى ماركس. و يمكن أن نصيغ هذه المبادئ و نكثفها في النداء الذي أطلقه البيان:" يا عمال العالم اتحدوا !". غير أن الطريق لتحقيق هذا الحلم حلم تحقيق الشيوعية، و حلم تحقيق وحدة الطبقة العاملة العالمية،... ليس بالطريق السهل و لا الخطي بل مسار عسير، متعرج لكنه بكل تأكيد متطور من المنظور التاريخي. كما أن مؤسسا الماركسية (لم يقفا في هذه الحدود بل لقد ربطا الوصول إلى الشيوعية بضرورة تحطيم الرأسمال، ضرورة ديكتاتورية البروليتاريا، فما الشيوعية غير اضمحلال الطبقات؟ و كيف يمكن أن تضمحل الطبقات دون أن توفر شروط اضمحلالها إن أهم هذه الشروط بل الشرط المركزي هو ديكتاتورية البروليتاريا، لذلك نجد لينين عندما يتحدث عن المضمون السياسي للانتهازية يربطه بشكل أساسي بعدم الإعتراف بديكتاتورية البروليتاريا.
الشيء الذي يجعل من الحركة الشيوعية في بلد ما إذا لم تربط نضالها بهذا الأفق و إذا لم تربط تطورها بهويتها الأممية ستظل حبيسة المفاهيم الإنتهازية و الشوفينية و الحال أن الرأسمالية في مرحلتها العليا، أي الإمبريالية كفيلة بتكسير كل أوهام الإنتهازيين و الشوفينيين فهي توفِّر الأساس المادي الموضوعي لإحقاق وحدة العمال العالمية بتحطيمها للحدود و القوميات ، بتدويلها لرأس المال.(دون أن يكون ذلك طبعا، دون تدخل الشيوعيين و الشيوعيات).
إذن ما هي السبل للوصول لتحقيق هذا الأفق؟ إذ لا يكفي الإعتراف قولاً بالشيوعية ولا الإعتراف قولاً بضرورة ديكتاتورية البروليتاريا. فالتجربة التي راكمتها الطبقة العاملة العالمية توضح أية صعوبات واية منعرجات محفوفة بالمخاطر هي تلك التي تصادف السائرين في هذا الطريق.
إن ماركس قد قدم أيضا مفهوما مركزيا حول هذا المسار، مبدأ عام، إنها : الثورة الدائمة .
و الثورة الدائمة عند ماركس تختلف جذريا عن ذلك الوهم الطوباوي الذي ينادي به التروتسكيون القائل بإنجاز الثورة العالمية بضربة واحدة *(!) فديمومة و استمرار الثورة ليست رغبة ذاتية لحفنة من المناضلين بل إنها صيرورة تاريخية موضوعية على الشيوعيين و الشيوعيَّات استيعابها و قيادتها، فمن يتحدث عن ديمومة الثورة و ينسى أن " تحرر العمال هو من صنع العمال أنفسهم و ينسى أن الجماهير الكادحة هي صانعة التاريخ " لا يمكن إلا أن يسقط في الانتهازية سواء أخذت شكلها اليميني أو اليسراوي.
و على كل حال لن أتوقف عند هذه المسألة ، قبل أن أتطرق إلى بعض القضايا النظرية الأخرى ذات أهمية قصوى لتوضيح الرؤى و كشفها جليا. إن جوهر الماركسية هو التطور، بروز الجديد محل القديم و هذا ما يشكل الأساس المادي الذي يجعل الجوهر الحي للماركسية هو الثورة.
لقد خلصنا سابقاً إلى أن الماركسية باعتبارها التحليل الملموس للواقع المادي، هي متطورة بتطور هدا الواقع الموضوعي و رأينا كيف ساهمت تطورات الواقع الموضوعي في إغناء فكر الطبقة العاملة أي إغناء الماركسية ، فالوصول إلى الشيوعية أو إلى اقل من ذلك: الاشتراكية، يستدعي قائداً يسهر على تنفيذ هذه الخطة و تنظيم صفوف منفذيها، يستدعي نظرية، وخطاً سياسيا و تنظيما و جماهير. و لتحديد الخطة و القيادة يلزم أن نعي كيفية تعاطي الماركسيين مع القوانين الاجتماعية، فالخطة تستمد من خلال و على قاعدة وعي القيادة بهذه القوانين. فما تفعله القيادة ليس سوى توجيه هذه القوانين لما فيه مصلحة الطبقة العاملة، محررة الإنسانية.
إن القوانين الاجتماعية مثلها مثل القوانين الطبيعية مع بعض الاستثناءات، إن الثانية أزلية خالدة بينما الأولى مؤقتة، نسبية، بنسيبة شروط إفرازها، فالإنسان لا يخلق أو يخترع القوانين الموضوعية، المادية (لنتذكر مفهوم المادة) بل إن ما يفعله الشيوعي اتجاهها هو إكتشافها، إستيعابها و دراستها و من تم التحكم فيها. فكما لم يكن باستطاعة نيوتن إختراع قوانين الفيزياء الميكانيكية بل مجرد اكتشافها فإن ماركس ، إنجلس، لينين، و ماو لم يكن باستطاعتهم اختراع المشاريع و القوانين بل مجرد الكشف عنها، توضيحها و من تم التحكم فيها و توجيهها لخدمة مصالح البروليتاريا العالمية إذن فكيفية الوصول إلى الشيوعية ليست خطة حفنة من المتآمرين و لا عزيمة و قوة مجموعة من الماركسيين بل إن كيفية الوصول إلى الشيوعية (أو أقل من ذلك أي الاشتراكية)، محددة بشكل مادي بظروف الواقع الموضوعي و شروطه أي القوانين الموضوعية التي تتحكم في تطور المجتمع الدولي(أو أقل البلد المعني). و دمج هذه المعرفة التي تصبح مبادئ، في حركة الجماهير الكادحة و على رأسها الطبقة العاملة باعتبارها صانعة التاريخ. إن المبادئ هي الإطار النظري. المبادئ هي ذاتها النظرية الماركسية ولا شيء غير ذلك و الماركسية التي أقرت على لسان أحد مؤسسيها بأن إحدى أهم مهماتنا ( انحصرت، آخر الأمر في اكتشاف قوانين الحركة، قوانينها العامة التي بوصفها قوانين مسيطرة، تشق لنفسها طريقا في تاريخ المجتمع الإنساني"[23]. فالماركسية لم تهدف إلى خلق أو اختراع القوانين- فهي تعلم منذ البداية استحالة ذلك، بل إنها قامت على أنقاض هذه النظرية بالذات-وإنما تهدف إلى اكتشافها، وقد كشفت العديد منها ( بإقرار أعدائها أنفسهم) وبصورة خارقة للعادة، وهي بذلك تقدم قوانين عامة تتحكم في سير المجتمعات والعالم، أما عن تمظهر أو تطبيق هذا القانون أو ذاك في هذه الشروط أو تلك. فتلك قضية أخرى، فحسب انجلز: «ليست المبادئ هي نقطة انطلاق الاستقصاء بل هي نتيجته الختامية، وهي لا تنطبق على الطبيعة والتاريخ الإنساني، بل تستخلص منهما، وليست الطبيعة وعالم الإنسانية هما اللذان يتطابقان مع هذه المبادئ بل إن المبادئ لا تكون صالحة إلا بقدر ما تتطابق مع الطبيعة والتاريخ، ذلك هو المفهوم المادي الوحيد عن الموضوع( يقصد انجلز التاريخ)...» [24] و هدا التحديد النظري إدا ما تمت ترجمته سياسيا فيمكننا أن نقول أن المهام السياسية لا تكون صالحة إلا بقدر ما تتطابق مع الواقع الموضوعي و تناقضاته، بدلك نجد الرفيق ماو واضحا و حاسما في هده المسألة حيث يؤكد أنه " فلن يكون في مقدورنا أن نفهم بكل وضوح من هم خصوم الثورة ... و ما هي مهماتها و القوى المحركة لها و طبيعتها و مستقبلها و تحولها المقبل إلا إذا فهمنا طبيعة المجتمع ... فهما واضحا. و هكذا فإن الفهم الواضح لطبيعة المجتمع أي الفهم الواضح لظروفه يشكل الركن الأساسي لفهم سائر قضايا الثورة فهما واضحا"[25] و الماركسية قد استخلصت هذه القوانين أو العديد من القوانين التي تتحكم في سير المجتمعات الرأسمالية وكذا المجتمعات التبعية فعندما نقول بأن الماركسية تقدم قوانين عامة، يجب أن نوضح أولا ماذا تعني هاته الصيغة أي ماذا تعني كلمة «قوانين»؟ إن الماركسية تفهم القوانين الموضوعية سواء كانت قوانين الطبيعة أو قوانين تطور المجتمعات، بما فيها أساسا قوانين الاقتصاد السياسي، باعتبارها سببا ونتيجة في نفس الوقت لصيرورة التطور الموضوعي مع الأخذ بعين الاعتبار أن « تاريخ تطور المجتمع يختلف جوهريا في نقطة واحدة عن تاريخ تطور الطبيعة. ففي الطبيعة( بقدر ما نحن نضع جانبا رد فعل الإنسان فيها)، لا يؤثر بعضها في بعض غير قوى عمياء لا واعية وفي تأثيرها المتبادل تظهر القوانين العامة، وليس هنا أي هدف واع ومنشود. لا في الصدف الظاهرية التي لا عد لها، والمرئية على السطح، ولا في النتائج الختامية التي تؤكد وجود الانتظام في داخل هذه الصدف. أما في تاريخ المجتمع فالأمر بالعكس، ففي تاريخ المجتمع يفعل الناس الذين لهم موهبة الوعي، ويعملون بتفكير أو بتأثير عاطفة وينشدون أهدافا معينة. ولا يصنع هنا شيء دون نية واعية، ودون هدف منشود، ومهما كانت خطورة هذا الاختلاف بالنسبة للبحث التاريخي- ولاسيما لبحث مختلف العصور والحوادث- فإن هذا الاختلاف لا يغير في شيء واقع أن سير التاريخ خاضع لقوانين داخلية عامة»[26] و بذلك فهذه القوانين العامة التي يخضع لها تطور التاريخ والمجتمعات... هي خارجة عن رغبة وإرادة الإنسان، فالإنسان مهما بلغت درجة شأنه وعبقريته وجبروته لا يمكن له بأي حال من الأحوال خلق تلك القوانين أو اختراعها أو تفاديها، فكل ما يستطيع فعله هو اكتشافها ودراسة تفاعلاتها ومن تم يمكن تفادي آثارها المدمرة والاستفادة من نتائجها لما فيه مصلحة المجتمع. و طبعا عندما نتحدث عن التاربخ و المجتمعات فكل طبقة تنظر إلى المجتمع ككل وفق مصالحها الخاصة و وفق منهج يعكس بالتحديد موقعها الطبقي و هو الأمر الذي أكد عليه أيضا الرفيق ماو ةسي تونغ و انطلق على أرضية هذا التحديد النظري الماركسي لرسم اتجاهات تطور المجتمع الصيني أي أنه انطلق من وجهة نظر البروليتاريا أي من وجهة نظر الماركسية في تحديد اتجاهات الثورة.
لقد كان الإنسان يقف عاجزا أمام العديد من الظواهر، حتى البديهية منها في الوقت الحاضر، نظرا لعجزه عن معرفة أسبابها والقوانين التي تنتجها. و من ثم كان ينسبها إلى قوى خفية أو ظاهرية بل إنه لا يتوانى عن خلق تلك القوى الخفية لينسب إليها تلك الظواهر. و تلك مثلا هي حكاية خلق الله.
ولنأخذ مثالا لنوضح ذلك لقد كانت الأمطار، هذه الظاهرة التي أصبحت من البديهيات حتى بالنسبة لأطفال السنة الأولى تشكل لغزا حقيقيا وقف الإنسان أمامه حائرا لآلاف السنين،إن لم نقل ملايين السنين، لكن مع تطور حاجياته تطورت معارفه وتقنياته وتم اكتشاف القانون أو القوانين التي تتحكم في هاته الظاهرة و تلك، فتبخر المياه وتكاثفها وضغطها وجاذبية الأرض...الخ فسرت بشكل كلي هذه الظاهرة، ونفس الشيء يمكن أن نقوله عن العديد من الظواهر الطبيعية الأخرى (النار، الصواعق، الزلازل...) فهل الإنسان هو الذي خلق قانون تبخر المياه، أو قانون جاذبية الأرض؟ أبدا إن ما فعله الإنسان هو مجرد اكتشاف تلك القوانين. و على نفس المقياس فإن ظواهر أخرى كالفيضانات التي تنجم عن غزارة الأمطار أو اقتراب القمر من سطح الأرض، هي الأخرى كانت ظواهر ترعب الإنسان، نظرا لعجزه عن فهم القوانين التي تنتجها. فكانت فيضانات نهر النيل بالنسبة للمصريين القدامى عبارة عن سخط هذا النهر العظيم عليهم. فسارعوا إلى كسب وده. ولأجل ذلك لم يتوانوا حتى عن التضحية بقطعان ماشيتهم بل وأجمل نسائهم، وأقوى رجالهم، على شكل قرابين لذلك النهر. إلا أن تقدم العلم وتقدم لمعارف جعلت الإنسان في آخر المطاف يكشف النقاب عن القوانين التي تتحكم في تلك الظواهر. فهل يمكن القول إن الإنسان في هذه الحالة قد غير القوانين أو تفاداها؟ لا إطلاقا. إن كل ما فعله هو توجيهها أو للدقة تفادي نتائجها التدميرية والاستفادة من نتائجها الايجابية. وهكذا فقد استطاع الإنسان أن يشيد السدود لتفادي أضرار الفيضانات، وصنع الأعمدة لتفادي أضرار الصواعق الكهربائية واستطاع صنع العديد من الوسائل للتقليل من النتائج التدميرية للزلازل*. بل إن اكتشاف الإنسان للخريطة الوراثية جعله يخلق الإنسان أيضا. ومنه فإن الإنسان لم يخلق القوانين ولم يكن بوسعه فعل ذلك، فكل ما فعله هو اكتشافها ودراستها ومن تم الاستفادة من نتائجها لكن على قاعدة تلك القوانين بالتحديد.
وما قلناه عن قوانين الطبيعة ينطبق بالمثل على قوانين الاقتصاد السياسي، فهي الأخرى لا يمكن خلقها ولا اختراعها بل مجرد اكتشافها ودراستها والارتكاز عليها لما فيه مصلحة المجتمعات والإنسانية. غير انه بالإضافة إلى ما أوردناه على لسان انجلز فيما يخص الاختلاف بين قوانين الطبيعة وقوانين المجتمع، يجب التأكيد أيضا على أن الاختلافات الأخرى بين قوانين الطبيعة وقوانين الاقتصاد السياسي هو أن الأولى وإن كانت «أزلية» فإن الثانية مؤقتة أي أنها محكومة وصالحة لفترات تاريخية محددة ووفق شروط محددة و شروط تاريخية معينة. ( وهو على كل خال أمر طبيعي فكل قانون له خاصياته وشروطه التي يفعل فيها). و اكتشاف هذه القوانين التاريخية، (أي الغير أزلية)، ودراستها هي التي يمكن أن توفر للإنسان إمكانية توجيهها لما فيه مصلحته.لأن الإنسان لا يستطيع تغيير تلك القوانين، بل إن مسعاه الواعي يكمن في تغيير الشروط التي تفرز هذه القوانين وتسمح بظهور هذا القانون أو ذاك وبتغييره للشروط التي تجعل من تلك القوانين، قوانين فاعلة لا يغيرها ولكن يفرز شروطا تجعلها خامدة لبروز قوانين أخرى.فبالمرور عبر هذه الضرورة يستطيع الإنسان ان ينتقل إلى الحرية أي أن يصبح سيد نفسه وسيد تاريخه، أي أن يصنع بوعي منه[27] وهو ما برهن عليه ماركس عند حديثه عن ديكتاتورية البروليتاريا و الانتقال إلى المجتمع الخالي من الطبقات. أما عن تاريخ اكتشاف هاته القوانين، فيمكن الرجوع إلى الرأسمال ففي هذا العمل العظيم استطاع ماركس أن ينفض الغبار على العديد من القوانين التي لم تستطيع مدارس الاقتصاد السياسي الكلاسيكي والبرجوازي أن تفعله. و رغم ذلك فلا نقول أن ماركس قد اكتشف كل القوانين أو حتى درس كل القوانين التي اكتشفها فمثلا وعلى حد تعبير لينين: « لقد كانت الماركسية تفتقر إلى حد الآن إلى دراسة منهجية للرأسمالية في الزراعة. ولقد سد كاو تسكي-يوم كان ماركسيا- هذه الثغرة في كتابه الرأسمالية في الزراعة».[28]
هكذا تفهم الماركسية القوانين العامة لتطور المجتمعات والعالم. ونحن حينما نؤكد على أنها قوانين عامة "تتحكم في سير المجتمعات والعالم" فإننا لا نقول ضمنيا إلا أن الماركسية قد اكتشفت القوانين التي تتحكم في سير التاريخ برمته. و مفهوم الطبقات لا يستثنى من هذه القانون. فإذا أراد أحد أن ينتقد مفهوم الطبقة الكمبرادورية أو مفهوم البرجوازية البيروقراطية اللذان صاغهما ماو تسي تونغ، فعليه أن لا يسخر من الماركسية بقوله أن هذه المفاهيم لم ترد على لسان ماركس أو انجلز أو لينين. و عليه أن لا يرضى بالمنهج الصوري أو المنهج التجريبي كما يفعل التحريفيون عندنا دون ان يعوا بذلك. بل أن يعتمد الماركسية في محاكمة الأشياء أي أن يعتمد المنهج الجدلي.
ولذلك فتحديد الشعارات و المهام ليس في الحقيقة سوى ترجمة هذا الوعي النظري بالقوانين الموضوعية إلى مستوياته السياسية/البرنامجية و التنظيمية. و هكذا يكون تحديد طبيعة الثورة ومن ثم طبيعة الدولة و السلطة مرتبط بمختلف الشروط المادية و بالتالي بمختلف القوانين الموضوعية التي تتحكم في تطور هذا المجتمع أو ذاك. لا ممارسة ثورية بدون نظرية ثورية، و النظرية الثورية ليست هي المجلدات والنصوص. بل إنها التحليل الملموس للواقع الملموس إنها اكتشاف ووعي بالقوانين الموضوعية المادية التي تتحكم في تطور الواقع المعني . إن الحركة كما سبق واشرنا هي شكل وجود المادة، ومضمون وشكل عمل الشيوعيون و الشيوعيات يجب أن يقام على أساس هذه القاعدة العلمية. فالقول و الدعاية لمهام لا تعكس الوعي بقوانين تطور المجتمع المعني يعني ً فصل الحركة عن المادة يعنيً " فصل التفكير عن الواقع الموضوعي...أي الانتقال إلى جانب المثالية" (لينين) والمهام (بما فيها الإستراتيجية والتكتيك والبرنامج ) هي في أبعادها النظرية تحديد لكيفية حل الشيوعيين و الشيوعيات للتناقضات القائمة. وهكذا فإن طرح المهام غير المناسبة يعني حل التناقض بشكل غير مناسب يعني إعاقة التقدم وسوف نعود إلى هذه النقطة بمزيد من التفصيل.
ما هي طبيعة الثورة ببلادنا ؟ ما هو الأفق المباشر لنضال البروليتاريا المغربية هل هو ثورة اشتراكية أم ثورة وطنية ديمقراطية شعبية ؟ هل ديكتاتورية البروليتاريا أم ديكتاتورية الشعب الثوري؟
إن لهذين السؤالين أهميتهما القصوى في بناء الوضوح السياسي للماركسيين المغاربة - دون أن يكون ذلك طبعا كافيا- ولذلك كانت المعالجة النظرية لهذين السؤالين لها أيضا أهميتها القصوى بل نستطيع القول أن لها الأولوية كذلك ( لا ممارسة ثورية بدون نظرية ثورية ) إن هذا العمل هو أيضا محاولة لطرح هذه المعالجة النظرية. إذن كيف ينظر الماركسيون إلى القوانين الموضوعية؟ وكيف يتعاملون معها ؟ إن الإجابة على هذان السؤالان التي سبق أن قدمناها أعلاه تشكل خطوة ضرورية وأساسية في التقدم نحو الإجابة على السؤالين السابقين.
لقد قال لينين عن الماركسية في مقال "برنامجنا"، قال عنها بأنها علم. أتفهمون ماذا يعني ذلك أيها السادة...؟ إنها ليست كلمة لتنميق الأسلوب، كما تحاول أن يفعل البعض دائما دون أن ينجحوا حتى مرة، بل موقف، نعم «إن الماركسية علم ولذلك يجب أن تعامل كعلم»(ماو) و من لا يفهم بعد ذلك، من يبرهن عمليا على أنه لا يستوعب ذلك، من يقول أن الماركسية هي مجموعة مجلدات و كتب فهو لا يبرهن سوى على غبائه و كسالته. لا يبرهن سوى على تعاطيه الدغمائي مع فكر الطبقة العاملة. إن الانتهازية هي الأخرى تدافع على مصالح الطبقة العاملة لكن ليس برؤية و بفكر الطبقة العملة بل برؤية و فكر البرجوازية، مما يجعلها لا تخدم في آخر المطاف سوى أعداء الطبقة العاملة ذاتها، و تجعلها تابعا فكريا للبرجوازية و ذيلا سياسيا لها. و هذا بالضبط هو المضمون الطبقي لأصحابنا. و تحديد المهام و التحالفات و التكتيكات هو أيضا خاضع بشكل رئيسي (وليس وحيد) لهذه القوانين، فالإجابة على سؤال: هل ثورة ديمقراطية-برجوازية أم ثورة اشتراكية ؟ لا يجلبه الماركسيون من الكتب وحدها أو من الكتب بشكل أساسي، بل من الواقع الموضوعي من واقع التناقضات الطبقية من شجرة الحياة الخضراء و ليس من النظرية الرمادية اللون. فـ"إن وجهة كل الطبقات و موقفها حيال الثورة ... يحددها بصورة كلية مركزها في الاقتصاد الاجتماعي ... لذا فإن طبيعة الاقتصاد الاجتماعي لا تحدد خصوم الثورة و مهماتها فحسب بل تحدد، القوى المحركة لها أيضا"[29] و على قاعدة هذه الموضوعة و بارتباط مع ظروف الصين طور ماو مفهوم الديمقراطية الجديدة. فليحاول أصحابنا نقد هذه الموضوعة أو ليحاولوا فهمها أولاً.
إن هاتين المرحلتين اللتان حددتهما الماركسية اللينينية يوضحهما ماو بقوله:" أن أولاهما توفر الشروط للثانية، و أنه لابد أن تكونا متتابعتين دون السماح بأن تتخللهما مرحلة ديكتاتورية البرجوازية"[30]
و إذن فكيفية الوصول إلى الشيوعية، محددة بشكل كلي بظروف الواقع الموضوعي و شروطه أي بالقوانين الموضوعية التي تتحكم في تطور المجتمع الدولي أو المحلي. و ليس برغبة حفنة من الطوباويين. إن اكتشاف هذه القوانين و معرفة كيفية دمجها في حركة الجماهير و على رأسها الطبقة العاملة يلخص الجزء الأكبر من عمل الشيوعيين و الشيوعيات اتجاه طبقتهم باعتبارهم ممثلي البروليتاريا الفكريين و السياسيين من عمال و فلاحين و مثقفين.
ما هي إذن هذه القوانين؟ إن طرح هذا السؤال لا يكون سليما إلا إذا اكتملت صياغته أي إذا تم ربطه بالشروط الموضوعية والمادية التي تنبثق منها هذه القوانين. لذلك يكون من الصواب إعادة صياغة هذا السؤال على الشكل التالي:ما هي القوانين المتحكمة في هذا المجتمع أو ذاك ؟ إذن ما هي الشروط التي تميز هذا المجتمع عن مجتمع آخر ؟ لقد أجابت الماركسية اللنينية على لسان قادتها على هذا السؤال بشكل واضح ويمكن القول إن تحديد المراحل التاريخية التي يوجد داخلها هذا المجتمع او ذاك هو بالضبط معيار الاختلاف الأساسي. وكما سبق واشرنا إلى اختلاف وشروط وضع الطبقة العاملة قبل ظهور الاحتكار وسيطرته وبعد ذلك حيث ظهرت الارستقراطية العمالية. و ما افرزه هذا التغير من مهام جديدة. فإن سيطرت الاحتكار وتطوره لم يكن تأثيره منحصرا في ظهور هذه الارستقراطية ولا في المهام التي أفرزتها الطليعة الواعية للبروليتاريا العالمية وعلى رأسها لينين بل إن سيطرت الاحتكارات قد جعلت من الاستعمار و الالحاقات يحدد شروطا موضوعية ومادية جديدة على الدول المستعمرة أيضا وبالتالي مهاما مختلفة في العديد من الأوجه على المهام المطروحة داخل الدول المستعمرة( بكسر الميم).
فمثلا إن الإمبراطورية الروسية القيصرية كانت نظاما أوتوقراطيا و استعماريا في نفس الوقت الشيء الذي حدد حتى بعض صفات البرجوازية أي انه جعل " البرجوازية مجردة من كل صفة ثورية"[31] لذلك " كان واجب البروليتاريا هناك هو معارضة البرجوازية لا الاتحاد معها".[32]
أما الصين فقد كان بلدا مستعمرا وشبه مستعمر و إقطاعي و هذه الصفات الموضوعية أي المادية تشكل اختلافا نوعيا في العديد من الأوجه عن واقع الإمبراطورية الروسية الاستعمارية. ان هذا الواقع المادي هو الذي يجعل حسب ماو "إن البرجوازية الصينية تتحلى بصفة ثورية خلال فترات معينة و إلى حدود معينة" لذلك فان "واجب البروليتاريا هو أن لا تهمل هذه الصفة الثورية للبرجوازية الوطنية و أن تقيم معها جبهة متحدة ضد الامبريالية وحكومات البيروقراطيين وأمراء الحرب"[33] وهذا الواقع قد سبق وان أشار إليه لينين فبتحليله لمسار الثورة الصينية في مقاله (الديمقراطية و الشعبية في الصين) يقول لينين "لقد تعفنت البرجوازية الغربية التي قد وقفت أمامها حفارة قبرها – البرويتاريا. أما في آسيا فما تزال توجد برجوازية كفوء لتمثيل ديمقراطية مستقيمة، كفاحية و مخلصة، لتكون رفيقا جديرا بالمبشرين العظام و الرجالات العظام الذين أنجبتهم فرنسا في أواخر القرن الثامن عشر"[34]
لكن عامل تخلف الصين أو البلد المعني و كونها بلداً مستعمرا يجعل أيضا من البرجوازية الوطنية الصينية ، برجوازية "في غاية الضعف اقتصاديا و سياسيا"[35] الشيء الذي يجعلها تتحلى في نفس الوقت بصفة أخرى، ألا و هي المساومة مع أعداء الثورة، و هي لا ترغب، حتى عندما تشترك في الثورة في الانفصال تماما عن الإمبريالية..."[36] و من هنا " فهي لا تريد و لا تستطيع الإطاحة بالإمبريالية بصورة كاملة ناهيك عن الإقطاعية" و بدلك تصبح المهمة على الشاكلة التالية : من"المؤكد أن البروليتاريا والفلاحين و المثقفين و الفئات الأخرى من البرجوازية الصغيرة في الصين هي القوى الأساسية التي تقرر مصير الصين. و هذه الطبقات قد استيقظت بعضها و البعض الآخر هو في طريقه للاستيقاظ و لابد أن تصبح هي العناصر الأساسية لتركيب الدولة و السلطة السياسية في جمهورية الصين الديمقراطية مع كون البروليتاريا قوة قائدة فيها "[37] لقد حدد ماو المهمة على قاعدة التحليل الملموس للواقع الملموس على أرضية الواقع الموضوعي المادي و لخصها على الشكل التالي : إن الثورة في بلد مستعمر أو شبه مستعمر هي ثورة ديمقراطية برجوازية من حيث طبيعتها الاجتماعية لكن " و على الرغم من أن رسالتها الموضوعية هي تمهيد الطريق لتطور الرأسمالية. إلا أنها ليست ثورة من النمط القديم تقودها البرجوازية و تهدف إلى إقامة مجتمع رأسمالي و دولة خاضعة لدكتاتورية البرجوازية، بل هي ثورة جديدة تقودها البروليتاريا و تهدف في مرحلتها الأولى ، إلى إقامة مجتمع الديمقراطية الجديدة و دولة خاضعة للديكتاتورية المشتركة التي تمارسها جميع الطبقات الثورية"[38] وهده الثورة "من ناحية أخرى تقوم على وجه التحديد بتمهيد طريق أوسع و أرحب من أجل تطور الإشتراكية "[39].
إن هذه النظرة لمراحل الثورة العالمية هي مستقاة بشكل رئيسي من خلال الوعي بالطبيعة الاجتماعية للثورة أي الوعي بمختلف القوانين التي تتحكم في تطور هذا المجتمع أو ذاك و توجيهها لفرز شروط موضوعية أخرى تمهد الطريق لظهور قوانين أخرى أي تمهد لظهور شروط الثورة الاشتراكية. إن هده النظرة هي أيضا ليست لماو وحده بل إن ماركس و إنجلز و لينين قد أشاروا إليها بوضوح لا يدع مجالا للتأويل فمثلا لينين عند نقده لتروتسكي (و ليرجع لدلك من يحصر الماركسية فيما قاله لينين) يقول "إن تروتسكي، مثله مثل مارتوف يخلط في كومة واحدة مراحل تاريخية متنوعة، مواجهاُ روسيا التي تقوم بثورتها البرجوازية بأوربا التي أنجزت من زمان ثوراتها البرجوازية"[40]. لقد قالها لينين عندما كان يقيم الكمونة: "ليست كلمة-الكمونة- هي التي يجب أن نرثها عن المقاتلين العظام لعام 1871. ينبغي لنا ألا نردد، دون بصيرة، كل شعار من شعاراتهم. بل علينا أن نفرز تلك الشعارات البرنامجية و العملية التي تحمل على الاوضاع و الظروف في روسيا، و التي يمكن صياغتها بهذه الكلمات: ديكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الديمقراطية الثورية"[41]
فليسمع أولائك اللذين "التهموا" –وهم في الحقيقة لم يقرؤوا حتى القراءة- كتب الماركسية من البيان إلى المجلد 45 للرفيق لينين، ليسمعوا هذا النص الواضح لتوجيهات الأممية الشيوعية التي قادها لينين و تنصل منها تروتسكي بشكل خياني جبان، إن "إحدى أعظم المهمات بهذا القصد (أي عمل الشيوعيين بالمستعمرات..) هي تشكيل الأحزاب الشيوعية التي تنظم العمال و الفلاحين (التسطير لي) و تقودهم إلى الثورة و إشادة الجمهورية السوفييتية"(موضوعات و إضافات حول المسألة الوطنية و الكولونيالية، ص216 من وثائق و مقررات الأممية الثالثة). نحن طبعا لا نريد أن نعرض مئات بل آلاف المقولات حول رؤية ماركس و انجلز و لينين للفلاحين و للثورة الديمقراطية حتى نصدم عبدة الكتب و نبين جهلهم حتى بالفتات الذي اطلعوا عليه، لا لشيء إلا لأننا نريد إعادة الاعتبار لفكر الطبقة العاملة لواجهة الصراع، لا لشيء إلا لأننا نريد خوض النضال النظري الذي يتعدى الكتب و المقولات.
لقد سبق و أكدنا أن الشيوعية ( و ليست الاشتراكية) هي الأفق النهائي الإستراتيجي لكل الشيوعيين و الشيوعيات. و تحديد الإستراتيجية أمر لا مفر منه إطلاقاً لتقييم سدادة الخط الفكري و السياسي لأي حزب شيوعي حقيقي. فالإستراتيجية تشكل أحد الركائز الأساسية الثلاث( إلى جانب البرنامج و التكتيك) في تحديد قضايا الثورة سواء داخل بلد معين أو على النطاق العالمي كله.
و قد كان للحزب الشيوعي الصيني و على رأسه الرفيق ماو تسي تونغ كبير الأثر لإعادة رفع هذا الشعار الثوري إبان الثورة الثقافية الصينية المجيدة و على الخصوص إبان صراعه ضد التحريفية العالمية بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي.
فمن ينسى أو من لا يعرف، بأن ماو هو الذي أعاد رفع راية الأممية البروليتارية هو الذي صان و دافع بكل قوة و عنفوان و بشكل خلاق على المبادئ التي أسس لها ماركس و انجلز و لينين. إن من ينسى أو لا يعرف بأن ماو هو الذي أعاد صياغة مبادئ الأممية الشيوعية و مبادئ الثورة الشيوعية العالمية على أرضية ما راكمته الطبقة العاملة والجماهير الشعبية من خبرات و تجارب. إن من ينسى أو لا يعرف أن ماو هو الذي أعاد نداء البيان "يا عمال العالم اتحدوا !" إلى واجهة الصراع الطبقي العالمي، إن من ينسى ذلك أو لا يعرفه فأنه لا يعرف شيئا عن ماو و عن "الماوية"[42].
إن أصحابنا أذيال الأممية الرابعة و غيرهم، إذ يتحفوننا بالشعوذات و الأكاذيب حول ماو و حول التجربة الصينية، التي ليس لها من طموح ومن آفاق سوى الثورة الديمقراطية البرجوازية (حسب أكاذيبهم) لا يستطيعون خوض النضال إلا بأساليب الاحتيال كما أسماها لينين ذات مرة.
إن الشيوعيين الصينيين باعتبارهم طليعة البروليتارية الصينية القائدة قد حطموا بنضالهم الأيديولوجي و السياسي كل الحواجز التي حاولت التحريفية العالمية وضعها أمام الثورة العالمية الظافرة و أعادوا صياغة الهدف بشكل دقيق بروح ماركسية عالية. إن الشيوعية هي ما نطمح إليه و نضالنا يجب أن يوجه نحو هذا الهدف،هكذا رد الشيوعيون الحقيقيون على التحريفية، و هذا ما علمنا إياه الرفيق ماو تسي تونغ. لكن كيف نصل إلى هذا الهدف؟ ما هي الطريق للوصول إليه؟ و بأية وسائل؟ إن موضوعات الرفيق ماو تسي تونغ قد أجابت على هذه القضايا بشكل خلاق و بالتزام صارم بالمبادئ الجوهرية للماركسية اللينينية الثورية .كيف نصل إلى الشيوعية؟ إن طرح هذا السؤال يضعنا في السكة الصحيحة التي نادى بها البيان الشيوعي و سار على نهجها البلاشفة.
و الوصول إلى الشيوعية كما هو الحال للوصول إلى أي هدف آخر يحدده بشكل رئيسي عاملان أساسيان: الشروط الموضوعية و كذا نضال الشيوعيين. و لذلك نجد لينين سنة 1921 إبان كلمته في المجلس العام العاشر لعامة روسيا للحزب الشيوعي الروسي يقول:« يقينا أننا عندما نرسم سياسة يجب أن تدوم جملة طويلة من السنين، لا ننسى لحظة واحدة أن الثورة العالمية و وثائر وظروف تطورها قد تغير كل شيء»[43].
إن لينين كان يعرف جيداً ما ينتظر الشيوعيين من صعوبات و منعرجات و إخفاقات من أجل الوصول إلى هدفهم الإستراتيجي النهائي لذلك كان واضحا عندما صرح سنة 1921 كذلك :
«و بكل إدراك، و بخطىً ثابتة، و دون انحراف، نسير إلى الأمام، نحو الثورة الاشتراكية، عارفين أنها غير منفصلة عن الثورة البرجوازية الديمقراطية بسور صيني، عارفين أن النضال وحده هو الذي سيقرر مقدار التقدم الذي سنتمكن من تحقيقه (في نهاية الأمر)، مقدار القسم الذي سننفذه من مهمتنا اللامتناهية الكبرى، مقدار النصيب الذي سنوطده من انتصاراتنا.»[44].
بهذه الروح الماركسية الخلاقة كان يتحدث لينين دائماً عن صعوبات و مهام الثورة الاشتراكية و الشيوعية ، بهذه الروح الماركسية الخلاقة ناضل لينين بكل حزم ضد التروتسكية الطوباوية و ضد انتهازية الأممية الثانية و النصف. و بهذه الروح الماركسية سوف يقدم ماو الثورة العالمية إلى الأمام. فالوقائع الموضوعية التي انبثقت قد أثبتت صحة ما قاله لينين بكل جلاء:« إن الثورة العالمية و وثائر و ظروف تطورها قد تغير كل شيء »[45]
و ما من درة شك أن الظروف العامة لتطورات الثورة العالمية قد حققت العديد من التغيرات و في كل شيء. و لنأخذ مثالا صغيرا، لنأخذ مثلا المسألة القومية. و لنتساءل هل ظلت هذه المسألة على ما هي عليه بعد الحرب الامبريالية الأولى أو على الأخص بعد ثورة أكتوبر العظمى باعتبارها أهم حدث في تاريخ الثورة العالمية التي تقودها البروليتاريا ؟ هل ظلت على ما هي عليه بعد الثغرة [46] التي حققتها الثورة الروسية في النظام الرأسمالي كله. سوف نورد هنا نصا لستالين (الذي لا يعرف عنه التصفويون سوى تكالبات الامبريالية و التروتسكية) كتبه سنة 1918 بمناسبة الذكرى الأولى لثورة أكتوبر، و لم يجد إلا التدعيم من طرف لينين، بل إن نظرية البلاشفة حول هذه المسألة هي نظرية ستالين و هي ذلتها التي عبر عنها روح و نص الأممية الشيوعية الثالثة التي قادها لينين، فماذا قال ستالين:
" إن المغزى العالمي العظيم لثورة أكتوبر يتمثل بصورة رئيسية في أنها:
1- وسعت إطار المسالة القومية إذ حولتها من مسألة جزئية خاصة بالنضال ضد الاضطهاد القومي في أوربا إلى مسألة عامة متعلقة بتحرر الأمم المضطهدة والمستعمرات وشبه المستعمرات من نير الإمبريالية
2- أتاحت إمكانيات عريضة وشقت طرقا واقعية نحو تحقيق هذا التحرر , وهي بذلك دفعت كثيرا قضية تحرر الأمم المضطهدة في الغرب والشرق واجتذبت هذه الأمم إلى التيار العارم للنضال الظافر ضد الإمبريالية .
3- أنشأت بذلك جسرا بين الغرب الاشتراكي والشرق المستعبد, إذ خلقت جبهة جديدة من الثورات ضد الإمبريالية العالمية ,تمتد من البروليتاريا في الغرب , عبر الثورة الروسية , إلى الأمم المضطهدة في الشرق"[47]
و هكذا فالماركسيون الروس أقروا بأن الثورة في المستعمرات و شبه المستعمرات، انفصلت على مفهومها القديم و أصبحت جزءا من الثورة الاشتراكية العالمية، ففي سنة 1925 كتب ستالين في جداله مع القوميين اليوغوسلاف منتقدا سيميدش الذي حاول الاستشهاد بما كتبه ستالين نفسه سنة 1912 فيما يخص المسألة القومية(إن النضال القومي في ظروف الرأسمالية الصاعدة هو نضال يجري فيما بين الطبقات البرجوازية 1912) قائلا ".. بعد كل هذا ما الذي يبينه استشهاد سيميدش في الوقت الحاضر في تلك الفقرة الواردة في كتيب ستالين المكتوب في مرحلة الثورة الديمقراطية البرجوازية في روسيا، بعد أن دخلنا بحكم الوضع التاريخي الجديد عصر الثورة البروليتارية ؟ إنه لا يبين إلا أن سيميدش استشهد بتلك الفقرة بصرف النظر عن الزمان و المكان (كما يحاول التصفويون عندنا مع مقولات لينين) و الوضع التاريخي المتغير، فخالف بذلك أبجديات الديالكتيك متجاهلا بأن ما هو صحيح في ظرف تاريخي معين قد يكون خاطئا في ظرف تاريخي آخر"[48]
إن هذا المنهج الذي نقدمه للقارئ في تناول التاريخ و تناول الماركسية، يختلف جذريا و بشكل مطلق عن المنهج الميتافيزيقي و الميكانيكي الذي يتناول به الانتهازيون التاريخ. لقد أوصى لينين الشيوعيين بالشرق بقوله –فليتمعن فيه من ينظر إلى الماركسية بوصفها "مكتبة من البيان إلى المجلد 45 للرفيق لينين"- :" ينبغي لكم أن تستندوا في الميدانين النظري و العملي إلى التعاليم الشيوعية العامة و أن تأخذوا بعين الاعتبار الظروف الخاصة غير الموجودة في البلدان الأوروبية كي يصبح بإمكانكم تطبيق هذه التعاليم في الميدانين النظري و العملي في ظروف يؤلف فيها الفلاحون الجمهور الرئيسي و تطرح فيها مهمة النضال لا ضد رأس المال، بل ضد بقايا القرون الوسطى.
لهذا أعتقد أنه سيترتب عليكم في تاريخ تطور الثورة العالمية التي تستمر لسنوات عديدة و يتطلب جهودا كثيرة إذا حكمنا على أساس البداية، سيترتب عليكم أن تلعبوا في النضال الثوري و في الحركة الثورية دورا كبيرا و أن تندمجوا في نضالنا ضد الامبريالية العالمية "[49]
هناك من ليس لديهم من "دليل" سوى "مقارنة" كتاب "الدولة و الثورة" بـمقال "حول الديمقراطية الجديدة" (و أية مقارنة) من ليس لديهم من "دليل" سوى البحث عن مفاهيم قالها ماو، و لم يقلها لينين و ماركس، و كأن التاريخ توقف عند لينين و كأن الطبقة العاملة لم تراكم قط أي شيء بعد 1924 إنه الاستهزاء من نضالات الطبقة العاملة و من ما راكمته من خبرات نظرية و سياسية، انه الكاريكاتور عن الماركسية بصيغته التصفوية.
هناك من دليلهم الوحيد هو "الكتاب" أما الماركسيون فدليلهم هو الجدل المادي، هو التحليل الملموس للواقع الملموس.
هناك من يقولون "إن الفاصل بيننا مكتبة كبيرة من البيان إلى المجلد 45 للرفيق لينين" و الماركسيون يقولون اقرؤوها أولا، و يضيفون أن الفاصل بيننا هو الجدل المادي و الواقع الموضوعي و إفرازاته.
هناك من يقولون أن الماركسية توقفت عند المجلد 45 للينين ( مسكينة هي هذه الماركسية) و الماركسيون يقولون بأن الماركسية لا تتوقف عند ماو تسي تونغ و لن تتوقف عند أي أحد.
هناك من يحاول "محاكمة "ماو على أرضية مفهوم ديكتاتورية عدة طبقات( !!) بوصفه تحديدا "غيرماركسي( !!). نعم إن ماو هو الذي نظر للديمقراطية الجديدة أي هو الذي حدد مفهوم الديمقراطية الجديدة وفقا لما حددته الماركسية حول الثورة الديمقراطية البرجوازية ولكن أيضا باستيعاب خلاق للشروط الجديدة التي ظهرت على حلبة الصراع الطبقي العالمي أي شروط عصر الثورة الاشتراكية وقيام أول دولة للبروليتاريا (بعد تجربة كمونة باريس)
لقد حدد لينين مفهوم ديكتاتورية الشعب في تحليله للمفهوم العلمي: الديكتاتورية، لقد أقر بضرورته في مراحل تاريخية معينة بل إن لينين في نقده" لفرسان الاممية الثانية" أي في نقده للانتهازيين كتب يقول " .. إذ "يعترفون" بالثورة (كالانتهازيين اليوم) ويرفضون في الوقت نفسه الاعتراف بديكتاتورية طبقة معية- اوطبقات معينة " إنما يكشفون على وجه الدقة بذلك عن إصلاحيتهم وعن عدم صلاحهم كليا كثوريين" [50]
فأن يقول المرء بأن ماو تخلى على العمال لصالح الفلاحين، أن يقول المرء بالتخلي عن الفلاحين بعد النهوض الثوري العارم الذي أبرزته انتفاضات خونان[51] ، أن يقول المرء بالتخلي عن الفلاحين تحث مبرر أن لينين لم يقل بذلك (و لينين بريء من ذلك) لن نجد أروع من ما قاله لينين نفسه على الشوفينيين لنرد عليه " لا يلام العبد ، إن ولد عبدا، غير أن العبد الذي يبرئ من النزوع إلى الحرية ، و يبرر عبوديته فضلا عن دلك بتزيينها ( أو نسبها لأحد ما، كما يفعل هؤلاء ) إن هدا العبد هو ندل ووضيع يستدعي بحق شعور السخط و الاحتقار و الاشمئزاز" [52] وعلى كل حال " فهده الأصناف من البشر تمثل ظاهرة عامة كحطام لتشكيلات و أنظمة الأمس التاريخية " [53]
لكن إسهامات ماو وتعميقه للماركسية اللينينية لا تقف عند هذه الحدود فقط بل إن مسار الثورة العالمية وتقدم البروليتاريا كان عميقا إلى درجات أصبحت معها الماركسية اللينينية أكثر نضجا وعمقا وشمولية على يد ماو. وسوف نحاول أن نرصد أهم تلك الانجازات مركزين خصوصا على القضايا التي تشكل في الوقت الراهن قضايا مصيرية أمام الحركة الشيوعية المغربية والعالمية على حد سواء.
v ديكتاتورية البروليتاريا:
عندما نهضت الملايين من العمال والعاملات، الفلاحين والفلاحات، المثقفين والمثقفات ضد التحريفيين، مدافعين على إنجازات الثورة وصد الطريق أمام إعادة الرأسمالية الى الصين، تمكن الرفيق ماو من استيعاب هذه النهضة الجماهيرية العارمة وإعطائها أبعادا أكثر عمقا وكتب يقول " إن الاضطراب شيء حسن". فكما استطاع ماركس من التعبير النظري والسياسي على نهضة وبطولة العمال الباريسيين، ومن إبراز محتواها ومضمونها وموقعها التاريخي في صيرورة الثورة العالمية مقدما بذلك علم البروليتاريا إلى الأمام ومشيدا لمفهوم ديكتاتورية البروليتاريا، فقد استطاع الرفيق ماو تسي تونغ من استيعاب نهضة الصينيين والصينيات واستيعاب المسار الذي أخذته الثورة البلشفية ثورة بلد لينين، وإبراز المحتوى الطبقي والموقع التاريخي لتلك الأحداث العظيمة، الأليمة منها والرائعة مقدما بذلك تشييد ديكتاتورية البروليتاريا والتقدم بالثورة العالمية إلى الأمام بعمق أكبر وآفاق أرحب.
إن خبرة أزيد من 30 سنة من نضال الطبقة العاملة العالمية وكفاح الشعوب التحررية. إن خبرة أزيد من 30 سنة و الطبقة العاملة العالمية تشيد الاشتراكية وتقدم الثورة العالمية إلى الأمام، قد أبرزت أن صراع البرجوازية و البروليتاريا يبقى حتى في عهد ديكتاتورية البروليتاريا ويأخذ أشكالا أكثر ضراوة لكن بهدف واحد السلطة السياسية، أي ان البروليتاريا تناضل من أجل ترسيخ وتثبيت مكتسبات الثورة والتقدم أكثر في مسار الثورة العالمية، والبرجوازية تصارع من أجل إعادة الرأسمالية الى البلد المعني والدفاع عن سيطرتها العالمية.
إن الهزائم التي تلقتها الطبقة العاملة والشعوب التحررية شكلت خبرة عظيمة وليس شيوعي او شيوعية من لم يناضل من أجل استيعابها والتعبير عنها نظريا وسياسيا وتنظيميا. فالواقع الحالي لبلد لينين وبلد ماو وكل البلدان الاشتراكية السابقة التي تلقت فيها الثورة العالمية الهزيمة يشكل تحققا واقعيا لموضوعات الرفيق ماو في هذا الاتجاه. إن كل حقيقة هي حقيقة واقعية. كما أن التقدم الحالي الذي تحققه الطبقة العاملة العالمية يجعل موضوعات ماو تتحقق باستمرار.
فكيف إذن تم التعبير النظري عن هذه الخبرة الغنية بعدما تم التعبير عنها سياسيا بالحرب الشعبية و بالثورة الثقافية على الأخص؟
إن الأخطاء التي ولدت الهزائم هي نوعان إن صح التعبير: أخطاء من قلة التجربة، أو أخطاء من خلل في الوعي، أي عدم استيعاب القوانين الموضوعية وهو ما يتطلب نظرية علمية حول المعرفة وهذه النظرية إنما هي المادية التاريخية والمادية الجدلية، وهي نظرية تتطور بتطور الواقع المادي عبر التراكمات التاريخية التي حققتها الطبقة العاملة من خبرات ودروس. إن ذلك الوعي بالنظرية هو الذي دفع لينين بعد أربع سنوات فقط من الخبرة في خطابه بمناسبة الذكرى الرابعة لثورة أكتوبر العظمى ليقول: " إننا لا ننسى لحظة أنه وقعت ولا زالت تقع عندنا كثرة من الإخفاقات والأخطاء، وما الوسيلة لعدم وقوع الإخفاقات والأخطاء في عمل جديد في تاريخ العالم، كما هو عليه إنشاء طراز غير معروف سابقا لتنظيم الدولة "*.
إن حقيقة الذين لا يريدون الاستفادة من دروس الهزائم والانتصارات هم الذين يتخلون فعلا عن الطبقة العاملة وعن فكرها الثوري. إن الدروس التي راكمتها الطبقة العاملة في صراعها ضد الرأسمالية والاقطاعية قد جعلت من النظرية البروليتاريا تتطور هي الأخرى في صراع ضار تحاول من خلاله تعميق الاستيعاب بمتغيرات التاريخ وفقا للمفهوم المادي الجلي وتبعا أيضا لتطور المفهوم المادي الجدلي نفسه.
إن تلك الدروس قد أغنت نظرية المعرفة والجدل والاقتصاد السياسي والنظري والشيوعية وقدمتهم الى الامام.
إن هذا التطور الذي شهدته النظرية الماركسية اللينينية هو ايضا تطور داخل الصراع، أو لنقل استمرار في التطور عبر الصراع بعد ان تولدت في الصراع ضد المثالية والمادية الميكانيكية والاقتصاد السياسي البرجوازي والاشتراكية الطوباوية، و....ضد العديد من الاتجاهات الفكرية الأخرى. إن ذلك الصراع قد تجسد وتحقق تاريخيا في النضال ضد الجمود العقائدي وضد التحريفية أساسا.
إن التقدم في استيعاب الخبرات والدروس قد دفع بتطوير نظرية المعرفة العلمية و شكلت الدراسة التي قام بها ماو لتحديد العلاقة بين المعرفة والممارسة العملية أي العلاقة بين المعرفة والعمل تقدما هائلا في هذا الاتجاه ويمكن القول أن علم المعرفة وخصوصا الجانب الذي يدرس قوانين وحدة النظرية والممارسة الذي أسس له ماركس وانجلز وأغناه لينين، قد عمقه أكثر الرفيق ماو تسي تونغ .
إن تعميق الدراسة للكشف عن القوانين التي تحكم العلاقة بين المعرفة والعمل يمكن البروليتاريا من التقدم في استيعاب الشروط التي تناضل داخلها وبالتالي يمكنها من إحسان رسم خطة الهجوم ضد الرأسمال وتفادي الأخطاء السابقة. إن التقدم في هذا الاتجاه قد رافقه التقدم منذ البداية في تطوير الجدل المادي.
لقد كتب لينين وهو يصارع الماخيين والتحريفيين ويعمق بناء نظرية المعرفة العلمية والجدل: " إن ازدواج ما هو واحد ومعرفة جزئية المتناقضين... يشكلان جوهر الديالكتيك ( أحد "جواهره" إحدى خصائصه أو ميزاته الرئيسية إن لم تكن خاصته الاساسية)". وبعد يوصي قائلا: " ينبغي إثبات صحة هذا الجانب من مضمون الديالكتيك بواسطة تاريخ العالم"* .إن هذه الوصية سوف تجد طريقها الى التحقق على يد الرفيق ماو تسي تونغ بعدما راكمت الإنسانية خبرات تاريخية عظيمة.
إن دراسة قانون التناقض أو كما عبر عنه لينين " ازدواج ماهو واحد ومعرفة جزئية المتناقضين "، قد قام بها ماو في مؤلفه الفلسفي " في التناقض" حيث قام خلاله بدراسة هذا القانون ولم يقف عند تحديد " جزئية المتناقضين " بل حدد أيضا خاصية التناقض الرئيسي والطرف الرئيسي دارسا قوانين الوحدة والصراع بين طرفي التناقض وكاشفا عن مركز التعادي في التناقض وعن عمومية التناقض. إن هذا التطور الذي عرفه الديالكتيك كان هو أيضا خلال الصراع خصوصا ضد الجمود العقائدي والتحريفية، وقد مكن ذلك من التقدم في الوعي بكيفية حل التناقض بين الذات والموضوع ، وبالتالي استيعاب الأخطاء وأساسا استيعاب الشروط المعاشة لتوجيه الثورة.
إن لينين الذي أوصى بتطوير التناقض معتبرا انه جوهر الديالكتيك - وهي الفقرة التي أوردناها أعلاه من مقال حول الديالكتيك – قد أبدى بعض "التحفظ" ، إن صح التعبير، و عبر عنه بين قوسين بالجملة التالية:" باعتباره ”أحد جواهره“ إحدى خصائصه ومميزاته الرئيسية إن لم تكن الخاصية الأساسية " * إن هذا التحفظ الذي أبداه لينين أمر طبيعي آنذاك، فلم تكن الماركسية قد درست التناقض بعد باعتباره جوهر الديايكتيك، أي لم تكن قد حددت بعد أجزائه وخصائصه و... وهو ماجعل لينين يقول ”أحد جواهره“ ويضعها بين مزدوجتين لأنه يعرف أن الأمر يحتاج إلى تقديم البرهان والدليل وقد أوصى الماركسيين بذلك.
إن ماو الذي درس التناقض هو الذي سوف يزيل أقواس تحفظ الرفيق لينين ويحسم في المسألة، أي أنه قدم البرهان على ان التناقض هو بالفعل جوهر الديالكتيك. وبعد هذا التحديد لجوهر الديالكتيك سوف يطور ماو هذا الجوهر أيضا من خلال موضوعة: الواحد ينقسم إلى إثنان. إن هذا العمل الجبار الذي قام به الرفيق ماو تسي تونغ ، إن هذا العمق الذي طور به الرفيق الرفيق ماو تسي تونغ نظرية البروليتاريا كان نتاجا لما راكمته البروليتاريا العالمية على صعيد الثورة من تجارب وخبرات. ففي قلب الصراع الطبقي وبعد الانتكاسة التي أصابت الحركة الشيوعية وديكتاتورية البروليتاريا في بلد لينين ، وبعد الانتصارات التي تحققت لصالح البروليتاريا في بلد الرفيق ماو تسي تونغ خاض الرفاق الصينيون حربا ضروسا ضد التحريفية العالمية على كل الأصعدة . فبينما كان ماو يدافع عن انجازات الثورة الروسية ويوضح اخطائها و"يبث الوعي فيها" وفي الوقت الذي كان فيه الرفيق ماو تسي تونغ يقود البروليتاريا العالمية في صراعها ضد التحريفية الخروتشوفية وضد التحريفيين الصينيين تم التعبير عن هذا الصراع فلسفيا في سؤال: هل الواحد ينقسم إلى إثنان أم الاثنان يندمجان في واحد؟"
لقد حاول كسيانزهن المعبر الفلسفي على التحريفية الصينية صياغة الإجابة على هذا السؤال على النحو التالي: " التحليل يتلخص في العبارة{الواحد ينقسم إلى إثنان} بينما التركيب يعني الصيرورة التي تؤدي إلى ان الاثنان يندمجان في الواحد" وإذا ما بحثنا عن المضمون السياسي لهذه المقولة النظرية فلا نجده الا محاولة التبرير النظري للدفاع عن إمكانية اندماج الرأسمالية والاشتراكية في واحد، واندماج الخط التحريفي مع الخط الثوري في واحد.
وقد أجاب الرفاق الصينيون إبان الثورة الثقافية العظمى( التي لا يعرف عنها النقاد أي شيء) على جيانغ على الشكل التالي:
" علمتنا الفلسفة الماركسية أن التحليل والتركيب يشكلان في الوقت نفسه قانونا موضوعيا ومنهجية لفهم الواقع. فالتحليل يرينا أن وحدة معينة تنقسم دوما إلى جزأين مختلفين، يستمران في الارتباط بالصراع بينهما: التركيب ينتج في نهاية هذا الصراع عندما يتفوق أحد الأجزاء، أي ينفي الثاني أو بالتصرف فيه. فالتناقض القديم إذن قد حل، وآنذاك يظهر تناقض آخر، القديم ينمحي، إنه انتصار الجديد. ببساطة نستطيع القول أن التركيب يعني أن احد الأجزاء قد التهم الأخر...
التحليل والتركيب مرتبطان، هناك تركيب في التحليل وتحليل في التركيب"
بهذه الروح الماركسية، بهذه الروح الثورية رد الشيوعيون الثوريون على التحريفيين، بهذه الروح الماركسية عمق الرفيق ماو تسي تونغ القانون الجوهري في الجدل المادي، الجدل الماركسي. و بهذه الروح يتم استئصال التصفويين من بيئة الماركسيين و كشف تصفويتهم أمام الكل.
لقد سبق وان قلنا أنه "لا توجد حركة بدون مادة" وأكدنا على أن الحركة/ التطور مطلق، فلا تطور، لا حركة، بدون التناقض، بدون صراع الضدين، والحركة الشيوعية لا تستثنى من هذا القانون أي أنها محكومة أيضا بهذا القانون أي وحدة وصراع الأضداد.
إن استحضار موضوعة "الاثنان يندمجان في واحد" داخل الحركة الشيوعية أي عند دراسة وحدة الحركة الشيوعية( سواء العالمية أو المحلية) هي التعبير الفلسفي على النظرية التي تهدف إلى الوحدة من خلال البحث عن " النقاط المشتركة" هي ذاتها النظرية التي تحاول توحيد الماركسيين على قاعدة المفاوضات حول " النقاط المشتركة " أي النظرية التي تحاول بناء وحدة الماركسيين على قاعدة المفاوضات حول نقط التقاطع أو الالتقاء[54].
إن الوحدة هي دائما نتيجة الصراع. فالوحدة لا تتحقق إلا عبر صراع الضدين الذي ينقسم فيه الواحد الى إثنان. إن هذه الصيرورة من هدم القديم وبناء الجديد هي قانون شمولي هذا ما علمنا الرفيق ما وتسي تونغ. طبعا إذا اكتفينا بالملاحظات السطحية، إذا اكتفينا بما يظهر ولم نعمق ملاحظاتنا بالدراسة قد يظهر أن هناك العديد من النقاط المشتركة بين التحريفية والماركسية.
ألا يدعي التحريفيون عندنا بأنهم يمثلون الخط الثوري؟ ألا يعلنون بأنهم ماركسيين؟ إلا يصرحون بنفس المواقف السياسية التي يتبناها الماركسيون الحقيقيون؟ ( الموقف من النظام، من الثورة، من...) لكن إذا تجاوزنا الأقوال، إذا تجاوزنا ظواهر الأشياء فسوف نجد أن الماركسية و التحريفية عدوَّتان في كل القضايا والإشكالات على طول الخط.
فالوحدة لا يمكن أن توجد إلا كوحدة وصراع الأضداد. إن الوحدة هي دائما نتيجة الصراع، هذا ما تؤكده الماركسية وما يؤكده تاريخ الحركة الشيوعية منذ ماركس إلى اليوم.
وإذا عدنا إلى توجيهات ماركس إلى الشيوعيين الألمان نجده صارما إلى ابعد الحدود اتجاه هذه النظرية القائلة ب"النقاط المشتركة" ففي رسالة إلى قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني أكد مرارا وتكرارا " إياكم والتنازل النظري، إياكم والمساومة بالمبادئ ".
ولنتذكر صراع لينين ضد التروتسكيين والتصفويين بعد هزيمة ثورة 1905، لقد قاتل لينين بشراسة وقتالية ثوريتين لا حد لهما ضد الوحدة على أرضية"النقاط المشتركة" وقال " الوحدة شيء عظيـــم، لكنـــنا نريد وحدة ماركسيين حقيقيين وليس وحدة الماركسييــــن مع مشوهــي الماركسيــــــــة". كما أكد مرارا و تكرارا هذا المضمون ناقلا الصراع ضد الانتهازية إلى كل المجالات:الإيديولوجية و السياسية و التنظيمية " أن أسوأ أنواع التكثل هو حيث ليس تمة أي وضوح فكري وسياسي " [55] في " هذه الحال حيث تريد منظمة قائمة بذاتها أن تنشأ بدون أن يكون لها أي وجه فكري وسياسي " .(و هذا ما يسعى إليه العديد من "المتمركسين")
هكذا، وهكذا فقط كان يناضل الماركسيون ضد التوافقات، ضد المساومة على المبادئ، وهكذا فقط كانت تبنى وحدة الماركسيين، باعتبارها وحدة وصراع المتناقضين فأينكم أيها الماركسيون. وأين هي ماركسيتكم؟ وعن أي ماركسية تتكلمون إذا نسيتم كل هذه الخبرة الثورية العظيمة.
إن هذه النظرة لبناء وحدة الماركسيين، قد اجتازت الاختبار بنجاح منذ ماركس إلى لينين و ماو. وهاهي اليوم تجتاز نفس الاختبار بنجاح باهر. راقبوا ما يجري من حولكم. ولن تجدوا إلا هذه الموضوعة: الواحد ينقسم إلى اثنين. إن الوحدة كانت دائما تتولد عبر الصراع وتتصلب داخله. وقد عبر لينين عن هذه الحقيقة بحس ثوري عميق حيث قال:
"ينبغي أن لا نخشى من الصراع الفكري الداخلي ما دام ضروريا، فنحن نزداد صلابة و ثباتا فى غمرته، و نحن ملزمون بتوضيح خلافاتنا ...،و نحن ندعو جميع الرفاق البلاشفة إلى الوضوح الفكري و إلى نبد جميع النمائم السرية، أيا كان مصدرها. و هناك عدد لا يحصى من هواة الاستعاضة عن النضال الفكري في أهم المسائل الجدية، الجذرية، بالمشاحنات الحقيرة المفعمة بروح المناشفة... فلا يجوز أن يكون لهم مكان في بيئة البلاشفة. يجب على العمال البلاشفة أن يردوا على هذه المحاولات ردا حازما و أن يطالبوا بأمر واحد: الوضوح الفكري، الآراء الواضحة و الخط المبدئي"[56]
لكن لا يجب أن نتعاطى مع الصراع بأحادية النظرة. إن للصراع جانبه المدمر وجانبه البناء، الخالق، الثوري وما على الماركسيين إلا فهم هذا القانون ، فقانون وحدة وصراع الضدين وتوجيهه لخدمة الأهداف، أي في حالتنا هاته لخدمة الوحدة الأرقى و الأمتن؛ إن حل هذا التناقض يكمن في تبني النقد والنقد الذاتي عبر النضال الإيديولوجي بين الماركسيين. و هذا الصراع لا يمكنه أن يتطور في هذا المنحى إلا إذا كان منظما وهنا بيت القصيد. إن عملية بناء الحزب البروليتاريا المغربي تتراكم في اتجاه التقدم في بناء خطه الفكري والسياسي وتقدم بذلك انضاج شروط تحقيق تلك الضرورة التاريخية التي أعلنت منذ فترة طويلة أي تلك المهمة العظيمة: بناء الحزب الثوري المغربي. فالشعب المغربي لم يبخل ولم يتأخر في تقديم الثوار أفواجا بعد أفواج وسوف يقدم من بين هؤلاء الثوار قادة قادرين على استيعاب شروط النضال و تحديد كيفية التغيير. إن مهمة بناء الحزب الثوري تطرق الأبواب بقوة وسوف نبنيه ونفتح الطريق الثوري من جديد بنضال كل الماركسيين والماركسيات.
وقبل ان اختم هذه المساهمة المتواضعة سوف أحاول الإشارة(و سوف نعود مستقبلا للتفصيل في الأمر) لإحدى الإضافات النوعية للرفيق ماوتسي تونغ التي طور بها الماركسية، إنها أساسا نظرية الحرب الشعبية.
إن تناولنا لهذه المسألة ( أي الحرب الشعبية) هو مستمد من التقاليد الإصلاحية الراسخة على طول تجربة طويلة للحركة الشيوعية المغربية، فالنضالات السلمية وأبعادها الايديولوجية ضاربة جذورها بشكل خطير للغاية ( إن الامر وصل ببعض الجذريين!! لإدانة الإرهاب مبدئيا!! ). وهنا أيضا نستحضر أولئك الذين يسخرون من الماركسية، عبدة الكتب الذين يسألون عن محاصرة المدن من القرى.
إن لينين قد قال أن الماركسية تقبل بأكثر أشكال النضال تنوعا، ولا" تخترعها" بل تقتصر على تعميم أشكال نضال الطبقات الثورية، الأشكال التي تنبثق بصورة عفوية في مجرى الحركة بالذات، على تنظيم هذه الأشكال، على بث الوعي فيها"*، "ومن هذه الناحية تتعلم الماركسية، إذا جاز القول، في مدرسة الجماهير العملية، وهي أبعد من أن تدعي تعليم الجماهير أشكال نضال يخترعها " صانعو المناهج" في زوايا مكاتبهم"*
إن ما أفرزته وما راكمته الثورة الصينية أي ثورة الملايين من المستغلين والمستغلات المضطهدين والمضطهدات في هذا المجال يشكل الأساس المادي الذي جعل البروليتاريا تصل إلى مستوى الكشف عن القوانين التي تحكم الحرب، أي تصل إلى تأسيس العلم العسكري وكان ذلك على يد ماو إنها نظرية البروليتاريا في الحرب: أي الحرب الشعبية.
و بالعودة أيضا "لدروس انتفاضة موسكو" التي صاغها لينين خصوصا الدرس الثالث الذي يتعلق "بتكتيك قوانا من اجل الانتفاضة" فكيف أجاب قائد البلاشفة على هذا السؤال ؟ لقد استند لينين في الإجابة على هذا الإشكال على حركة الجماهير، على الوقائع فمنها انطلق ومنها تعلم ـ كباقي الماركسيينـ لكنه أيضا درس هذه الحركية وذلك الإبداع معتمدا على ما راكمته النظرية في هذا الصدد ليعلمها للجماهير، إن انتفاضة موسكو قد دفعت لينين إلى التأكيد قائلا : " لقد كان كاوتسكي على حق حين كتب يقول انه آن الأوان لإعادة النظر في إستنتاجات انجلز* وان موسكو قد أوجدت "تكتيكا جديدا للمتاريس" هذا التكتيك إنما كان حرب الأنصار.
إن تجاوز لينين لاستنتاجات انجلز كان على قاعدة تأكيد إحدى الموضوعات الأساسية لانجلز ذاته : "إن التكتيك العسكري رهن بمستوى التكنيك العسكري فإنجلز هو الذي كرر هذه الحقيقة ووضعها ممضوغة في أفواه الماركسيين"[57] هكذا كتب لينين قائلا.
ليضيف أن التكنيك العسكري لم يبق كما كان عليه في نهاية القرن التاسع عشر، فمن الحماقة مجابهة المدفعية بالجمهور والدفاع عن المتاريس بالمسدسات"[58]
ونتسائل نحن اليوم هل لازال التكنيك العسكري كما كان عليه في بداية القرن العشرين؟ ألم تصاب البرجوازية العالمية بالهستيريا بعد انتصار ثورة أكتوبر وانبثاق أول دولة عمالية على مسرح التاريخ المليء بدروس الصراعات الطبقية؟ وسعت بكل جهدها إلى الرفع من مستوى التكنيك العسكري؟ ألم تعمل ظروف انتقال الرأسمالية من المنافسة الحرة إلى الاحتكار على ارتفاع حدة الصراع بين الإمبرياليات وبذلك عملت هذه الأخيرة على الرفع من مستوى التكنيك العسكري؟
الم توجد الصين والفيتنام .... تكتيكا جديدا للحرب أي للمواجهة العسكرية باعتبارها المحدد الأخير في حسم السلطة السياسية؟
إن الوقائع والتطورات التي عرفها المجال العسكري اكبر بكثير من كل الديماغوجيات المنتشرة في صفوف العديد من مناضلي الحركة الماركسية اللينينية المغربية أو العالمية.
إن طريقة لينين المادية في التعاطي مع الواقع الموضوعي تقف على النقيض من كل السخافات "الكتبية" التي يحاول ـ السادة المنظرين للاستسلام والمهادنة ـ نشرها والدعاية لها.
إن الحرب الشعبية تشكل الشكل الأساسي لتنظيم الجماهير وهي تتقدم نحو الشيوعية عبر دروب ملتوية ومحفوفة بالمخاطر وبالانتصارات والهزائم. إن تأطير الجماهير يجب من هذه الزاوية أن يخضع لخدمة الحرب سواء قبل اندلاعها أو بعد ذلك.
إن هذه المساهمة المتواضعة لا تدعي لنفسها الاطلاقية بل هي مطروحة لاغناء النقاش وتعميق الوعي، مطروحة للنقد والتقويم، عن طريق الصراع الإيديولوجي الايجابي، فبهذا الصراع وبه أساسا تتطور الحركة الشيوعية و تبني وحدة الماركسيين أينما وجدوا. فالتاريخ يتشكل أمام أعين الناس، إلا أنه لا يستوعب إلا بامتلاك الوعي، فهذا الوعي هو الأساس لمعرفة كيفية تغيير الواقع لما فيه مصلحة البروليتارية و الجماهير الكادحة. إن الحاضر الآني يكتب اليوم، صفحات التاريخ الآتي.
خـــالد المهدي
[1] إنجلس: "انتي دوهرينغ".
لينين برنامجنا 1899
[3] ماركس إنجلز :" فيورباخ و نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألماتية" المختارات في أربعة أجزاء. الجزأ الرابع.
[4] و هنا تجدر الإشارة إلى كيف عكس البعض هذه المعادلة، أنظر على الخصوص ورقة "التحاق الشجعان بالقوى السياسية" التي يحيل صاحبها بشكل تعسفي النضال النظري إلى المرتبة الثانية أو الثالثة في حين يحتل عنده الصراع ضد القوى(!!) الحلقة المركزية الأولى في إخراج الحركة من الأزمة الراهنة – وهو بذلك يقدم الدليل على أنه منشفي حتى النخاع. فهل الصراع ضد القوى بذاته ألا يستدعي مباشرة النضال النظري؟
[5] و هنا بيت القصيد. فغيابه على الصعيد العام لا يمنع من خلقه على العديد من الأصعدة الخاصة.
[6] فكم من الديماغوجيين كانوا يختفون خلف قناع الماركسية و قد كشفت الأوضاع عن طينتهم بكل جلاء منهم من اتضحت ديماغوجيته إلى أبعد الحدود و منهم من اتضح أنه رضع من حليب الخيانة إذا لم يكن شيء آخر أكثر تقززا. و التاريخ قدم و سوف يقدم بكل تأكيد المزيد من التوضيح.
[7] . لينين: "ما العمل؟"
[8] و هنا طبعا نتحدث عن من يتعاطى بشكل شريف مع القضايا المصيرية للشعب المغربي أما أولئك الذين يهاجمون استحضار واقع الركة الشيوعية فلا لشيء إلا ليخفوا تخندقهم وراء أممية" حزب العمال البلجيكي الإنتهازي...
[9] لينين: " ما العمل؟" ص262
[10] * هناك من يربط وجود الماركسية بوجود الطبقة العاملة على اعتبار أن الماركسية هي إيديولوجية الطبقة العاملة، وهو على كل حال امر صحيح من زاوية ان الماركسية لم تكن لتظهر لولا وجود الطبقة العاملة، لكن الماركسية منهج للتغيير و نسيان ذلك يعني نسيان أن الطبقة العاملة في تحريرها لنفسها تحرر الانسانية جمعاء، نسيان أن الثابت في الماركسية هو الثابت في الوجود، أي التطور، الحركة، تدمير القديم وبزوغ الجديد.
لينين: المادية ونقد المذهب التجريبي ص 322-32
[11] لينين: المادية ونقد المذهب التجريبي ص 322-323
[12] لينين :"المادية ونقدالمنهج التجريبي" (ص:323 ).
[13] لينين: نفس المرجع (صفحة: 335 ).
[14] لينين: نفس المرجع.(صفحة: 343 ).
[15] لينين: نفس المرجع.(صفحة:468 ).
[16] لينين: نفس المرجع.(صفحة:468 .
[17] إنجلس انتي دوهرينغ.
[18] إنجلس انتي دوهرينغ.
[19] [19] لينين: نفس المرجع.(صفحة: 343 ).
[20] إنجلس: "انتي دوهرينغ".
[21] فال لينين بمناسبة الذكرى الرابعة لثورة أكتوبر أي سنة 1921 أن ثورة أكتوبر شكلت "البدء ...بعهد جديد في التاريخ العالمي، عهد سيطرة طبقة جديدة"( التسطير أصلي)
[22] غالبا ما يتحفنا بعض المتمركسين و خصوصا منهم التروتسكيين بالعودة إلى ماركس، لكن ليس لتأصيل الإجابة بل لمجرد الهروب من رؤية الجديد الذي يتولَّد من القديم ، للهروب من الإعتراف بفشل و إفلاس مشروعهم النظري و السياسي. و هذا بالتحديد هو سر" تشبثهم اللفظي " بضرورة العودة إلى ماركس.
* .لقد نعت لينين مفهوم الثورة الدائمة لدى تروتسكي بقوله لدى تقييمه بترونسكى بأنه صاحب "..."الثورة الدائمة" اليسارية الخرقاء.." -لبنبن: حول الوحدة.. . كما وصفها الرفيق ماو "بنظربة عدم القيام بالثورة"ماو: "حول الديمقراطية الجديدة"
[23] . انجلز: "لودفيغ فيورباخ و نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية"، ص52.
[24] .انجلز: نفس المرجع السابق، ص 42.
[25] . ماو
[26] . انجلز: نفس المرجع السابق، ص 53.
* . إن اليابان تلك الأرخبيلات التي أصبح اسمها مرفوقا بالزلازل، تعتبر من أكثر الدول تقدما في اختراع التقنيات و تشييد المنازل المضادة للهزات الأرضية.
[27] . انجلز: أنتي دوهرينغ.
[28] . لينين: "الرأسمالية في الزراعة" ص 93.
[29] .ماو تسي تونغ :"الحزب الشيوعي و الثورة الصينية"
[30] .ماو تسي تونغ :" الديمقراطية الجديدة"
[31] .ماو تسي تونغ :" الديمقراطية الجديدة" ص: 480
[32] نفس المرجع وص:486.
[33] نفس المرجع وص:486
[34] . لينين: "الديمقراطية والشعيية في الصين" المجلد 21.
[35] نفس المرجع وص:486
[36] نفس المرجع وص:486
[37] . ماو نفس المرجع.
[38] نفس المرجع وص:480
[39] نفس المرجع وص:480
[40] لينين: "المغزى التاريخي للصراع الحزبي في روسيا" ص:128.
[41] .لينين: "كمونة باريس و مهام الديكتاتورية الديمقراطية"
[42] . و أضع كلمة ماوية بين قوسين لا لشيء إلا لأن مضمونها لازال عندنا نحن المغاربة غير مدقق و غير موحد.
[43] لينين :المجلس العام لعامة روسيا للحزب الشيوعي (البلشفي) الروسي .ص:208
[44] لينين:"بمناسبة الذكرى الرابعة لثورة أكتوبر"ص:ً224
[45] لينين:"بمناسبة الذكرى الرابعة لثورة أكتوبر"ص:
[46] . أنظر رسالة لينين إلى الرفاق الجورجيين
[47] - مأخودة من مقال " ثورة أكتوبر والمسالة القومية " تأليف ستالين
[48] . حديث ستالين حول المسألة القومية، مؤخود من مقال "حول الديمقراطية الجديدة لماو"
[49] لينين:" تقرير في المؤتمر الثاني لعامة روسيا و للمنظمات الشيوعية لشعوب الشرق".
لينين: ضد الانتهازية اليمينية ..ص512
[51] . أنظر هنا خ ص : "دفاعا عن الثورة الصينية اتحادات الفلاحين بخونان و سوفييتات نواب العمال في موسكو منطلقات واحدة و أهداف واحدة"
[52] لينين بصدد كرامة الروس القومية
[53] لينين
* لينين: "خطاب بمناسبة الذكرى الرابعة بثورة أكتوبر"
* لينين حول الديالكتيك ص 467 من كتاب المادية و نقد المنهج التجريبي.
* لينين حول الديالكتيك
[54] . و كم هي راسخة هذه النظرية الانتهازية لدى التحريفية ببلادنا
لينين " حول الإخلال بالوحدة المتستر بالصراخ عن الوحدة . [55]
[56] .لينين: "بصدد مقالة –أضواء على المسائل المباشرة-"
لينين حرب الانصار*
لينين حرب الانصار *
المقصود هنا مقدمة انجلز لكتاب ماركس "الصراعات الطبقية في فرنسا" التي كتبها سنة 1895 ونشرها الالمان بشكل مشوه تم فسروها بمعنى *
التخلي عن الانتفاضة و القتال خلف المتاريس
لينين :دروس انتفاضة موسكو ص 39 [57]
.لينين .نفس المرجع [58]